كيف نستفيد من منهج الامام علي (ع) لتحقيق العدالة الاجتماعية في مواجهة الازمات الكبيرة؟
شبكة النبأ
2021-02-28 08:47
العالم بشكل عام ومناطقنا بشكل خاص يعيش أزمات معقدة ومركبة كشفتها بشكل واضح محنة وباء كورونا، حيث يزداد الفقراء فقرا ويفقد الملايين وظائفهم وتتضخم فجوات التفاوت الطبقية وتغيب العدالة الاجتماعية بأشكالها السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والحقوقية، فالاستبداد يتفشى وتغيب قدرة الشعوب على المشاركة في القرارات السياسية، والشباب يغرقون في مستقبل مجهول، والامية تلتهم الأطفال، والعنف السياسي والاجتماعي يتغول. فالعالم يزداد توحشا وانانية والقسوة تستبيح مناطقنا.
ماهو رأيكم: كيف نستطيع الاستفادة من منهج الامام علي (ع) لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء عالم أكثر انصافا ورحمة وتعاونا ومشاركة وتعايشا وتسامحا، تتكافؤ فيه فرص عيش الحياة الكريمة، ويكون فيه الربح للجميع لا فئات خاصة؟
شبكة النبأ المعلوماتية طرحت هذا الأسئلة على مجموعة من الباحثين والأكاديميين والكتاب، فكانت هذه الإجابات:
الدكتور محمد مسلم الحسيني:
اصلاح العباد والبلاد هو النهج والفكر والرسالة الكبرى في سيرة الإمام علي عليه السلام حيث عالجت خطبه ووصاياه وممارساته اليومية أمور المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعدلية وغيرها. كان مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية محور أساسي ومتميز في نهج الإمام حيث كان لا يخشى في الحق لومة لائم حينما عالج الشرخ الكبير والفرق الواسع الحاصل بين فقراء واغنياء الأمة.
مفهوم العدالة الاجتماعية في نهج الإمام لا يقتصر فقط على الجانب الإقتصادي في حقلي الإنتاج والتوزيع فحسب بل يتعداه إلى جوانب الحياة الأخرى وقطاعاتها. قوله عليه السلام في العدل والإحسان والانصاف هو خير دليل على ذلك "وأيم الله لانصفن المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وأن كان كارها". لقد أعلن ثورته الشاملة عند المبايعة فرد المال المصادر لبيت مال المسلمين وأعلن أن المال مال الله فألغى التمايز في العطاء واقر التوزيع بالقسط والمساواة بين الناس.
من وصاياه أيضا في إقرار العدالة الاجتماعية وفي تسليط سيف العدالة على رقاب المستبدين قوله "الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه". اوصى عليه السلام بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب لأنه من الخطايا الكبرى أن يوضع المرء في غير موضعه لما في ذلك من خلل قاتل في التدبير والادارة بسبب قلة الدراية. حيث وصى وقال "فضع كل امرء موضعه" من أجل تجنب الكوارث بإعطاء أمور الأمة بيد من لا خبرة ودراية له.
ومن باب الدعوة لنزاهة الحاكم ومن بيده الامر قال عليه السلام مخاطباً أهل الكوفة "ان خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن "فليسمع هذا القول من بيده زمام الأمور ويعتبر. ليس أمام المجتمعات في ظل الظروف الحالية الصعبة الا انتهاج مبدأ الامام علي عليه السلام فهو نهج القرآن والأوامر الإلهية. تطبيق مبادىء العدالة الإجتماعية مطلب ضروري ومصيري للمجتمعات قاطبة في كل أنحاء المعمورة. التكافل الإجتماعي هو المخرج الأساسي من ازمات العالم اليوم ودون ذلك فالعواقب وخيمة ولا تحمد عقباها فليكن لنا في نهج الإمام علي عليه السلام دروسا نقتدي بها من أجل الحفاظ على الأمة ومصيرها ومصالحها.
