انتصار الخوف في إسرائيل
بروجيكت سنديكيت
2015-03-22 06:20
شلومو بن عامي
تل أبيب ــ إن بنيامين نتنياهو ربما يكون رئيس الوزراء الأشد ضعفاً ونقصاً واختلالاً في تاريخ إسرائيل. فقد كانت أخطاؤه الفادحة ورذائله وفيرة وشديدة الوضوح طيلة سنواته التسع في السلطة. وعندما شرع في إدارة حملته الأخيرة لإعادة انتخابه، لم يستطع حتى أنصاره إخفاء اشمئزازهم من سلوكه المتغطرس وسلوك زوجته العلني المحرج.
وبعيداً عن السمات الشخصية البغيضة التي يحملها نتنياهو، فقد عززت إسرائيل مكانتها في عهده باعتبارها واحدة من الدول الأقل انسجاماً وتناسباً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فقد طلب نتنياهو ــ الزعيم الأكثر تعصباً بين أتباع الليبرالية الجديدة في تاريخ إسرائيل ــ من أبناء الطبقة المتوسطة البائسة الشحيحة والفقراء إعادة انتخابه استناداً إلى سجل أداء اتسم بارتفاع تكاليف المعيشة، وأسعار المساكن الباهظة البعيدة عن المتناول، ومعدل فقر بلغ 21%. ورغم كل هذا أعادوا انتخابه بالفعل.
ولم يتمكن نتنياهو أيضاً من الاستعانة بأي خبير أمني محترم يبرر ضرورة عودته إلى السلطة. فقد اجتمع نحو 180 جنرالاً وبطلاً من أبطال الحرب، على رأسهم مائير داجان وهو أحد أكثر رؤساء جهاز الموساد السابقين احتراما، على معارضة إعادة انتخاب الرجل الذي وصفوه باعتباره تهديداً لأمن إسرائيل.
ولكن لا ينبغي للمرء أن يكون خبيراً أمنياً مخضرماً لكي يرى كيف حرق نتنياهو جسور إسرائيل مع المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الأساسية التي لا غنى عنها وولية نعمتها. فهو لم يكتف بالسعي إلى تخريب مفاوضات الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إيران بالوقوف في صف معارضي أوباما من الجمهوريين؛ بل إنه قبل يومين من الانتخابات تراجع فجأة عن التزامه بحل الدولتين، والذي يشكل حجر الزاوية لرؤية المجتمع الدولي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
ولكن لماذا رغم كل هذا كافأ الناخبون الإسرائيليون نتنياهو بفترة ولاية ثالثة على التوالي رئيساً للوزراء (وبفوز جاء بفارق كان الأكثر ارتياحاً منذ انتخابه أول مرة في عام 1996)؟ الأمر ببساطة شديدة أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يتفقون مع نتنياهو في جانب أساسي: فالدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء، في منطقة تعمها الفوضى حيث الدول الفاشلة والكيانات الوحشية غير الحكومية مثل حماس وحزب الله، والآن تنظيم الدولة الإسلامية، لا تملك ترف إجراء انتخابات على أساس برامج اقتصادية اجتماعية كما لو كانت دوقية سلمية في أوروبا الغربية.
والواقع أن المحاولة المثيرة للشفقة من قِبَل معارضي نتنياهو لتحويل وجهة الحملة الانتخابية نحو تكاليف المعيشة المتزايدة الارتفاع وأسعار المساكن الباهظة منيت بالهزيمة بسهولة في مواجهة تلك الرسالة المقنعة. فمن الطبيعي أن يضمن المرء حياته أولاً قبل أن يلتفت إلى قضية تكاليف المعيشة.
ومثلهم كمثل رئيس وزرائهم، فإن هذا الجمهور الانتخابي المتنامي لا يثق المنتمون إليه في العرب، بما في ذلك أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. وقد أصيب الليبراليون الإسرائيليون بالصدمة إزاء تحذير نتنياهو في يوم الانتخابات من أن "العرب يصوتون بأعداد كبيرة، وأن اليسار يحملهم إلى اللجان الانتخابية بالحافلات". ولكن في نظر ناخبيه، كانت محاكاة السياسة العنصرية التي ينتهجها اليمين المتطرف في أوروبا بمثابة نصيحة مشروعة لحثهم على الذهاب إلى الصناديق.
ولم يروعوا أو يشعروا بالعار عندما تراجع نتنياهو عن التزامه بإقامة دولة فلسطينية. فبعد أن رفض الفلسطينيون مقترحات السلام التي تقدمت بها الحكومات ذات التوجهات اليسارية فضلاً عن اقتراح السلام الأميركي الأكثر شمولاً والذي سُمي "معايير كلينتون"، يرى هؤلاء الناخبون أنهم لا يهتمون بالسلام حقا.
وهم يتفقون مع نتنياهو أيضاً على أن فك الارتباط والانسحاب من غزة، وما أعقب ذلك من صعود حماس هناك، يثبت أن كل قطعة من الأرض تتخلى عنها إسرائيل فمصيرها أن تتحول إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ على بلادهم.
ولكن هناك رغم ذلك سبب آخر وراء فوز نتنياهو. فقد فشل اليسار في إدراك حقيقة مفادها أن الانتخابات الإسرائيلية ليست شأناً سياسياً صارما؛ بل هي تعبير عن صراع متواصل بين ثقافات مختلفة وبين العلمانية والدين في مجتمع متلون عرقيا. والانتخابات الإسرائيلية شأناً قَبَلياً في بعض الأحيان؛ فالناس يصوتون على أساس الذكريات، والإهانات، والحساسيات الدينية، والمظالم الجماعية.
تتغذى هيمنة اليمين الإسرائيلي السياسية الحالية على الحنين على نطاق واسع إلى الجذور اليهودية، وهو مصدر خوف عميق للعرب، وانعدام الثقة الشديد من جانب "العالم"، أو ما يسمى المجتمع الدولي، الذي كان اليهود على خلاف معه يعود إلى قرون من الزمان. ويُنظر إلى توق اليسار إلى السلام باعتباره سذاجة، إن لم يكن ممارسة للجنون السياسي (وهو في الحالتين خيانة لا تغتفر للهوية اليهودية).
لقد جعل نتنياهو من نفسه مغناطيساً للمخاوف ومركبات النقص لدى مجموعة واسعة من الناخبين المضطهدين، بما في ذلك المهاجرين الروس، واليهود الأرثوذوكس، وأغلب الإسرائيليين التقليديين، والمستوطنين الدينيين. وسواك كانت دوافعهم العدوات القَبَلية، أو رفض عملية السلام لأسباب إيديولوجية، أو القطيعة الثقافية مع النخب الليبرالية الإسرائيلية، فإن كل من يشعر بالغربة ــ عرقياً أو ثقافياً أو اجتماعيا ــ انضم إلى نتنياهو لإلحاق الهزيمة بأولئك على جناح اليسار الذين اغتصبوا التاريخ اليهودي وخانوا أرض إسرائيل.
الواقع أن تحقيق حل الدولتين سوف يكون مهمة جبارة شديدة الصعوبة حتى ولو لم تصوت إسرائيل ضده صراحة. والواقع أن الأمل في أن يتمكن معارضو نتنياهو من تحقيق تقدم خارق مفاجئ في غير محله. ففي نهاية المطاف، لم يتقبل الفلسطينيون قط أياً من مقترحات السلام التي طرحها اليسار على مدى السنين، ومن الواضح أن التشرذم الذي تعاني منه السياسة الفلسطينية حاليا ــ والذي يتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية الضعيفة وغير الفعّالة، وحركة حماس المهووسة بخيار الحرب غير العقلاني والمدمر للذات ــ لا يترك أي حيز لقدر كبير من التفاؤل.
من المؤكد أن اليسار الإسرائيلي من غير المتوقع، بعد سنوات في المعارضة، أن يتمكن من حل شفرة المتاهة السياسية في إسرائيل وأن يقود البلاد إلى اتفاق سلام مع فلسطين. وإذا كان للفلسطينيين أن يتجنبوا المصير المحزن الذي انتهى إليه الأكراد، الذين يمثلون الأمة الأكبر بلا دولة في العالم، وإذا كان لإسرائيل أن تنقذ نفسها من مسيرتها الانتحارية إلى دولة الفصل العنصري، فإن الطرفين في احتياج حقيقي إلى العالم لإنقاذهما من نفسيهما. ولكن هل يملك العالم القدر الكافي من الإرادة والحكمة للقيام بهذا الدور؟