محرقة الرصافة: عندما تتلاعب السياسة بأصوات الناخبين
مسلم عباس
2018-06-12 05:49
عملية حرق مخازن مفوضية الانتخابات العراقية في بغداد الأحد (10 حزيران 2018)، بعيد ساعات قليلة من فرض مجلس القضاء الأعلى في البلاد وصايته على مفوضية الانتخابات والإعلان عن انتداب قضاة لبدء عملية العد والفرز يدويًا لنتائج الانتخابات في عموم مدن البلاد، وضعت الأزمة السياسية في العراق على حافة منحدر جديد.
وتباينت التصريحات من مكان الحادث بين من يقول أن حريق مخازن المفوضية أتى على عدد كبير من صناديق الاقتراع بما فيها من أوراق انتخابية تتعلق بأصوات الناخبين من رصافة بغداد ومناطق شرق العاصمة والتصويت الخاص وتصويت السجناء ونزلاء المستشفيات والنازحين فضلا عن احتراق أجهزة التحقق الإلكتروني، بينما ينفي اخرون هذه المعلومات، لكن الامر الأكيد ان العملية الديمقراطية برمتها في دائرة الخطر، كما ان مهمة القضاء في التحقق من تزوير الانتخابات تزداد صعوبة في العاصمة بغداد.
قطعت ألسنة اللهب حديث التوقعات السياسية في العراق، وغطت على تخمينات التحالفات السياسية والبرلمانية، ولئن تمكنت فرق الدفاع المدني من إخماد النيران فقد غطت غمامة أخرى من دخان الجدل والالتباس على المشهد العراقي برمته في ظل حالة استقطاب وتنازع تصاعدت بعد الانتخابات الأخيرة.
وجاء الحريق في ظل تشكيك متنام من أطراف سياسية في نتائج الانتخابات، وتأكيدات رسمية على حصول عمليات تزوير، ودعوات متصاعدة لإعادة فرز الأصوات، وهو ما ألقى مزيدا من الشكوك بشأن حادثة الإحراق وطبيعة الجهة أو الجهات التي تقف خلفها، وما الذي أرادت إخفاءه تحديدا؟ تساؤلات طرحتها وسائل اعلام عراقية وعربية.
حقيقة الحادثة
وزير الداخلية قاسم الأعرجي قال أن الحريق الذي اندلع بأكبر مخازن صناديق اقتراع الانتخابات "متعمد"، وذلك بعدما اعتبر رئيس الوزراء حيدر العبادي الحريق "مخططا لضرب البلد"، في حين دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر جميع السياسيين إلى الكف عن الصراع.
وردا على سؤال حول التحقيقات بشأن الحريق الذي اندلع أمس ببغداد، قال الأعرجي للصحفيين إن الحريق تم بفعل فاعل، مشيرا إلى أنه يتابع التحقيق شخصيا مع فريق الأدلة الجنائية واللجنة التحقيقية الخاصة بالحادث.
من جانبه أعلن مجلس القضاء الأعلى توقيف أربعة متهمين بحرق مخازن مفوضية الانتخابات التي ضمت صناديق اقتراع في العاصمة بغداد.
وقال المتحدث باسم المجلس عبد الستار بيرقدار في بيان الاثنين إن "محكمة تحقيق الرصافة قررت توقيف أربعة متهمين بجريمة حرق مخازن مفوضية الانتخابات في الرصافة، ثلاثه منهم من منتسبي الشرطة والآخر موظف في مفوضية الانتخابات".
وأضاف أن مجلس القضاء الأعلى "يكرر تحذيره لكل من تسول له نفسه التلاعب بالوثائق الخاصة بالانتخابات إذ سوف تتخذ أقصى العقوبات بحقه".
إخفاء الجريمة
واتهم رئيس لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحقيق في التلاعب بنتائج الانتخابات، عادل النوري، الاثنين، اعضاء في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالوقوف وراء الحريق "المفتعل" الذي طال احد مخازن المفوضية.
وقال نوري في تصريح اوردته صحيفة "العربي الجديد" إن "الحريق مفتعل ومن فعله أعضاء من داخل المفوضية التي تم تجميد عملها"، مبينا أن "المجرمين والمزورين أحرقوا آثار جريمتهم، جريمة تزويرهم لأننا نعلم والله يعلم قبلنا أن النتائج غير واقعية ومزورة، لذا قاموا بحرق الصناديق".
وأضاف نوري، أن "هذه الجريمة ليست جريمة عابرة بل فضيحة ويجب ملاحقتها"، مطالبا رئيس الوزراء والقضاء بـ"التعامل مع الموضوع كملف سيادي ومهدد للأمن الوطني والعملية السياسية بالعراق ككل".
عدد الأصوات المفقودة
وكشف رئيس مفوضية الانتخابات الاسبق عادل اللامي، الاثنين، عن تضرر 5 % من صناديق الاقتراع في جانب الرصافة جراء الحريق مخازن المفوضية، مشيرا إلى أن مجموع الاصوات الموجودة في المخازن تعادل 23 مقعدا.
وقال اللامي في تصريح صحفي إنه "بحسب مصادر في مفوضية الانتخابات فان 95% من الصناديق في جانب الرصافة هي سالمة جراء الحريق الذي التهم مخازن المفوضية". مبينا أن "تضرر 5% من الصناديق نسبة ضئيلة ولن تؤثر كثير على نتائج الانتخابات".