الدكتور سليم كاطع علي:
ان أثر الإمام علي عليه السلام مثل معينا للإنسانية لا ينضب، وعطاءا زاخرا يتجدد مع حركة المجتمع وتطوره، ومما جعل من هذا العطاء الإنساني حيا انه لم يكن بعيدا في يوم من الأيام عن واقع الأمة وظروفها، بل أن ما جاء به الإمام كان قريبا من مشاكل الأمة ويتحسس معاناتها ويحمل همومها، ولم يكن يحيط نفسه بالعلو والترفع السلطوي على الناس، ولم يغادر المحيط الاجتماعي والسعي نحو تحقيق الأمن والسلام والتعايش السلمي.
فمدرسة الإمام علي عليه السلام كانت مدرسة شاملة نستق منها معاني الإنسانية لنتحسس جوهر الوجود الذي حرمت منه الأمة على يد حكامها وطغاتها. ومن هنا يمكن القول ان منهج الإمام في تحقيق العدالة الاجتماعية كان له الأولوية في حكمه، انطلاقا من منظوره أن تحقيق العدالة يشكل الأساس والمفتاح لتحقيق الحقوق الأخرى، فلو انعدمت العدالة في المجتمع لانعدمت ما دونها من حقوق، انطلاقا من كون الناس احرارا يولدون ويموتون، وليس من حق أحد أن يسلبهم ذلك الحق.
إن منظور الإمام عليه السلام لتطبيق العدالة يتجاوز النظرة الضيقة بأن يتساوى الناس في الحقوق، بل كان منظوره ينطلق من كون المساواة لا تتحدد بالمساواة في المعيشة والرزق فحسب، بل تتعداه إلى انصاف الناس في كل شيء من قبل الحكام، لأن الحاكم العادل لابد أن يكون مجتمعه عادلا لأنها انعكاسات لتصرفاته في أمور رعيته.
كما أن الإمام لم يفرق بين رعيته على أساس الانتماء والعقيدة، بل شكلت المواطنة غايته في سياسة الناس، إذ جعل من المواطنة اطارا جامعا شاملا للأمة، وان ما عداها يأتي في دائرة الجزيئات والفرعيات.
فالعدالة في نظر الإمام لم تكن شعارا للحصول على المكاسب والغنائم، كما هو ديدن الكثير من الاحزاب والحكام، أو الوصول من خلالها إلى السلطة وكسب ود الناس، أو أن تكون خاضعة لنوازع شخصية، بل كانت نظرته عليه السلام للعدالة بأنها ضرورة من ضرورات الحياة وغاية يسعى الحكام إلى تحقيقها، وان الحاكم الذي لا يملك برنامجا إصلاحيا إنما هو حاكم ظالم لا يمكن للأمة قبوله.
وهنا يمكن القول بأن الأمة في ظروفها الحالية هي أحوج ما تكون لمنهج الإمام عليه السلام ولا سيما في تحقيق العدالة الاجتماعية، والأمة بحاجة إلى مراجعة فكر الإمام، وأن تأخذ به في التطبيق والممارسة كونه المسار الذي يمكن أن يحفز الأمة على تجاوز مشكلاتها وازماتها. وعلى الحكام ومن هم بالسلطة التمسك بالأثر الخالد للأمام في تحقيق العدالة في المجتمع لأنها الأساس في تحقيق المساواة والانصاف والعدل بين الرعية، انطلاقا من ضرورة أن يأخذ الحاكم برؤية الإمام للعدالة كمشروع شامل لغرض النهوض بواقع الأمة، وأن يكون منهجا وسياسة قابل للتطبيق وليس شعارات ترفعها السلطة لتحقيق مصالحها الخاصة.
