معركة الموصل في المرحلة الأخيرة
نموذج عن حروب المدن في المستقبل
عبد الامير رويح
2017-04-02 05:50
تواصل القوات العراقية المشتركة معاركها لتحرير مدينة الموصل من سيطرة مسلحي تنظيم داعش الارهابي، مع دخول معركة الموصل المناطق المكتظة بالسكان في غرب الموصل، وكما نقلت بعض المصادر اصبحت المعارك اكثر شراسة، وتزايدت المخاوف من سقوط قتلى وجرحى مدنيين. خصوصا وان تنظيم داعش الارهابي الذي تكبد الكثير من الخسائر قد سعى الى استخدام المدنيين في الموصل كدروع بشرية وهو ما اسهم بتأخير حسم المعركة. وبحسب بعض التقارير الرسمية العراقية فان 355 ألفا على الأقل من السكان فروا جراء القتال ولا يزال هناك نحو 400 ألف مدني محاصرين داخل الحي القديم المكتظ بالسكان حيث تدور معارك في الشوارع منذ أسابيع.
وتقول الأمم المتحدة إن مئات المدنيين قتلوا الشهر الماضي ويقول سكان إن متشددي داعش يتخذون من المدنيين دروعا بشرية. وأقر أكبر قائد أمريكي بالعراق بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ربما كان له دور في انفجار بالموصل يعتقد أنه أسفر عن مقتل عشرات المدنيين لكنه قال إن التنظيم المتشدد ربما يتحمل المسؤولية أيضا. ومع إجراء تحقيقات في الانفجار الذي وقع في 17 مارس آذار. قال اللفتنانت جنرال ستيفن تاونسند إن من المتوقع زيادة عدد القتلى والجرحى مع دخول الحرب على المتشددين مرحلتها الأعنف في الشوارع المكتظة والضيقة بالمدينة القديمة.
ويقول سكان محليون وشهود عيان إن ما يصل إلى 240 شخصا ربما قتلوا في حي الجديدة بعد أن تسبب انفجار ضخم في انهيار مبنى ودفن أسر تحته. ولا يزال عمال الإنقاذ ينتشلون الجثث من تحت الأنقاض. وقال مسؤول محلي إنه جرى انتشال 250 جثة من الموقع رغم أن هذا الرقم أعلى من تقديرات الجيش العراقي. لكن مساعي الإنقاذ تعرقلت بسبب نقص العتاد وانعدام الأمن.
وقالت القيادة العسكرية العراقية إن أحد الاحتمالات التي يبحثها التحقيق هي ما إذا كان التنظيم المتشدد قد وضع متفجرات مما أدى في النهاية إلى الانفجار الذي دمر مباني.
وقال الجيش العراقي إنه لا توجد إشارات على أن الضربة استهدفت المبنى بشكل مباشر. وقال شهود إن ضربة ربما أصابت شاحنة ملغومة متوقفة قرب المبنى. ويقول آخرون إن عائلات كانت إما تحتمي في قبو أو أجبرت على دخوله. وقال تاونسند في إفادة بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) "تقييمي الأولي هو أنه ربما كان لنا دور في هذه الخسائر البشرية." وأضاف "ما لا أعلمه هو هل جمعهم العدو هناك؟ لا نزال نحتاج لإجراء بعض التقييمات. يبدو أن الأمر كذلك بالتأكيد." وقال الأمير زيد بن رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن 307 مدنيين على الأقل قتلوا وأصيب 273 في غرب الموصل منذ 17 فبراير شباط، مضيفا إن الدولة الإسلامية تضع السكان في مبان ملغومة كدروع بشرية وتطلق النار على من يحاول الفرار.
تقدم جديد
وفي هذا الشأن قالت القوات العراقية إنها شنّت هجمات جديدة في مدينة الموصل القديمة بعد أن أدى إحراز تقدم بسيط فقط وارتفاع عدد القتلى من المدنيين على مدى أكثر من أسبوعين إلى تغيير على ما يبدو في الخطط القتالية . وألقى انفجار وقع في 17 مارس آذار وأسفر عن سقوط ما بين 60 و240 قتيلا وفقا لتقارير متضاربة بظلاله على الهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة لطرد مقاتلي تنظيم داعش من ثاني أكبر مدن العراق وتحدث رئيس البرلمان عن وقف العمليات إلى أن يتسنى تفادي وقوع ضحايا من المدنيين.
ونجحت العملية العسكرية المستمرة منذ أكتوبر تشرين الأول بهدف استعادة مدينة الموصل أكبر معاقل التنظيم في العراق في تحرير الجزء الشرقي من المدينة ونصف الجزء الغربي. وتزايدت حصيلة القتلى المدنيين في غرب الموصل المكتظ بالسكان بعد استخدام مقاتلي تنظيم داعش المنازل كغطاء لهم مما تسبب بوقوع قتلى بين المدنيين جراء الغارات الجوية التي تستهدف المتشددين.
