هذا ما تبقى لداعش في الرقة

عبد الامير رويح

2017-06-12 06:00

بعد ثمانية أشهر على بدء العمليات العسكرية دخلت قوات سوريا الديموقراطية مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش الابرز في سوريا، واعلنت بشكل رسمي المعركة الكبرى لتحرير هذه المدينة، التي خضعت لسيطرة التنظيم بعد معارك عنيفة ضد جبهة النصرة في 2014، حيث تمكنت قوات سوريا الديموقراطية كما نقلت بعض المصادر، خلال الاسابيع الاخيرة وفي إطار حملة "غضب الفرات" التي تقوم بها، تطويق مدينة الرقة في شمال سوريا من الجهات الشمالية والغربية والشرقية. وقالت القيادية في قوات سوريا الديموقراطية روجدا فلات "دخلت قواتنا مدينة الرقة من الجهة الشرقية في حي المشلب". وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية منذ تأسيسها في تشرين الاول/اكتوبر العام 2015 من طرد تنظيم داعش من مناطق واسعة في شمال سوريا بدعم من التحالف الدولي قبل اعلانها عن حملة "غضب الفرات".

وأثارت عملية الرقة توترا في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا التي تخشى تنامي النفوذ الكردي في شمال سوريا وسعت لممارسة ضغوط على واشنطن للتخلي عن حلفائها في وحدات حماية الشعب الكردية. وقالت الولايات المتحدة في وقت سابق إنها بدأت في توزيع السلاح على وحدات حماية الشعب الكردية للمساعدة في هجوم الرقة في إطار خطة أثارت غضب تركيا. وبعد إعلان بدء المعركة، قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إن أنقرة سترد على الفور إذا مثلت العملية تهديدا لتركيا، مؤكدا اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، وهي جزء من "قوات سوريا الديمقراطية"، جماعة إرهابية متحالفة مع مسلحين يشنون تمردا في جنوب شرق تركيا منذ 1984.

ويرى بعض المراقبين ن تركيا ربما ستسعى الى عرقلة الجهود الحالية لتحرير المدينة، التي ستكون معركة طويلة وصعبة جدا خصوصا وان تنظيم داعش الارهابي قد سعى في الفترة الاخيرة الى اتخاذ احتياطات خاصة لإطالة امد المعركة، ومنها حجز سكان المدينة من اجل استخدامهم كدروع بشرية، يضاف الى ذلك انه سيعمد الى استخدام تكتيكات عسكرية جديدة في هذه المعركة.

حرب شوارع

وفي هذا الشأن تخوض قوات سوريا الديموقراطية "الآن حرب شوارع داخل مدينة الرقة"، وفق ما قالت القيادية في قوات سوريا الديموقراطية روجدا فلات التي اكدت على ان تلك القوات "لديها تجربة وخبرة في حرب الشوارع". واكد مصادر اخرى ومنها مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن "سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على حاجز المشلب ثم على عدد من المباني في الحي"، الذي يعد وفق قوله "المدخل الشرقي للمدينة". واضاف عبد الرحمن "قوات سوريا الديموقراطية باتت الآن داخل مدينة الرقة".

وقال عبد الرحمن إن تقدم قوات سوريا الديموقراطية جاء بعد "قصف كثيف للتحالف الدولي" بقيادة واشنطن. ويدعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن قوات سوريا الديموقراطية بالغارات الجوية او التسليح او المستشارين العسكريين على الارض. واعتبر المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف تاونسند في بيان ان "معركة الرقة ستكون طويلة وصعبة لكن الهجوم سيشكل ضربة حاسمة لفكرة الخلافة المتمثلة" بتنظيم داعش.

واعلنت قوات سوريا الديوقراطية بدء معركة طرد الجهاديين من مدينة الرقة، في مؤتمر صحافي عقدته في قرية الحزيمة على بعد 17 كيلومترا شمال المدينة. وتلا المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية طلال سلو بيانا جاء فيه "نعلن اليوم بدء المعركة الكبرى لتحرير مدينة الرقة، العاصمة المزعومة للارهاب والارهاببين". وكان سلو قال من الحزيمة ان تلك القوات "بدأت هجوما على الرقة من الجهات الشمالية والغربية والشرقية".

وتابع ان تنظيم داعش "يقاوم للدفاع عن عاصمته"، مؤكدا ان الدعم الذي يقدمه التحالف الدولي "من خلال الطيران والسلاح الحديث الذي قدمه لقواتنا في هذه المعركة سيؤدي الى انتزاع الرقة من داعش". وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية من السيطرة على مناطق واسعة في محافظة الرقة، وقطعت طرق الامداد الرئيسية للجهاديين من الجهات الشمالية والشرقية والغربية.

ولم يبق امام الجهاديين في الرقة الواقعة على الضفاف الشمالية لنهر الفرات، سوى الفرار جنوبا عبر زوارق. واكد التحالف الدولي في بيانه ان قوات سوريا الديموقراطية "اثبتت نفسها" في معارك سابقة من منبج في شمال حلب الى الطبقة في ريف الرقة الغربي وغيرها من البلدات والقرى في شمال سوريا خلال العامين الماضية.

