حدود الرأسمالية مع وجود الخصائص الشيوعية
بروجيكت سنديكيت
2016-03-08 07:48
براهما تشيلاني
نيودلهي – بينما يستعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقيام بزيارة تاريخية لكوبا فإن مستقبل هذه الجزيرة التي يحكمها الشيوعيون يثير الكثير من التكهنات فبعض المراقبين يأملون بإن التحول الحالي تجاه الرأسمالية والذي كان يحصل بشكل تدريجي للغاية خلال خمس سنوات من حكم راول كاسترو سوف يقود كوبا تلقائيا نحو الديمقراطية ولكن التجربة تثبت العكس.
في واقع الأمر فإن التحرر الاقتصادي هو طريق غير مضمون بالمرة نحو الديمقراطية ولا يوجد مثال لتوضيح ذلك أفضل من الصين والتي تعتبر أكبر وأقدم دولة سلطوية وشمولية بالعالم ففي الصين يحتفظ الحزب الشيوعي الصيني بإحتكاره للسلطة حتى بعد أن أدت إصلاحات السوق إلى صعود الإقتصاد الصيني (إن من أكبر المستفيدين من هذه العملية هو الجيش الصيني).
إن الإعتقاد بأن الرأسمالية تؤدي للديمقراطية بشكل تلقائي يوحي بوجود رابط أيدولوجي بين الإثنين ولكن هيمنة الحزب الشيوعي الصيني – والذي يصل عدد أعضاءه حاليا إلى 88 مليون عضو أي أكبر من عدد سكان ألمانيا- لم تعد متجذرة أيدولوجيا فالحزب الممثل بأوليجارشية منعزلة تمكن من الإستمرار عن طريق توظيف أنواع مختلفة من الإدوات – القمعية والتنظيمية والمالية – من أجل منع نشوء معارضة منظمة.
لقد أشار تعميم صادر عن الحزب سنة 2013 يعرف بإسم "المستند رقم 9"إلى سبعة تهديدات لقيادة الحزب الشيوعي الصيني والتي ينوي شي جينبينغ إزالتها. إن هذه التهديدات تشمل تبني "الديمقراطية الدستورية الغربية" والترويج "للقيم العالمية "لحقوق الإنسان وتشجيع "المجتمع المدني" والإنتقادات السلبية لماضي الحزب وتبني "قيم الأخبار الغربية".
بإختصار فإن الشيوعية تركز بشكل أقل الآن على ما هي عليه "أي أيدولوجيتها" وبشكل أكبر على ما ليست هي عليه. إن ممثليها ملتزمون أولا وأخيرا بالتمسك بالسلطة السياسية وهو جهد يدعمه الرخاء الإقتصادي الذي تحقق بفضل الرأسمالية والذي يساعد على تجنب مطالب شعبية بالتغيير.
إن الوضع مماثل في فيتنام ولاوس فلقد بدأ البلدان عملية اللامركزية في السيطرة الإقتصادية وتشجيع القطاع الخاص في آواخر الثمانينات وهما الآن من أسرع الإقتصادات نموا في آسيا وحتى أن فيتنام هي عضو في الدفعة الأولى التي تتكون من 12 بلد في إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء ولكن ما يزال نظام الحزب الواحد مترسخا ويستمر هذا النظام في ممارسة القمع السياسي بشكل كبير.
لا يبدو أن الأمور سوف تتغير قريبا ففي فيتنام فشل نجوين تان دونج رئيس الوزراء صاحب النزعة الإصلاحية في مسعاه لأن يصبح أمين عام الحزب الشيوعي (القائد الأعلى للبلاد) وأعاد المؤتمر الوطني الثاني عشر إنتخاب الأمين العام الحالي نجوين بو ترونغ.
إن الرأسمالية إلى جانب توفيرها للمكتسبات المادية الكافية لإرضاء الشعب تعمل كذلك على تقوية قدرة الحكم الشيوعي على زيادة القمع الداخلي والتحكم بالمعلومات ومن الأمثلة على ذلك " جدار الحماية الصيني العظيم " وهو عبارة عن عملية حكومية تستهدف مراقبة وحجب محتوى الإنترنت وخلق عالم من المعلومات التي تم تطهيرها سياسيا للمواطنين. إن الصين هي الدولة الكبرى الوحيدة في العالم والتي فيها الميزانية الرسمية للأمن الداخلي أكبر من الميزانية الرسمية للدفاع الوطني.
وفي مواجهة الإضطرابات الإقتصادية الحالية فإن التحكم بالمعلومات قد أصبح أكثر أهمية مقارنة بأي وقت مضى ومن أجل احباط أية تحديات محتملة تقوم القيادة الصينية بشكل متزايد بتكميم الصحافة حيث تحد على الخصوص من التقارير أو التعليقات التي يمكن أن تؤثر سلبا على أسعار الأسهم أو العملة. لقد طلب تشي من الصحفيين التعهد " بالولاء الكامل" للحزب الشيوعي الصيني وبإن يتابعوا عن كثب القيادة في " الفكر والسياسات والعمل" ولقد حذرت إحدى الصحف المملوكة للحكومة بإن "شرعية الحزب قد تنحدر وبإن وسائل إعلام البلاد حيوية من أجل تحقيق الإستقرار السياسي".
إن من الواضح إنه في الأماكن التي يتحكم فيها الشيوعيون بمقاليد الحكم فإن تطور سوق حر للبضائع والخدمات لا يقود بالضرورة لظهور سوق للأفكار وحتى في نيبال البلد الذي يهيمن عليه الشيوعيون والذي يقام فيه إنتخابات كان هناك فشل في ترجمة التحرر الإقتصادي إلى عملية إنتقالية ديمقراطية معتبرة وعوضا عن ذلك فإن سياسات البلد ما تزال في حالة من الغليان مع وجود أزمات سياسية ودستورية تقوض سمعتها كدولة ساحرة ومتجانسة وتهدد بتحويلها لدولة فاشلة.
يبدو ان هناك تناقض واضح بين الديمقراطية والشيوعية ولكن من الواضح أنه لا يوجد تناقض بين الرأسمالية والشيوعية وهذا يمكن أنلايكون خطيرا للغاية.
في واقع الأمر فإن الزواج بين الرأسمالية والشيوعية والذي قادته الصين قد نشر نموذجا سياسيا جديدا وهو يمثل أول تحدي مباشر للديمقراطية الليبرالية منذ الفاشية : الرأسمالية السلطوية ومع الصعود المذهل للصين لتصبح قوة عالمية رائدة في أقل من جيل واحد فلقد أقنعت الصين الأنظمة السلطوية في كل مكان بإن الرأسمالية السلطوية- أو كما يحلو للقادة الصينين دعوتها بإلاشتراكية بخصائص صينية أسرع وأسهل طريق للإزدهار والإستقرار وهذا أفضل بكثير من الإنتخابات السياسية التي تنطوي على الفوضى ولعل هذا يفسر لماذا توقف نشر الديمقراطية مؤخرا على المستوى العالمي.
إن زيارة أوباما المرتقبة لكوبا يجب أن يتم الترحيب بها على إنها إشارة بنهاية سياسة أمريكا الإنعزالية غير الملائمة وهو تطور قد يفتح الطريق لرفع حظر تجاري ضد البلاد عمره أكثر من 55 سنة ولكن سوف يكون من الخطأ الإفتراض بإن الإنفتاح الكوبي الإقتصادي والذي تعزز بفضل التقارب من أوباما سوف يقود بالضرورة إلى حقبة سياسية جديدة في كوبا.