الديمقراطية مقابل النمو؟
بروجيكت سنديكيت
2015-04-28 01:23
هارولد جيمس
برينستون – ان المصاعب الحالية في اوروبا قد أشعلت مجددا الجدل القديم عن ما هو شكل الحكومة الذي يؤدي لأداء اقتصادي افضل. هل الانظمة السلطوية بقدرتها على فرض الاختيارات التي لا تحظى بالشعبية اكثر فعالية في تحقيق النمو؟ أم هل الديمقراطية الليبرالية والضوابط والتوازنات المترسخة فيها تحقق ازدهار مادي اكبر؟
يبدو ان الادلة الداعمة ضمن هذا النقاش قد تأرجحت من طرف لآخر في العقود الاخيرة ففي الثمانيات كان الاداء الاقتصادي في التشيلي تحت ظل دكتاتورية الجنرال اوغستو بينوشيه وفي سنغافورة تحت حكم النظام السلطوي وان كان حميدا للي كيوان يو، يثير الاعجاب وفي الوقت نفسه عانت الدول الديمقراطية في العالم الصناعي من الركود والجمود.
أما في اوروبا فلد ادى ذلك الوضع لنشوء مصطلح " التيبس الأوروبي "فطبقا للمتخصصين بالعلوم السياسية فإن الديمقراطيات كانت ضعيفة امام المصالح الخاصة التي تحد من النمو. أما الانظمة السلطوية-على الاقل تلك التي لا تقوم بنهب بلدانها- فيمكن ان تكون في وضع افضل لتطبيق سياسات تتحقق من النجاح الاقتصادي طويل الاجل.
لقد انهارت هذه النظرية بسقوط جدار برلين. ان سقوط الشيوعية والتخلي عن التخطيط المركزي في اوروبا الشرقية ادى الى ظهور طريقة تفكير جديدة حيث ان اعداد كبيرة من الناخبين اظهروا انهم مستعدين لقبول تضحيات مؤقتة لو كانت تلك التضحيات مرتبطة ببرنامج اصلاحي واقعي وغير فاسد وفي امريكا اللاتينية تبنى السياسيون اليساريون مبادئ السوق كأفضل طريقة لإرضاء طموحات ناخبيهم وعاد النمو وخلال معظم فترة التسعينات كان يبدو ان للديمقراطيات اليد العليا.
لكن لعبة شد الحبل مستمرة فمنذ بداية هذا القرن كان يبدو ان النمو الاقتصادي الكبير للصين يثبت مرة اخرى فوائد السلطوية. ان نجاح الحزب الشيوعي الصين في تجاوز اضطرابات الازمة الاقتصادية العالمية بثقة قد لفت انتباه الاخرين والذين يريدون ان يسيروا على خطى الصين. ان قادة مثل فلاديمير بوتين في روسيا ورجب طيب اردوجان في تركيا وعبد الفتاح السيسي في مصر وفيكتور اوربان في هنغاريا يدعون ان ثمن الاستقرار الاقتصادي والنمو يمكن ان يتضمن في بعض الاحيان تعليق الديمقراطية.
ان ازمة اليورو التي يبدو انه لا نهاية لها قد أدت الى قيام بعض القادة الاوروبيين بإعطاء مصداقية لوجهة النظر تلك ففي بداية الازمة قال جان كلود يونيكر والذي يعمل حاليا كرئيس للمفوضية الاوروبية كلمته الشهيرة وهي: نحن نعرف جميعا ما يتوجب علينا عمله ولكنا لا نعرف كيف سوف يتم اعادة انتخابنا بعد ان نقوم بذلك العمل ". لقد قرر القادة الاوروبيون في مايو 2010 انه ليس بإمكانهم فرض الاصلاحات على اليونان لوحدهم واستدعوا صندوق النقد الدولي ليكون آلية انضباطية اكثر من كونه مصدر مالي ولقد اثار وزير المالية الالماني ولفجانج شويبل الجدل مؤخرا عندما قال وهو يستحضر هذه التجربة "سوف تكون فرنسا سعيدة لو تمكن أي شخص من اجبار البرلمان على الاصلاح."
بالطبع الحقيقة هي ان الانظمة السلطوية-بغض النظر عن نجاحها قصير الاجل في الثبات ضد السياسات غير المسؤولة- غير مستدامة على المدى الطويل. ان نقص المساءلة سوف يؤدي في نهاية المطاف الى الفساد وانعدام الفعالية-وهي مشاكل تعاني منها الصين حاليا.
ان التحدي بالنسبة للديمقراطيات هو تطوير آليات تسمح لها بوضع سياسات مستدامة على المدى الطويل بينما في الوقت نفسه تحمي العملية الديمقراطية نفسها. ان الدعم الشعبي للإصلاحات الصعبة في شرق اوروبا في التسعينات يظهر ان الناخبين قادرون على فهم وقبول التنازل عن ميزه من اجل الحصول على اخرى عندما لا يكون عندهم بديل ملموس (كذلك فإن الازمة في اليونان تظهر ان الناخبين سوف يرفضون القيام بتضحيات لو اعتقدوا ان هناك مخرج آخر).
ان النقاشات البرلمانية هي طريقة فعالة من اجل تحديد الاولويات طويلة الاجل ولكن السياسيين يحتاجون ان يتحققوا من اتخاذ القرارات بدون الترقيع او التراجع الزائد عن الحد فعلى سبيل المثال بعد الركود العظيم كان هناك اجماع على نطاق واسع في الولايات المتحدة الامريكية ان التدخل الزائد عن الحد من الكونجرس كان مسؤولا عن الزيادة الكارثية في معوقات الاستيراد بموجب قانون سموت-هاولي للتعرفة الجمركية. لقد تقرر انه من الافضل ترك السياسة التجارية للرئيس وهو منصب محصن بشكل افضل ضد الضغوط الانتخابية.
ان من الممكن ان أفضل طريقة لتسوية الجدل الاوروبي المتعلق بالأطر المالية المناسبة ستكون عبر استفتاء وذلك بعد اجراء نقاش عام يتعلق بالاستراتيجية المستدامة طويلة الاجل ولكن من الافضل تكليف الدول الاعضاء بتطبيق القرار.
سواء على المستوى الاوروبي او على مستوى الدول الاعضاء فإن السلطة للتحقق من ان النمو الاقتصادي طويل الاجل يجب ان يتم تفويضها بشكل واضح ودقيق لوكالات تستمد شرعيتها من العملية الديمقراطية بينما تتم حمايتها من نزواتها الزائفة. ان البديل المستدام للعملية الديمقراطية لاتخاذ القرار هو ليس السلطوية بل تنفيذ الاليات التي تتحقق من ان المداولات الهادئة لا يتم تقويضها برد منفعل لازمة حالية.