ومع تقدم قوات سوريا الديموقرطية الى مدينة الرقة وتصاعد حدة المعارك، سجل وقوع ضحايا مدنيين جراء غارات التحالف الدولي. وقتل وفق المرصد السوري، "21 مدنيا في قصف جوي للتحالف الدولي" خلال استعدادهم للفرار عبر عبور نهر الفرات الى ريف الرقة الجنوبي. وناشدت قوات سوريا الديموقراطية في بيانها "اهالينا في مدينة الرقة الابتعاد عن مراكز العدو ومحاور الاشتباكات"، ودعتهم الى "مساندة قواتنا والتعاون معها لتنفيذ مهامها على اكمل وجه". ودعت ايضا "شبان وشابات الرقة" الى الالتحاق بصفوفها "للمشاركة في تحرير مدينتهم". وفر آلاف المدنيين خلال الاشهر الاخيرة من مدينة الرقة والتحقوا بمناطق اكثر امنا تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية.

ضربة حاسمة

الى جانب ذلك اعتبر التحالف الدولي بقيادة واشنطن ان الهجوم على الرقة سيشكل "ضربة حاسمة" لتنظيم داعش، وذلك بعد دخول قوات سوريا الديموقراطية المدينة واعلانها "المعركة الكبرى لتحريرها". وقال المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف تاونسند في بيان "معركة الرقة ستكون طويلة وصعبة لكن الهجوم سيشكل ضربة حاسمة لفكرة الخلافة المتمثلة" بتنظيم الدولة الاسلامية، مؤكدا ان التحالف سيواصل دعمه لقوات سوريا الديموقراطية خلال المعركة الرامية لدحر التنظيم من معقله في شمال سوريا.

واعتبر تاونسند انه "سيكون من الصعب اقناع مجندين جدد" ان تنظيم داعش يعد "قضية رابحة" فيما هو يخسر "عاصمتيه في العراق وسوريا" في اشارة الى الرقة ومدينة الموصل العراقية. ودخلت قوات سوريا الديموقراطية، وهي تحالف فصائل عربية وكردية، الى مدينة الرقة من الجهة الشرقية بعد وقت قصير على اعلانها "المعركة الكبرى لتحرير" المدينة. بحسب فرانس برس.

ويدعم التحالف الدولي قوات سوريا الديموقراطية في معركتها، ان كان عبر الغارات الجوية او التسليح او المستشارين العسكريين على الارض. وتطرق المتحدث باسم التحالف الى التهديد الذي يشكله التنظيم الذي تبنى هجمات عدة في دول غربية. وقال "جميعنا رأينا الاعتداءات البشعة في مانشستر" البريطانية، مشيرا الى ان تنظيم الدولة الاسلامية "يهدد بلادنا جميعا، وليس فقط العراق وسوريا".

من جانب اخر قال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إن التحالف قصف مقاتلين تابعين لتنظيم داعش خلال عبورهم نهر الفرات لدعم زملائهم في الرقة في اليوم الأول لمعركة تهدف لطرد التنظيم من المدينة. وقال إنه مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية إلى ضواحي المدينة شن التحالف ضربات جوية ومدفعية على دفاعات التنظيم.

وأوضح أن التحالف قصف وحدات تكتيكية للتنظيم ودمر 19 قاربا و12 موقعا قتاليا وثماني مركبات ومخزنا للأسلحة. ورغم استمرار سيطرة داعش على الضفة الجنوبية لنهر الفرات المواجهة للرقة دمرت الغارات الجوية للتحالف خلال الشهور الأخيرة الجسور التي تصل الضفة الجنوبية بالمدينة. وقال إن التحالف قصف 19 قاربا كانت تقل مقاتلين وعتادا.

سكان الرقة

على صعيد متصل أعرب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه بشأن تقارير متزايدة عن قتلى بين المدنيين مع تصاعد وتيرة الضربات الجوية. وقال في تقرير لشهر مايو أيار إن حملة الرقة "أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين ودمار واسع بالبنية التحتية" حتى الآن. وأضاف أن تقارير أفادت بأن داعش تمنع المدنيين من مغادرة المدينة. ولا يُعرف عدد المدنيين الذين لا يزالون داخل الرقة.

وقال ينس لايركه المتحدث باسم الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة إن المنظمة تعتقد أن نحو 160 ألف شخص لا يزالون في مدينة الرقة لكنه أوضح أن الرقم ليس تقديرا رسميا. وقالت لجنة الإنقاذ الدولية إن 200 ألف شخص لا يزالون محاصرين في الداخل وحذرت من أن المدنيين داخل الرقة معرضون للقتل بنيران قناصة التنظيم أو الألغام إذا حاولوا الفرار وأن التنظيم قد يستخدمهم دروعا بشرية إن بقوا بالمدينة.

