وعود الذكاء الاصطناعي ومزالقه
بروجيكت سنديكيت
2018-09-09 04:10
جاك بوغاين/نيكولاس فان زيبروك
بروكسل ــ مثله كمثل أي اتجاه تحويلي، يقدم لنا صعود الذكاء الاصطناعي فرصا كبرى ويفرض علينا تحديات خطيرة. لكن أعظم هذه المخاطر جسامة قد لا تكون تلك الأكثر تداوى في المناقشات.
وفقا لبحث جديد من معهد ماكينزي العالمي، يملك الذكاء الاصطناعي القدرة على تعزيز الإنتاجية الاقتصادية الكلية بشكل كبير. فحتى مع وضع تكاليف الانتقال وتأثيرات المنافسة في الحسبان، من الممكن أن يضيف الذكاء الاصطناعي نحو 13 تريليون دولار أميركي إلى الناتج الإجمالي بحلول عام 2030 وأن يعزز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1.2% سنويا. وهذا أشبه ــ أو حتى أكبر من ــ التأثير الاقتصادي الذي خلفته التكنولوجيات ذات الأغراض العامة في الماضي، مثل الطاقة البخارية خلال القرن التاسع عشر، والتصنيع في القرن العشرين، وتكنولوجيا المعلومات في القرن الحادي والعشرين.
لعل أكثر المخاوف إثارة للمناقشة حول الذكاء الاصطناعي هو احتمال يتمثل في حلول الآلات الذكية محل عدد من الوظائف أكثر من تلك التي تخلقها. لكن أبحاث معهد ماكينزي العالمي وجدت أن تبني الذكاء الاصطناعي قد لا يخلف تأثيرا كبيرا على صافي العمالة في الأمد البعيد. ذلك أن الاستثمار الإضافي في هذا القطاع قد يساهم بنحو 5% في تشغيل العمالة بحلول عام 2030، وقد تؤدي الثروة الإضافية التي ينشئها القطاع إلى دفع الطلب على العمالة إلى الارتفاع، وتعزيز تشغيل العمالة بنحو 12% أخرى.
ولكن برغم الصورة العامة الإيجابية، فإن الأخبار ليست كلها طيبة. فبادئ ذي بدء، قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تصبح فوائد الذكاء الاصطناعي ــ وخاصة في ما يتصل بالإنتاجية ــ محسوسة. والواقع أن أبحاث معهد ماكينزي العالمي تشير إلى أن إسهام الذكاء الاصطناعي في النمو ربما يكون بحلول عام 2030 أعلى بنحو ثلاثة أمثال أو أكثر مقارنة بإسهامه على مدار السنوات الخمس القادمة.
ويتماشى هذا مع ما يسمى مفارقة الكمبيوتر سولو: حيث تتأخر مكاسب الإنتاجية عن التقدم التكنولوجي ــ وهي ظاهرة ملحوظة خلال الثورة الرقمية. ويرجع هذا جزئيا إلى حقيقة مفادها أن الاقتصادات تواجه في البداية تكاليف تنفيذية وانتقالية عالية، والتي تميل تقديرات الأثر الاقتصادي للذكاء الاصطناعي إلى تجاهلها. وتشير محاكاة معهد ماكينزي العالمي إلى أن هذه التكاليف سوف تربو على 80% من إجمالي المكاسب المحتملة في خمس سنوات، لكنها سوف تنخفض إلى ثلث تلك المكاسب بحلول عام 2030.
الميزة الأكثر إثارة للانزعاج في ثورة الذكاء الاصطناعي هي أن تقاسم فوائده من غير المحتمل أن يجري على نحو منصف. وسوف تعزز "انقسامات الذكاء الاصطناعي" الناتجة عن ذلك الانقسامات الرقمية التي تعمل بالفعل على توسيع فجوة التفاوت الاقتصادي وتقويض المنافسة. وقد تنشأ هذه الانقسامات في ثلاثة مجالات.
سوف ينشأ الانقسام الأول على مستوى الشركات. ذلك أن الشركات المبدعة الرائدة التي تتبنى تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل ستتمكن من مضاعفة تدفقاتها النقدية بين الآن وعام 2030 ــ وهي النتيجة التي من شأنها أن تستتبع في الأرجح تشغيل عدد أكبر كثيرا من العمال. وسوف تسبق هذه الشركات نظيراتها غير الراغبة أو غير القادرة على تنفيذ تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بنفس المعدل. والواقع أن الشركات التي لا تتبنى الذكاء الاصطناعي على الإطلاق ربما تشهد انخفاضا ينحو 20% في تدفقاتها النقدية مع خسارتها لحصتها في السوق، مما يفرض عليها من الضغوط ما يحملها على الاستغناء عن العمال.