وأن ذلك يجب أن يكون مرهونا بضمان حقوق الناس قويهم وضعيفهم، والابتعاد عن المحسوبية والمحاباة، ومغادرة الانتماء والتمايز الطبقي والاختلاف الذهبي والعرقي، وصولا لتحقيق التعايش السلمي والتسامح والشعور بالمسؤولية والمواطنة، انطلاقا من أن الإنسان يحب أن يكون عزيزا كريما في وطنه، محترما للحقوق ملتزما بالواجبات، وهو ما يجعل من العدالة الاجتماعية منهج وتطبيق في الوقت ذاته.
الاديب علي حسين عبيد:
العالم كله يعيش تفاوتا طبقيا واضحا.. وهو حصيلة سياسة اقتصادية وسياسية تبنتها وعمقتها القوى العالمية (شركات وحكومات) التي تهيمن على الثروات وتحتكر مخزونات العالم المادية.. وانعكس ذلك على دول العالم وانظمته السياسية التي انتهجت منهجا ماديا رسّخ التفاوت الطبقي بين الشعوب.. وفي الشعب الواحد أيضا.
منطقتنا تعاني من غياب العدالة الاجتماعية، بسبب ظاهرة الاستبداد التي طغت على سياسات أنظمة الحكم، فقادت إلى تغول ظاهرة الفقر للأغلبية، والغنى الفاحش للأقلية، مما يستدعي التنبه إلى هذه الظاهرة بصورة جدية وبمسعى جمعي (دولي أو اقليمي) لتقليم مخالب المادية الجشعة.
وسوف يكون هذا الهدف ممكنا من حيث التطبيق إذا قام المعنيون بدراسة النموذج القيادي الأصلح لاتخاذه درسا تطبيقيا يساعد على إعادة المنهج السياسي الاقتصادي العالمي والإقليمي إلى الصواب، عبر التعمق الجاد في دراسة سياسة الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام التي قامت على مبدأ العدالة الاجتماعية، على أن يتم التخطيط بعقد ندوات ومؤتمرات تناقش هذه السياسة باستفاضة بمشاركة علماء ذوي اختصاص من عموم العالم والمنطقة، والخروج بتوصيات علمية قابلة للتطبيق وقادرة على معالجة وباء التفاوت الطبقي الذي يفتك بالعالم، تستمد صيغتها النظرية من سياسة الإمام علي عليه السلام في العدالة الاجتماعية. وبذلك يكون المعنيون قد خطوا خطوة جادة في معالجة أصعب وأخطر مشكلة يعاني منها العراق والعرب بل العالم كله.
الدكتور اسعد كاظم شبيب:
ان نهج علي في العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع هو حقا انموذج إنساني قانوني يصح ان يكون نموذجا للقياس والعمل، حيث اشتهرت دولته ابان فترة خلافته للعالم الإسلامي انطلاقا من مدينة الكوفة بإعطاء كل ذي حقا حقة والانتصار للمظلوم من الظالم وتقليل من الطبقية الاجتماعية ومحاربة الفوقية السياسية المتعالية التي كان يمارسها بنو سفيان بقيادة معاوية، لذا فان نهج علي عليه السلام بقى نهجا فريدا في الحكم لنا كعرب بجميع معتقداتنا الدينية والسياسية حتى وصف علي بأنه اول اشتراكي في العالم.
كما وان الحاجة إلى هذا النهج تبرز في الأزمات حيث نبرز معها العوز وعدم القدرة على توفير سد الرمق الكثير من الناس بحكم موانع الازمة التي تفرض نفسها على الناس، وفي ظل ازمة كورونا كوباء عالمي مميت، تبرز الحاجة التي نهج علي وسلوكه في تفقد احوال الناس ومعرفة المحتاجين منهم بطرق حديثة تنسجم والتطور الحاصل في مجالات الحوكمة إلالكترونية.
