اطفال الموصل: بين ضحايا تجنيد داعش وفرحة العودة الى الديار

عبد الامير رويح

2017-07-02 06:12

معركة تحرير مدينة الموصل من سيطرة عصابات تنظيم داعش الارهابي، كشفت كغيرها من المعارك الاخرى الكثير من الفضائح والقصص المؤلمة، التي عاشها أهالي الموصل تحت حكم التنظيم الإرهابي، الذي سعى الى تدمير كل ما هو جميل بما في ذلك براءة الاطفال، الذين حولهم الى ادوات قتل وتدمير وسلع تباع وتشترى بعد خطفهم، ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، فقد قتل أكثر من ألف طفل في العراق منذ عام 2014 عندما اجتاح مسلحو داعش البلاد، واستولوا على مناطق منها الموصل ومدن أخرى، وهناك أكثر من 5 ملايين طفل في حاجة إلى الإغاثة الإنسانية الطارئة.

وقال بيتر هوكينز، ممثل اليونيسيف فى العراق: "في جميع أنحاء العراق، لا يزال الأطفال يشهدون رعبا شديدا وعنف لا يمكن تخيله. لقد قتلوا وجرحوا واختطفوا وأجبروا على إطلاق النار والقتل في واحدة من أكثر الحروب الوحشية في التاريخ الحديث". وبحسب التقارير الصادرة عن "اليونيسف" أصيب أكثر من 1100 طفل بجروح في حرب داعش بالعراق. كما انفصال أكثر من 4650 طفلا عن ذويهم أو أصبحوا غير مصحوبين بأسرهم. وهناك أكثر من ثلاثة ملايين طفل لا يرتادون المدارس بانتظام، بينما 1.2 مليون طفل هم خارج المدرسة.

وذكرت صحيفة تاون هول الامريكية بحسب بعض المصادر، إن عصابات داعش الارهابية عمدت في الاسابيع الاخيرة إلى قتل الأطفال في الموصل لمنع العوائل من مغادرة المدينة ، في محاولة وصفتها الصحيفة بـ اليائسة لإبطاء تقدم القوات الامنية العراقية. وقالت الصحيفة نقلاً عن ممثل منظمة اليونيسف في العراق بيتر هوكينز، قوله إن إرهابيي داعش يستخدمون الأطفال كسلاح في الحرب من أجل منع السكان من الفرار خارج مناطق الاشتباكات، مضيفة إن منظمة اليونيسف المختصة بشؤون الاطفال والتابعة للأمم المتحدة أكدت إنها قامت بتوثيق العديد من الحالات التي عمد فيها عناصر داعش الى قتل اطفال الأسر التي تحاول الفرار من الاحياء المسيطر عليها من قبل التنظيم الارهابي.

وأشارت الصحيفة في ختام تقريرها الى نجاح العملية العسكرية التي أطلقتها القوات الامنية العراقية مطلع في تطهير آخر الجيوب المتبقية لعصابات داعش في مدينة الموصل القديمة رغم التباطؤ الحاصل فيها للحفاظ على أرواح ما يقدر بنحو 100,000 من السكان المدنيين الذين تم تكديسهم في مناطق ضيقة المساحة على يد عناصر التنظيم الإرهابي.

الرسائل الأخيرة

"أهلي وعائلتي الغاليين سامحوني بالله عليكم" هكذا بدأت الرسالة المكتوبة بخط اليد التي عثر عليها في القاعات المتربة بمجمع للتدريب تابع لتنظيم داعش في شرق الموصل. واصل صاحب الرسالة رسالته قائلا "أقول لكم افرحوا لي بالله عليكم ولا تحزنوا علي ولا تلبسوا ملابس سوداء وأقول لكم إنني طلبت منكم الزواج ولم تزوجوني. فوالله إنني أتزوج حور العين إن شاء الله." وكانت تلك هي كلمات الوداع من التلميذ علاء عبد العكيدي قبل أن ينطلق من المجمع لتنفيذ عملية انتحارية استهدفت قوات الأمن العراقية العام الماضي.

وكتبت الرسالة على ورقة رسمية من أوراق داعش مطبوع عليها "ديوان الجند .. كتيبة الاستشهاديين" وضعت في مظروف كتب عليه عنوان بيت الأبوين في الشطر الغربي من الموصل. وكان العكيدي في سن الخامسة عشر أو السادسة عشر عند تجنيده وكان واحدا من عشرات من شباب المجندين الذين مروا على منشأة التدريب في العامين الأخيرين ونصف العام استعدادا لخوض "الجهاد".

وفي عدة حالات تضمن ذلك تنفيذ هجمات انتحارية وهو أمضى أسلحة التنظيم في مواجهة حملة عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على الموصل آخر معقل رئيسي للتنظيم في مدن العراق . ولم تصل الرسالة قط إلى أسرته. فقد تركت مع حفنة أخرى من رسائل المفجرين الانتحاريين إلى أقاربهم عندما هجر رجال التنظيم المنشأة أمام هجوم الجيش. كما ترك المتشددون سجلا مكتوبا بخط اليد يتضمن التفاصيل الشخصية لنحو 50 مجندا. ولم يكن تاريخ الميلاد موضحا للكل ولم ترفق بهذا السجل سوى نحو عشر صور لكن كثيرين من المجندين كانوا في سن المراهقة أو في أوائل العشرينات.

