مدراس الإرهاب: إندونيسيا مصنع تجنيد أطفال داعش

عبد الامير رويح

2017-09-12 04:10

كان حتف سيف الرسول يبلغ من العمر 11 عاما عندما قال لوالده المتشدد الإسلامي المسجون إنه يريد أن يترك الدراسة ويذهب إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، روى الأب سيف الأنام في مقال من 12 ألف كلمة عن ابنه والدين الإسلامي نشر على الإنترنت أن ذلك حدث خلال زيارة الصبي لوالده في سجن يخضع لحراسة مشددة خلال عطلة من مدرسة ابن مسعود الإسلامية الداخلية، وكتب الأب يقول ”في البداية لم أرد عليه واعتبرتها مزحة من طفل، لكن الأمر اختلف عندما أبدى حتف استعداده مرة تلو المرة“. بحسب رويترز.

وقال حتف لأبيه إن بعض زملائه ومدرسيه في مدرسة ابن مسعود ذهبوا للقتال في صفوف الدولة الإسلامية ”واستشهدوا هناك“، ووافق سيف الأنام على سفر الابن مشيرا في مقاله إلى أن المدرسة يديرها ”رفاق يشاركوننا عقيدتنا“، وسافر حتف إلى سوريا مع مجموعة من الأقارب عام 2015 وانضم إلى مجموعة من المقاتلين الفرنسيين. وقد تحدثت رويترز مع ثلاثة مسؤولين إندونيسيين يعملون في مجال مكافحة الإرهاب فأكدوا أن الصبي سافر إلى سوريا.

وإندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان. وأغلب سكانها من المسلمين المعتدلين، غير أنها شهدت اتجاها تصاعديا في الآونة الأخيرة في انتشار الأفكار المتشددة وتعتقد السلطات أن الدولة الإسلامية لها أتباع يتجاوز عددهم 1200 فرد في إندونيسيا في حين أن حوالي 500 إندونيسي سافروا للانضمام لصفوف التنظيم في سوريا، ومن خلال وثائق قضائية وأوراق رسمية ومقابلات مع مسؤولين عن مكافحة الإرهاب ومتشددين سابقين توصلت رويترز إلى أن حتف كان واحدا من 12 فردا على الأقل من مدرسة ابن مسعود سافروا إلى الشرق الأوسط للقتال في صفوف الدولة الإسلامية أو حاولوا السفر بين عامي 2013 و2016، وكان ثمانية منهم من المدرسين وأربعة من التلاميذ.

وأوضحت شرطة مكافحة الإرهاب ووثائق محاكمات لمتشددين صدرت عليهم أحكام أن 18 شخصا آخر على الأقل تربطهم صلات بالمدرسة أدينوا أو ألقي القبض عليهم بتهم تدبير مؤامرات وشن هجمات في إندونيسيا من بينها ثلاثة من أسوأ الهجمات التي وقعت في البلاد في العشرين شهرا الأخيرة، ونفى جمادي المتحدث باسم مدرسة ابن مسعود أن المدرسة تؤيد تنظيم الدولة الإسلامية أو أيا من الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى أو يتم فيها تدريس أفكار دينية متشددة تدعو إلى العنف.

وابن مسعود واحدة من حوالي 30 ألف مدرسة إسلامية داخلية تنتشر في مختلف أنحاء إندونيسيا، وأغلب هذه المدارس يعلم التلاميذ الدين الإسلامي وموضوعات أخرى غير أن مسؤولي الشرطة والحكومة في إندونيسيا يقولون إن عددا قليلا منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة له صلات بالتطرف ويعمل كمراكز للتجنيد.

ليست مجال عملنا

بدأت مدرسة ابن مسعود نشاطها قبل حوالي عشر سنوات، وعزا عرفان إدريس رئيس برنامج تغيير الأفكار المتشددة في الوكالة الوطنية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب في إندونيسيا عدم اتخاذ إجراءات ضد هذه المدارس إلى ضعف القوانين والبيروقراطية، وقال لرويترز ”هي في الأساس ليست مجال عملنا بل وزارة الشؤون الدينية. وقد قلنا للوزارة عندكم مشكلة في ابن مسعود“.

