أوروبا يجب أن تعرف الصين على حقيقتها
بروجيكت سنديكيت
2020-02-12 07:19
بقلم: جورج سوروس
ميونيخ ــ من الواضح أن التهديد الذي تفرضه الصين في عهد شي جين بينج غير مفهوم بشكل كامل بين جماهير الناس في أوروبا أو حتى بين قادة السياسة والأعمال الأوروبيين. فرغم أن شي جين بينج دكتاتور يستخدم أحدث التكنولوجيات في محاولة لفرض السيطرة الكاملة على المجتمع الصيني، ينظر الأوروبيون إلى الصين باعتبارها شريكا تجاريا مهما في المقام الأول. إنهم يفشلون في إدراك حقيقة مفادها أن شي جين بينج عمل منذ أصبح رئيسا وأمينا عاما للحزب الشيوعي الصيني على إنشاء نظام تتعارض مبادئه التوجيهية تماما مع القيم التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي.
كان الاندفاع إلى احتضان شي جين بينج أشد وضوحا في بريطانيا، التي هي في طور الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، أكثر من كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي ذاته. يريد رئيس الوزراء بوريس جونسون إبعاد المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان وبناء اقتصاد سوق حرة لا تقيده ضوابط الاتحاد الأوروبي التنظيمية. وهو من غير المرجح أن ينجح في تحقيق هذه الغاية، لأن الاتحاد الأوروبي متأهب لاتخاذ تدابير مضادة في مواجهة ذلك النوع من إلغاء القيود التنظيمية الذي يبدو أن حكومة جونسون تتوخاه. ولكن في ذات الوقت، تتطلع بريطانيا إلى الصين كشريك محتمل، على أمل إعادة تأسيس الشراكة التي سعى وزير الخزانة السابق جورج أوزبورن إلى بنائها في الفترة من عام 2010 إلى عام 2016.
كان أداء إدارة ترمب، إذا نظرنا إليها ككيان مستقل عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصيا، أفضل كثيرا في إدارة علاقاتها مع الصين. فقد عملت على وضع سياسة ثنائية الحزبية أعلنت الصين منافسا استراتيجيا وأدرجت شركة التكنولوجيا العملاقة هواوي وعدة شركات صينية أخرى على ما يسمى "قائمة الكيانات"، التي تحظر على الشركات الأميركية التجارة معها دون إذن حكومي.
شخص واحد فقط بوسعه أن ينتهك هذه القاعدة دون عقاب: ترمب شخصيا. وللأسف الشديد، يبدو أنه يفعل ذلك على وجه التحديد من خلال وضع هواوي على طاولة المفاوضات مع شي جين بينج. منذ مايو/أيار 2019، عندما أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة الكيانات، منحت وزارة التجارة الأميركية شركة هواوي عِدة إعفاءات، كل منها لمدة ستة أشهر، من أجل منع ما تتعرض له الشركات الأميركية الموردة للمكونات التي تنتجها هواوي من مشقة وعناء دون داع.
إن هواوي شركة غير عادية ــ وفريدة من نوعها في بعض النواحي. تلقّى مؤسسها، رين تشنج فاي، جزءا من تعليمه الفني كعضو في سلاح المهندسين في جيش التحرير الشعبي، وكان جيش التحرير الشعبي واحدا من أوائل عملائه الرئيسيين. في وقت تأسيس شركة هواوي في عام 1987، كانت كل التكنولوجيا في الصين مستوردة من الخارج، وكان هدف رين يتلخص في إجراء عمليات الهندسة العكسية للتكنولوجيات الأجنبية بالاستعانة بباحثين محليين. وقد تجاوز نجاحه أشد أحلامه جموحا.
بحلول عام 1993، أطلقت شركة هواوي أقوى أنظمة مقسم الهاتف المتاحة في الصين. وفي وقت لاحق، حصلت على عقد رئيسي من جيش التحرير الشعبي لبناء أول شبكة اتصالات وطنية، ثم استفادت من السياسة التي تبنتها الحكومة في عام 1996 لرعاية شركات الاتصالات المحلية، وكان ذلك يعني أيضا إبعاد المنافسين الأجانب. بحلول عام 2005، تجاوزت صادرات هواوي مبيعاتها المحلية. وفي عام 2010، أُدرِجَت شركة هواوي على قائمة مجلة فورتشن العالمية لأكبر 500 شركة.
بعد وصول شي جين بينج إلى السلطة، فقدت شركة هواوي كل ما كانت تتمتع به من استقلالية. فمثلها كمثل أي شركة صينية أخرى، يتعين عليها أن تتبع أوامر الحزب الشيوعي الصيني. وقد ظلت هذه الحال قائمة باعتبارها فهما ضمنيا حتى عام 2017؛ ولكن مع اعتماد قانون الاستخبارات الوطنية في ذلك العام، تحول الأمر إلى التزام رسمي.
بعد ذلك بفترة وجيزة، تورط أحد موظفي هواوي في فضيحة تجسس في بولندا، كما اتُّهِمَت الشركة بحالات تجسس أخرى. لكن التجسس ليس الخطر الأكبر الذي يواجه أوروبا. إن جعل البنية الأساسية الأكثر أهمية في أوروبا تعتمد على التكنولوجيا الصينية يعني فتح الباب أمام الابتزاز والتخريب.
من الواضح في تصوري أن الصين في عهد شي جين بينج تشكل تهديدا للقيم التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن هذا ليس واضحا في نظر قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا في نظر قادة الصناعة، وخاصة في ألمانيا.
إن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديا هائلا: فقد تكلمت الأغلبية الصامتة المؤيدة لأوروبا، قائلة إن همها الأساسي هو تغير المناخ، لكن الدول الأعضاء تقاتل بعضها بعضا على الميزانية وتركز على استرضاء شي جين بينج بشكل أكبر من تركيزها على صيانة العلاقات عبر الأطلسي.
بدلا من خوض معركة خاسرة ضد هيمنة هواوي في سوق الجيل الخامس من الاتصالات، يجب أن تنشد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو الاتحاد الأوروبي وحده، التعاون في بناء شركتي إريكسون ونوكيا كمنافسين قادرين على البقاء والمنافسة.
من المقرر أن يلتقي شي جين بينج رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين في قمة الاتحاد الأوروبي والصين في لايبزيج في سبتمبر/أيلول. ويتعين على الأوروبيين أن يفهموا أن هذا من شأنه أن يمنحه انتصارا سياسيا يحتاج إليه بشدة ما لم يُـحَاسَب على فشله في دعم حقوق الإنسان، وخاصة في التبت، وشينجيانج، وهونج كونج.
الواقع أن القيادة السياسية الصينية وحدها القادرة على تقرير مستقبل شي جين بينج. لقد أصبح الضرر الناجم عن سوء إدارته لتفشي فيروس كورونا واضحا إلى الحد الذي لابد أن يكون معه مُـدرَكا من قِبل جماهير الشعب الصيني، بل وحتى المكتب السياسي. ولا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعمل عن قصد على تسهيل بقائه السياسي.