وتتضمن الوثائق بعضا من أول الروايات المباشرة من المفجرين الانتحاريين بالتنظيم التي يتم إعلانها وتتيح فرصة للإطلاع على تفكير المجندين الصغار المستعدين للموت في سبيل الأفكار المتشددة. وفي شهادات نادرة من أسر بعض المفجرين الانتحاريين لدى داعش تحدث الأقارب عن شبان في سن المراهقة انضموا للجهاديين ما أثار رعب الأسر وحيرتها ثم رحلوا عن الحياة في غضون شهور. ولم يتم التحقق من مصدر مستقل من المعلومات الخاصة بالمجندين الواردة في السجل. ولا يتيح التنظيم إمكانية لاتصال وسائل الإعلام المستقلة به حتى يمكن الاتصال به للتعليق على الرسائل أو السجل أو ظاهرة الانتحاريين في سن المراهقة.

واجتذب تنظيم داعش آلاف المجندين الشبان في الموصل أكبر مدينة في دولة الخلافة التي أعلنها عام 2014 على الأراضي الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا. وقد نفذ التنظيم مئات الهجمات الانتحارية في الشرق الأوسط ودبر أو أوحى لآخرين بعشرات الهجمات في الغرب. ويتألف مجمع التدريب من ثلاث بيوت صودرت من سكان في الموصل. وأتاحت فتحات تسمح بمرور إنسان في الجدران الخارجية سهولة التنقل بين الفيلات.

وكانت الطوابق السفلى تمتلئ بملصقات التنظيم ومنشوراته عن موضوعات متباينة من الدين إلى الأسلحة بالإضافة إلى اختبارات عن أساليب الحرب والقرآن. وكان طلاء أخضر اللون وملاءات أسرة على النوافذ تحجب الرؤية من الخارج وتبث في الغرف وهجا غريبا. وامتلأت إحدى الغرف بسترات للوقاية من الرصاص وبأهداف للرماية على شكل جسم الإنسان بينما تناثرت أدوية ومحاقن في غرفة أخرى يبدو أنها كانت تستخدم كعيادة. وكانت الغرف في الطوابق العليا تمتلئ بأسرة النوم في مساحة تسع نحو 100 فرد. وعلقت لافتات مطبوعة تحدد قواعد المكان. وكتب على إحداها "أخي المجاهد التزم بالهدوء والنظافة."

وكان أغلب المجندين في ذلك السجل عراقيين غير أن قلة منهم كانت من الولايات المتحدة وايران والمغرب والهند. ويوضح البند الخاص بالعكيدي أنه بايع التنظيم في أول ديسمبر كانون الأول عام 2014 أي بعد بضعة شهور من سقوط الموصل. وقال أحد الأقارب إن والد العكيدي حزن حزنا شديدا لقرار ابنه لكنه خشي العقاب إذا حاول إخراجه من صفوف التنظيم. ونادرا ما كان العكيدي يزور أسرته بعد انضمامه للتنظيم. وفي آخر مرة زار فيها بيت الأسرة قال لوالده إنه سينفذ عملية استشهادية في بيجي التي توجد فيها مصفاة نفطية جنوبي الموصل حيث كان المتشددون يحاربون لصد هجمات متكررة من الجيش العراقي.

وقال قريب العكيدي الذي طلب عدم ذكر اسمه خشية انتقام التنظيم منه "قال لوالده ‘سأطلب الشهادة‘." وبعد بضعة أشهر أبلغ المتشددون أسرة العكيدي أنه نجح في مسعاه. ويتضمن السجل مجندا آخر اسمه أثير علي اقترنت باسمه صورة صبي بحواجب كثة وعينين بنيتين واسعتين وعلى وجهه ابتسامة متحفظة. وقال والده أبو أمير إن ابنه كان تلميذا من المتفوقين نبغ في العلوم وكان يتابع على الدوام قناة ناشيونال جيوجرافيك التلفزيونية. وكان يهوى السباحة وصيد السمك في النهر القريب ويساعد عمه في مزرعة الخضراوات المملوكة له بعد ساعات الدراسة.

وقال أبو أمير وهو يفرز صور الأسرة إن علي كان خجولا ونحيفا ولم يكن لديه عقلية المقاتل أو بنيته الجسدية. لذلك ارتاع الأب ذات يوم عندما لم يرجع علي من المدرسة في أوائل 2015 بل هرب مع سبعة من زملائه في الدراسة للانضمام إلى لداعش. وعندما ذهب أبو أمير إلى مكتب للمتشددين في الناحية الأخرى من المدينة لمعرفة مصير ابنه هددوه بالسجن. ولم ير ابنه على قيد الحياة بعد ذلك.