وبالتالي يمكن الاستفادة من نهج علي في العدالة الاجتماعية من حيث سد حاجة الفقراء والذين تقف الظروف والأزمات مانعا من الحصول على العمل وبتحقق ذلك عبر عدالة التوزيع وتوفير ضمانات بديلة عن العمل لغاية زوال الأزمة ومسبباتها، ويمكن الاستفادة من نهج علي عليه السلام التوزيعي من خلال محاربة الجيوب التي اثرت على حساب المصلحة العامة وحقوق الفقراء وطبقات الدنيا.
ومن خلال هذه العناصر يمكنك ان نصل إلى دولة يتحقق فيها العدالة والرفاهية الاجتماعية عبر الحث على العمل ومساعدة من لا يستطيع بظروف اما بدنية قاهرة او لأسباب أزموية حاصلة من جراء حرب أو انتشار وباء كما هو الحاصل الآن في ظل إنتشار وباء covid 19 والذي كان له تداعيات مقلقة على الكثير من طبقات المجتمع، ولابد للدولة ان تنظر بعين الإنسانية وروح القانون لهؤلاء حتى تقل المضار الناجم عن توقف أعمال الناس أو فقدان المعيل من جراء الوباء او اي ظروف مشابهة.
الدكتور قحطان حسين طاهر:
لا شك إن منهج الامام علي عليه السلام هو منار هداية لمن يود الاستقامة والمسير في طريق العدل والمساواة، فسيرة الامام علي (عليه السلام) زاخرة بالمواقف الانسانية والنابعة من ايمان مطلق بأن الحياة لا تستقيم الا بالعدل والانصاف بين الناس وان الظلم والبغي هو مفتاح كل شر.
وعندما نستذكر قرارات الامام علي (عليه السلام) أثناء خلافته القاضية بمراعاة حقوق الفقراء وانصافهم من الاغنياء وكيف كان الامام علي عليه السلام يحرص على ايصال الحقوق لمستحقيها بدون تمييز، فإننا نكتشف عظمة شخصيته ومدى امتثاله للقيم الالهية ولمنهج الرسول الكريم صلى الله وآله وسلم.
واجابة على السؤال الجوهري المتمثل بكيفية الإستفادة من منهج الإمام علي في تحقيق العدالة الاجتماعية، نقول ان الاستفادة تتحقق بالاقتداء بسيرة الامام علي (عليه السلام) وأهم ما تميزت به هذه السيرة من السعي لإشاعة العدل والمساواة الايثار ونبذ الانانية وحب الذات وتعميم ثقافة التعاون بين فئات المجتمع كافة. ولعل أهم ما نستخلصه من حكم الامام علي (عليه السلام) هو محاربة الفقر والبطالة والعمل على الاخذ بيد الفقير ومساندته لإنقاذه من الذل والهوان.
وقد خلد لنا التاريخ مواقف عظيمة للإمام علي تدلل على عدالته والتزامه بالمساواة وانصاف الرعية، ومن هذه المواقف كيف انه يساوي في العطاء من بيت المال بين افراد المجتمع، وكيف كان يختار ولاة الامصار ممن تتوفر فيهم العدالة والانسانية والنزاهة لأنه يدرك عليه السلام ان فساد الحكام هو مقدمة لفساد المجتمع وان صلاحهم هو مقدمة لصلاح المجتمع.
ختاما نقول ان السير على منهج الامام علي (عليه السلام) هو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية في المستويات كافة.
الدكتور عدي حاتم المفرجي:
ان منهج الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في العدالة الاجتماعي ينقسم إلى محورين الأول هو التربية الدينية المؤمنة بالفرد والمجتمع والثاني السياسة الاقتصادية الناجحة. أما المحور الأول فإذا زرعت التربية الدينية بالشكل الصحيح فالكل يعرف حقوقه وواجباته وبالتالي لا ظالم ولا مظلوم وخير مصداق لذلك قوله عليه السلام عن العدالة الاجتماعية العالمية أن الإنسان اما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
وهنا علينا الوقوف عند قوله في الدين بشكل مطلق لم يخصص في قوله الدين الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي وغير ذلك بمعنى أخوة في التوحيد وإذا كان غير ذلك فقد خلقنا الله من نظير متشابه في الخلقة. هذه دعوه للتسامح الاجتماعي والمساواة في تقبل الآخر وينطلق من التفهم الديني كتربية وتهذيب وزرع النفوس الطيبة فكلما ارتقى الإنسان بتعاليمه الدينية كلما وصل إلى مرحلة السمو الإجتماعي.
