تعزيز العلاقات العراقية–التركية وسط التوترات الإقليمية

مجموعة الازمات الدولية

2025-12-10 04:29

بعد سنوات من العلاقات المتوترة، ترسم أنقرة وبغداد مساراً نحو المصالحة. لكن قدراً كبيراً من نجاحهما يعتمد على كيفية إدارة الجانبين (وأطراف أخرى) لمختلف القضايا الشائكة. ولذلك، ينبغي عليهما بذل كل جهد ممكن للمحافظة على الزخم الذي بدأ بالترسخ.

ما الجديد؟ في السنوات القليلة الماضية، وجدت تركيا والعراق طرقاً جديدة للتعاون بشأن قضايا كانت أحياناً مصدراً للاحتكاك – بما في ذلك صراع الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني، وإدارة المياه وصادرات النفط. ويتعاون البلدان أيضاً في بناء ممر تجاري رئيسي.

ما أهمية ذلك؟ يمكن لمصالحة مستدامة أن تنزع فتيل التوترات بين البلدين الجارين، وتعزيز الصمود الاقتصادي لكليهما، والمساعدة في تعزيز الاستقرار في منطقة عُرفت أكثر بالاضطرابات. في حين يعتمد جزء كبير من ذلك على ما إذا وفى حزب العمال الكردستاني بتعهده بحل نفسه، ربما ما يزال هناك مجال للاستمرار في تحسين العلاقات.

ما الذي ينبغي فعله؟ من أجل الاستمرار بالتحرك من أجل تسوية خلافاتهما، ينبغي على أنقرة وبغداد اتخاذ خطوات قانونية وخطوات أخرى للمساعدة في تحقيق التقدم بشأن حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه تحسين التعاون بشأن قضايا إدارة المياه وتصدير النفط، وتذليل العقوبات للوصول بمشروع طريق التنمية إلى مرحلة تحقيق النتائج. 

الملخص التنفيذي

بعد سنوات من العلاقات المتوترة، ترسم تركيا والعراق مساراً نحو المصالحة يَعِد بالكثير لكلا البلدين وللشرق الأوسط برمّته. يمكن لتعميق التعاون أن يخفف من حدة الاحتكاكات القديمة، وأن يعزز الصمود الاقتصادي، وأن يسهم في تحقيق درجة أكبر من الاستقرار في منطقة يبدو في كثير من الأحيان أنها تترنح من أزمة إلى أخرى. يعتمد جزء كبير من هذا على الكيفية التي يدير بها الجانبان (وأطراف أخرى) العمليات المتشابكة لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني ودمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية، إضافة إلى قضايا حساسة أخرى مثل إدارة المياه وصادرات النفط. التحديات الماثلة في هذا المجال كثيرة. لكن المسار الحالي للعلاقات الثنائية مشجع؛ فبإطلاق مبادرات مثل مشروع طريق التنمية العراقي، الذي أطلقاه معاً، اختارت أنقرة وبغداد فعلياً التعاون بدلاً من المواجهة. ينبغي أن تبذلا كل جهد ممكن لاستدامة هذا الزخم الذي بدأ بالترسخ.

لقد ساعدت العمليات التنموية المتوازية في العراق وتركيا بغداد وأنقرة على إعادة صياغة علاقاتهما. لقد بدأ العراق بالتمتع بدرجة أكبر من الاستقرار منذ ألحقت القوات العراقية، بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الهزيمة على الأرض بتنظيم الدولة الإسلامية في أواخر عام 2017، واكتساح موجة من الاحتجاجات الشعبية البلاد في عامي 2019 و2020. لقد سمح الهدوء النسبي للمسؤولين بالشروع في تحويل اهتمامهم من الأمن إلى النمو الاقتصادي، وتقديم أفضل للخدمات العامة، واتباع سياسة خارجية تركز على هذه الأولويات. تبعث العلاقات الأوثق مع أنقرة الأمل ليس فقط في قيام تعاون أعمق في مجال التجارة والطاقة، بل أيضاً ببذل جهود مشتركة لمعالجة شح المياه في العراق، الذي يعتمد على إمداداته المائية المتضائلة بشكل رئيسي على نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا.

في هذه الأثناء، تكيّفت تركيا مع الصعود السياسي للمجموعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران في العراق، التي ساعدت في شن الجزء العراقي من الحملة الموجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. كانت في السابق قلقة من بروز هذه الفصائل، ليس فقط بسبب علاقاتها بطهران، بل أيضاً بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا. لكن أنقرة بدأت تدريجياً بقبول الواقع السياسي العراقي في حقبة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، فوسعت انخراطها ليشمل عدداً من العناصر الشيعية المدعومة من إيران؛ وبالمقابل، حصلت على دعمها لتعاون ثنائي أوسع. بموازاة ذلك، بدأت تركيا بتقدير أهمية السعي نحو الاندماج الإقليمي مع العراق كوسيلة لتحقيق الاستقرار في جوارها، وتوسيع التواصل الاقتصادي وحماية نفسها من الصراعات الدائرة في أماكن أخرى.

