استيلاء الشركات على قمة الأمم المتحدة للأغذية
بروجيكت سنديكيت
2021-09-23 07:00
بقلم: صوفيا مونسالف
هايدلبيرج ــ عندما زرت والديّ في بوجوتا الشهر الماضي، رأيت كيف يجوب الناس في حيهما الشوارع متوسلين المساعدة من أجل البقاء على قيد الحياة. منذ نهاية إبريل/نيسان، شهدت كولومبيا واحدة من أكبر موجات الاضطرابات الاجتماعية في العصر الحديث ــ كان الجوع جوهر الاحتجاجات. كما شهدت جنوب أفريقيا اضطرابات مماثلة في يوليو/تموز.
بسبب وطأة الجوع المتنامية تنشأ التقلبات في كثير من البلدان، مما يؤدي إلى تفاقم الأثر الاجتماعي والاقتصادي المدمر الناجم عن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وأزمة المناخ. وفقا للأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة مؤخرا، تسببت الجائحة في زيادة عدد الجياع بما يصل إلى 161 مليونا، ليرتفع عددهم الإجمالي إلى 811 مليونا. الواقع أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة أشخاص ــ نحو 2.4 مليار ــ يفتقر إلى القدرة على الوصول إلى التغذية الكافية.
نظرا لعدم إحراز القدر الكافي من التقدم نحو إنهاء الجوع وسوء التغذية في العالم بحلول عام 2030، قرر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس عقد قمة النظم الغذائية في نيويورك في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول. وُصِـفَ هذا الاجتماع على أنه فرصة لمناقشة تدابير جديدة جريئة من شأنها أن تغير الطريقة التي ينتج بها العالم الغذاء ويستهلكه وكيف يفكر فيه.
لكن القمة شابها الجدال منذ البداية، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى نفوذ مصالح الشركات في تأطير الأجندة فيما وصفه المنتقدون على أنه محاولة لخصخصة عملية صنع القرار. وضعت الأمم المتحدة جدول أعمال ما قبل القمة بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، فمنحت بذلك القوى الرئيسية في عالم الشركات أدوارا أساسية. على سبيل المثال، يتولى التحالف العالمي من أجل تحسين التغذية، المؤسسة العالمية التي تتخذ من سويسرا مقرا لها، قيادة أعمال القمة في ما يتصل بالقضاء على الجوع. إحدى الجهات المانحة للتحالف العالمي من أجل تحسين التغذية هي شركة إنتاج المبيدات الحشرية BASF، التي تحاول تصوير ذاتها على أنها "نصير الأنظمة الغذائية".
كان خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قاطعين في انتقادهم للعملية، التي أدت إلى تهميش لجنة الأمن الغذائي العالمي التابعة للأمم المتحدة. تشمل المناقشات في لجنة الأمن الغذائي العالمي المئات من ممثلي المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، والصيادين، والسكان الأصليين، ومنظمات المجتمع المدني. وقد عرض مايكل فخري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، شكاوى المجموعات الزراعية الشعبية ــ أكثر من 500 منها تقاطع القمة ــ مشبها تأثير الشركات المفرط على التجمع بـ"دعوة الثعلب إلى حظيرة الدجاج".
يُـطـعِـم المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة، والفلاحون، والسكان الأصليون معظم سكان العالم على الرغم من ضعف قدرتهم، أو انعدام قدرتهم، على الوصول إلى سلاسل التوريد الخاصة بالشركات. نحو 80% من المزارع أصغر من هكتارين، وتغطي نحو 12% من الأراضي الزراعية في العالم، في حين أن أكبر 1% من مزارع الأعمال الزراعية تسيطر على أكثر من 70% من الأراضي الزراعية.
لا يخلو الأمر من تضارب واضح مع مصالح الشركات العابرة للحدود الوطنية عندما يتعلق الأمر بمنع الاستيلاء على الأراضي، وسوء التغذية، وتجنب سداد الضرائب، والإفراط في استخدام مبيدات الآفات. ويصدق ذات الأمر على تلبية مطالب الابتعاد عن الزراعة المكثفة لصالح الزراعة المراعية للبيئة الأكثر إنصافا على المستوى الاجتماعي والأكثر قدرة على الصمود والاستدامة. ولأن هذه الشركات مسؤولة أمام مساهميها، فإن الربح يُـعَـد مصلحة أكثر أهمية من حماية الصالح العام. لكن الغذاء منفعة عامة، والوصول إليه حق أساسي من حقوق الإنسان. وهنا يجب أن تبدأ المناقشات.