وسئل قمر الدين أمين المدير العام للتعليم الإسلامي بوزارة الشؤون الدينية في إندونيسيا عن الصلات التي تربط المدرسة بالمتطرفين والسبب في عدم إغلاقها فقال إن ابن مسعود لم تسجل نفسها قط كمدرسة إسلامية داخلية، وأكد جمادي أن المدرسة ليست مسجلة لدى الوزارة، وقال أمين إن الحكومة المحلية ”طلبت تفسيرا لوضع الدراسة بالمدرسة لكنها لم تتلق ردا“.

وأكد جمادي ما جرى من مناقشات في الآونة الأخيرة مع مسؤولي الحكومة المحلية عما تقوم المدرسة بتدريسه. وقال ”ليس لدينا منهج دراسي“ وذلك في إشارة إلى التركيز على تحفيظ القرآن، وقال ”نحن نركز على التحفيظ والحديث. نعلم التلاميذ اللغة العربية والدين وتاريخ الإسلام“، وقال جمادي إن حتف درس في مدرسة ابن مسعود لكنه لا يعلم شيئا عن الظروف التي ترك فيها المدرسة، وقال إنه لا يعلم شيئا عن سفر أي من العاملين أو التلاميذ إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية باستثناء اعتقال ثلاثة مدرسين وتلميذ في سنغافورة العام الماضي.

وأخبر اثنان من مسؤولي مكافحة الإرهاب رويترز أن تلميذا سابقا تم ترحيله من العراق في أغسطس آب يدعى مستناه أبلغ الشرطة أن عددا من التلاميذ السابقين في مدرسة ابن مسعود سافروا إلى سوريا، تقع المدرسة على سفوح جبل سالاك، وهو بركان خامل، في قرية سوكاجايا على مسافة 90 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة الإندونيسية جاكرتا. والمدرسة عبارة عن مجمع متداع من الفصول الدراسية وعنابر النوم والمصليات يسع ما يصل إلى 200 تلميذ من المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

ودخل فريق من رويترز المدرسة في يونيو حزيران غير أنه لم يسمح له بالتجول فيها وطلب منه المسؤولون في نهاية الأمر مغادرة المدرسة، وبداخل مسجد يشكل جزءا من المجمع شوهد عدد من الصبية الصغار يرتدون سترات وأغطية رأس عربية جالسين في دائرة ممسكين بالمصاحف وهم يبتسمون ويتململون في جلستهم في انتظار دروسهم، حارس يقف عند مدخل مدرسة ابن مسعود في بوجور بإندونيسيا يوم 19 يوليو تموز 2017 – رويترز، وفي فناء كانت بنات صغيرات تجرين هنا وهناك. وبدا أن أعمارهن لا تتجاوز الخامسة أو السادسة وهن يرتدين الحجاب.

الحرب في سبيل الدين

في مقطع فيديو شاهده فريق رويترز وتم سحبه بعد ذلك من على يوتيوب يتحدث مدير المدرسة ماسياهادي عن التزام المؤسسة بالسلفية التي تحث أتباعها على الاقتداء بالصحابة والالتزام بالشريعة الإسلامية، ويقول ماسياهادي في المقطع ”تضمن مدرسة ابن مسعود أن ينشغل الأطفال المسلمون بجهود لفهم الدين الفهم الصحيح حتى يصبحوا جيلا يفهم الدين ويحارب في سبيل الدين“.

وسئل جمادي عما إذا كان القتال في سبيل الدين ينطوي على رفع السلاح فقال ”الأمر يستلزم مزيدا من المناقشة للرد على هذا السؤال“ ثم رفض مواصلة الحديث، وتبين وثائق قدمت في المحكمة أن ابن مسعود تأسست عام 2007 في ديبوك إحدى ضواحي جاكرتا على يدي أمان عبد الرحمن رجل الدين المسجون وهو من كبار الفقهاء في الدين الإسلامي في إندونيسيا، ويذكر سند تأسيس المؤسسة التي تدير مدرسة ابن مسعود أسماء ثلاثة أشخاص بين مديريها دخلوا السجن مع عبد الرحمن بتهمة إقامة قاعدة لتدريب المتطرفين في إقليم أتشيه الإندونيسي عام 2009.

وقال سفيان تساوري المتطرف السابق لرويترز إنه قدم تبرعات للمدرسة وإن المدرسة ”لأولاد الإخوان“ من أجل الدراسة وإنها تعمل أيضا كمركز لمخابئ الإسلاميين الهاربين من السلطات، وأوضحت الوثائق القضائية المرتبطة بمحاكمات عبد الرحمن والمديرين الثلاثة للمؤسسة في أتشيه أن دولماتين، الذي خصصت السلطات مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار للقبض عليه لدوره في تفجيرات منتجع بالي عام 2002 التي سقط فيها 202 قتيل، كان يصلي في مدرسة ابن مسعود أثناء فترة هروبه.

