ارتفاع حدَّة عنف المستوطنين في الضفة الغربية خلال حرب غزة
مجموعة الازمات الدولية
2023-11-14 07:13
يرتفع عدد هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية على نحو كبير في الوقت الذي يتركز فيه الانتباه على قطاع غزة. في هذه الجولة من الأسئلة والأجوبة، تشرح خبيرة مجموعة الأزمات مايراف زونزيان ما يكمن وراء هذه الظاهرة الخطيرة وما يمكن فعله لوقفها.
ما الذي يحدث في الضفة الغربية؟
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وما تلاه من قصف وعمليات بريَّة في قطاع غزة، والضفة الغربية – التي شهدت في عام 2023 حتى الآن أكثر سنواتها دموية منذ عام 2005 – في حالة اضطراب أيضاً، مع ارتفاع حوادث العنف بشدَّة. فقد قُتِل أكثر من 130 فلسطيني، 43 منهم أطفال. وكان معظمهم ضحايا نيران الجنود الإسرائيليين، لكن ثمانية منهم، بمن فيهم طفل واحد، قتلوا بنيران ميليشيات المستوطنين، التي يرتدي أفرادها أحياناً الثياب الرسمية للجيش. لقد أبقت إسرائيل الضفة الغربية مغلقة منذ هجوم حماس، وفرضت قيوداً صارمة على الحركة بين مدنها. كما شنت حملة مكثفة من الاعتقالات، حيث احتجزت أكثر من 1,700 فلسطيني.
مع تَوجُّه كل الأبصار إلى غزة، فإن الضفة الغربية في ذروة قابليتها للانفجار. فقد استغل المستوطنون الوضع بتصعيد انتهاكاتهم للفلسطينيين في محاولة محسوبة لفرض سيطرتهم على مزيد من الأراضي. يحذّر الباحثون الميدانيون العاملون لدى منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم، والذي يراقبون القضية على نحو وثيق منذ سنوات، من أن المستوطنين منفلتون من ضوابط الدولة أكثر من أي وقت مضى: “تشير الحوادث على الأرض إلى أن المستوطنين، وتحت غطاء الحرب، يقومون بهجمات دون أية ضوابط فعلياً، ودون أن يوقفهم أحد لا قبل، ولا خلال ولا بعد وقوع الحوادث“.
ما الذي يشير إليه مصطلح “عنف المستوطنين“؟
تُعدُّ عبارة “عنف المستوطنين” جامعة لمختلف الأشكال التي يقوم فيها المواطنون الإسرائيليون الذين يعيشون في الضفة الغربية بإرهاب الفلسطينيين وإيذائهم. وتتراوح مثل تلك الأفعال من التعدِّي على الممتلكات، إلى إغلاق الطرق أو المعابر المؤدية إلى الأرض ومصادر المياه، إلى إحراق السيارات، أو المنازل أو الممتلكات الأخرى، وسرقة المواشي، وإحراق أشجار الزيتون أو قطعها، ورمي الحجارة، وتخريب الكنائس والمساجد، إضافة إلى مختلف أشكال المضايقات الجسدية واللفظية والتخويف. وفي عدة حالات، استعمل المستوطنون الرصاص الحيّ لقتل وجرح فلسطينيين.
لقد ازدادت حدَّة عنف المستوطنين على مدى العقد الماضي، على نحو مستمر كل عام. وتصاعد العنف بشكل كبير منذ وصول حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرِّفة إلى الحكم في كانون الأول/ديسمبر 2022؛ وهو يتصاعد مرة أخرى في أعقاب هجوم حماس.
لقد وقعت عدة حوادث كبيرة في عام 2023، وبتواتر غير مسبوق مع إلحاق أضرار أكبر من أي وقت مضى. في شباط/فبراير، على سبيل المثال، اقتحم مئات المستوطنين مدينة حوَّارة وعدة قرى فلسطينية أخرى في منطقة نابلس في شمال الضفة الغربية، وأحرقوا 30 منزلاً وما لا يقل عن 100 سيارة، بينما هاجموا الفلسطينيين بالقضبان الحديدية والحجارة، فقتلوا واحداً منهم. وحدث هياج مماثل في حزيران/يونيو في ترمسعيا، وأم صفا واللِّبن الشرقية، وهي قرى في وسط الضفة الغربية لم يكن المستوطنون سابقاً يزعجون أهلها. وفي كلتا الحالتين، حدثت الغارات مباشرة بعد هجمات فلسطينية أدَّت إلى مقتل إسرائيليين، فيما تشير إليها المؤسسات الأمنية بأنها أفعال انتقامية.
