التستر على أصول تفشي فيروس كوفيد 19
بروجيكت سنديكيت
2022-01-18 07:04
بقلم: براهما تشيلاني
نيودلهي – مع دخول الجائحة عامها الثالث، تبدو الأسئلة حول أصول تفشي فيروس كوفيد 19 بعيدة على نحو متزايد. ولكن إذا أردنا تفادي اندلاع جائحة جديدة لفيروس كورونا في القرن الحادي والعشرين، ينبغي السعي لفهم ومعرفة أسباب اندلاع الجائحة الحالية.
لقد أودى فيروس كوفيد 19 بالفعل بحياة أكثر من 5.4 مليون شخص. لكن هذه ليست سوى البداية: تشمل الأضرار الناجمة عن الجائحة ارتفاع معدلات السمنة والبطالة والفقر والاكتئاب والادمان على الكحول وجرائم القتل والعنف المنزلي والطلاق والانتحار. وبينما يساهم مُتحور “أوميكرون” في زيادة معدلات الإصابة بالعدوى بشكل قياسي وتعطيل الاقتصادات في أجزاء كثيرة من العالم، فإن الإرهاق والتعب الوبائي يتحول إلى استنزاف للجهود الوبائية.
تبدو فرصنا في القضاء على فيروس كوفيد 19 الآن بعيدة المنال بشكل متزايد. ومع ذلك، بينما نحاول معرفة كيفية التعايش مع الفيروس، يتعين علينا أيضا تحديد الخطوات والقرارات الخاطئة التي قادتنا إلى هذه المرحلة – سواء كانت عرضية أو مُتعمدة. وهذا يعني، أولا وقبل كل شيء، توجيه نظرة ناقدة نحو الصين.
من المعروف أن نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ منع نشر تقارير مبكرة تفيد بظهور فيروس كورونا جديد مميت في مدينة ووهان الصينية وأخفى أدلة على انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، مما ممكن من تحول تفشي المرض على المستوى المحلي إلى كارثة عالمية. ولا يزال يتعين علينا معرفة ما إذا كان فيروس كورونا قد ظهر بصورة طبيعية في الحياة البرية أو تم تسريبه من المختبر – وبالتحديد، معهد ووهان لعلم الفيروسات (WIV).
وفي هذه المرحلة أيضا، تبنت الصين سياسة التعتيم بدلا من الشفافية. فقد أوقف نظام شي تحقيقا جنائيا مستقلا في البحث عن مصدر تفشي فيروس كوفيد 19، بحجة أن أي تحقيق من هذا القبيل يرقى إلى “التسييس لتعقب الأصول”. بعد أن دعت أستراليا إلى إجراء تحقيق في طريقة تعامل الصين مع تفشي المرض، عاقبتها حكومة شي من خلال فرض مجموعة من العقوبات غير الرسمية.
وقد عمدت الصين إلى تغطية سلوكها السيئ وقراراتها الخاطئة. وفي وقت مبكر من اندلاع هذه الجائحة، قام المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بمحاكاة وجهات نظر الحكومة الصينية وأشاد بأسلوبها في التعامل مع الجائحة. وبدلا من التحقق من ادعاءات الصين، قامت منظمة الصحة العالمية بكشفها للعالم أجمع.
ومع ذلك، بعيدا عن إدانة فشل قيادة الصحة العالمية، فقد تولت فرنسا وألمانيا زمام المبادرة في ترشيح تيدروس لولاية ثانية على رأس منظمة الصحة العالمية، كما قررت الولايات المتحدة عدم تقديم مرشح لمنافسته. وبعد فوزه دون معارضة، سوف يتولى تيدروس الآن قيادة هذه المؤسسة المهمة لخمس سنوات أخرى.
كما ساعد الغرب الصين في صرف الانتباه عن فرضية تسرب الفيروس من المختبر. لا يقتصر الأمر على مشاركة العديد من المختبرات في الغرب في الأبحاث لتصميم فيروسات خارقة. في واقع الأمر، ترتبط الحكومات الغربية ارتباطا وثيقا بمعهد ووهان لعلم الفيروسات – وهو معهد فرنسي التصميم حيث يتم إجراء أبحاث بتمويل من الولايات المتحدة. وقد أصدرت كل من المعاهد الوطنية للصحة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية منحا إلى تحالف الصحة البيئية، وهو فريق يدرس فيروسات الخفافيش التاجية بالتعاون مع باحثين في “معهد ووهان لعلم الفيروسات”.