وقال مدير الشؤون العامة لمنطقة الشرق الأوسط في لجنة الإنقاذ الدولية توماس جاروفالو "لاحظت اللجنة انخفاضا في عدد الفارين من الرقة " مضيفا أن الانخفاض ربما يشير إلى اعتزام التنظيم استخدامهم كدروع بشرية. وقال إن قوات سوريا الديمقراطية حثت الناس على مغادرة الرقة للنجاة من الوقوع في أيدي التنظيم الذي قد يستخدمهم كدروع بشرية مضيفا أن القوات أقامت مواقع تفتيش عند الخطوط القتالية الأمامية لفصل المدنيين عن أي مقاتلين يندسون بينهم .

وأضاف أن "الخيار المفضل" للتنظيم هو السيارات المدرعة الملغومة التي تستهدف مواقع دفاعية أو تركيزات للقوات. وتقي هياكل السيارات المدرعة من نيران الأسلحة الخفيفة التي توجه عليها لقتل سائقها أو تفجير شحناتها من المتفجرات قبل وصولها لأهدافها. وقال ديلون "قضوا ثلاثة أعوام يبنون في دفاعاتهم هناك. نتوقع قتالا مشابها لما شاهدناه في الموصل" لكنه أوضح أن الرقة أصغر كثيرا من حيث مساحتها. بحسب رويترز.

من جهة اخرى قالت منظمة إغاثة إنسانية بارزة إن المدنيين المحاصرين في مدينة الرقة السورية يواجهون خطر القتل على أيدي قناصة تنظيم داعش أو الألغام إذا حاولوا الفرار لكنهم قد يستخدمون كدروع بشرية إذا بقوا هناك. وواجه المدنيون ايضا نقصا متزايدا في الغذاء والمياه والرعاية الصحية والكهرباء في الشهور الماضية مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية نحوها.

غضب تركي

في السياق ذاته صرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، بعدم ارتياح بلاده لتعاون أميركا مع ميليشيات سوريا الديمقراطية في معركتها لتحرير الرقة من داعش، مؤكدا أن بلاده سترد سريعا في حال تعرضها لأي ضرر من معركة الرقة. وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في وقت سابق أن معركة انتزاع مدينة الرقة السورية من قبضة تنظيم داعش بدأت وأن الولايات المتحدة أبلغت أنقرة بها ونقلت وسائل إعلام محلية، بينها وكالة انباء الأناضول الحكومية، عن يلدريم قوله إن "عملية الرقة، التي خطط لها قبل مدة طويلة، بدأت في وقت متأخر من الثاني من حزيران/يونيو. زودتنا الولايات المتحدة بالمعلومات الضرورية المتعلقة بهذه المسألة قبل العملية".

وشدد يلدريم، في تصريحات نقلها الإعلام التركي الرسمي، على أن بلاده لا تؤيد الطريقة التي بدأت بها الولايات المتحدة الأمريكية حملة الرقة. وأردف يلدريم قائلا "استراتيجيتنا التي لا تتغير، هي أننا لن نتهاون في ضرب أي منظمة إرهابية تهدد أمننا وسلامتنا سواء كانت هذه المنظمة داخل حدود بلادنا أو خارجها". الى جانب ذلك نفى التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة الولايات المتحدة تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، عن بدء عملية اقتحام مدينة الرقة السورية لتحريرها من قبضة التنظيم. وقال متحدث باسم التحالف الدولي، في حديث لوكالة "نوفوستي" الروسية، ردا على سؤال بهذا الصدد: "لا، لا نستطيع تأكيد انطلاق العملية، ولا نبحث مستقبلها".

وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حذر الولايات المتحدة من أن بلاده لن تشارك في عملية استعادة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، إلى جانب القوات الكردية. وتدعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعد مكونا أساسيا في قوات سوريا الديموقراطية. من ناحيتها، تعتبر تركيا أن وحدات حماية الشعب هي امتداد في سوريا لحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم انفصالي انخرط في معارك دامية ضد أنقرة منذ عام 1984 ومصنف على أنه "ارهابي" لديها ولدى حلفائها الغربيين.

وبدأت الولايات المتحدة بتزويد وحدات حماية الشعب بالسلاح، في قرار أغضب أنقرة. وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو واشنطن إلى العودة عن قرارها تسليح المقاتلين الأكراد، مشيرا الى ان قيام الولايات المتحدة بذلك يعد "أمرا بالغ الخطورة". وتتخوف تركيا من انشاء منطقة يسيطر عليها الاكراد في شمال سوريا، على حدودها. ونفذت أنقرة الصيف الفائت عملية برية ضد تنظيم داعش والمقاتلين الاكراد معا. بحسب فرانس برس.

وأكد رئيس الوزراء التركي أن بلاده لن تتردد في الانخراط عسكريا بشكل أكبر في الخارج بدون إعطاء مزيد من التفاصيل. وقال بحسب ما نقلت عنه وكالة الأناصول "سواء داخل أو خارج البلاد، لن نتردد في اتخاذ الاجراءات اللازمة من أجل أمن بلادنا وشعبنا". وأضاف "قمنا بذلك في الماضي، وإذا لزم الأمر فسنقوم به مجددا".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي