تركيز سياسة العراق على حقوق الإنسان والانتخابات العادلة
معهد واشنطن
2020-02-06 07:49
بقلم: مايكل نايتس
في 1 شباط/فبراير، أعطت أكثرية الفصائل البرلمانية العراقية الرئيس برهم صالح إشارة الانطلاق لتسمية محمد توفيق علّاوي كرئيس وزراء مكلّف جديد. وسيحاول هذا المرشّح الشيعي الإسلامي الهادئ الطباع تشكيل حكومته والمصادقة عليها في الأيام الثلاثين القادمة. وبينما يقوم بذلك، ربما ستلتفّ الكتل السياسية خلفه فيما تحدّ من ولايته لتقتصر على تنظيم الانتخابات المبكرة في السنة القادمة، بعد التخبّط في عملية طويلة ومتفلّتة لاستبدال رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي. وللمرة الأولى منذ الأحداث المأساوية في الشهريْن الماضييْن، يستطيع واضعو السياسات العراقيون والأمريكيون على حدٍّ سواء التقاط أنفاسهم والنظر في خياراتهم المتوسطة المدى.
الانخراط مع رئيس الوزراء الجديد
في النهاية، اختير علّاوي لأنه لم يكن ليثير على الأرجح معارضةً قويّةً من أي جانب، مثل تيّار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أو المسؤولين الإيرانيين، أو الفصائل السنّيّة، أو الأكراد، أو المعتدلين العراقيين، أو الغرب. ولم يكن بأي شكلٍ من الأشكال الرجل الذي تفضّله طهران – ففشلت "كتلة البناء" المدعومة من إيران في إيصال مرشّحيها الأربع. وتستمر الشائعات حول وصول علّاوي إلى خط النهاية بفضل الضغط الذي مارسه زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله؛ إلا أن ذلك لم ينسّقه ربما علّاوي نفسه، إنما "تحالف البناء"، الذي سعى فاقداً الأمل إلى التصدي لتسمية مصطفى الكاظمي، وهو ناشط معتدل من المجتمع المدني يرأس حاليّاً "جهاز المخابرات الوطني العراقي". وبالنسبة إلى واشنطن، إذا كانت تشكّل النبرة الهادئة التي اتّسمت بها استجابة وزارة الخارجية إزاء تسمية علّاوي أحد المؤشّرات، فستحكم عليه الإدارة وفقاً لأعماله ولرفاقه.
مهما كان رأي الحكومة الأمريكية، فهي ليست بحاجة إلى التعامل بسرعة مع علّاوي - أي قبل المصادقة عليه، فيما يشكّل فريقه الانتقالي الصغير مجلس الوزراء ويقوم بالتحضيرات لتولّي المنصب. ومن المؤكّد أنّ رعاته السياسيين والدينيين يحيّدونه أصلاً عن أي قرارات كبيرة متعلّقة بالسياسات حول أي قضايا غير الإعداد للانتخابات. فعلى سبيل المثال، في 31 كانون الثاني/يناير، في اليوم الذي سبق تسمية علّاوي، أوضح آية الله العظمى علي السيستاني أن إعادة التفاوض بشأن تواجد القوات العسكرية الأجنبية يجب تركها للحكومة التالية، بعد الانتخابات الجديدة. ومع ذلك، سيستلم علّاوي السلطة عند تقاطعٍ زمنيٍّ حرج، فيحدد شروط الانتخابات الحرّة والعادلة، ويرأس حكومةً مؤقّتةً لن تدوم فحسب حتى الانتخابات (من المحتمل في عام 2021)، إنما إلى حين تعيين رئيس وزراء جديد بعد بضعة أشهرٍ. (وقد يكون علاوي نفسه إذا فاز بالدعم الكافي). لذا سيبقى في المشهد للسنتيْن القادمتيْن على الأقل، وربما أكثر من ذلك بكثير.
على واشنطن أن تكون واضحة جدّاً مع علّاوي بشأن توقعاتها وخطوطها الحمراء في المرحلة المقبلة، فتعطيه المعطيات التي يحتاجها من أجل تأدية دوره المحلّي آخذاً في الاعتبار آراء أحد الشركاء الأساسيين في التعاون الاقتصادي والأمني. وبشكلٍ عام، تتماشى توقعات الولايات المتحدة مع توقعات الشعب العراقي، لا سيّما في ما يخص المسائل الآتية:
حماية المواطنين العراقيين
بحسب "المفوضية العليا لحقوق الإنسان-العراق"، أشرفت حكومة رئيس الوزراء عبد المهدي على حملات القمع التي قامت فيها الميليشيات الخاضعة رسميّاً للعقوبات بقتل 536 محتجّاً وجرح 23545. فيجب أن تضغط واشنطن بقوة على علّاوي لمنع أي استخدام مستقبلي للنيران الحيّة، أو رصاص مكافحة الشغب، أو عبوات الغاز ضد المحتجّين (حتى أن العناصر الأخيرة غالباً ما تستخدم بطريقة مميتة في العراق).
وبالإضافة إلى ذلك، على الرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو والمسؤولين الآخرين أن يذكروا بصورة روتينية وعلناً المأزق الذي يقع فيه المحتجون العراقيون بالطريقة الصلبة نفسها التي اعتمدوها عندما دعوا إلى حماية المحتجّين الإيرانيين. كما يجب أن تشيد الإدارة بقدرتهم على الصمود وشجاعتهم – وهذا ما يقومون به أصلاً مع المتظاهرين الإيرانيين، ما يُنشئ تناقضاً حادّاً وملحوظاً مع العراق.
حماية مؤسسات الدولة
استخدمت الميليشيات ولاية عبد المهدي لتسريع تثبيت المسؤولين الفاسدين في مكتب رئيس الوزراء، والوزارات المتنوعة، والقوى الأمنية، والقطاعات الاستراتيجية كالقطاع المصرفي والمرافئ والجمارك والطيران المدني. وتدلّ بعض العلامات على أن علّاوي يخضع أصلاً للضغط بهدف الإتيان بمسؤولين فاسدين إلى مكتبه. وبناءً على ذلك، تحتاج واشنطن إلى إعلامه بأنها تراقب عن كثب وأنّ بحوزتها مجموعة كبيرة من العقوبات الهادفة والمتاحة للاستخدام الفوري ضد كبار المسؤولين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان الذين يستمرون في العمل ضمن نظامه. والهدفان الأوضح هما مستشار عبد المهدي للأمن الوطني فالح الفيّاض ومدير مكتب عبد المهدي أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي)، اللذان أدّى كلٌّ منهما دوراً أساسيّاً في تنظيم قتل المحتجّين، وغيرها من الانتهاكات. كما على الحكومة الأمريكية أن تعاقب فوراً أي خطوات عراقية إضافية للتخلص من التكنوقراطيين، من بينهم أولئك المتواجدين في المؤسسات الأمنية مثل "جهاز المخابرات الوطني".
حماية الحقوق الديمقراطية
دعا كلٌّ من منظّمة "الأمم المتحدة" و"الاتّحاد الأوروبي" إلى الانتخابات المبكرة، وإذا استطاع علّاوي تفادي المسائل التي ابتلت بها عملية الاقتراع المُدانة بشدّة في عام 2018، والإشراف على عملية تصويت حرّة وعادلة في العام القادم، إذاً تبرز فرصةٌ أمام العراق للإقلاع مجدداً كدولة ديمقراطية. وتشير كافة العلامات إلى أنه يتمتّع فعلاً بالسلطة والمسؤولية لضمان عدم فساد العملية، وحماية المرشحين والمجتمع المدني في الفترة المؤدية إلى يوم الانتخاب، ودعم الرقابة الدولية المكثّفة على عملية التصويت.
حماية الطاقم الأمريكي
يجب أن يُخبر وزير الخارجية بومبيو علّاوي مباشرةً أنّ أي اعتداءات على عناصر الولايات المتحدة ستثير ردّاً أليماً ضدّ الميليشيات العراقية وأيضاً ضدّ أهدافٍ إيرانيةٍ داخل العراق وخارجه. ويجب أيضاً جعله يدرك على انفراد المدى المحتمل لنطاق الأهداف القيادية الرفيعة المستوى التي يمكن ضربها، وعمق الأزمة التي سيجلبها ذلك على حكومته.
الاعتراف بالشركاء وردع الأعداء
في الآونة الأخيرة، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بدت الولايات المتحدة منعزلةً في هدفها الساعي إلى تحقيق السيادة والاستقرار والديمقراطية في العراق. واليوم، في أعقاب الاحتجاجات التي دامت لأشهرٍ ونموّ المقاومة السياسية في وجه الميليشيات المدعومة من إيران، يجب أن تطمئنّ واشنطن لوجود قوّاتٍ داخل العراق تتمتّع بالقوة وتسعى ناشطةً إلى تحقيق الهدف نفسه. فأبدى كلٌّ من المحتجّين وحركات المجتمع المدني والفصائل الكرديّة، بالإضافة إلى الرئيس برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وعدّة نوّاب سنّة، عزماً وشجاعةً في الوقوف بوجه الترهيب الميليشياوي.