وبحثت القوات العراقية استخدام أساليب جديدة قال مسؤول عسكري أمريكي إنها قد تتضمن فتح جبهة ثانية ومحاولة عزل المدينة القديمة. وقالت الشرطة العراقية في بيان إن الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع بدأت التقدم في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة القديمة باتجاه منطقة جامع النوري .
وقال اللواء رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية العراقية إن الاستهداف الدقيق لمواقع مختارة حددتها معلومات المخابرات ساعد على إحراز التقدم الجديد المدعوم بسلاح الجو. ونقل عنه التلفزيون الرسمي العراقي قوله إن تقدم القوات العراقية يهدف إلى حماية أرواح المدنيين والبنية التحتية والممتلكات الخاصة.
وقال ضابط آخر بالشرطة الاتحادية إن الهجمات تمثل بداية العمليات الهادفة إلى عزل المدينة القديمة وحرمان تنظيم الدولة الإسلامية من الحصول على إمدادات والفرار. وأوضح أن الهدف هو تشديد خناق القوات العراقية على تنظيم داعش. وحققت قوات مكافحة الإرهاب العراقية التي تقاتل في مناطق تقع غربي المدينة القديمة انتصارات كبيرة في الايام الماضية وفي حال تمكنت من التقدم شمالا فهذا سيساعد في تطويق المدينة القديمة.
من جانب اخر خاضت القوات الخاصة وقوات الشرطة العراقية اشتباكات مع مقاتلي تنظيم داعش واقتربت أكثر من جامع النوري بغرب الموصل لتحكم بذلك قبضتها حول هذا الموقع المهم بينما شهدت بغداد هجوما انتحاريا بشاحنة ملغومة أودى بحياة 17 شخصا على الأقل. ويتركز القتال على المدينة القديمة المحيطة بالمسجد الذي أعلن منه أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش بالعراق وسوريا قبل قرابة ثلاثة أعوام.
وفر آلاف السكان من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم داخل الموصل أكبر معقل متبق للمتشددين في العراق. لكن ما زال عشرات الآلاف محاصرين داخل منازل في وسط القتال والقصف والضربات الجوية مع تقدم القوات العراقية المدعومة من التحالف بقيادة الولايات المتحدة في غرب الموصل. وقال مراسلو إن الطائرات الهليكوبتر التي تحلق فوق غرب الموصل قصفت مواقع داعش خارج محطة قطارات الموصل التي شهدت اشتباكات عنيفة في الأيام القليلة الماضية وإن دخانا أسود كثيفا أسود تصاعد في السماء.
ويقول سكان فارون إنهم سمعوا دوي إطلاق نار كثيف من منطقة المدينة القديمة حيث يختبئ المتشددون وسط السكان مستغلين الأزقة والدروب الضيقة ومنازل السكان. وقال الفريق رائد شاكر جودت من الشرطة الاتحادية في بيان إن قوات الشرطة فرضت سيطرتها الكاملة على منطقة قضيب البان واستاد الملعب الرياضي في الجناح الغربي من الموصل القديمة وتحاصر المتشددين حول جامع النوري. بحسب رويترز.
وتتقدم قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية على أطراف المدينة القديمة ويتسلق أفرادها أسوار الحدائق. وردت داعش بالصواريخ فتصاعدت أعمدة من الدخان الأبيض في السماء. وقال مسؤول بوحدات الرد السريع إن هناك مجموعات تدخل المدينة القديمة. وأسقطت القوات العراقية طائرة واحدة على الأقل بدون طيار يشتبه بأنها تابعة لداعش. ويستخدم المتشددون نماذج تجارية صغيرة من الطائرات بدون طيار للتجسس وإسقاط الذخيرة على مواقع الجيش العراقي.
اصطياد الجهاديين
الى جانب ذلك نشرت القوات العراقية قناصة على مبان لاصطياد الجهاديين الذين يستخدمون مدنيين دروعا بشرية في غرب الموصل، فيما باشر العراق التحقيق في سقوط عدد كبير من الضحايا جراء ضربات جوية في هذا الجانب من ثاني مدن البلاد. وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول ان تنظيم داعش الذي يدافع عن آخر أكبر معقل له في العراق "بدأ يستخدم المواطنين كدروع بشرية ونحاول استهدافه بضربات من الرجال القناصة للقضاء عليهم". وتابع "تقدمنا يجري بدقة وحذر للمحافظة على ارواح المواطنين" موضحا "نعتمد على استخدام اسلحة متوسطة وخفيفة وبينها القناصة، لاصطياد عناصر داعش وتحديدهم عن المواطنيين".
واتهم رسول التنظيم بقتل المدنيين العزل، مؤكدا ان "هذا التنظيم الارهابي يستخدم الصهاريج المخففة (...) يقوم بجمع المواطنين واجبارهم ووضعهم في بيوت معينة ثم يبدأ بتفجير هذه العجلات على هذه البيوت". وتابع "الغاية هي ايصال رسالة الى الرأي العام ان القوات العراقية هي التي تستهدف المواطنين الابرياء". وقال مسؤولون عراقيون وشهود عيان ان الضربات الجوية ضد الجهاديين خلال الايام الماضية ادت الى سقوط ضحايا مدنيين تترواح اعدادهم بين عشرات ومئات، غير أنه لم يكن من الممكن التثبت من الحصيلة من مصدر مستقل.