وأضاف، أن "المخازن تحتوي على ما يقارب مليون و200 الف صوت اي ما يعادل 23 مقعدا نيابيا"، مشيرا إلى أنه "في حال ثبوت حصول ضرر اكبر للصناديق سيتم إعادة الانتخابات في جانب الرصافة فقط".
وبشأن المدة المحددة لانجاز العد والفرز يدويا أكد اللامي أن "عملية العد والفرز ستكتمل خلال يوم واحد وستدقق في اليوم التالي ومن ثم إعلان النتائج النهائية بعد 3 أيام فقط".
ثلاثة خيارات
الخبير القانوني طارق حرب، قال بان ثلاث خيارات قانونية مطروحة لخروج من ازمة الانتخابات بعد حريق صناديق الاقتراع اثنان من صلاحية المفوضية وثالثهما مرتبط بالبرلمان.
وقال حرب في تصريح أوردته وكالة المعلومة انه "بعد قرار البرلمان بإعادة العد والفرز اليدوي بات الأمر محتوم لا مناص منه وتم تعيين قضاة ، الا ان حريق صناديق الاقتراع يعرقل قرار العد والفرز اليدوي".
وأضاف "توجد ثلاثة خيارات قانونية بعد حادثة الحريق للمضي بنتائج الانتخابات"، مشيرا الى ان "الخيار الأول استبعاد نتائج انتخابات الرصافة وإكمال العد والفرز اليدوي لبقية المحافظات وهو من صلاحيات المفوضية".
وتابع ان "الخيار الثاني هو إعادة الانتخابات في جانب الرصافة فقط وهو من صلاحية المفوضية فيما يكون الخيار الثالث من صلاحية مجلس النواب بإعادة الانتخابات برمتها ودمجها مع مجالس المحافظات في الثاني والعشرين من كانون الأول المقبل".
ردود أفعال سياسية
وقبل ذلك اعتبر العبادي أن الحريق كان "مخططا لضرب البلد ونهجه الديمقراطي"، وأمر الأجهزة الأمنية بفتح تحقيق وتشديد الحراسة على مخازن صناديق الاقتراع، متوعدا بملاحقة "العصابات الإرهابية التي تحاول العبث بالأمن والانتخابات".
أما رئيس مجلس النواب سليم الجبوري فدعا إلى إعادة الانتخابات التشريعية، لكن رئيس اللجنة العليا المستقلة للانتخابات رياض البدران أكد أن الصناديق التي تحتوي على بطاقات الاقتراع سليمة.
من جهته، اعتبر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بيان أن العراق بات "في خطر" على خلفية تصاعد وتيرة الجدل بشأن الانتخابات ونشوب الحريق، مضيفا "أما آن الأوان لإيقاف الاحتلال والنفوذ الخارجي، والمفخخات والتفجير والإرهاب، والصراعات والاغتيالات".
ودعا الصدر قادة الكتل السياسية إلى الكف عن الصراع من أجل السلطة، والالتفات إلى مصالح البلاد، متحدثا عن امتلاء العراق بالفقراء والمظلومين والجرحى والأرامل والمعاقين، وعن نقص الماء والكهرباء وتدهور البنى التحتية والخدمات والأمن.
تأجيل مفاوضات تشكيل الحكومة
وبشان مفاوضات تشكيل الحكومة وتاثرها حريق الرصافة، قال عضو الوفد المفاوض بالحزب الديمقراطي الكردستاني شوان طه في تصريح أوردته وكالة "المعلومة" إن "رئاسة مجلس النواب كانت جزءا من الأزمة وليس الحل كونها ساهمت في خلط الأوراق وإعادة العملية الانتخابية إلى مربعها الأول بعد قرار إعادة الفرز يدويا".
وأضاف أن "الوفد التفاوضي سيؤجل مباحثاته إلى ما بعد العيد وإنهاء عمليات العد والفرز اليدوية والإعلان عن النتائج النهائية كون جميع الكتل السياسية منشغلة بأزمة الحريق الذي نشب في مخازن المفوضية".
وتابع طه ان "رؤساء الكتل السياسية لا يمكنهم فتح أي مباحثات حقيقية دون حسم الخلافات بين مجلس النواب ومفوضية الانتخابات ومجلس القضاء الأعلى وإعلان النتائج النهائية للكتل".
لا حكومة بدون انتخابات حرة
وعلى نفس خط حزب البرزاني اعتبر نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي خلال لقاءه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، الاثنين، تشكيل الحكومة من دون معالجة التلاعب بالانتخابات بأنه "أمر مرفوض".
واكد المالكي في بيان على "ضرورة إجراء إصلاحي للعملية التي اقترنت بالتزوير والتلاعب بالنتائج بحيث يكون منسجم مع القانون ويرضي جميع الأطراف"، مبيناً أن "تشكيل الحكومة من دون معالجة حالة التلاعب التي رافقت الانتخابات أمر مرفوض ولا يَصْب في مصلحة العملية السياسية".
وأعرب عن "استعداد ائتلاف دولة القانون الالتزام بما تتفق عليه القوى الوطنية من حلول للازمة، رغم الضرر الذي تعرض له من جراء عملية التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات".