دبلوماسية الاعتقال
بروجيكت سنديكيت
2019-01-29 04:15
راميش ثاكور
كانبيرا - بتاريخ 19 نوفمبر اعتقل كارلوس غصن رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي السابق لنيسان في مطار هانيدا بطوكيو بعد الاشتباه في تقديمه لتقارير تقلل من دخله واساءة استعمال اموال الشركة للأغراض الشخصية وما يزال غصن معتقلا وبعد ذلك بأقل من اسبوعين اعتقلت مينغ وانزهو المسؤول المالي الرئيسي لشركة هواوي وابنة مؤسس الشركة اثناء وجودها في منطقة الترانزيت في مطار فانكوفر وذلك على أساس تهم موجهه من الولايات المتحدة الأمريكية بأن هواوي قد انتهكت العقوبات الأمريكية على ايران ولقد تم الإفراج عنها بكفالة حيث تنتظر حاليا جلسة المحكمة للنظر بطلب التسليم.
إن القضيتين غير مرتبطتين ببعض من الناحية الفنية ولكن كلا القضيتين تعكسان حقيقة مهمة وهي انه تحت ظل العولمة فإن الاجراءات القانونية المحلية قد يكون لها تداعيات عالمية كبيرة.
إن اعتقال غصن يعني ان النظام القضائي الياباني يحاكم من قبل الرأي العام العالمي وفي واقع الامر فإن اليابان تفتقد للعديد من عناصر الاجراءات القانونية العادلة الموجودة في النظام القضائي الانجلو-امريكي مثل حق ان يتواجد محامي خلال الاستجواب وكما ذكر محامي الدفاع الجزائي الياباني البارز ماكوتو اندو فإن النظام الجزائي الياباني يعمل على اساس إفتراض مفاده أن "المتهم مذنب حتى يتم اثبات انه مذنب ".
لكن الموضوع يمكن ان يكون اسوأ من ذلك: ان وجود معدل ادانة يصل الى 99% (بين اولئك الذين يتم توجيه الاتهام لهم ) يوحي بانه ربما يوجد هناك تواطؤ بين النيابة والمحاكم عوضا عن العمل لتحقيق العدالة فعلى سبيل المثال نادرا ما يتم رفض طلب النيابة تمديد الاعتقال (لفترة لا تتجاوز 23 يوما) ونادرا ما يتم قبول الكفالة والعديد من المشتبه بهم الذين يفرج عنهم بكفالة عادة ما يتم اعادة اعتقالهم مرارا وتكرارا بناء على تهم جديدة وذلك حتى يتم الحصول على اعتراف منهم.
إن المشاكل المتعلقة بنظام العدالة الياباني ظهرت جليا للعامة منذ اعتقال غصن وبتاريخ 8 يناير استخدم غصن في اول ظهور له في المحكمة بند دستوري نادرا ما يتم استخدامه من اجل رفض جميع التهم حيث وصفها بانها " لا قيمة لها وغير مدعمة بالأدلة " وحسب الظاهر فإن رده الذي استغرق عشر دقائق بدا وكأنه اكثر قابلية للتصديق من دعوى النيابة ضده ولكنه ما يزال في السجن.
ان الطريقة التي ظهر بها غصن بالمحكمة – مقيد اليدين وهناك حبل حول خصره ويلبس نعال بلاستيكي-قد فاقمت من كارثة عالمية في العلاقات العامة بالنسبة لليابان ولكن على الرغم من ذلك وبتاريخ 10 يناير قامت النيابة بتوجيه تهمتين اضافيتين ضده والان قد يمضي ستة أشهر في السجن قبل بدء محاكمته. ان الايجابية الوحيدة هي ان قضية غصن قد تؤدي لإصلاح شامل تحتاج اليه اليابان بشده للنظام القضائي الياباني وذلك من اجل الموازنة بشكل أفضل بين مصالح النيابة وحقوق المتهمين ولكن هذا قد يحصل فقط في حالة البراءة بالنسبة لغصن.
بالنسبة لإعتقال مينغ فإن التداعيات العالمية هي اكثر وضوحا فكندا اصبحت الان ساحة المعركة للحرب التجارية التقنية الصينية الامريكية وفي واقع الأمر فإن الرئيس دونالد ترامب نفسه عمل على تسييس القضية عندنا اعلن انه قد يتدخل في القضية لو ساعد ذلك على إصلاح العلاقات الامريكية مع الصين أي بعبارة اخرى فلقد جعل ترامب مينغ ورقة للمساومة في صراع ثنائي متصاعد.