في حين قد يكون الانتقام هو الدافع المباشر في حالات معينة، فإن الهدف الجوهري لعنف المستوطنين يتمثَّل في تخويف الفلسطينيين وتهجيرهم من المناطق الريفية في الضفة الغربية، ولا سيما المنطقة ج، التي تشكِّل 60% من المنطقة التي ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993. وقد قال قادة المستوطنين ووزراء في الحكومة صراحة إن المنطقة ج، التي تُعدُّ بموجب القانون الدولي أرضاً محتلة وكان من المخطط أن تكون جزءاً من دولة فلسطينية مستقبلية، تنتمي إلى إسرائيل وينبغي ضمُّها رسمياً. وقد وضعوا خططاً، تضمَّنت موازنات كبيرة لبناء مساكن وشبكة طرق واسعة، لمضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية. يعتقد المستوطنون الشباب الذين يرتكبون معظم أعمال العنف ضد الفلسطينيين، والمعروفون بـ“شباب التلال“، أن من حقهم الذي منحهم الله إياه أن يكونوا في الضفة الغربية، التي يسمونها “يهودا والسامرة“، مستحضرين الأسماء التوراتية لهذه الأراضي. من وجهة نظرهم، يجب على الفلسطينيين إما أن يقبلوا أن يكونوا سكَّاناً من الدرجة الثانية أو يغادروا.
ما مدى عنف المستوطنين وأثره؟
في النصف الأول من عام 2023، شنَّ المستوطنون 591 هجوماً في الضفة الغربية المحتلة، بمتوسط 95 هجوماً شهرياً أو نحو ثلاثة كل يوم. ويمثِّل المتوسِّط الشهري زيادة بنسبة 39% على المقياس نفسه في عام 2022، طبقاً للأمم المتحدة، وعام 2023 هو العام السادس على التوالي الذي يرتفع فيها العدد الإجمالي للهجمات. لقد ارتفع إيقاع الهجمات الذي بلغ مستوىً قياسياً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلى مستوى غير مسبوق وهو سبع هجمات يومياً. في نصف جميع الحوادث تقريباً، وأيضاً طبقاً للأمم المتحدة، كانت القوات الإسرائيلية إما ترافق المهاجمين أو تدعمهم بفعالية.
يمرُّ عدد كبير من أعمال عنف المستوطنين دون توثيق، بالنظر إلى أنها تشمل التخويف أو المضايقة لكن دون إحداث ضرر بالممتلكات أو أضرار جسدية. لكن حتى في مثل تلك الحالات، فإن هذه الأفعال تُحدث شعوراً عميقاً بانعدام الأمان لدى الفلسطينيين المحليين، الذين يخشون التهديدات المستمرِّة لسبل عيشهم. في كثير من السنوات الأخيرة، ارتفع معدل عنف المستوطنين خلال موسم قطاف الزيتون، حيث يقتلع المستوطنون الأشجار ويهاجمون المزارعين. يعتمد نحو 80,000 إلى 100,000 من الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية على الزيتون وزيت الزيتون بصفتها مصادر رئيسية أو ثانوية للدخل.
في الشهور الأخيرة، ولا سيما منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أجبرت أعمال العنف المتكرِّرة التي يرتكبها المستوطنون نحو 1,000 فلسطيني على مغادرة منازلهم، بما في ذلك ما لا يقل عن 98 أسرة، يبلغ عدد أفرادها 800 نسمة، هُجِّرت من خمسة عشر تجمعاً رعوياً بدوياً في المنطقة ج. وقد غادر أفراد ستة تجمعات فلسطينية أخرى، يبلغ عددهم 450 شخصاً، منازلهم في ظل ظروف مماثلة خلال السنتين الماضيتين. وأصدرت 30 منظمة مجتمع مدني بياناً في 29 تشرين الأول/أكتوبر تحثُّ فيه القوى الخارجية على التدخُّل لوقف “موجة عنف المستوطنين المدعومة من الدولة والتي أدَّت، وتؤدِّي، إلى عمليات تهجير قسري” للفلسطينيين في الضفة الغربية.