رسم توضيحي يبين كيفية ارتباط المتشددين الذين يسافرون من إندونيسيا إلى سوريا بمدرسة ابن مسعود الإسلامية الداخلية بإندونيسيا وارتباطهم برجل الدين المتشدد المسجون أمان عبد الرحمن

وقد قتلت الشرطة دولماتين عام 2010، وبعد المحاكمات انتقلت مدرسة ابن مسعود من ديبوك عام 2010 لكنها واجهت مشاكل في موقعها الحالي أيضا عندما حاول مدرس إشعال النار في حبل من الأعلام رفعه البعض احتفالا بيوم الاستقلال في إندونيسيا الذي يوافق 17 أغسطس آب، وأكدت الشرطة وأهل القرية ذلك الحادث.

وقال وحي الدين سوماردي رئيس القرية إن الناس في المنطقة يتشككون فيما يدور في المدرسة من أنشطة، وقال لرويترز في يوليو تموز ”في كل مرة يقع فيها حادث إرهابي في مكان آخر تأتي السلطات. أنا غير مستريح للوضع كله“، وبعد شكاوى من القرويين طلبت السلطات المحلية من مدرسة ابن مسعود الانتقال بحلول 17 سبتمبر أيلول غير أن جمادي قال هذا الأسبوع إن المدرسة تتفاوض من أجل البقاء، وأضاف أن المدرسة قد تبحث عن موقع جديد إذا اضطرت للانتقال.

المجاهد الصغير البشوش

للمدارس الدينية الداخلية في إندونيسيا جذور عميقة ترجع إلى عدة قرون مضت عندما كانت وسيلة التعليم الأساسية للفقراء وأهل الريف، وحتى بعد تحديث نظام التعليم واستحداث المدارس العلمانية التي تديريها الدولة احتفظت المدارس الإسلامية الداخلية والغالبية الساحقة منها مدارس خاصة بأهميتها، وقال أمين المسؤول بوزارة الشؤون الدينية لرويترز في يوليو تموز إن الوزارة تعمل لوضع سياسة جديدة لتوحيد المناهج في المدارس الإسلامية الداخلية وتولي مسؤولية الموافقة عليها. ولم تعلن أي سياسات حتى الآن.

وقال سيف الأنام والد حتف لرويترز في تعليقات مكتوبة ردا على أسئلة وجهت إليه خلال جلسة محاكمة في جاكرتا في يوليو تموز إنه فخور بابنه، وشاهدت رويترز صورا قال سيف الأنام إنها التقطت في سوريا ونشرها حتف على وسائل التواصل الاجتماعي وفيها ظهر الصبي وهو يتناول الطعام مع رجال أكبر منه سنا وفي إحداها ظهر الصبي وهو يحمل بندقية كلاشنيكوف هجومية تكاد تعادل طوله.

وكتب سيف الأنام يقول إن حتف أصبح يستطيع فك جميع أجزاء البندقية في 32 ثانية فقطن وتم تسليم حتف ”مسدسا عيار 9 ملليمترات وقنبلتين يدويتين وسكينا خاصة بالقوات الخاصة وبوصلة“، وحسب رواية الوالد نقلا عن رسائل من الابن نجا حتف من غارة جوية طار فيها في الهواء من شدة الانفجار ولم يصب سوى بجرح في الأذن وفقدان السمع، وفي الأول من سبتمبر أيلول 2016 وقبل شهرين من بلوغه الثالثة عشرة أصيب حتف في غارة جوية ثانية، وفي أعقاب الغارة أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مقتل ثلاثة إندونيسيين بالقرب من مدينة جرابلس السورية.

وكتب سيف الأنام يقول في مقاله إن ”المجاهد الصغير البشوش“ قضى نحبه وإن جسده النحيل انسحق من جراء انفجار القنبلة، وقال سيف الأنام لرويترز في الملاحظات التي قدمها خلال جلسة المحاكمة ”لا أشعر بالحزن أو الفقدان باستثناء حزن محدود كأب رحل عنه ابنه الحبيب، بل إنني شعرت بالفرح لأن ابني نال الشهادة إن شاء الله“.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي