أوجه التشابه بين الشركات والطوائف
انسياد
2018-11-20 06:23
مانفريد كيتس دي فريز
ما هو سبب انجذاب أي شخص إلى طائفة معينة؟ يتبادر إلى أذهاننا عند الحديث عن الطوائف، عائلة مانسون، وطائفة بوابة الجنة أو جونز تاون، والتي أدى تعصبها إلى حوادث قتل وانتحار جماعي. بالطبع قد تتخذ الطائفة أشكالاً أخرى غير مؤذية، مثل مجموعة هاري كريشنا، والعصر الجديد وحتى طوائف شخصية أو دينية.
على نطاق أوسع، تعرَف الطائفة بكونها تظهر التفاني لشخص أو فكرة، أو شيء، أو حركة أو عمل. مثل الأحزاب السياسية، والجماعات الإجرامية، وحتى الأنظمة السياسية يمكن اعتبارها شكلاُ من أشكال الطوائف. تمتلك العديد من الشركات خصائص تجعلها شبيهة بالطوائف. بما في ذلك القادة المؤثرين الذين يطلبون التفاني والولاء؛ الثقافة المؤسسية التي لا تكترث بالآخرين؛ القواعد الصارمة بخصوص سلوكيات معينة؛ عدم التساهل مع الخروج عن الأعراف المعمول بها.
على المستوى الجوهري، تلبي الطائفة حاجتنا للبحث عن معنى لحياتنا، وتعطينا إجابات واضحة وصريحة لأسئلة صعبة مثل معنى الحياة، الخير مقابل الشر، الأمور الدينية، السياسات... الخ. بالإضافة لذلك، تلبي حاجتنا إلى اتباع هيكلية وقواعد معينة. ينضم بعض الأشخاص لطائفة معينة بغرض الهرب من الشعور بالوحدة والرغبة بالشعور بالانتماء إلى مجموعة أكبر.
يعرف قادة الطوائف كيفية الحديث عن هذه الرغبات الأساسية فهم خبراء في السيطرة على العقول. يمتلك هؤلاء " المفترسين الساحرين" المهارات المطلوبة لاستغلال قلق ومخاوف أتباعهم المحتملين. فهم بارعين في جعل الأتباع الجدد يشعرون بالاهتمام وأنهم محبوبون، ويخبرونهم بما يرغبون بسماعه. يجعل هؤلاء السحرة أتباعهم يؤمنون بمختلف المفاهيم الغريبة، مثل الشعور بالأمن المادي، وراحة البال، والصحة الجيدة وأيضاً الحياة الأبدية. تكمن قوتهم في الترويج لأفكار بسيطة تبدو منطقية، وذلك هو عكس الغموض والتناقض وحال عدم اليقين التي تسيطر على حياتنا اليومية.
من غير المفاجئ أن يمتلك قادة الطوائف الكاريزما، والقدرة على جذب أتباعهم بإشارة منهم. ولكن خلف ذلك السحر، يتسم قادة الطوائف بالعزلة وبعض سمات الاضطراب النفسي.
الديناميكية النفسية للطائفة
تلعب الديناميكيات النفسية المعقدة دوراً في خلق الطائفة. على سبيل المثال، تستفيد الطائفة من رغبة البشر في الانخراط في تفكير ذو إثارة. عادة ما يمنح قادة الطوائف "قوى سحرية"، تشبه التصورات الأولية للأبناء عن والديهم بأنهم كليي المعرفة ويستطيعون التحكم بعالمهم. وعلى ذلك، يلجأ أعضاء الطائفة إلى قادتهم لتشكيل أفكارهم ورؤيتهم للعالم. مما يجعل قادة الطوائف ينشرون أكاذيب ويحرفون الأشياء لدرجة لا يستطيع معها أتباعهم من التمييز بين الحقيقة والخيال.
يشجع قادة الطوائف أتباعهم على قطع علاقاتهم بالعالم الخارجي، لضمان سيطرتهم عليهم بصورة مطلقة. وهناك آلية فعالة لعزل أعضاء الطائفة، وذلك من خلال بث أفكار مروعة عن طريق "نحن ضد الآخرين"، يقصد بـ "الأخرين " العائلات أو الحكومات التي يتم تصويرها على أنها سيئة، أما "نحن" فتعود على الطائفة كملاذ آمن. بعزلهم عن علاقاتهم السابقة، يصبحوا أكثر اعتماداً على الطائفة لتلبية احتياجاتهم العاطفية والجسدية. لذلك يصبح من الصعب ترك الطائفة أو المسيء لا سيما في ظل تلك العلاقة.
بالرغم من ذلك، يبقى أعضاء الطائفة أو المجموعة غير مدركين لماهية الوضع، ويتهيأ لهم أنهم ممسكون بزمام الأمور ويتصرفون بحسب رغبتهم. على الرغم من أن الأشخاص من خارج الطائفة يرون العكس تماماً، إلا أن الأتباع لا يمتلكون أي فكرة عما يحدث معهم. فالجدار الذي عزلوا أنفسهم به غير مرئي بالنسبة لهم.
الشركات تشابه الطوائف
كما ذكرنا سابقاً، تمتلك العديد من الكيانات الاجتماعية والشركات خصائص مشابهة. وبالرغم من كونها أقل سلطوية من الطوائف الدينية، إلا أن تلك الكيانات تنخرط في أشكال مشابهة لتلك العملية. على سبيل المثال، تروج العديد من الشركات إلى إيديولوجيات وقيم ثقافية. وفي الوقت الذي تعطي فيه موظفيها معنى للبقاء وهدف وحس بالانتماء، إلا أنها تطلب منهم بالمقابل الالتزام بمعتقداتها، وبناءً عليه تتم معاقبة المنشقين.
يدير بعض تلك الشركات قادة يتمتعون بشخصية ملفتة تجعلهم محط أنظار الموظفين. ينظر الأتباع إلى هؤلاء القادة كنموذج يتشبهون بطريقة تفكيره وتصرفاته. وبسبب طبيعة نشئتهم الاجتماعية، قد يرتبط الموظفين عاطفياً بشركاتهم وقد تصبح فيما بعد أكثر أهمية من عائلاتهم ومجتمعاتهم.
كما هو الحال في الطوائف الفعلية، قد تتسبب الشركات بجنون العظمة، فغالباً ما ترسم هوية الشركة بعكس القوى الخارجية، مما يجعل مصطلحات مثل "نحن" و"هم" هي القاعدة. لا تشجع مثل تلك الشركات على التفكير الإبداعي، بل تقضي على فرص مشاركة الأفكار والآراء والنقد البناء من خلال العقيدة والسيطرة على التفكير.
يجب الحذر من تلك الشركات، وأن نكون متيقظين لمقاومة الإغراءات التي تقدمها. فمسؤولية تمييز الحقائق من الغوغاء تقع على عاتقنا. ويجب أن نرفض التفكير المتطرف الذي لا يرى سوى الأبيض والأسود، والبحث عن أي فرصة للانخراط في نقاش صحي. فعندما تحدث المشكلة، فإن إدراكنا للأمور بشكل موضوعي سيفسر جوانب المشكلة ولن نكون ساعتها كبش الفداء.
وأخيراً، لنكن شاكرين للقادة المتنورين الذين يشجعون على التفكير الإبداعي، ويقدرون التفرد والأحكام الصائبة، ويتميزون بالأصالة. ففي النهاية، نحكم على القيادة الجيدة من خلال قدرتها على استكشاف الفرص عند الأتباع للنهوض بهم وليس التحكم بهم واستعبادهم.