وتقصف مقاتلات القوة الجوية العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن مواقع تنظيم داعش لاسناد تقدم القوات العراقية. وكشف المتحدث أن لجنة تحقيق تدقق في التقارير التي تحدثت عن مقتل مدنيين بضربات جوية في غرب الموصل. وقال ان "وزارة الدفاع فتحت تحقيقا في هذا الموضوع" ، مشير الى ان "هناك لجان تحقيق ستصدر بيانا عند انتهاء عملها". واكدت قوات التحالف انها وجهت ضربات الى القطاع الذي سقط فيه هذا العدد الكبير من المدنيين.
وقال التحالف في بيان انه "بعد الاستعراض الأولي لبيانات الضربات (...) ضربت قوات التحالف مقاتلين تابعين لتنظيم داعش ومعداتهم بناء على طلب من القوات العراقية في 17 اذار/مارس في غرب الموصل في الموقع الذي قيل ان ضحايا مدنيين سقطوا". وذكرت تقارير مطلع الشهر الحالي انه من المرجح مقتل ما لا يقل عن 220 مدنيا عن باب الخطأ جراء ضربات التحالف الدولي الجوية.
فيما ذكر شاهدان هربا من غرب الموصل ان حوالى 170 شخصا طمروا تحت أنقاض مبنى انهار بالكامل. وقال احدهما منهل سمير ان طائرة استهدفت المكان بصاروخ لان قناصا من تنظيم الدولة الاسلامية كان يطلق النار منه على القوات العراقية . وقال ضابط برتبة عميد من القوات العراقية، ان 27 مبنى سكنيا تعرضت لضربات على مدى عدة ايام في غرب الموصل، ودمرت ثلاثة منها بالكامل. وقال بشار الكيكي رئيس مجلس محافظة نينوى، كبرى مدنها الموصل، ان "عشرات " الجثث ما زالت مدفونة تحت الانقاض، فيما تحدث محافظ نينوى عن مئات القتلى خلال الايام القليلة الماضية. وذكر مسؤولون اخرون مقتل مئات المدنيين جراء المعارك في غرب الموصل. بحسب فرانس برس.
ولم تسمح القوات الامنية للصحافيين بالوصول الى المنطقة التي تعرضت للقصف. واعربت الامم المتحدة عن "قلقها العميق" ازاء هذه التطورات ودعت كل الاطراف الى العمل على حماية المدنيين. ووفقا للسلطات العراقية، فر اكثر من 200 الف شخص من الجانب الغربي للموصل منذ انطلاق عملية استعادة هذا الجانب من المدينة. لكن مازال هناك نحو 600 الف شخص في مناطق سيطرة التنظيم في هذا الجانب من المدينة، وفقا لمسؤول في المفوضية العليا للاجئين في العراق .
مزيد من المساعدات
على صعيد متصل دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش المجتمع الدولي إلى زيادة المساعدات للفارين من مدينة الموصل حيث تخوض القوات العراقية حربا لاستعادتها من تنظيم داعش. واستعادت القوات العراقية السيطرة على معظم أنحاء الموصل ثاني أكبر مدينة بالعراق من قبضة التنظيم المتشدد في عملية كبيرة انطلقت قبل ستة أشهر. وقال جوتيريش للصحفيين أثناء زيارة لمخيم حسن شام وهو أحد مراكز الإيواء المكدسة بالمدنيين الفارين من القتال ويقع خارج الموصل "لا نملك الموارد اللازمة لمساعدة هؤلاء الناس." وبنت الأمم المتحدة والسلطات العراقية المزيد من المخيمات لكنها تكافح لاستيعاب الوافدين الجدد وأحيانا تضطر أسرتان للعيش في خيمة واحدة. وقال جوتيريش "للأسف لم يحصل برنامجنا إلا على ثمانية بالمئة من التمويل (المطلوب)."
واشتكى السكان لجوتيريش أثناء زيارته التي استغرقت نحو نصف ساعة من سوء حالة مياه الشرب وأوضاع المعيشة في الخيام التي تظهر فيها الفئران والحشرات. وقال عراقي يدعى صقر يونس فر من الموصل عندما وصل التنظيم إلى قريته في 2014 "نريد العودة إلى قرانا. لقد نفد صبرنا." وأضاف صقر الذي يعيش في المخيم منذ أربعة أشهر قائلا "لو كنا قتلنا في القصف لكان أرحم." بحسب رويترز.
وعاد فارون كثيرون إلى منازلهم في المناطق التي انتزعت السيطرة عليها من التنظيم المتشدد لكن السلطات لم تسمح بعودة البعض ومن بينهم صقر. واجتاحت داعش نحو ثلث العراق في 2014 واستغلت الشقاق بين السنة والشيعة الذي أضعف الجيش. واستعادت القوات العراقية السيطرة على معظم المدن التي سقطت في قبضة التنظيم وطُرد المتشددون من قرابة ثلاثة أرباع الموصل لكنهم ما زالوا يسيطرون على وسط المدينة.