الواقع أن استيلاء الشركات على نحو متزايد على الغذاء يجب أن يقلقنا جميعا. فإذا تُـرِكَ هذا الوضع دون رادع، فسوف نواجه مستقبلا كئيبا حيث تتحكم حفنة من الشركات الضخمة في ما نأكله وكيف ننتجه. يجسد هذا الخطر بوضوح الاستهلاك المتزايد من المنتجات الصالحة للأكل الفائقة المعالجة ــ وهذا من أكبر العوامل المساهمة في جائحة السمنة، وداء السكري من النوع 2، وما يرتبط بهما من أمراض.
يعكس استيلاء الشركات على الغذاء على هذا النحو اعتقاد مفاده أن الأعمال الزراعية الضخمة تشكل ضرورة أساسية لتوفير الغذاء، وأن مصالحها متوائمة مع مصالح عامة الناس، وأنها مجهزة بشكل أفضل من الحكومات والمجتمع المدني لوضع القواعد والسياسات التي تشكل أنظمتنا الغذائية. إنه يسمح للشركات ببسط نفوذها وتوسيع سيطرتها على الأراضي، والمياه، ومصايد الأسماك، وشبه احتكار البذور التجارية، واستخدام المبيدات الحشرية والمخصبات والأسمدة الكيميائية بإفراط، بينما تفشل في إدراك، ناهيك عن معالجة، الأضرار المصاحبة لكل هذا. إن السماح لهذه الرؤية بالهيمنة على المنتديات الدولية الرئيسية مثل قمة الأمم المتحدة للأنظمة الغذائية من شأنه أن يزيد من تقويض الديمقراطية وحق تقرير المصير.
لنتأمل هنا استخدام مبيدات الآفات. على الرغم من الأضرار التي تحدثها ــ بما في ذلك تسمم العمال الزراعيين والمجتمعات الريفية، وزيادة التلوث، وانخفاض التنوع البيولوجي في التربة ــ فقد سجل استخدامها ارتفاعا شديدا في العقود الأخيرة. يواصل المصنعون تسويق هذه المنتجات بقوة وإنكار حجم الضرر الذي تحدثه، مع إصرارهم على أنها آمنة إذا استخدمت على النحو الصحيح. كما يدّعي القائمون على الصناعة أن مبيدات الآفات ضرورية لتلبية الاحتياجات الغذائية لعدد متزايد من السكان، وخاصة في سياق تغير المناخ.
تُـعَـد البرازيل مثالا واضحا على ذلك. خلال الفترة من مارس/آذار 2020 إلى مايو/أيار 2021، وسعت الحكومة الإعفاءات الضريبية على مبيدات الآفات التجارية ووافقت على 613 منتجا جديدا ــ حتى برغم أن البرازيل كانت بالفعل رائدة على مستوى العالم في استخدام مبيدات الآفات. والآن، يريد الرئيس جايير بولسونارو زيادة الإنتاج الصناعي من السلع الزراعية لصالح التصدير، على الرغم من العواقب المهلكة التي قد يخلفها هذا التصرف على النظم البيئية والناس في البرازيل.
على نحو مماثل، لن تنقذ الشركات العابرة للحدود الكولومبيين المحتجين على الجوع أو سوء التغذية. بل يحتاج هؤلاء الناس إلى حكومة قادرة على فرض ضرائب على الشركات الضخمة على النحو اللائق من أجل توليد القدر الكافي من الإيرادات للحفاظ على شبكة أمان اجتماعية قوية ونشطة. إنهم في احتياج إلى حكومة عازمة على مقاومة فجوة التفاوت المفرط بين الناس في القدرة على الوصول إلى الأراضي والتي تلحق الضرر بالفلاحين، والمنحدرين من أصول أفريقية، والسكان الأصليين.
بدلا من التطلع إلى الشركات العالمية لحل أزمة الجوع وسوء التغذية المتنامية، يتعين على الأمم المتحدة والحكومات الوطنية أن تعمل على إنهاء استيلاء الشركات على الغذاء وتعزيز الانتقال إلى الزراعة البيئية. ويجب أن تبدأ بضمان تحمل الشركات المتعددة الجنسيات نصيبها العادل من الضرائب والمسؤولية عن العواقب التي تخلفها الأنشطة التي تمارسها على البيئة وحقوق الإنسان.
في عام 1948، اعترفت الأمم المتحدة بأن الغذاء حق من حقوق الإنسان. ومن المؤسف أن قمة الأمم المتحدة من المرجح أن تعمل على تغذية أرباح الشركات بدلا من توفير الأمل لمئات الملايين من الجياع.