كما دفع تحطُّم الشعور بالأمن في إسرائيل بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر الإسرائيليين أيضاً إلى تسليح أنفسهم، إذ يُتوقَّع تضاعف عدد مالكي الأسلحة ثلاث مرات. وزير الأمن القومي الإسرائيلي الذي ينتمي إلى أقصى اليمين إيتمار بن غفير جعل من أولوياته تسهيل معايير منح تراخيص الأسلحة للإسرائيليين، بمن فيهم المستوطنين، وربما المستوطنين على نحو خاص. وقد استدعى طلب إسرائيلي قُدِّم أخيراً للحصول على 24,000 بندقية هجومية من الولايات المتحدة التدقيق من وزارة الخارجية، إذ يخشى المسؤولون أن تذهب هذه الأسلحة مباشرة إلى أيدي المستوطنين.
هل تفعل إسرائيل شيئاً لوقف هذه الهجمات؟
باختصار، لا. على مدى عقود، أخفقت إسرائيل على نحو منتظم سواءٌ في منع المستوطنين من مهاجمة الفلسطينيين أو محاكمة المستوطنين على جرائمهم بعد وقوعها. تمتلك منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ييش دين، التي تتتبَّع منذ تأسيسها في عام 2005، سجِّل الدولة في فرض القانون في هذه المنطقة، أدلة دامغة على أن الجنود الإسرائيليين لا يفعلون شيئاً عادة عندما يرتكب المستوطنون أعمال عنف ضد الفلسطينيين. في حادث وقع في منتصف تشرين الأول/أكتوبر في التواني، وهي قرية وسط التلال الواقعة جنوب الخليل، وثَّقت منظمة بتسيلم قيام مستوطن بإطلاق النار على فلسطيني غير مسلح على مدى قريب جداً بينما وقف الجنود الإسرائيليون مكتوفي الأيدي.
لقد أصبحت ظاهرة الوقوف مكتوفي الأيدي أقرب إلى “الوقوف معاً“، كما قال المدير التنفيذي لييش دين، ستيف ستال، لمجموعة الأزمات، مشيراً إلى العدد المتزايد من الحوادث التي لا يكتفي فيها الجنود بعدم التدخل بل يتواطؤون مع المستوطنين في مهاجمة الفلسطينيين. لقد أصبح عدم قيام الجنود بكبح جماح مثل تلك الأفعال متكرراً وواضحاً إلى درجة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، شعر بضرورة معالجتها في حزيران/يونيو. وقال: “يدفع الإرهاب وتداعياته الصعبة بعض الناس إلى ارتكاب أفعال محظورة قانونياً وأخلاقياً. إن ضابطاً في الجيش الإسرائيلي يقف مكتوف الأيدي وهو يرى مواطناً إسرائيلياً يخطط لرمي زجاجة مولوتوف على منزل فلسطيني لا يمكن أن يكون ضابطاً“.
لقد أدان جميع كبار ضباط الأمن الإسرائيليين عنف المستوطنين، لكن لم تقم السلطات عمليّاً بفعل شيء تقريباً لمكافحة الظاهرة. والأداة الرئيسية المستعملة، والتي تمثِّل إجراءً استباقياً أكثر منه عقابياً، تتمثل في وضع المستوطنين في الحجز الإداري، وهي ممارسة يُحتجز فيها الأشخاص دون توجيه اتهام أو محاكمة. وقد تم وضع 12 إسرائيلياً يهودياً في الحجز الإداري السنة الماضية بأمر من وزير الدفاع، وهو عدد قياسي، وما يزال نحو ثمانية منهم في الحجز. مسؤول عسكري رفيع أخبر مجموعة الأزمات أنه في حين أن الحجز الإداري ليس مثالياً في دولة ديمقراطية، فإن إسرائيل تستعمله لحماية المعلومات الحساسة والمصادر المستعملة للحصول على المعلومات الاستخبارية. هناك أكثر من 2,000 فلسطيني في الحجز الإداري حالياً. كثيرون منهم محتجزون منذ سنوات، حيث تستطيع السلطات تجديد الأمر كل ستة أشهر إلى ما لا نهاية.
