محاربة إيران ليست استراتيجية
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
2019-03-07 06:49
بقلم: جون الترمان نائب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية ومدير برنامج الشرق الأوسط ومدير كرسي بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجي، نقلا عن معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية –واشنطن
ترجمة: هبه عباس محمد علي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
كانت استراتيجية إدارة ترامب في الشرق الأوسط استراتيجية غريبة الاطوار في كثير من الاحيان، وسعت الى صياغة " صفقة القرن" بين الإسرائيليين والفلسطينيين وزيادة حدة القتال ضد "داعش" بينما ترمي في الوقت ذاته إلى الحد من مشاركة الولايات المتحدة في المنطقة. وأصبح جلياً أن لدى إدارة ترامب استراتيجية في الشرق الأوسط تتمثل في معاقبة إيران حتى تصبح حكومتها أكثر امتثالاً وللأسف هذه استراتيجية خاطئة.
نلاحظ ان العداء بين الولايات المتحدة وإيران له جذور عميقة، اذ يعتقد العديد من الإيرانيين أن الولايات المتحدة قد هددت سيادة إيران منذ عقود، فيما ينظر الكثيرون في الولايات المتحدة إلى طموحات إيران باعتبارها تهديدًا أمنيًا كبيرًا. لعقود من الزمان، تعتبر إيران نفسها المنافس الرئيس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهي تدعم جماعات حرب العصابات التي استهدفت الجنود الأمريكيين، وتساعد الجماعات الفلسطينية واللبنانية التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين، وقد تابعت بجهد كبير البرنامج النووي، وطورت صواريخ بالستية قوية، فضلا على دعمها الوكلاء الذين يهاجمون حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن إيران ليست قوة عظمى على الرغم من طموحاتها الجريئة وما تملكه من احتياطات نفطية. لهذا السبب بالذات، ليس لدى إيران أي نية على الإطلاق لمواجهة الولايات المتحدة بشكل تقليدي، وعلى الرغم من امتلاكها العديد من الأدوات لكنها لا تكفي لتحقيق اهداف إيجابية بل تستخدمها في كثير من الأحيان لمنع القوى الأخرى من تحقيق أهدافها دون موافقة إيرانية.
استنتجت إدارة ترامب أن إيران حاولت اختبار صبر العالم لفترة طويلة، وحكمت على استراتيجية اشراك إدارة أوباما لإيران على انها ساذجة وغير ناجحة، وسعت الى ردع إيران بشكل كامل، واعادت فرض العقوبات، وأنهت مشاركتها الدبلوماسية، في حين لم تُعرف الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة، لكن تبدو في فحوى رسالتها وكأنها ستضيق الخناق على إيران حتى تراجع او سقوط حكومتها.
هناك العديد من المشاكل مع هذا النهج، أولاً، يبدو أن الحكومة الإيرانية مقتنعة بفكرة عداء الولايات المتحدة لها بشكل لا يمكن إصلاحه؛ وهذا يعني أن التغييرات في السلوك الإيراني لن تنهي الضغط الأمريكي لكن تدعو فقط الى المزيد من المطالب. ثانياً، ليس هناك الكثير من الأسباب الوجيهة التي تدفعنا للتفكير بأن الحكومة الإيرانية على وشك السقوط، وإذا كانت كذلك، فإن استبدالها سيكون أكثر توافقاً مع مصالح الولايات المتحدة، لكن المشكلتين الأخرتين أكبر:
واولهماً؛ يشير التاريخ الى ان العقوبات الثنائية نادراً ما تُحدث التغيير وتؤدي الى تغيير السلوك، فالعقوبات الأمريكية أحادية الجانب على كوبا منذ عام 1961 لم تسرع سقوط فيدل كاسترو، بينما أسهمت العقوبات الواسعة والمتعددة الأطراف -مثل العقوبات على جنوب أفريقيا في الثمانينيات، وعلى ليبيا في التسعينات، وضد إيران في الألفينيات – في إحداث التغيير.
ان الاندفاع الأمريكي الحالي ضد إيران لقي دعم وتأييد جيران ليس لهم علاقة بإيران الامر الذي يقلل من التأثير عليها، وبدلاً من ذلك، فإن جولة العقوبات الجديدة ستزيد من كراهية الحلفاء الذين تحتاجهم الولايات المتحدة لأولويات إقليمية أخرى دون تغيير السلوك الإيراني بشكل ملحوظ، والأهم من ذلك قامت إدارة ترامب في الوقت ذاته بتخفيض سقف النجاح الإيراني بينما وضعت معيارًا لا يمكن الوصول إليه لنفسها.
ان إيران جزء لا يتجزأ من العمليات الجارية في لبنان واليمن كما يلاحظ نشاط حزب الله في سوريا ونفوذه العميق في العراق، ويضايق سلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني سفن البحرية الأمريكية في الخليج ويواصل عملاء المخابرات الإيرانية هجماتهم في الفضاء السيبراني، وتعتبر القيادة الإيرانية استمرار صمود القوات الإيرانية نصراً في خلافات غير محتملة الحدوث، وكلما عزلت الولايات المتحدة نفسها من حلفائها وشركائها، كلما كانت إيران أفضل حالاً.
لذا على الولايات المتحدة اتباع استراتيجية شاملة، فبدلا من الانتصار على الإيرانيين، عليها العمل مع الحلفاء والشركاء لتشكيل دور امريكي دائم في الشرق الأوسط، فبعد مرور 30 عاماً تقريباً على غزو صدام حسين للكويت تعب الأمريكيون من لعب دور الهيمنة والسيطرة الإقليمية، كما تظهر حاجة استثمارات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان التي بلغت تريليونات الدولارات الى الدعم، كما ان تجربة القيادة الأوروبية في ليبيا غير مرضية تماماً، وقد تضاءلت المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمعظم المنطقة، فضلا على استراتيجيتها الدبلوماسية الفاضحة، وقلة عدد سفاراتها وسفراءها.
لدى الولايات المتحدة قرارات صعبة في الشرق الأوسط، لذا تحتاج الى تطوير مجموعة واسعة من الأدوات لتعزيز مصالحها باستخدام الدبلوماسية والسياسة الاقتصادية -مدعومة بالأدوات العسكرية والقدرات السرية- لإقناع الحكومات والسكان بالبحث عن شراكة أمريكية، والاهم من ذلك انها بحاجة الى إيجاد طرق فعّالة للقيادة من اجل كسب الحلفاء والشركاء للعمل بحماس لكن سياسة الإدارة الامريكية تجاه ايران فعلت العكس، فهي بحاجة الى ائتلاف واسع لدعم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بما في ذلك ايران، لكنها بدلا من ذلك انتهجت استراتيجية ضيقة الأفق.