الكوتا الشبابية في النظم الدستورية
د. جمانة جاسم الاسدي
2025-08-24 04:24
على الرغم من أن الشباب يشكلون الشريحة السكانية الأكبر في العراق – حيث تتجاوز نسبتهم 60% من مجموع السكان – إلا أن تمثيلهم السياسي ما يزال محدودًا وهامشيًا في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ففي ظل استمرار هيمنة النخب التقليدية على الحياة السياسية، يجد الشباب أنفسهم مُبعدين عن مواقع صنع القرار، سواء بسبب القيود الهيكلية أو الثقافة السياسية السائدة، أو النقص في الآليات القانونية الداعمة.
من هنا تبرز أهمية تبني نظام الكوتا الشبابية كإجراء تمييزي إيجابي مؤقت يهدف إلى تصحيح هذا الخلل التمثيلي، وتعزيز المشاركة السياسية الفعالة لهذه الفئة الواسعة، تشير الكوتا إلى نظام حجز مقاعد أو تخصيص نسب معينة لفئة محددة ضمن المجالس المُنتخبة أو المناصب العامة، بهدف تعزيز مشاركتها في ظل وجود إقصاء أو تمثيل ناقص مزمن، وتنقسم الكوتا عمومًا إلى كوتا قانونية إلزامية وهي تُفرض بموجب الدستور أو القانون (مثل كوتا النساء في العراق)، وكوتا حزبية اختيارية وهي تُتبناها الأحزاب سياسيًا دون إلزام قانوني.
أما الكوتا الشبابية فهي تخصيص حصة تمثيلية قانونية لفئة الشباب (عادة بين 25–35 سنة) في المجالس التشريعية أو الهيئات المنتخبة، وتعد شكلًا من أشكال التمييز الإيجابي الذي يُقرّ لمصلحة فئات محرومة بهدف تحقيق العدالة التمثيلية، وقد برر الفقه الدستوري هذا التمييز من خلال قاعدة التمييز المشروع في سبيل المساواة الواقعية، وهو ما يعكس الاتجاه الحديث في مفهوم المساواة، الذي لا يكتفي بالمساواة الشكلية، بل يذهب نحو إزالة الحواجز الاجتماعية والسياسية أمام فئات ضعيفة التمثيل.
أما المشروعية الدستورية للكوتا الشبابية في العراق فدستور الجمهورية لسنة 2005 وبرغم عدم وجود نص صريح يُلزم بكوتا شبابية، فإنه يتضمن جملة من المبادئ التي يمكن تأويلها لدعم هذا الاتجاه، منها المادة (16) تنص على أنه: "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين…"، والمادة (20) تنص على أنه: للمواطنين رجالًا ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح"، والمادة (49/رابعًا) تقر الكوتا النسائية بنسبة 25% كحد أدنى في مجلس النواب، فتنص على أنه: "رابعا:- يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب".
هذه النصوص تُظهر أن الدستور العراقي لا يمنع التمييز الإيجابي، بل أقرّه صراحة لفئة النساء، مما يفتح المجال دستوريًا لاعتماد كوتا شبابية بنفس الحيثية، خاصة إذا استندت إلى واقع اجتماعي واضح من الإقصاء أو التمثيل الناقص.
لكن يعارض البعض الكوتا الشبابية باعتبارها إخلالًا بمبدأ المساواة أمام القانون، بينما يرد الفقه الداعم بأنها تمييز علاجي مؤقت، لا يخالف مبدأ المساواة بل يفعّله، طالما اقتصر على فترة زمنية انتقالية وتم تقنينه بطريقة عادلة.
والتجارب الدولية في اعتماد الكوتا الشبابية كثيرة، منها تونس حيث أقر القانون الانتخابي التونسي سنة 2011 نظام القوائم التناوبية، واشترط أن تضم القوائم مرشحين من فئة الشباب بنسبة معينة، لضمان تجديد النخب، والمغرب هي الاخرى أقرّت المملكة المغربية نظام اللائحة الوطنية للشباب منذ 2011، حيث خُصصت 30 مقعدًا في البرلمان لفئة الشباب، كذلك في أوغندا اعتمدت كوتا شبابية فريدة من نوعها، تمثل كل منطقة في البرلمان بمقعد شبابي مستقل يُنتخب من قبل المجالس الشبابية، وفي النيبال حيث يُلزم الدستور الأحزاب السياسية بترشيح عدد من الشباب ضمن القوائم النسبية للانتخابات، ضمن تمييز إيجابي متعدد الأبعاد يشمل أيضًا النساء والأقليات.
وعليه يمكننا مقترحات تشريعية لتفعيل الكوتا الشبابية في العراق، منها تعديل دستوري بإضافة مادة قانونية: (تلتزم الدولة بتمكين فئة الشباب من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية العامة، وتضمن تمثيلهم العادل في المؤسسات المنتخبة، وفق ما ينظمه القانون)، وتعديل قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018 المعدل بإضافة نص: (تلتزم الكيانات السياسية عند تقديم قوائمها الانتخابية، بتضمين مرشحين من فئة الشباب (تتراوح أعمارهم بين 25–35 عامًا) بنسبة لا تقل عن 20% من عدد المرشحين، على أن يُدرجوا في مراتب متقدمة في تسلسل القائمة تضمن فرص الفوز الفعلي).
والآليات الداعمة للكوتا الشبابية تكون في تحفيز مالي للأحزاب الملتزمة بالكوتا الشبابية، إنشاء هيئة استشارية شبابية ضمن البرلمان، وتخصيص مقاعد شبابية على مستوى المحافظات أو ضمن نظام تمثيل خاص.
ختامًا- تمثل الكوتا الشبابية أداة مؤقتة لتفعيل المشاركة السياسية لشريحة كبرى من السكان ظلت مهمشة لعقود، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه لها من زاوية المساواة، فإنها تجد أساسها في مفهوم العدالة التمثيلية والتمييز الإيجابي المعترف به فقهيًا ودستوريًا، ولكي لا تبقى هذه المبادرات شكلية أو رمزية، لا بد من إقرارها ضمن قواعد قانونية واضحة ودستورية محكمة، ترافقها إرادة سياسية فعلية ومجتمع مدني فاعل، فتمثيل الشباب ليس ترفًا انتخابيًا، بل ضرورة لإصلاح النظام السياسي وتجديد أدواته وتحقيق الديمقراطية الشاملة.