لكن بشكل عام فإن الحكومة لا تعاقب المستوطنين الذين يرتكبون أعمال العنف، بالنظر إلى أن الشرطة، وأعداد أفرادها أقل بكثير في الضفة الغربية (إلّا في القدس الشرقية) مما هي في إسرائيل، نادراً ما تجمع الأدلة أو تتابع تحقيقاً جنائياً إلى نهايته. وفي كثير من الأحيان، تُحوِّل الشرطة – وهي الجهة المسؤولة عن فرض القانون على الإسرائيليين في الضفة الغربية (إذ إن الجنود مخوَّلين باحتجاز الإسرائيليين لمنع إلحاق الضرر لكنهم غالباً غير مدرَّبين على فعل ذلك) – المسؤولية إلى الجيش، الذي ينتشر بكثافة في جميع أنحاء الضفة الغربية، بينما يدَّعي الجيش أن ذلك من عمل الشرطة. منذ عام 2005، راقبت ييش دين 1,597 تحقيقاً في حالات عنف ارتكبها مدنيّون إسرائيليّون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية (ماعدا القدس الشرقية). ومن بين 1,531 تحقيقاً مكتملاً، وجَّه المدَّعون العامّون إدانات في 107 حالات فقط (7%)، ما يعني أن 93% من التحقيقات أُغلقت دون اتخاذ إجراء قانوني. وطبقاً لييش دين، فإن 3% فقط من التحقيقات أفضت إلى أدانة.
مع ارتفاع عدد الحوادث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، حذَّر رونين بار، مدير شين بيت، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، حكومة الحرب في 30 تشرين الأول/أكتوبر من أن عنف المستوطنين قد يؤدي إلى تصعيد خطير آخر في الضفة الغربية. إلَّا إن الجيش ينتشر على مساحات أوسع من قدرته على تغطيتها، حيث ينتشر جميع الجنود المجندين على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة أو إنهم باتوا داخل القطاع نفسه، وكذلك على الحدود الشمالية مع لبنان، ما يترك جنود الاحتياط فقط لحراسة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وكثير من جنود الاحتياط هؤلاء هم أنفسهم مستوطنون، ويكلَّفون بشكل إضافي في كثير من الأحيان بأداء خدمتهم الاحتياطية في حماية مجتمعاتهم المحليَّة. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، استعمل الجيش الأمر 8 - وهو استدعاء طارئ للاحتياط في زمن الحرب – لتجنيد فرق ردٍّ سريع متطوعة من المستوطنين لحراسة المستوطنات تُعطى ألبسة الجيش لارتدائها. وتزيد هذه الخطوة من غموض الحد الفاصل بين المستوطنين والجنود.
ثمة عدة عوامل أخرى تساعد المستوطنين على التصرُّف دون خشية العقاب، ولا سيما حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يرى أن وظيفته أولاً وقبل كل شيء حماية المواطنين اليهود والمصالح الإسرائيلية. ثمة عدد كبير من المستوطنين يخدمون اليوم بصفة قادة في الجيش الإسرائيلي. جدير بالملاحظة أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية لها أجندة واضحة وصريحة لضم الضفة الغربية. ونتيجة لذلك، فإن عنف المستوطنين يخدم أجندة الدولة المتمثلة في إحكام قبضتها على هذه الأراضي. منذ تبوأ مستوطنون من أقصى اليمين مثل إيتمار بن غفير وبيزاليل سموترتش مناصب رفيعة في حكومة نتنياهو، فإنهم لم يمتنعوا فقط عن إدانة عنف المستوطنين بل إنهم أقرُّوه صراحة، مدَّعين أن المستوطنين يتصرفون دفاعاً عن النفس في كل مرة يرتكبون هجوماً.
ما يصبُّ الزيت على النار هو أن عضو الكنيست تسفي سوكوت، وهو مستوطن من حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، عُيِّن رئيساً للجنة الكنيست للشؤون الخارجية والدفاع، التي تتعامل مباشرة مع القضايا الأمنية في الضفة الغربية. لم يؤدِّ سوكوت الخدمة العسكرية، حاله كحال بن غفير، الذي لم يجنَّد في الجيش أيضاً بسبب ميوله السياسية المتطرفة وسجلِّه السابق، حيث اعتُقل عدَّة مرات، بما في ذلك للشك في قيامه بإشعال حريق متعمَّد في مسجد. واكتسب صيتاً سيئاً لذهابه إلى بُؤَر مشتعلة مثل حوَّارة وقبر يوسف في نابلس، مصحوباً بمستوطنين متطرفين آخرين، وهو فعل يتطلب حماية من الجيش بالنظر إلى أنه يستفز الفلسطينيين ويثير احتكاكاً معهم. قال سوكوت عن تعيينه: “أتولى منصب رئيس اللجنة الفرعية ليهودا والسامرة لرعاية السلامة الشخصية لسكان يهودا والسامرة، ولتطوير المستوطنات إلى أكبر حد ممكن“.
