قيادة آمنة لشركات سريعة
بروجيكت سنديكيت
2015-02-03 08:09
إستل مطير
مونتريال ــ من يقود سيارة يعرف أن هناك بعض البقع العمياء من الطريق لا تظهرها مرآة الرؤية الخلفية ولا المرآة الجانبية. ويتعين على السائق أن يكون واعياً بشكل دائم لهذه البقع ــ والمخاطر القاتلة المحتملة التي قد تخفيها.
والأعمال التجارية أيضاً قد تنطوي على بقع عمياء ــ وقد تكون مكلفة بنفس القدر، وقد تدفع الشركات إلى الإفراط في الاستثمار في مشاريع خطيرة أو الفشل في اغتنام الفرص الناشئة. ويحرص القادة الناجحون على تحديد البقع العمياء في شركاتهم والاستعانة بالآليات الكفيلة بدرء المضار التي قد تنشأ عنها.
ويُعَد التحيز في الحكم أحد مصادر البقع العمياء في عمل الشركات. وينشأ هذا التحيز عندما تكون نظرة المديرين التنفيذيين إلى صناعتهم ضيقة بشكل مفرط، فيستخفون بقدرات منافسيهم أو يفشلون في إدراك إلى أي مدى تغير المشهد التنافسي.
ومن الأمثلة الواضحة لهذا النوع من البقع العمياء تلك التي عانت منها شركة نستله. فلعقود من الزمان، كانت هذه الشركة السويسرية المتعددة الجنسيات تُعَرِّف نفسها بدقة بوصفها واحدة من شركات الغذاء الرائدة في العالم. وقد خلقت هذه التسمية قيداً فرضته الشركة على نفسها، وهو القيد الذي اضطر نستله إلى بيع نطاق ضيق نسبياً من المنتجات. ولكن في عام 2010، أعاد الرئيس التنفيذي للشركة، بول بولكه، تعريفها بوصفها شركة "تغذية، وصحة، وعافية". وكان قراراً استراتيجياً بارعا، حيث سمح للشركة بتقديم العشرات من خطوط الإنتاج والخدمات الجديدة.
إن العديد من المديرين التنفيذيين يفرطون في الثقة في القوة التنافسية التي تتمتع بها شركاتهم. ففي مواجهة مجالس الإدارة، يتلفظون بفصاحة وغطرسة بادعاءات مبالغ فيها حول مواقف شركاتهم؛ ويزعمون في 80% من تقاريرهم السنوية أن شركاتهم هي "الرائدة في السوق". ومن المؤسف أن هذا النوع من الغطرسة من الممكن أن يؤدي إلى التراخي والفشل التنافسي.
فالعديد من الشركات المالية على سبيل المثال، غير مستعدة بالقدر الكافي لمواجهة لاعبين جدد يدخلون أسواقها. فشركة جوجل، التي تختبر بهدوء مجال التأمين على السيارات، تحمل رخصة مصرفية. وفي الوقت نفسه، تستحوذ شركات مثل سكوير، وباي بال، والشركة البادئة أفيرم على حصة كبيرة بالفعل من المدفوعات عبر الإنترنت.
وفي عالم اليوم السريع الخطى، فإن الأمر لا يتطلب سوى تحسن تكنولوجي وحيد، أو ميزة سعرية، أو حملة إعلانية ضخمة لمنافس لكي يقفز إلى الأمام. وقد يظهر اللاعبون الجدد من العدم. فقبل خمس سنوات لم تكن شركة أوبر لسيارات الأجرة موجودة؛ والآن تقدر قيمتها بأكثر من 40 مليار دولار. ويهدد التوسع السريع لشركة على بابا تجار التجزئة في الغرب والذين لم يتوقعوا قط أن يواجهوا منافساً صينيا. وقريباً سوف تحول السيارات بلا سائق والطائرات بدون طيار العديد من الصناعات.
