الخط الفاصل بين العناد والغباء

انسياد

2018-10-25 04:35

مانفرد كيتس دي فريز

القدرة على تغيير الرأي عندما يثبت أننا على خطأ، هو الطريق الأمثل للنجاح

ليس بالضرورة أن يكون العناد أمراً سلبياً فقد يكون ميزة. نرى عبر التاريخ بعض الأشخاص الذين قاموا بالأشياء الصحيحة من خلال تمسكهم الراسخ بالأشياء التي يؤمنون بها. لنأخذ شارل ديغول على سبيل المثال. رفض الجنرال ديغول الاعتراف بالهزيمة عقب اكتساح النازيين الألمان لفرنسا واستيلاءهم عليها خلال الحرب العالمية الثانية. وأقنع الفرنسيين رغم الصعاب أنهم سينتصرون في نهاية الأمر. فإيمانه الراسخ ببلده ساعده على تحويل رؤيته إلى واقع. نجح الرئيس ديغول عقب انتهاء الحرب في انتزاع مقعد دائم لفرنسا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. واستطاع بإصراره أن يجعل فرسنا تكتسب الاحترام الدولي.

نستطيع في بعض الأحيان من خلال العند والإصرار القيام بأمور عظيمة. فالعند يحثنا على المثابرة. ويساعدنا على النهوض في الوقت الذي يحاول فيه الآخرين إحباط عزيمتنا والتقليل من شأن أفكارنا. ويمكن أن يكون العند من مزايا القيادة الناجحة ومفتاح للنجاح.

يميل الأشخاص العنيدون لأن يكونوا أكثر حسماً كونهم يدركون بشكل جيد ماذا يريدون. ولديهم تركيز عالي وينهون ما يبدأوه. تعتبر صفات مثل الرؤية، والدراية، والمثابرة، والصلابة والإصرار من مشتقات العناد. وبإمكاننا القول أن الإصرار عبارة عن عند هادف.

في حالة ديغول، كان العند بمثابة نعمة. ولسوء الحظ لا يوجد كثيرون من أمثاله. كونه يوجد خط رفيع بين العناد بحكمة، والمكابرة بسب الأنانية، أو حتى بسبب الغباء.

الجانب السلبي للعناد:

عند الإصرار على التمسك برأينا رغم وجود دليل قاطع عن كوننا على خطئ، يجب أن نسأل أنفسنا ما الذي يدفعنا إلى التمسك برأينا. وما الذي يحدث في كينونتنا.

على عكس ما يبدو، عندما نتعامل مع شخص عنيد يجب أن لا ننخدع بالمظاهر الخارجية. فقد يبدو الأشخاص العنيدون غير قابلين لأن يقهروا، ولكن يوجد فرق كبير بين الشخص القوي والشخص العنيد. وعلى الرغم من إظهار الأشخاص العنيدون للقوة، إلا أنها مجرد واجهة. فالعناد غالباً ما يكون إشارة لعدم الشعور بالأمان وطريقة للتشبث بنوع من التوازن الهش. في حين يدرك الأشخاص الأقوياء كيفية تقديم التنازلات عند الضرورة.

يخشى الأشخاص العنيدون من التغيير، مما يفسر الصلابة التي يتسم بها سلوكهم. ويرون في عقلهم اللاوعي، أن أي المحاولة للتغيير ليست إلا تحديا شخصيا. لذا نجدهم في حالة تأهب دائماً، يهاجمون أي شخص يحاول مناقشة أفكارهم. وعوضاً عن تقبل المعلومات الجديدة أو فكرة أن يكون شخص آخر على صواب، نراهم يناقشون وجهة نظرهم الأصلية. فعدم شعورهم بالأمان يجعلهم معرضون للتحيز: على سبيل المثال الميل للتعامل مع المعلومات بطريقة تدعم أفكارهم.

تحويل العناد إلى عقيدة

يمس العناد بديناميات السلطة. فعندما يرى الأشخاص العنيدون تهديداً لكرامتهم أو كبريائهم، يلجأون إلى ألعاب السلطة التي لا تقبل احتمالات غير الفوز أو الخسارة. مدفوعين بفكرة: "إذا لم أكن عنيداً، سيأخذ الآخرين حقي". ولكن سرعان ما يتحول العناد إلى آلية دفاعية.