وفي تطوِّر أكثر إثارة للقلق، دعا وزير المالية بيزاليل سموترتش، وهو مستوطن متطرِّف يخدم أيضاً بصفة محافظ للضفة الغربية بصفته وزيراً في وزارة الدفاع، دعا رئيس الوزراء ووزير الدفاع إلى فعل المزيد لتأمين المستوطنين وذلك بتأسيس “مناطق معقمة” قرب مستوطنات الضفة الغربية من أجل منع الفلسطينيين من الدخول. من شأن هذا الإجراء أن يقلِّص فعلياً المساحة التي يمكن للفلسطينيين أن يعيشوا، ويعملوا ويتحركوا فيها بحرية.
ما الذي تقوله الولايات المتحدة أو تفعله، هذا إذا كانت تقول أو تفعل شيئاً؟
لقد طلبت إدارة بايدن من إسرائيل كبح جماح عنف المستوطنين عدة مرات في عام 2023. وقد فعلت ذلك مرة أخرى بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ففي 25 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: “ما تزال تروِّعُني مهاجمة مستوطنين متطرفين للفلسطينيين في الضفة الغربية، فذلك بمثابة صبِّ الزيت على النار“. وغرَّدت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس–غرينفيلد في 31 تشرين الأول/أكتوبر: “تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من الارتفاع الكبير في حدَّة العنف ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية. إننا ندين أعمال القتل تلك، ونحثُّ إسرائيل على منع هذه الهجمات، بالعمل مع السلطة الفلسطينية“.
إلَّا إن هذه الكلمات التحذيرية تبدو جوفاء لا معنى لها. فكما ناقشنا أعلاه، لم تُظهر إسرائيل استعداداً يذكر لوقف الهجمات أو معاقبة مرتكبيها. والسلطة الفلسطينية، من جهتها، لا تمتلك تفويضاً في المنطقة ج من الضفة الغربية، حيث تحدث معظم أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون، ومن ثمَّ فإن دعوة رام الله للمساعدة لا معنى لها. علاوة على ذلك، وكحال القيادات الأمنية الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة لم تتخذ إجراءً ملموساً لدعم بياناتها وتحذيراتها.
مع توغُّل القوات الإسرائيلية عميقاً في قطاع غزة، وحدوث مناوشات على عدة جبهات أخرى على نحو يعزز خطر حدوث حرب إقليمية، فإن ثمة مخاطرة كبيرة في انزلاق الضفة الغربية إلى حالة أسوأ من العنف والفوضى. ولذلك ينبغي على إدارة بايدن أن تعيد التأكيد على معارضتها لمشروع الاستيطان الإسرائيلي على أنه لا ينسجم مع القانون الدولي ورفع الصوت على نحو أكثر حزماً ضد العنف المنهجي ضد الفلسطينيين واستمرار الترهيب الذي يعانون منه. قد يكون التهجير الجاري حالياً غير قابل للعكس. لكن على الأقل، ينبغي عكس بيان عام 2019 الذي أطلقه سَلَف بلينكن، مايك بومبيو، الذي قلَب الموقف الأميركي القديم والمتمثل في أن المستوطنات غير قانونية. ثمة حاجة ملحَّة لوقف الأعمال القتالية في قطاع غزة، بينما ينبغي على الولايات المتحدة أن تشترط استمرار دعمها لإسرائيل بوضع حدٍّ فوري للتهجير القسري للفلسطينيين والملاحقة القضائية المنهجية للمستوطنين والجنود الذين يرتكبون أفعال الترهيب دون خشية العقاب.
مع ضلوع واشنطن على نحو واضح الآن في اللعبة في قطاع غزة، وبما يتجاوزها، وبالنظر إلى مستوى انعدام القدرة على التنبؤ بما سيحدث في الشهور القادمة، يتعيَّن على الولايات المتحدة، وكذلك على الدول العربية التي طبَّعت أو ترغب بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أن تعالج قضية عنف المستوطنين على نحو خاص والاحتلال الإسرائيلي على نحو عام، في محاولة لإعادة تفعيل إطار حل للأزمة الإسرائيلية–الفلسطينية. أما إذا ظلّت مكتوفة الأيدي، فإن البديل لن يقتصر على أنه لن يكون هناك شيء تتحدث عنه، بل يمكن أن تُفتَح جبهة معركة أخرى.