أما المحور الثاني فهو السياسة الاقتصادية والتي يمكن أن تعرف بمجموعة من الإجراءات التي تسعى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي ومن خلال الاطلاع على سياسة الإمام علي عليه السلام الاقتصادية أثناء خلافته أرى أنها تقترب ما نستطيع تسميته الان بالمنهج الاقتصادي الاشتراكي الساعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية على قدم وساق من خلال عمله عليه السلام المساواة في العطاء بين العرب و الموالي أو دعم الفقراء او صيانة بيت المال أو إلغاء تقريب أقرباء الخلفاء السابقين من الشؤون المالية وحتى عن نفسه ومحاورته المشهورة مع أخيه عقيل، أو القضاء على الفساد المالي والاثراء غير الشرعي من العهود السابقة ونظر إلى الزكاة مورد هام في تحقيق العدالة الاجتماعية عندما ربطها بتحقيق العدالة المعنوية والمادية للمزكي من توفير امثل الوسائل الضامنة المساعدة في التعبد والتقرب من الله تعالى، وأيضا تلبية الاحتياجات لكل مسلم وبخاصة السكن والأمور المعيشة.
ودعم التجارة بشرط تفقه صاحبها بالأمور الدينية وبخاصة ما يتعلق بالاحتكار وضبط الأسعار فهناك تسعيرة شرعية أقرها الدين الحنيف لايمكن تجاهلها. ان هذه المعطيات تصب في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية فالاقتصاد دور مؤثر وفاعل في الاستقرار الاجتماعي وأعطي مساحة واسعة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما جسده في قوله المشهور لو كان الفقر رجل لقتلته، وهو دليل على أن الدولة التي تفقر مجتمعها كافرة واجبة المحاربة، ومن خلال الاطلاع على سير التاريخ وحوادث الأمم نجد أن ثورتها كانت بدافع اقتصادي المحرك الرئيسي والفاعل في التغيير إلى الأفضل.
وهذه دعوة الاقتداء بمنهج فريد وصالح وهو منهج مهجور متروك أسير الماضي ونكتب ونستمع الأذان بأعماله دون تطبيق.
السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، السلام على أمام المتقين وصاحب الدولة العادلة.
الشيخ عبد الحسن الفراتي:
باعتقادنا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو أهم ماتنشده البشرية اليوم ومستقبلا، من خلال منهج الإمام علي عليه السلام في خضم التحديات المتعددة، وذلك عبر القيام بعدة فعاليات وبرامج يمكن تلخيص أهمها بما يلي:
1/في فضاء الاعلام الديمقراطي العام الذي يحكم العالم لايمكن الاستماع الى "الصوت الخافت " فالتفكير بصوت أعلى والنشاط الإعلامي بصوت أعلى هو الكفيل بإلفات نظر البشرية بكل شرائحها ومكوناتها لما نتحدث به وندعو إليه.
فشخصية الإمام علي عليه السلام أرادها الرب سبحانه أن تكون كونية يتلمسها الجميع من أبناء المعمورة وبكل لغاتهم ومذاقاتهم الثقافية، لذا ينبغي علينا ان نتحدث مع كوكب بشري يقطنه أكثر من 7 مليار انسان.
2/ تصنيف النهج العلوي وعلى كافة المستويات: فكرية وسياسية واجتماعية وقضائية وتربوية و.... وإعداد أطروحات التصنيف هذا لكي تتماشى وتتعاشق مع معطيات التحدي الجديدة والمتطورة والطارئة.