لقد لاحظ جيفري د ساكس ان اعتقال كبار المدراء التنفيذين بسبب مخالفات تتعلق بعمل الشركات (على عكس الجرائم الشخصية مثل الاختلاس ) تعتبر نادرة الحدوث في الولايات المتحدة الامريكية. ان شركة هواوي هي اضخم شركة تقنية عالمية صينية حيث تلعب دورا قياديا على مستوى العالم فيما يتعلق بتقنية الجيل الخامس. إن الولايات المتحدة والتي أدركت انها قد بدأت تخسر ميزتها التنافسية، تسارع حاليا من اجل استعادتها مستخدمة نفوذها المالي العالمي.
اذن بينما كشفت قضية غصن ما اطلق عليه براد ادامز وهو مدير منظمة هيومان رايتس واتش لحقوق الانسان لاسيا "نظام العدالة المختطف " في اليابان والذي تم تجاهله لفتره طويلة، فإن اعتقال مينغ قد تمت ادانته من قبل البعض على انه بمثابة "اختطاف" و "احتجاز سياسي للرهائن" وهذا غير مفاجىء فتخيل لو فرضت الصين عقوبات احادية على الشركات التي تمارس نشاط تجاري في تايوان ثم دعت لإعتقال المدراء التنفيذيين لتلك الشركات في بلدان اخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
ان قضية مينغ تطرح ثلاثة اسئلة رئيسية. هل يجب ان تتحول ممرات الترانزيت العالمية في المطارات الى مصيدة للمسافرين ؟ لماذا اعطت كندا قانون امريكي الاسبقية على القانون الكندي والصيني والدولي ؟ لماذا يجب على الصين ان تتحمل وتتقبل الاعتقال من جانب واحد في كندا لاحد مواطنيها البارزين والذي لم ينتهك أي قانون كندي أو صيني أو دولي ؟
إن من المؤكد أن الصين لم تتقبل اعتقال مينغ فالصين مثل الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لإستخدام نفوذها الدبلوماسي وقوتها العسكرية وعضلاتها المالية لحماية مصالحها وبالفعل قامت السلطات الصينية باعتقال مواطنين كنديين كإجراء انتقامي وفي وقت سابق من الشهر حُكم على الكندي روبرت لويد شيلينبيرج بالإعدام مجددا بعد ادانته بتهريب المخدرات بعد ان تم الحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما في البداية.
لقد رفضت هيوا تشونينغ المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الصينية- والتي انتقدت قضية مينغ ووصفتها بانها اساءة إستخدام للإجراءات القضائية- نداء كندا بالرأفة حيث رددت موقف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وقالت أنه بسبب احترام الحكومة الصينية لحكم القانون فإنها لن تتدخل بالإجراءات القضائية.
إن ردة الفعل الصينية الانتقامية ضد الكنديين غير مبررة وان كانت متوقعة ففي واقع الامر فإن استهداف كندا ينطوي على تكلفة ومخاطرة أقل بالنسبة للصين مقارنة بإستهداف الولايات المتحدة الامريكية ولكن هذا لا يعني ان الصين لن تكون راغبة بتحدي الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة لو استمرت الولايات المتحدة الامريكية بالسعي لتطبيق استراتيجيتها الناشئة والخاصة بالاحتواء.
إن الصين ليست وحيدة فالدول غير الغربية لم تدعم كندا فيما يتعلق بقضية مينغ مما يسلط الضوء على التصادم الأوسع بين الثقافات السياسية وفي واقع الامر هناك أعداد متزايدة من الدول غير الديمقراطية بما في ذلك الصين قد بدأت مؤخرا بإختبار معايير سلوك الدولة الذي يتم ترسيخه وتطبيقه والفصل فيه من قبل الغرب.
لقد فشلت الحكومتان الكندية واليابانية في الادارة الفعالة للتداعيات الاقتصادية والجيوسياسية وتلك المتعلقة بالسمعة فيما يختص بقضيتي مينغ وغصن وهي قضايا اذا اخذنا بعين الاعتبار ترابط العالم اليوم من غير المرجح ان تكون الاخيرة من نوعها ومن اجل التحقق من ان تلك القضايا لن تتصاعد لتصبح احداث عالمية قد تزعزع الاستقرار فإن وجود دبلوماسية خلاقة –تركز على ايجاد التوازن الصحيح بين القيم القانونية والمصالح الجيوسياسية – سيكون أمرا حيويا.