لم تكشف الحكومة الأميركية عن حجم تمويلها الكامل لمشاريع معهد ووهان لعلم الفيروسات، ناهيك عن توضيح سبب قيام وكالاتها بتمويل الأبحاث في مؤسسة مرتبطة بالجيش الصيني. وقد أعلنت صحيفة حقائق أصدرتها وزارة الخارجية في كانون الثاني (يناير) عام 2021 أن الولايات المتحدة لديها “الحق، كما تُعد مُلزمة بتحديد ما إذا كانت أي من عمليات تمويل الأبحاث الخاصة بنا قد تم تحويلها إلى مشاريع عسكرية صينية سرية في معهد ووهان لعلم الفيروسات”. ولكن لماذا اعتُبرت هذه المخاطرة مقبولة في المقام الأول؟
لقد أدى تضارب المصالح حول فرضية تسرب الفيروس من المختبر إلى تشويه المناقشات المبكرة حول أصول تفشي فيروس كوفيد 19. إن الرسالة التي تم نشرها في مجلة “ذا لانسيت” الطبية البريطانية في شباط (فبراير) عام 2020، والموقعة من قبل مجموعة من علماء الفيروسات، هي أكبر مثال على ذلك. أدانت الرسالة “بشدة” أولئك “الذين يشيرون إلى أن فيروس كورونا المُستجد ليس له أصل طبيعي”. كانت الرسالة واضحة: إن إضفاء أي مصداقية على احتمال حدوث تسرب مختبري للفيروس لن يكون مبنيا على حقائق علمية.
وقد تبين أن الرسالة تم تنظيمها وصياغتها من قبل رئيس منظمة تحالف الصحة البيئية. ولكن بحلول الكشف عن تضارب المصالح، كان الأوان قد فات. كانت المؤسسات الإخبارية الأميركية الكبرى وعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي تتعامل مع فرضية تسرب الفيروس من المختبر باعتبارها نظرية مؤامرة لا أساس لها من الصحة، مع فرض مواقع فيسبوك وإنستغرام وتويتر رقابة على الإشارات إلى وقوع حادث مختبر.
كان ينبغي أن يكون واضحا دوما أن فرضية تسرب الفيروس من المختبر مبررة: فقد نتج عن مثل هذا التسرب تفشي مرض السارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم) في بكين عام 2004. وبدلا من ذلك، تم قمع النقاش الصريح حول هذا الاحتمال حتى أيار (مايو) 2021، عندما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن وقوع حادث تسريب من المختبر كان أحد “السيناريوهين المحتملين” اللذين ستركز عليهما وكالات الاستخبارات الأميركية، حيث أجرت تحقيقات دامت تسعين يوما لمعرفة مصدر تفشي الفيروس.
وبحلول ذلك الوقت، كان لدى السلطات الصينية متسعا من الوقت للتخلص من أي دليل على إهمالها أو تواطئها، فضلا عن عدم رغبتها في التعاون في التحقيق، ولا ينبغي أن يكون مفاجئا أن نتائج التحقيق كانت غير حاسمة.
لكن من الواضح أن هذه الممارسة كانت كافية لإقناع بايدن برفع الضغوط عن الصين. على الرغم من تعهده “ببذل كل ما في وسعه لتتبع ومعرفة مصدر هذا التفشي الذي تسبب في ألم شديد ونسبة كبيرة من الوفيات في جميع أنحاء العالم”، إلا أنه لم يُكمل التحقيقات الاستخباراتية، ومنذ ذلك الحين تجنب أي حديث عن أصول الفيروس.
وكان شي قد أعلن في أيلول (سبتمبر) الماضي أن المختبرات الصينية التي تتعامل مع مسببات الأمراض الفتاكة سوف تخضع لفحص دقيق، لكنه يواصل التنديد بأي تلميح إلى احتمال تسرب فيروس كورونا. ومن ناحية أخرى، تستفيد الصين من هذه الجائحة، حيث تعرف صادراتها نموا مستمرا. وقد استفادت البلاد من الأزمة لتعزيز مصالحها الجيوسياسية، بما في ذلك عن طريق تصعيد عدوانها الإقليمي، من شرق آسيا إلى جبال الهيمالايا.
ومع ذلك، سوف يحين وقت تسوية الحساب. يعتقد ما يقرب من ثلاثة أرباع الأميركيين الآن أنه من “المحتمل” أن يكون فيروس كوفيد 19 قد تم تسريبه من معهد ووهان لعلم الفيروسات. علاوة على ذلك، وفي ظل وضوح طموحات الصين الإمبريالية الجديدة، بلغت وجهات النظر السلبية تجاه الصين مستويات قياسية في العديد من الاقتصادات المتقدمة. إذا أراد قادة العالم تفويضا لإجراء المزيد من التحقيقات حول منشأ الفيروس، فمن الآمن القول إنهم حصلوا عليه.
هذه ليست أول جائحة تنشأ في الصين – فقد أنتجت الدولة أيضا مرض السارس في عام 2003، والأنفلونزا الآسيوية في عام 1957، وأنفلونزا هونج كونج في عام 1968، والأنفلونزا الروسية في عام 1977. إذا استمر العالم في السماح للصين بالإفلات من العقاب، فلن تكون هذه الجائحة هي الأخيرة.