ومن الأسباب المتكررة للبقع العمياء في عالم الشركات التحيز التاريخي، أو ما يسميه علماء النفس "التحيز المرسِخ" ــ الافتراض بأن الشيء الذي كان صحيحاً في الماضي سوف يظل صحيحاً في المستقبل. والواقع أن سجلاً طويلاً من النجاح من الممكن أن يشوه تحليل المسؤولين التنفيذيين، ويفسد قدرتهم على اتخاذ القرار، ويتركهم غير قادرين على رؤية التحولات الوليدة في النماذج أو التغيرات السريعة في السوق.
عندما افتتحت سلسلة متاجر التجزئة الأميركية تارجت أول متاجرها في كندا في مارس/آذار 2013، افترضت إدارتها أن الوصفة التي حققت لها النجاح في الولايات المتحدة يمكن تكرارها شمال الحدود. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن الشركة أعلنت بعد 22 شهراً فقط أنها سوف تغلق كل فروعها في كندا (133 فرعا) وتستغني عن 17 ألف موظف. وقد تبين أن تجربة تارجت الأميركية مؤشراً سيئاً لما يمكنها أن تتوقعه في كندا.
إن التغلب على التحيزات التاريخية يتطلب التساؤل حول المحظورات في أي صناعة. على سبيل المثال، إذا توقف مبدعو المسلسلات التلفزيونية مثل "لعبة العروش"، المسلسل الأكثر تضرراً بالقرصنة في التاريخ، عن مكافحة التعدي على حقوق النشر والتأليف، فربما كان بوسعهم أن يغتنموا فرصة سانحة. ذلك أن الإعلانات المدمجة بشكل مباشر في المسلسل من الممكن أن تصل إلى خمسة ملايين مشاهد إضافي (غير قانوني)، ليتضاعف بذلك جمهور المسلسل فعليا.
الواقع أن صناعة التلفزيون ليست وحدها في هذا الفشل في مراجعة نماذجها وأساليبها وعملياتها التقليدية وتنقيحها. فصناعة البريد على سبيل المثال، من الممكن أن تتعلم درساً من شركات الطيران، وشركات القطارات، ووكالات السفر، والفنادق، وكلها تزيد أسعارها خلال فترات ارتفاع الطلب. والافتراض بأن سعر الرسالة البريدية أو شحن حزمة لابد أن يظل ثابتاً طيلة العام لابد أن يكون موضع طعن.
إن التحوط ضد البقع العمياء يتطلب تفكيراً متأنيا، ولكن المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارات قادرون على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية شركاتهم من هذه البقع. فبادئ ذي بدء، ينبغي للشركات أن تعمل على تنويع مجموعة المواهب التي تعتمد عليها. وينبغي للمديرين أن يضمنوا قدرتهم على الوصول إلى الأشخاص الذين يفكرون بطريقة مختلفة عنهم. ولابد من دعوة محطمي التقاليد والخبراء من الخارج لتبادل وجهات النظر. ولابد أن يكون 20% على الأقل من أعضاء مجلس الإدارة في أي شركة مؤلفاً من أفراد من خارج الصناعة. ولابد من السعي وراء وجهات النظر والأفكار من أجيال أخرى وأجزاء أخرى من العالم.
ينبغي للمسؤولين التنفيذيين أن يبذلوا جهوداً خاصة لكسر المحظورات، ودراسة الافتراضات التي لم يفكر أحد في معارضتها من قبل، ومراجعة القواعد الأكثر قداسة في صناعتهم. وحتى الطرق البسيطة، مثل تدوين وتحدي كل افتراض تقيم عليه الشركة استراتيجيتها، من الممكن أن تفضي إلى رؤى قيمة. وينبغي لكل شركة أن تعين شخصاً للقيام بدور "المعارض". والواقع أن هذا الشخص، الذي يسمى أحيانا "كاسر الصيني"، لابد أن يعطى الوقت الكافي خلال اجتماعات مجلس الإدارة لكي يرمي بالأطباق الجيدة إلى الجدار لكي يرى ما قد يمكن صنعه من القطع المحطمة.
لقد أصبحت الصناعات متزايدة التعقيد، والمنافسة العالمية في تصاعد مستمر. والشركات الأفضل تجهيزاً للبقاء سوف تكون هي تلك التي اتخذت الاحتياطيات المناسبة لتجنب أن يزيحها غيرها من الطريق.