وبعد بضعة أشهر توقف ثلاثة من مقاتلي التنظيم بشاحنة بيك أب أمام بيت أبو أمير وسلموه ورقة عليها اسم ابنه. كان الابن قد مات. تسلم أبو أمير جثمان ابنه من المشرحة. كان شعره قد طال لكنه كان لا يزال صغيرا بحيث لم ينبت الشعر في وجهه بعد. وكانت شظايا قد اخترقت ذراعيه وصدره. وقال الأب إن المقاتلين أبلغوه أن ابنه أصيب في غارة جوية على موقع مدفع مورتر في بعشيقة إلى الشمال الشرقي من الموصل.

وقال أقارب علي المتجمعين في غرفة الجلوس ببيت الأسرة إنه تعرض لعملية غسل دماغ. كان كثير من أصدقائه في المدرسة قد فروا من الموصل بعد سيطرة المتشددين عليها وصادق علي مجموعة جديدة غير أن أسرته لم تلحظ قط أي تغير على سلوكه. وقال أبو أمير "حتى الآن ما زلت مذهولا. لا أدري كيف أقنعوه بالانضمام لهم. أسعدني أننا استطعنا دفنه." بحسب رويترز.

وكان شيت عمر في سن 15 أو 16 عاما أيضا عندما انضم إلى تنظيم داعش في أغسطس آب 2014 بعد أسابيع من سيطرة التنظيم على الموصل. وكتب بجوار بند التسجيل الخاص به "تنفيذ عملية استشهادية." وأكد شلال يونس حمو شقيقة عمر أنه مات خلال تنفيذ هجوم انتحاري رغم عدم تأكده من التفاصيل . وقال إن عمر وهو من حي الانتصار في شرق الموصل كان وزنه زائدا ولا يشعر بأمان وانضم إلى المتشددين بعد وفاة والده. وقال إن تفكيره كان بسيطا واستغلوا ذلك ووعدوه بحور العين وعلموه كيف يكون مسلما صالحا. وأضاف أنه لو كان أحد أغراه بالمخدرات والخمر ربما كان فعل ذلك بدلا مما قام به.

بعد ثلاثة أعوام

من جانب اخر عادت طفلة مسيحية عراقية تبلغ من العمر ستة أعوام إلى حضن عائلتها مرة أخرى لتردد مجددا كلمة "ماما" و "بابا" التي حرمت منها منذ أن خطفها تنظيم داعش‭‭‭ ‬‬‬قبل ثلاثة أعوام. وقالت والدتها عايده نوح "أسعد يوم في حياتي هو اليوم الذي عادت فيه كريستينا إلينا مرة أخرى". وكانت الهالات السوداء حول أعين الأم دليلا واضحا على الليالي التي قضتها دون نوم منذ أغسطس آب 2014 عندما خطف المتشددون كريستينا منها بعد بضعة أسابيع من اجتياحهم بلدة قرة قوش التي تبعد 15 كيلومترا جنوب شرقي الموصل.

وقالت الأم "ظلت ثلاثة أعوام مع الإرهابيين. بالطبع نسيت من والدتها ومن والدها .. نسيت أننا عائلتها لكنها ستدرك ذلك مجددا". وكان تنظيم داعش خطف الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من الأقليات في العراق خاصة من اليزيديين. والمسيحيون الذين لم يهربوا أو لم يتمكنوا من الهرب آنذاك تلقوا إنذارا يطالبهم بدفع جزية أو التحول إلى الإسلام أو مواجهة الموت بحد السيف. وأجبرت العائلات المسيحية التي ظلت في قرة قوش على ترك منازلها في 22 أغسطس آب 2014. وأخذ المتشددون كريستينا من الحافلة الصغيرة التي كانت تقودهم إلى أطراف منطقة خاضعة لداعش بعد تهديد عايدة التي قاومتهم باستماتة.

وتكللت جهود العائلة باقتفاء أثرها من خلال أصدقاء عرب بالنجاح عندما تلقت العائلة اتصالا بالعثور على كريستينا في حي التنك وهو من الأحياء الفقيرة بالموصل. وبعد ثمانية أشهر من الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة لاستعادة الموصل عادت المدينة بأسرها إلى قبضة قوات الحكومة العراقية باستثناء جيب على الضفة الغربية من نهر دجلة. وقال خضر توما والد كريستينا وهو كفيف البصر ويضع نظارة سوداء على عينيه "ذهبنا إلى مكان قذر في حي التنك..وأخذنا الطفلة" وكان محاطا بعائلته التي التأم شملها بعودة الصغيرة كريستينا. بحسب رويترز.

وكان أخوتها وهم شقيقان وشقيقتان قد هربوا إلى منطقة كردية قبل وصول المتشددين. وقالت كريستينا وهي تلهو بلعبة بلاستيكية في منزل متنقل للنازحين في حي عنكاوا وهو حي مسيحي بمدينة اربيل شرقي الموصل "أنا مع ماما وبابا". وقال الوالدان إنهما يأملان حاليا في الرحيل من هذا المكان لنسيان المحنة التي تعرضا لها. وفي الوقت نفسه تواجه العائلة قائمة انتظار طويلة في المنطقة المكتظة التي يعيشون بها لأن منزلهم في قرة قوش تعرض للدمار الكامل تقريبا في القتال الذي دار لطرد المتشددين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي