في قرية بميانمار: النهب والحرق أولا ثم القتل
وكالات
2018-02-11 04:10
شاهد الرجال العشرة من الروهينجا وهم مكبلون معا جيرانهم من البوذيين يحفرون القبر. وعقب ذلك في صبيحة الثاني من سبتمبر أيلول كان العشرة يرقدون جثثا هامدة، قال اثنان ممن شاركوا في حفر القبر إن اثنين من العشرة على الأقل لفظا أنفاسهما الأخيرة طعنا بالسكاكين والسيوف على أيدي بعض القرويين البوذيين. أما الباقون فقتلهم الجنود بالرصاص.
كانت أحداث القتل هذه بمثابة فصل آخر من فصول العنف التي اجتاحت ولاية راخين في شمال ميانمار، ويتهم الروهينجا الجيش بحرق بيوتهم واغتصاب نسائهم وإعمال القتل فيهم. وقد قالت الأمم المتحدة إن الجيش ربما ارتكب جريمة الإبادة الجماعية. وتقول ميانمار إن ”عملية التطهير“ التي نفذها الجيش رد مشروع على هجمات شنها متمردون، يقول الروهينجا إن جذورهم تضرب في أرض ولاية راخين منذ مئات السنين. لكن أغلب الناس في ميانمار التي يغلب البوذيون على سكانها يعتبرونهم مهاجرين مسلمين غير مرغوبين من بنجلادش، ويشير الجيش إلى الروهينجا بلفظ البنغاليين وأغلبهم لا يحمل الجنسية. وفي السنوات الأخيرة قيدت الحكومة إقامة أكثر من 100 ألف من الروهينجا في مخيمات لا يحصلون فيها على كفايتهم من الغذاء والدواء والتعليم.
وقد فر ما يقرب من 690 ألفا من أبناء الروهينجا من بيوتهم وقراهم وعبروا الحدود إلى بنجلادش منذ أغسطس آب، وقامت رويترز بتجميع تفاصيل ما حدث في الأيام التي سبقت أعمال القتل في قرية إن دين مستعينة وللمرة الأولى بمقابلات مع قرويين بوذيين اعترفوا بإشعال النار في بيوت الروهينجا ودفن جثثهم بل وبقتل مسلمين.
كما يمثل هذا التقرير المرة الأولى التي تورط فيها شهادة بعض رجال الأمن جنودا من الجيش وقوات من الشرطة شبه العسكرية في الأحداث، وتوضح ثلاث صور حصلت عليها رويترز من أحد الأعيان البوذيين في القرية اللحظات المهمة من اعتقال الجنود للرجال العشرة في الساعات الأولى من مساء الأول من سبتمبر أيلول حتى إعدامهم بعد الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي بقليل، وكان هذا التحقيق الذي أجرته رويترز هو ما حدا بسلطات الشرطة إلى اعتقال اثنين من الصحفيين العاملين بالوكالة هما وا لون وكياو سوي أو في 12 ديسمبر كانون الأول بدعوى الحصول على وثائق سرية تتعلق بولاية راخين.
وفي العاشر من يناير كانون الثاني أصدر الجيش بيانا أكد فيه بعض ما كانت رويترز تتأهب لنشره فاعترف بأن عشرة من الرجال الروهينجا قتلوا في مذبحة وقعت في قرية إن دين، غير أن رواية الجيش لما دار من أحداث تناقضها في جوانب مهمة روايات حصلت عليها رويترز من شهود من البوذيين ومن المسلمين الروهينجا في راخين.
قال الجيش إن العشرة ينتمون إلى مجموعة من ”200 إرهابي“ هاجموا قوات الأمن. لكن بعض البوذيين من أهل القرية قالوا في مقابلات أجرتها رويترز معهم لهذا التقرير إنه لم يقع هجوم من جانب عدد كبير من المتمردين على قوات الأمن في القرية.