لقد مهدت البراغماتية المتنامية لدى الجانبين الطريق لتحقيق التقدم بشأن القضية الأكثر صعوبة التي تثير التوتر في العلاقات بين البلدين الجارين، وهي قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، والعمليات العسكرية التركية المتكررة لتحييدها. في آذار/مارس 2024، صنفت الحكومة التركية حزب العمال الكردستاني تنظيماً إرهابياً. فعلت ذلك بالحصول على الموافقة الضمنية للمجموعات المدعومة من إيران للعمل مع تركيا على كبح جماح الحزب، على أمل تأمين انسحاب عسكري تركي من الأراضي العراقية.

في الشهر التالي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العراق للمرة الأولى منذ أكثر من اثني عشر عاماً. وقَّع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتفاقية إطارية إستراتيجية، إضافة إلى 26 مذكرة تفاهم ذات صلة، تلزم البلدين بتعزيز التعاون في مجالات الأمن، والتجارة، والطاقة، وإدارة المياه.

منذ ذلك الحين، تشارَك البلدان في عدة مبادرات أخرى، من أهمها طريق التنمية، الذي يَعِد بربط ميناء الفاو في البصرة في جنوب العراق بتركيا من أجل التجارة بين آسيا وأوروبا من خلال شبكة متوازية من الطرق، والسكك الحديدية، وأنابيب النفط. ومن أجل معالجة مشكلات العراق المائية، اتفقت أنقرة وبغداد على آلية تمول فيها مبيعات النفط العراقية استثمارات تركية في تحسين البنية التحتية للمياه. كما تجاوزتا نزاعاً كان قد أوقف صادرات النفط العراقية من خلال أنبوب نفط تركي على مدى العامين ونصف العام الأخيرين.

في الوقت نفسه، حدث تحوّل في الوضع المتعلق بحزب العمال الكردستاني نحو الأفضل، حيث أطلقت أنقرة مبادرة سلام جديدة لإنهاء الصراع في أواخر عام 2024، أعلن الحزب بعدها وقف إطلاق نار من جانب واحد؛ وفي تموز/يوليو التالي، قال إنه سيحلّ نفسه ويتخلى عن سلاحه. إذا كان الحزب جاداً بشأن هذا التعهد، وإذا اتخذت أنقرة الخطوات المناسبة لتشجيع الحزب على المضي في هذا الاتجاه، يمكن أن تمنح زخماً للتعاون على جانبي الحدود. 

من شأن تسوية دائمة للصراع مع حزب العمال الكردستاني أن تزيل عقبة رئيسية أمام تعزيز العلاقات الثنائية. لكن مصير الحزب مرتبط على نحو وثيق أيضاً بالجماعة المرتبطة به في شمال شرق سوريا، وهي قوات سوريا الديمقراطية، التي تجري محادثات مع دمشق بشأن دمج مؤسساتها في الدولة السورية الجديدة. إذا تعرقلت هذه النقاشات، فإن عملية صنع السلام مع حزب العمال الكردستاني قد تتعطل، وكذلك المشاريع العراقية–التركية المشتركة. يمكن أن تشكل الممارسات السياسية العراقية الداخلية مشكلة أخرى؛ فرئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، الذي شجع على بعث الدفء في العلاقات مع أنقرة، من غير المرجح أن يعاد تعيينه بعد الانتخابات العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر.

لكن لا ينبغي للعلاقات الثنائية أن تتأثر بذلك. حتى إذا لم تسفر جهود صنع السلام مع حزب العمال الكردستاني عن شيء، يبقى لدى أنقرة وبغداد حوافز قوية للتعاون بشأن الأمن، والعلاقات الاقتصادية والاستقرار الإقليمي. تستحق تلك الأهداف العمل من أجلها، حتى إذا ظلت مسألة حزب العمال الكردستاني عقبة تستطيعان الالتفاف حولها دون التغلب عليها. إن الائتلاف الذي سيعيِّن خليفة السوداني هو الائتلاف نفسه الذي عيّنه ومنح موافقته للمصالحة مع تركيا؛ ومن ثم ليس من المحتم أن يرغب هذا الائتلاف أن يغير رئيس الوزراء الجديد هذا المسار.

وسط جملة من المخاطر، ينبغي على أنقرة وبغداد مضاعفة جهودهما لتعزيز التعاون المفيد لكلا الجانبين – ولا سيما من خلال مبادرات مثل طريق التنمية – وفي الوقت نفسه السعي إلى تسوية الخلافات العالقة بشأن حزب العمال الكردستاني، وإدارة المياه، وتجارة النفط. ينبغي أن يعزز العراق الطبيعة المؤسساتية للجان التقنية العاملة على مختلف القضايا الثنائية، بحيث تتجاوز عمليات تبادل السلطة بعد الانتخابات. وينبغي على تركيا، من جهتها، المحافظة على انخراط واسع النطاق مع الأجزاء المتنوعة للطيف السياسي العراقي. وبالتركيز على المصالح المشتركة والمحافظة على حوار مستمر، يستطيع البلدان تعزيز التقدم الذي تحقق حتى الآن في الانتقال من عدم الثقة إلى الشراكة.

* المصدر: crisisgroup.org

ذات صلة

مركز آدم ناقش.. تقييم الانتخابات البرلمانية الأخيرة وأهمية التأسيس لمعارضة بناءةإدمان الفرص المتكرّرةالشهيد السيد حسن الشيرازي.. الكلمة المقاتلة والجمال الرساليثقافة إخفاء الفشل… بينما النجاح له المزيد من الآباءالقوة التحويلية الكامنة في التعليم في الطفولة المبكرة