يتعلق الانقسام الثاني بالمهارات. فسوف يؤدي انتشار تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي إلى تحويل الطلب على العمل بعيدا عن المهام المتكررة التي يمكن أداؤها آليا أو عن طريق منصات خارجية، ونحو مهام ذات دوافع اجتماعية أو إدراكية. وتشير نماذج معهد ماكينزي العالمي إلى أن ملامح الوظائف التي تتسم بمهام متكررة ومعرفة رقمية ضئيلة قد تنخفض من نحو 40% من إجمالي العمالة إلى ما يقرب من 30% بحلول عام 2030. من ناحية أخرى، من المرجح أن ترتفع حصة الوظائف التي تستلزم القيام بأنشطة غير متكررة أو تتطلب مهارات رقمية عالية المستوى من نحو 40% إلى أكثر من 50%.
وقد يساهم هذا التحول في زيادة الفوارق في الأجور، حيث من المحتمل أن يتحول نحو 13% من إجمالي فاتورة الأجور إلى وظائف غير متكررة تتطلب مهارات رقمية عالية المستوى، مع ارتفاع الدخول في مثل هذه المجالات. وربما يعاني العاملون في فئات الوظائف المتكررة والمهارات الرقمية المتدنية من ركود أو حتى انخفاض في الأجور، مما يساهم في انحدار حصتهم في فاتورة الأجور الإجمالية من 33% إلى 20%.
وقد بات الانقسام الثالث المرتبط بالذكاء الاصطناعي ــ بين الدول ــ واضحا بالفعل، ويبدو أنه يتجه نحو الاتساع. فسوف تتمكن الدول القادرة على ترسيخ نفسها في ريادة الذكاء الاصطناعي، وأغلبها في العالَم المتقدم، من الاستحواذ على 20% إلى 25% إضافية من الفوائد الاقتصادية مقارنة باليوم، في حين قد تحصل الاقتصادات الناشئة على 5% إلى 15% إضافية فقط.
تتمتع الاقتصادات المتقدمة بمزية واضحة في تبني الذكاء الاصطناعي، لأنها كانت سابقة في تنفيذ التكنولوجيات الرقمية السابقة. وهي أيضا لديها حافز قوي لتبني الذكاء الاصطناعي: انخفاض نمو الإنتاجية، والشيخوخة السكانية، وتكاليف العمل المرتفعة نسبيا.
على النقيض من هذا، تفتقر العديد من الاقتصادات النامية إلى البنية الأساسية الرقمية الكافية، وتعاني من ضعف الإبداع والقدرة الاستثمارية، فضلا عن قاعدة المهارات الهزيلة. أضف إلى هذا التأثيرات المثبطة المتمثلة في انخفاض الأجور والمسافة البعيدة التي يلزم قطعها للحاق بالإنتاجية، فيتبين لك أنه من غير المرجح أن تتمكن هذه الاقتصادات من مواكبة الاقتصادات المتقدمة في تبني الذكاء الاصطناعي.
الواقع أن نشوء أو اتساع هذه الانقسامات في الذكاء الاصطناعي ليس حتميا. فبوسع الاقتصادات النامية بشكل خاص أن تختار اتباع نهج فكري تقدمي يشمل تعزيز أسسها الرقمية وتشجيع تبني الذكاء الاصطناعي بقوة. ولضمان تلبية احتياجات بيئة العمل المتغيرة، تستطيع الشركات أن تضطلع بدور أكثر نشاطا وفعالية في دعم تطوير التعليم وتوفير التعلم المستمر للعمال من ذوي المهارات المتدنية.
وهذه الانقسامات، فضلا عن ذلك، ليست تطورا سلبيا بالضرورة. ذلك أن إعادة تخصيص الموارد نحو الشركات الأعلى أداء من شأنها أن تجعل الاقتصادات أكثر صحة، بل وربما تزودها بمزايا تنافسية جديدة في مواجهة دول أخرى.
ولكن لا ينبغي التهوين من شأن المخاطر التي تفرضها هذه الانقسامات. والبصيرة والمثابرة من الضرورات الأساسية لإنجاح ثورة الذكاء الاصطناعي، لأنها ستجلب آلاما قصيرة الأجل قبل أن تسمح بتحقق المكاسب الطويلة الأجل. وإذا حدثت الآلام على خلفية من الإحباط في ظل توزيع غير متكافئ لفوائد الذكاء الاصطناعي، فربما تشعل شرارة ردة فعل عنيفة ضد التكنولوجيات التي يمكنها أن تنتج لولا ذلك دورة حميدة من الإنتاجية الأعلى، ونمو الأجور، وتعزيز الطلب على العمالة.