وقال شهود من الروهينجا لرويترز إن الجنود اختاروا العشرة من بين مجموعة من الروهينجا كانت قد لجأت إلى أحد الشواطيء القريبة طلبا للأمن، وكشفت عشرات المقابلات مع أهالي القرى من البوذيين في راخين وجنود وقوات من الشرطة شبه العسكرية والروهينجا ومع مسؤول إداري محلي عما يلي:
- قال قرويون من البوذيين إن رجال الجيش والشرطة شبه العسكرية قاموا بتنظيم السكان البوذيين في إن دين وقريتين أخرين على الأقل لحرق بيوت الروهينجا.
- قال ثلاثة ضباط من الشرطة شبه العسكرية وضابط رابع من الشرطة في وحدة استخبارات بالعاصمة الإقليمية سيتوي إن أمرا ”بتطهير“ التجمعات السكنية للروهينجا في إن دين صدر من الجيش ونقل عبر القيادات المختلفة.
- قال المسؤول الإداري البوذي وأحد ضباط الشرطة شبه العسكرية إن بعض أعضاء الشرطة شبه العسكرية قاموا بنهب ممتلكات الروهينجا بما فيها أبقار ودراجات نارية من أجل بيعها.
وسئل زاو هتاي المتحدث باسم الحكومة عما كشفت عنه رويترز من أدلة عن المذبحة فقال ”نحن لا ننكر ما يقال عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان. ونحن لا ننفي كل شيء جملة وتفصيلا، وأضاف أنه إذا كانت هناك ”أدلة أولية قوية وموثوقة“ عن حدوث انتهاكات فسوف تقوم الحكومة بالتحقيق فيها. وقال ”ثم إذا وجدنا أن الأدلة صحيحة والانتهاكات قد حدثت فسنتخذ الإجراءات الضرورية وفقا لقوانيننا السارية“.
وعندما تم إبلاغه بأن ضباط الشرطة شبه العسكرية قالوا إنهم تلقوا أوامر ”بتطهير“ تجمعات الروهينجا السكنية في إن دين قال ”علينا أن نتحقق من صحة ذلك. علينا أن نسأل وزارة الشؤون الداخلية وقوات شرطة ميانمار“.
وسئل عن ما قيل عن قيام ضباط من الشرطة شبه العسكرية بالنهب فقال إن الشرطة ستحقق في الأمر، وأبدى المتحدث دهشته عندما قيل له إن قرويين من البوذيين اعترفوا بحرق بيوت الروهينجا، ثم أضاف ”نحن ندرك أن هناك الكثير والكثير من المزاعم المختلفة. لكننا بحاجة للتحقق ممن ارتكبها. وهذا صعب جدا في الوضع الحالي“.
ودافع زاو هتاي عن عملية الجيش في راخين فقال ”المجتمع الدولي بحاجة لفهم من ارتكب الهجمات الإرهابية الأولى. لو أن هذا النوع من الهجمات الإرهابية حدث في دول أوروبية أو في الولايات المتحدة، في لندن أو نيويورك أو واشنطن فما الذي كانت وسائل الإعلام ستقوله؟“.
انقلاب الجار على جاره
بدأت الأحداث تتكشف في 25 أغسطس آب عندما هاجم متمردون من الروهينجا مواقع للشرطة وقاعدة للجيش في شمال ولاية راخين. ولجأ عدة مئات من أهل قرية إن دين من البوذيين إلى أحد الأديرة خوفا على حياتهم.
في 27 أغسطس آب وصل حوالي 80 جنديا من فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين في جيش ميانمار إلى القرية، وقال خمسة من أهل القرية من البوذيين إن ضابط الجيش المسؤول قال لهم إن بوسعهم التطوع للمشاركة في العمليات الأمنية. ووجد أن بعضهم على استعداد للمشاركة من بين أفراد ”المجموعة الأمنية“ البوذية في القرية وذلك كما أوضح عدد من أعضاء هذا التنظيم وأفراد من أهل القرية.