فمثلا تحدي وباء كورونا وأثره وتضرر الاقتصاديات بسبب تفشي الأوبئة يستدعي وجود تصنيف معرفي جاهز يضخه محبو النهج العلوي في الوقت المناسب وبسرعة فائقة تجبر القوى المستكبرة أن تتعاطى مع الطرح العلوي الناجع.
3/ لابد لعلي عليه السلام من عشاق عابرين للقارات.. كما أطباء بلا حدود و... ينتمون لهذه المدرسة العلوية -رغم اختلاف مدارسهم ومشاربهم الدينية والثقافية والعرقية والجغرافية-.
إن مدارس العرفان والتصوف اخترقت كل الجدران والحدود وأصبحوا جماعات تفكر معا حتى قال بعضهم: (التصوف والعرفان فوق الإيمان) وبهذا تمددوا واضحت لهم منتديات وتواصل ونشاط دولي..
فمولى الموحدين عليه السلام أولى أن يعبر الحدود ويكون له انصارا ينشدون "العدالة الاجتماعية" العالمية.
4/ تقوية الارتباط والتواصل الوثيق مع كافة المؤسسات الثقافية الدولية الرسمية المهتمة بالمنحى الثقافي بكافة أبعاده على المستوى الإنساني العالمي كاليونيسكو وغيرها، وصنع منسقين مع هذه المؤسسات المهمة جدا ذات التأثير في صنع القرار الثقافي العالمي للتعريف بشخصية الإمام علي عليه السلام الإنسانية.
5/ للنجاح بأي خطوة لابد من مرتسم ميداني يكلل بالنجاح ويصدر النموذج إلى العالم جميعا..
فبما أن الصين هي الصاعد الأول بلامنازع للتصدي العالمي وعلى كافة الأصعدة مستقبلا -وهذا قد يكون تفسيرا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلبوا العلم ولو كان في الصين "- فلابد من جعل هذا البلد النموذج والمنطلق لتصدير "النهج العلوي" الإنساني وتسويق عدالته التي تنشد التحرر والكرامة والعدالة الاجتماعية للعالم مستقبلا -لاسيما وأن مميزات الصين أن تمددها التجاري والاقتصادي في العالم يبتعد على الشمولية والتدخل الفكري والسياسي في شؤون البلدان الأخرى مما يلقي مقبولية تامة من الجميع- لذا ينبغي التحرك على هذه البقعة البكر والمهمة قبل أن تتلمسها وتستثمرها قوى الضغط ولوبيات الهيمنة الاستكبارية..
الباحث جواد العطار:
ان منهج الاصلاح لدى الامام علي (ع) واسلوبه الخاص الممزوج بالصبر على الأذى والتأني والحكمة في اختيار الفعل والوقت المناسب لرد الفعل القائم على نهج العدل ونصرة المظلوم واجتثاث الفساد والمفسدين الذي اشتهر به والذي كان دون مهادنة لاحد او مماطلة على حساب الحق، وهي من اهم الركائز التي جعلت من فترة حكمه نموذجا للعدالة يقتدى به الى وقتنا هذا ليس على مستوى العالم الاسلامي فحسب بل حتى اعتمدت الامم المتحدة واستلهمت قيمه الروحية والإنسانية.
وفي عصر كورونا اليوم وتحكم الكبار وتسيدهم على الدول الاخرى، وتركز الطبقات في المجتمع بين عليا فاحشة الثراء ودنيا واسعة لا تجد قوت يومها... لذا نحن بأمس الحاجة الى استلهام القيم الروحية اولا؛ من عهد الامام عليه السلام وفترة حكمه حتى نستقوي بها على مصاعب الحياة. وثانيا؛ العودة الى تطبيق منهج العدالة الاجتماعية من عصر النور بمد يد المساعدة الى الاخرين والاستماع اليهم ومشاركتهم الآمهم والاستجابة لمتطلباتهم قدر الإمكان في اصعب الظروف. وثالثا؛ تقويم الحكم بالنصح المستمر لتعديل ميزان المجتمع الذي أخلت به الأزمات. ورابعا؛ نشر مباديء تلك الفترة وتعليمها الى الأجيال الصغيرة حتى نضمن مستقبلا افضل.