ومن السمات الأخرى للأشخاص العنيدين، ميلهم لتصنيف الناس بين الجيد والسيء، على حسب توافقهم مع أفكارهم. ومع ترجيح الأفضلية للتفكير المتطرف (أبيض أو أسود) والبعيد عن احتمالية عدم اليقين أو الصراع، نراهم متعصبون للقوالب النمطية.

وبالنظر للعقلية المنغلقة للأشخاص العنيدين، فإنهم يصبحون متعصبين عندما يتعلق الأمر بالأديان، والإيديولوجيات، والآراء السياسية والاقتصاد. فالآراء التي تنطوي عليها تلك الأمور يصعب تغييرها، كونها تخضع للأحكام الشخصية والتفسيرات الفقهية. ومن الممكن النظر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه قضية تفوقت فيها الأيدولوجيات السياسية والاقتصادية على المنطق.

التعامل مع الأشخاص العنيدين

كون العناد يتسبب بحدوث صراعات بين الأشخاص، يرى الأشخاص العنيدون أحيانا الحاجة للتغيير. وفي معظم الحالات يصعب قيامهم بالتغيير بأنفسهم. وفي حال طلبهم للمساعدة – سواء من شخص آخر أو فرد من العائلة أو أحد الأصدقاء أو الزملاء وحتى المتخصصون- من الجيد أن يظهر هذا الشخص نوع من التعاطف تجاههم.

تكمن الخطوة الأولى بفهم الأسباب الخفية للتصرف بعند. وينطوي ذلك على الكشف عن بعض الخبرات التي أدت لمثل هذا السلوك المتعصب. فغالباً ما ينشأ العناد كآلية دفاعية للبقاء.

ونظراً لكون الأشخاص العنيدين يخشون بشكل غريزي من سيطرة الآخرين عليهم، ينبغي على الشخص الذي يساعدهم أن يعالج المسألة بروية. ويتطلب منه ذلك مجاراتهم ومحاولة ضبط أية محاولة مباشرة لخرق دفاعات الشخص العنيد. وعوضاً عن ذلك يتوجب عليه تبني شكلا من أشكال التعاطف. وبغض النظر عن أية محاولة يقوم بها الشخص العنيد للتعبير عن غضبه – مهما كانت مستفزة- ينبغي الاستمرار بإظهار التعاطف. فخوض جدال مع شخص عنيد لن يؤتي بنتيجة.

ينبغي ان يكون الشخص المساعد حذراً جداً، ليس فقط مما يقوله بل أيضاً في اختيار الوقت المناسب لقوله. وعندما يحين الوقت لتقديم رأي مغاير، يجب أن يتم ذلك بكل احترام. وفي حال تم التعامل معه بشكل صحيح، قد يتقبل الأشخاص العنيدون وجهة نظر أخرى، وإن رفضوها بدايةً. والأهم من ذلك، يتوجب أن يفهم المساعد أنه في سبيل إقناع الأشخاص العنيدون بالتغيير يتوجب عليهم أن يجعلهم يصدقون أن التغيير هو فكرتهم منذ البداية.

لا يوجد حلول سريعة

يتغير الأشخاص فقط في حال كانوا جاهزين للبحث في الأسباب التي تدفعهم للقيام بأفعالهم واكتشاف عدة طرق للتعامل مع حياتهم. وسيعود ذلك بالنفع على الأشخاص العنيدين كونهم سيصبحون أكثر إدراكاً بالقضايا الكامنة خلف إجبارهم على أن يكونوا على حق. وسيدركون من خلال الإرشاد والعلاج النفسي، التأثير السلبي للعناد على حياتهم.

سيكتشفون تدريجياً أن دافعهم لخوض الصراعات والمشاحنات يبدأ بالانحسار. وقد يتعلمون تقدير قيمة النظر إلى الأمور من منظور مختلف: وقد يتقبلون فكرة عدم اليقين. ويتخلصون مع مرور الوقت من الآليات الدفاعية القديمة ويستبدلونها بآليات بناءة.

لا يعد تطوير إحساس بقيمة الذات بمثابة حل سريع. ولكن يبقى الأمل بأن يدركوا أنه على الرغم من كون العالم مليء بالأشخاص الذين يعتقدون أنهم على حق، فإن قوة الشخص وطريقه نحو النجاح تكمن في القدرة على الاعتراف بالخطأ عند اتخاذ قرارات خاطئة.

فمن دون شك، العناد هو مجرد شكل من أشكال الغباء.

* مانفريد كيتس دي فريز، أستاذ مساعد في تنمية المهارات القيادية والتغيير التنظيمي بكلية إنسياد
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا