ما هو دور كرة القدم في تحقيق التنمية واستنهاض قيم المواطنة؟
شبكة النبأ
2018-07-14 08:41
اهتمام شعوب العالم بكرة القدم وخاصة في بطولة كأس العالم تحول الى لعبة للأمم طغت على كل الاحداث، فما هو برأيكم دور كرة القدم في تحقيق التنمية الإنسانية واستنهاض قيم المواطنة، وهل يجب الاستثمار في ذلك؟
الدكتور احمد عدنان الميالي:
السؤال يحتمل اجابتين او تصورين:
الاول: هو كلما كانت الشعوب لديها مشاكل وتمثلات سياسية يذهب صانعو القرار بالاعتقاد أن الرياضة هي البديل المناسب للتمثيل والتعبير السياسي ونقل محددات النقد والاهتمام الى كرة القدم او الرياضة بشكل عام.
بمعنى النظر الى السياسة بمنظار خارجي عبر الافق الكروي مما يعمل على صرف الانظار وتطويق المشكلات وحصرها بالخانة الخارجية ان وجدت، أي لكي تتخلص الدول من حروبها الداخلية تعمل على تحشيد كل العصبيات في ملاعب كرة القدم الدولية وتحويل الكراهية إلى الملاعب فكرة القدم هي بديل للكراهية تعمل على ابعاد الاقتتال الداخلي وتعمل ايضا على توحيد المواقف وزيادة الشعور بالوحدة والاتحاد، رغم ان هذا لم يعد تعميما فما حصل للمنتخب السوري وتمزق الشعب نحوه من مؤيد للمنتخب وبين من يسميه منتخب النظام عبرة للاستثناء.
اما على مستوى التصور الثاني وهو تنمية الشعوب دوليا فارتباطا بالسياق الكروي نرى الكراهية متأصلة اكثر لدى المشجعين تجاه الفرق الاخرى عند الخسارة او عند ظلم منتخبهم من قبل حكم يحمل جنسية مناوئة او عند حصول مؤامرات كروية لخروج فريق على حساب اخر ضمن الحسابات الرياضية مثل ماحصل بمونديال ١٩٨٢ بالتآمر على الجزائر من قبل المانيا والنمسا كذلك اندلاع تشاحنات شعبية ودبلوماسية بين مصر والجزائر عام ٢٠٠٩.
على الرغم احيانا من ماتعمله كرة القدم العالمية احيانا من تهدئة النفوس ايجابا وهذا ماحصل مثلا مع كرواتيا ازاء الروس في هذا المونديال الاخير رغم ان كرواتيا كانت تحت ربقة سلطات الاتحاد السوفيتي السابق.
اقول: لم تنجح لعبة كرة القدم عالميا في تنمية السلام او إحلاله كما هو مطلوب منها.
نعم قد تعمل كرة القدم على نشر قضايا مثل العدل والسلام والتضامن مع الاطفال والمرأة والمرضى ومباريات دعم خيرية، لكن يبقى تأثيرها محدود ولهذا لابد ان يبقى مكان القضايا السياسية وصنع السلام بين الشعوب في المؤسسات السياسية الداخلية والدولية، ويحب ان تبقى كرة القدم وكأس العالم في الملاعب فقط...
الدكتور سليم العلي:
ان الرياضة عموما ولعبة كرة القدم تحديدا لم تعد في عالم اليوم مجرد لعبة للتسلية وقضاء الوقت فقط، ولم تعد كما كانت في السابق وسيلة لبناء الجسم السليم، وكرة القدم لم تعد عبارة عن كرة مستديرة تتقاذفها الاقدام، بل اصبحت ركنا مهما من هذا العالم الذي اصبحت تتقاطع فيه الاعتبارات السياسية والاقتصادية والأفكار المطروحة. مما يعكس امكانية التأثير الذي يمكن ان تتركه هذه اللعبة على المستويين الشعبي والمجتمعي عبر توظيفها من قبل السياسة ورموزها، فضلا عن حجم الأموال المستثمرة فيها كونها ورقة اقتصادية رابحة إذا ما تم الاستثمار فيها.
ففي عالمنا المعاصر الذي تعيش فيه الدول والمجتمعات وكأنها اصبحت قرية صغيرة يمكن لكرة القدم ان تكون جسرا رابطا بين المجتمعات وإحدى وسائل تعزيز الحوار والتسامح والتفاهم وبغض النظر عن الاختلافات والتناقضات الثقافية والايديولوجية والانقسامات السياسية بين الدول لا سيما في اوقات النزاع أو انعدام الاستقرار، كونها تجسيد للعلاقة الطبيعية بين الأطراف عبر توظيف تلك العلاقة إنسانيا وعكسها على الأطراف المختلفة.
ومن هنا يمكن القول ان لعبة كرة القدم يمكن ان يكون لها دورا فاعلا في التنمية البشرية وتطوير الذات وتنمية المهارات والقدرات بين أفراد المجتمع، كما انها احدى المجالات المهمة للاستثمار البشري والتجاري والصناعي والسياسي بل والثقافي والحضاري بين الشعوب لا سيما بعد ان اصبحت تحظى باهتمام مؤسسات البحث العلمي في المجال الرياضي ومراكز الدراسات المجتمعية.
فضلا عن ذلك، ونتيجة الظروف والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها العالم اصبحت كرة القدم بمثابة المرآة التي تستطيع من خلالها الأمم النظر الى نفسها وتقديم الصورة الإيجابية عنها الى العالم. وهنا يمكن القول ان كرة القدم لم تعد تملك قدرة التأثير على السياسة فحسب بل اصبحت وجه من وجوهها، لذا ليس غريبا ان يتسابق أهل السياسة ورموزها عبر التاريخ على توظيف هذه اللعبة للتأثير على قناعات الجماهير وميولهم.
وعليه، فقد نجحت كرة القدم عبر سرعة انتشارها الهائل وسهولة تقبلها في اختزال الشعوب بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم وأعمارهم لتجعل منهم حالة تعكس مدى التلاحم الوطني والانتماء للوطن والهوية الوطنية الجامعة بعيدا عن الانتماءات الضيقة الأخرى، وهو ما يعني ان كرة القدم كرست روح المواطنة والشعور بالانتماء للوطن واصبحت دليلا على تراجع العديد من الأيديولوجيات السياسية التعبوية المعتادة وانتقالها الى مجالات أخرى. مما يعني امكانية استثمار الطاقات البشرية فيها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية انطلاقا من ان كرة القدم اصبحت تتجاوز الاعتبارات والحدود الرياضية الى الاعتبارات السياسية والمالية والاقتصادية.
الدكتور محمد مسلم الحسيني:
من يرى الإهتمام العام المتزايد بكرة القدم يقف منبهرا بهذه الحقيقة، شخصيّا أجد أن أحد معاني الإهتمام هذا هو أن الحياة دائما تقوم على أساس الصراعات وإن اختلفت بأشكالها وصورها.
الناس على الأغلب تجري وراء روح الصراعات الكائنة في حياتنا سواء كانت صراعات عنصرية أو عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو تكنولوجية أو جغرافية أو... أو.... الخ. البشر بشكل عام ينجرف وراء حب الصراع ومهما كانت اشكاله.! أعتقد الصراع على كأس الأولوية في كرة القدم هو أيضا شكل من أشكال الصراعات الدنيوية.
ولكن لا أعتبره شخصيا بأنه صراع مؤذي أو خطير بل على العكس فإنه صراع حميد لأنه قد يمتص عنف الشباب ويجعلهم يركضون وراء هذا الصراع بدلا من بحثهم على وجوه صراعات أخرى قد تكون مؤذية على نطاق الفرد والمجتمع، هذا التنافس الرياضي يحفز الشباب على ممارسة الرياضة وللرياضة فوائد طبية عضوية جسدية وعقلية ونفسية، والمثل يقول "العقل السليم في الجسم السليم".
تشجيع المراهقين والشباب على الرياضة يعتبر تنفيس لطاقاتهم الكامنة التي قد تنجرف في مطبات غير حميدة في بعض الأحيان خصوصا في غياب الإرشاد والتثقيف ووسائل الترفيه الصحيحة. الترفيه عند الشباب بشكل خاص وعند البشر بشكل عام فسلجة ضرورية من أجل إدامة النفس بحالة صحية تستطيع أن تنفث من خلاله آلام الحياة ومصاعبها وكرة القدم وجه من وجوه الترفيه النفسي الحميدة والتي لا غبار على ممارستها.
وهكذا فإني أعتقد شخصيا بأن تشجيع هذه الهواية وهذه الممارسة أمر حميد لما له من فوائد عمليه كثيرة قد يضيق المكان في تفصيلها. أتمنى لو تتفضلون بنشر إستبيان أو بحث بهذا الشأن لأن وجهات النظر المختلفة قد تفيد القارئ والمتابع والمستفسر بهذا الأمر.
الدكتور اسعد شبيب:
في تحليل الجانب الحضاري والسياسي من الظواهر الرياضية الكبرى من قبيل البطولات القارية وكاس العالم فهي من دون شك عندنا تساهم إيجابيا بصورتين: الأولى ان المباراة التي تقام ما بين دولة (ا) ودولة (ب) سترفع من مستوى الالتصاق الشعب بدولته وهنا تبرز الدولة-الأمة الهوية الشاملة الجامعة لكل الثقافات المحلية، وهذا ما نراه حتى في الدول التي تشهد اضطراب في التعايش الثقافي اذ يتوقف الصراع خلال هذه المواسم ويكون الأغلب من هؤلاء خلف منتخب بلاده، اما الصورة الثانية فهي تعكس الجانب الحضاري والثقافي عندما يكون هناك تواصل رياضي عالمي ما بين دول مختلفة ذات ثقافات ولغات متباينة يجري بشكل تنافسي طبيعي، وهنا تساهم الظاهرة الرياضية بنوع من انواع حوار الحضارات والثقافات في عالم يراد له ان يتصارع ايديولوجيا من أجل الهيمنة والنفوذ وسيطرة المصالح الدولية والإقليمية.
الدكتور سعدي الابراهيم:
لم تعد الرياضة مجرد لعبة، او وسيلة للتسلية، بل انها اليوم صارت فرصة لتلاقي الشعوب، وتعارفها، وتبادل الثقافات وتفاعلها. بالأخص عندما تنظم على شكل بطولات عالمية، مثل كأس العالم.
ان تطور الوسائل التقنية الحديثة، وسهولة مشاهدة البطولات عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، قد اعطى اللعبة بعدا آخر، هو البعد الانساني، فهذه اللعبة نفسها تمارس في القرى الافريقية النائية وفي مدن الدول الاوربية المتقدمة، يلعبها الصغار والكبار، وحتى النساء، الامر الذي يؤكد للجميع بأن الانسان هو الانسان مهما اختلفت ظروفه واحواله ولونه وعمره.
الشيء الآخر الذي تعكسه لعبة كرة القدم، هو الوحدة العالمية للشعوب، حيث تنزوي السياسة جانبا بعض الشيء، وتبقى البساطة والروح الرياضية المرحة هي السائدة، اذ ان المنتخبات في الغالب تمثل الجماهير في دولها أكثر مما تمثل انظمتها السياسية.
لكن مع ذلك، تبقى ظروف الدول واحوالها، لها انعكاسات كبيرة على الرياضة، فخروج جميع الفرق العربية، وعدم مقدرتها على مواصلة المنافسة، يؤشر على ان العقل العربي، لم يتمكن من ان يطور هذه اللعبة التي ربما تحتاج الى تنظيم للجهد فقط، أكثر من اي شيء آخر، ولا زال العقل الغربي او لنقل غير العربي، يقدر على انجاح كل شيء حتى كرة القدم وطريقة لعبها.
اما فيما يخص انعكاسات اللعبة على العراق، فبالتأكيد ان انعكاساتها هي ايجابية، فقد انشغل الرأي العام بمتابعة البطولة، ونسي الكثير من همومه اليومية، وفي الوقت عينه خفف من حدة الفراغ والوقت الزائد الناجم عن البطالة، حيث انتشرت الفرق الشعبية وكثر المحللون الرياضيون وامتلأت المجالس بأحاديث الرياضة واختفت أحاديث مضرة.
وتبقى الدولة مسؤولة عن توظيف حب الشعب لكرة القدم، من خلال تأسيس فريق عراقي وطني، يشد انظار الجماهير، ويوحدها ويقدم العراق للعالم بأبهى صورة.
الدكتور قحطان الحسيني:
لمباريات كرة القدم وقع كبير وتأثير بالغ في نفوس الشعوب خصوصا المباريات على مستوى البطولات الدولية التي تلقى اهتماما واسعا ومتابعة كبيرة. فنرى التفاعل المنقطع النظير للجماهير مع مباريات فرقها الوطنية وبشكل لا إرادي، وهو يعكس الارتباط الروحي ما بين الفرد ووطنه الذي يضعف أحيانا بسبب سياسات الحكومات وما ينتج عنها من تصدع في العلاقة ما بين الإنسان وبلده إلى الحد الذي يشعر فيه بانه منعزل تماما عن الأرض التي ولد وترعرع فيها.
إذن كرة القدم بالتحديد هذه اللعبة التي تكاد ان تكون معشوقة الجميع. تخاطب المشاعر وتعيد الحياة لحب الوطن بعد أن جعلته الحكومات المستبدة يحتضر. فكرة القدم أضحت تمتلك القدرة على تغيير القناعات لدى الجماهير وتبعث فيهم الامل بأوطان يتلذذون بالانتماء إليها ويتفاخرون بكونهم جزء منها، وجعلتهم كرة القدم يعيدون حساباتهم ويكسرون قيود الافكار الخاوية التي استقرت في أذهانهم والتي تقول ان الأوطان تم اختزالها بالحكومات. وعليه قد تنجح كرة القدم في استنهاض مشاعر الولاء والحب للوطن التي قتلتها سنين البؤس والحرمان، فسحر هذه الكرة عجيب وهي تجذب الصغير والكبير إليها كإنجذاب الطفل لأمه. فاستثمار هذه الميزة التي تتسم بها كرة القدم أصبح ضروريا لإعادة بناء العلاقة المهدمة ما بين الوطن وأبناءه.
الدكتور حيدر اليعقوبي:
اذا اجتمعت المثيرات غير المستحسنة، والتوجهات غير الممنهجة في اداء سلوك معين، سوف لن يتخطى دائرة التنمية، بل يظل دائرة مدار تلك المثيرات والانفعالات المرافقة لها.
الدكتور جعفر نجم:
من الواضح انها احدى وسائل تنمية حس المواطنة وأنها تفعل الانتماء السياسي للوطن، ولعله ممكن ان تكون احدى القنوات المهمة لاستيعاب الكثير من الإعمار الصغيرة والمتوسطة وخصوصا في العراق لإعادة توجيه بوصلتهم الذهنية نحو الولاء للوطن والشعور بالانتماء. تصورات أولية هذه لنظم العقد الوطني الذي انفرط...
الدكتور حيدر آل طعمة:
بالفعل منذ العقد التاسع من القرن الماضي بدأ الاستثمار في الرياضة وتحولت من لعبة الى نشاط استثماري، ودول الخليج سباقة دوما لشراء منتخبات اوربية، لماذا؟
لأنها تدر ارباح عالية سواء داخل الملاعب او عبر القنوات المشفرة، اما كاس العالم فهو مربح بشكل مؤكد، مثلا تقدر ارباح روسيا النهائية بعد انتهاء المباريات بعد اسبوع قرابة 30 مليار دولار حسب التوقعات، وهو مبلغ ضخم جدا، لذلك تتسابق الدول لاستضافة كاس العالم.
الدكتور حسن السوداني:
لعبة كرة القدم اليوم هي الاكثر تأثيرا في ملايين البشر ممن يتابعوها ويغرمون بها وبنتائجها الى درجات عالية، وباتت الشعوب تحسب لها ألف حساب فتنشأ لها المدارس الكروية المبكرة الاعمار وتصرف عليها اموال طائلة وخبرات كبيرة، وبات البحث عن المواهب الجديدة الشغل الشاغل لمكتشفي المواهب.
فضلا عن واحدة من صفات المدن الحديثة في العالم هي الملاعب الكروية المنتشرة في الاحياء الصغيرة والكبيرة، هذا العالم الكروي اصبح مرتبطا بماكنة اعلانية واعلامية هائلة وحقوق بث مليارية وجيش من الصناعيين لإنتاج مستلزمات اللعبة من احذية وحقائب وملابس وواقيات وعلب مياه وقبعات وهدايا وعطور ودهون ومساحيق وادوية ومستشفيات خاصة واطباء متخصصون وفنانون ومصممون ومهندسون للديكورات وكهربائيون للإضاءة الساطعة ومطاعم خاصة لتجهيز الطعام المتخصص وطائرات خاصة لنقل الفرق ومدارس اهلية لتعليم فنون اللعبة ومهندسون زراعيون لأرضية الملاعب وحراس متخصصون للاعبين والملاعب وشركات امنية متخصصة وشركات تامين على اقدام اللاعبين.
هذا يعني ان ملايين البشر باتو يستفيدون من مردودات هذه اللعبة ماديا فضلا عن المتعة التي توفرها الى تلك الملايين.