فضلاً عن الإشادة بهؤلاء العراقيين الذين يضعون العراق أولاً، يجب أن تعطيهم الحكومة الأمريكية آلية دعمٍ منظّمة بشكلٍ أفضل، وأن تتواصل أيضاً في الوقت نفسه مع الجيل القادم من القادة ومع الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية الأقل شهرةً. ولا بدّ من إنشاء برنامج كبير "غير رسمي" لمساعدة المعتدلين على تنظيم أنفسهم، ونشر رسالتهم، والتمتع بالوعي الدائم إزاء التهديدات الجسدية قبل الانتخابات التالية.
علاوةً على ذلك، يشعر الكثير من العراقيين المعتدلين أنّه على واشنطن الاستمرار في الضغط على الجهات الفاعلة المدمّرة مثل «كتائب حزب الله»، «عصائب أهل الحق»، «منظمة بدر»، وفالح الفياض». فإذا رأت هذه الجهات أنّ هذا الضغط يُرفَع، ستعود للانتقام، فتقتل ليس المحتجّين والأمريكيين فحسب، بل أيضاً الجهات الفاعلة السياسية العراقية الجديدة التي تبرز في الفترة المؤدّية إلى الانتخابات. ولتفادي هذه النتيجة، على الولايات المتحدة إنشاء معدّل استجابة يثير ضرباتٍ أمريكية وشيكة أو فتّاكة على قادة الميليشيات العراقية. (يجب أن تكون تفاصيل هذه النسبة معروفة فقط للحكومة الأمريكية. وقد استُخدم هذا النوع من النظام لمراقبة الردود على مضايقات صدام حسين المستمرة لدوريات منطقة حظر الطيران في التسعينيات). وبالنسبة إلى الساعين إلى تحقيق السلام والسلامة للأمريكيين والعراقيين، من المهم ردع هجمات القذائف الخطرة على القواعد الأمريكية، التي ستقتل في النهاية المزيد من الأمريكيين، ولو عن طريق "الخطأ".
في الوقت نفسه، يجب أن تنسّق واشنطن مع بريطانيا و"الاتحاد الأوروبي" بشأن برنامج عقوبات شامل وغير محدود يسرّع استهداف القادة العراقيين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان. ولا بد من أن يعتمد الترتيب الذي سيتّبعه استهداف الأفراد على أعمالهم الخاصة، فيقتربون من رأس اللائحة كلّما ازدادت سلبية سلوكهم. وعلى الولايات المتحدة أن تسحب أيضاً دعم التعاون الأمني من وزارة الداخلية إلى حين تعيين وزيرٍ جديدٍ يتخلّص من منتهكي حقوق الإنسان – وهي خطوة غدت ضرورية بسبب تورّط قوات الوزارة بشكلٍ صارخ في قمع المحتجّين. وأخيراً، على واشنطن النظر في معاقبة الأفراد داخل منظّمة "بدر" بدلاً من المنظمة بأكملها، لزيادة الانقسام في هذه الحركة التي تعاني أصلاً من الانشقاقات.
القيمة الإستراتيجية لنهج قائم على حقوق الإنسان
لم يعُد المسؤولون الأمريكيون بحاجة إلى إعلاء الصوت لإعلان شرّ النفوذ الذي تمارسه طهران في العراق: فالجميع في البلد يفهم الآن ذلك، ولهذا السبب حاول المحتجّون إحراق السفارة والقنصلية الإيرانيتيْن وليس الأمريكيتيْن. والشعب العراقي هو أفضل حليف لأمريكا في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد، لذا على واشنطن المساعدة في حماية ثورته البطيئة الاشتعال ضد قوات الاحتلال الوكيلة لإيران.
الطريقة الأفضل للقيام بذلك هي من خلال إعادة تركيز السياسات الأمريكية على حقوق الإنسان وجهود مكافحة الفساد. وفي ما يتعلّق بهذه المسائل، تسير الولايات المتحدة على خطى الجيل القادم من العراقيين والمؤسسة الدينية والمجتمع الدولي. وبإمكان أي إدارة أمريكية دعم هذه المبادئ وهذا ما عليها فعله. فيقوم "الحرس الثوري الإيراني" و«حزب الله» اللبناني بكل ما في وسعهما للدفاع عن النخبة السياسية الفاسدة في العراق ومنع تحقيق مطالب الناس، لذا على واشنطن أن تستغلّ هذا الخطأ المميت ربما من جهة طهران.