الباحث حسن كاظم السباعي:
لو أردنا التتبُّع لمنهج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مواجهة الأزمات على كافة الأصعدة المبتلى بها في الزمن المعاصر فإنَّ ذلك سيتطلب دراسة واسعة لا تسعها هذه الأسطر القليلة، إلا انه يمكن اختصار جانب منها في نموذجين نعتبرهما رمزًا لكيفية التعامل مع الأزمات الأخرى.
النموذج الأول: إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو أوّل من أسّس نظام الضمان الاجتماعي والذي هو عبارة عن دفع مبلغ مالي للعاجزين والعاطلين عن العمل "unemployment benefi"، وذلك في قصة مشهورة حينما شاهد نصراني يتكفَّف، فأمر بتخصيص راتب منظَّم له من بيت المال بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو القومي أو الفكري أو أي اعتبار آخر، فهو قد وضع علاج لرفع الحاجة من الأساس، ورغم كل الأزمات والمؤامرات التي واجهها العالم الإسلامي إبان عهد أمير المؤمنين عليه السلام من الاعتداءات والغارات وشنِّ ثلاث حروب ظالمة، إلا انَّ المجتمع الكبير الذي يساوي اليوم خمسين دولة من دول العالم المعاصر لم يشعر بأي نوع من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وذلك لما كان يتمتع به من إدارة كريمة وحكيمة.
أما النموذج الثاني: فيتمثل في الغارة التي شنّها معاوية بقيادة بسر بن أرطأة ونهب فيها خلخال زينة من امراة ذمّية؛ فصدر رد فعل حزين وغاضب من أمير المؤمنين عليه السلام قائلًا: "فَلَو أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.."، وهذا معناه في الزمن المعاصر؛ أن تضحي الدولة بحياة قادتها وخيراتها من أجل الدفاع عن حق أضعف طبقة من الناحية الاقتصادية والفكرية والسياسية على حد سواء. حيث وضّح عليه السلام أن حفظ سمعة الدولة هو في حماية أضعف الخلق، وليس الهدف فقط حماية خلخال زينة بسيط من الناحية المادية فنظر الإمام أعمق وأبعد. وبعبارة أُخرى من المستحسن وقوع ضرر مهلك لجماعة من المتنفّذين في السلطة والحكم من أجل حماية فرد من خارج هذه الدائرة.
أو كما سبق في النموذج الأول؛ فإنَّ الدولة عليها أن تبذل من مواردها المالية من أجل فرد قد لا يقدِّم أي نفع أورد مقابل. وهذا أمر لن يستوعبه العالم المادي أو الرأسمالي الذي يحسب للمصالح الخاصة والأرباح ألف حساب سواءً من الناحية الاقتصادية أو السياسية. مثلًا؛ إن لم تكن أية منفعة في الدفاع عن أقلية تُقتل في بورما فسوف لن تُذكر حتى في نشرات الأخبار ناهيك عن الفكرة في حمايتهم.
وفي القاموس السياسي المعاصر؛ إنَّ الأغنياء والمتمكنين هم في المقدمة دائمًا من حيث توزيع إمكانيات البقاء، وليست جائحة كوفيد ١٩ إلا نموذج صغير من ذلك التمييز المادي.
من هنا فإنَّ العالم إذا أراد أن يعيش بخير ورفاهية وأمن وسلام وازدهار فليس عليه إلا أن يعود إلى نهج سيد الأوصياء عليه السلام.