وقال أكثر من عشرة من السكان البوذيين إن جنود الجيش والشرطة والقرويين البوذيين أحرقوا في الأيام التي تلت ذلك أغلب البيوت الخاصة بالمسلمين الروهينجا في إن دين، وقال أحد ضباط الشرطة إنه تلقى أوامر شفهية من قائده ”بالذهاب وتطهير“ المناطق التي يعيش فيها الروهينجا وأنه فهم أن ذلك معناه حرقها. ووصف ضابط ثان في الشرطة كيف شارك في عدة غارات على قرى تقع إلى الشمال من إن دين، وقال ضابط الشرطة الثاني وكذلك ماونج ثين تشاي المسؤول الإداري البوذي في قرية إن دين إن قوات الأمن كانت ترتدي قمصانا مدنية وسراويل قصيرة للاندماج وسط القرويين.
وأبلغ سكان بوذيون رويترز أن قرويين من البوذيين استولوا بعد فرار الروهينجا على ممتلكاتهم بما في ذلك الدواجن والماعز. غير أن الممتلكات الثمينة وأغلبها دراجات نارية وماشية استولى عليها قائد الكتيبة الأمنية الثامنة بالشرطة وباعها على حد قول ضابط الشرطة الأول والمسؤول الإداري في القرية.
وفي اتصال هاتفي امتنع هذا القائد واسمه ثانت زين أو عن التعليق. وقال الكولونيل ميو ثو سوي المتحدث باسم الشرطة إن الشرطة ستحقق فيما قيل عن أعمال النهب، بحلول الأول من سبتمبر أيلول كان عدة مئات من الروهينجا من قرية إن دين قد انتقلوا التماسا للمأوى إلى شاطيء قريب حسبما قال شهود، وكان من بينهم الرجال العشرة الذي كان القتل مصيرهم. كان خمسة منهم صيادين أو بائعي أسماك وكان لاثنين منهم متاجر وكان اثنان طالبين والأخير مدرس للدين الإسلامي، وقال شهود من الروهينجا إن مدرس الدين الإسلامي واسمه عبد الملك كان قد عاد إلى القرية للحصول على بعض الطعام والخيزران لإقامة مأوى. وعندما رجع إلى الشاطيء تبعه سبعة جنود على الأقل وقرويون مسلحون من البوذيين. وقال الشهود إن الجنود ظهروا بعد ذلك واختاروا الرجال العشرة من الروهينجا.
وتبين صورة من الصور الثلاثة الرجال العشرة جاثين على ركبهم على طريق في القرية. وقال القرويون البوذيون إن العشرة نقلوا في الثاني من سبتمبر أيلول إلى قطعة أرض متربة قرب مقبرة حيث التقطت صورة لهم مرة أخرى.
وقال أحد الأعيان في راخين إن أفراد الأمن سألوا العشرة عن اختفاء مزارع محلي من البوذيين اسمه ماونج ني، وقال عدد من البوذيين والروهينجا من أهل القرية لرويترز إنهم ليس لديهم أي دليل يربط الرجال العشرة باختفاء المزارع، وقال ثلاثة شهود من البوذيين إنهم ظلوا يراقبون الأحداث بينما قاد الجنود الأسرى العشرة نحو موقع إعدامهم.
أحد المشاركين في حفر القبر وهو الجندي سوي تشاي قال إن ضابط الجيش المسؤول عن الفرقة دعا أبناء المزارع ماونج ني لتوجيه أول ضربات، وقال سوي تشاي إن الابن الأول ذبح مدرس الدين الإسلامي عبد الملك وفصل جسده عن رأسه. وضرب الابن الثاني عنق رجل آخر بآلة حادة، وسلم أحد الكبار في ولاية راخين لصحفيين من رويترز صورة تبين المشهد بعد عملية القتل. وقال مبررا سبب اختياره نقل هذه المعلومات لرويترز ”أريد الشفافية في هذه القضية. فلا أريد أن يحدث مثل ذلك في المستقبل“.