اليوم العالمي للوالدين: كيف تكون ابنا بارا؟
أوس ستار الغانمي
2024-06-01 05:40
يُحتفل باليوم العالمي للوالدين في الأول من حزيران سنويا لدورهما الحاسم في تربية الأطفال، ولكي ينشأ الأطفال متكاملين حيث يتناغم نموهم مع شخصياتهم فإن من الضروري تنشئتهم في بيئة أسرية تحيطها المحبة والتفاهم. والوالدين، في كافة أنحاء العالم، هما الراعيان والمعلمان الأساسيان لأولادهما، من حيث إعدادهم لحياة منتجة ومرضية، ويثمن اليوم العالمي للوالدين، الذي عينته الجمعية العامة في عام 2012، الوالدين تثمينا عاليا لتفانيهما في التزامهما بأبنائهما والتضحيات التي يقدمانها مدى الحياة نحو تعزيز هذه العلاقة.
تضطلع الأُسر والوالدِين ومقدمو الرعاية بأدوار رئيسة في رفاه الأطفال ونموهم. فهي جميعا عوامل تنمي الهوية في الأطفال وتزرع فيهم الحب وتتيح الرعاية والإمداد والحماية —فضلا عن الأمن والاستقرار الاقتصاديين— للأطفال والمراهقين. وتساوقا مع اتفاقية حقوق الطفل، يوجد اعتراف متزايد بأهمية دعم الأسرة والوالدِين في إطار السياسات الاجتماعية الوطنية وحزم الاستثمار الاجتماعي التي تهدف إلى الحد من الفقر والتفاوتات وتعزيز الرفاه الإيجابي للوالدِين وللأطفال.
تركز منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وشركاؤها في شهر حزيران/ يونيو على الدعوة إلى تقديم النُّصح والدعم المتخصصين للوالدين، للنظر في مجموعة واسعة من الموضوعات بدايةً من الأسس العلمية للعب ووصولًا إلى الأنشطة الممتعة لجميع أفراد الأسرة. وبمراعاة الانتشار المتزايد للعب عبر الإنترنت، سيُقدم للآباء كذلك أدلة شاملة وتفسيرات مُفصلة تضمن مأمونية وإيجابية تجارب أطفالهم.
بدأت الأمم المتحدة تركيز الاهتمام على القضايا المتعلقة بالأسرة منذ ثمانينات القرن الماضي. ففي عام 1983، وبناء على توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، طلبت لجنة التنمية الاجتماعية في قرارها 1983/23 بشأن ❞دور الأسرة في تعزيز التنمية❝ إلى الأمين العام العمل على تعزيز الوعي بين صانعي القرار والجمهور في ما يتصل بمشاكل الأسر واحتياجاتها، فضلا عن النظر في الطرق الفعالة لتلبية تلك الاحتياجات.
كما أعلنت الجمعية العامة في قرارها 44/82 المؤرخ 9 كانون الأول/ديسمبر 1989 سنة 1994 بوصفها السنة الدولية للأسرة؛ وكذلك قررت الجمعية العامة بموجب قرارها 47/237 لعام 1993 الاحتفال بيوم 15 أيار/مايو من كل عام باعتباره اليوم الدولي للأسر.
وفي عام 2012، أعلنت الجمعية العامة ان 1 حزيران/يونيو من كل عام، سيكون يوما عالميا للوالدين، على أن يُحتفل به سنويًا في كافة أنحاء العالم. وفقًا لموقع “الأمم المتحدة”.
هما الوطن الاول والداعميَن الحقيقيَين
يحمل هذا اليوم أهمية كبيرة للعديد من الأسباب:
تقدير الوالدين: يوفر هذا اليوم فرصة للاعتراف بتفاني وجهود الوالدين في تربية أطفالهم ورعايتهم. إنه وقت لتقدير التضحيات التي يقدمها الآباء والأمهات لضمان رفاهية أطفالهم وتنشئتهم بشكل جيد.
تعزيز الروابط الأسرية: يشجع الاحتفال بيوم الوالدين العالمي على تعزيز الروابط العائلية. يمكن أن يكون ذلك من خلال الأنشطة العائلية، أو تقديم الهدايا، أو ببساطة قضاء الوقت معًا، مما يعزز الحب والتفاهم بين أفراد الأسرة.
رفع الوعي: يساعد هذا اليوم في تسليط الضوء على أهمية الدور الذي يلعبه الوالدان في بناء مجتمع مستقر ومتين. كما يُبرز القضايا التي قد يواجهها الوالدين، مثل ضغوط التربية والمسؤوليات المالية.
الاعتراف العالمي: من خلال جعل هذا اليوم مناسبة عالمية، يُشجع على تبني قيم احترام الوالدين وتقديرهم في جميع الثقافات والمجتمعات، مما يساهم في نشر الوعي العالمي حول أهمية الأسرة في تحقيق التنمية المستدامة.
تحفيز الدعم والمساعدة: يمكن أن يكون يوم الوالدين العالمي مناسبة للمنظمات والمؤسسات الاجتماعية لتقديم الدعم للآباء والأمهات، خاصةً أولئك الذين يواجهون تحديات كبيرة في تربية أطفالهم، مثل العائلات ذات الدخل المحدود أو الأسر الوحيدة.
بالتالي، فإن يوم الوالدين العالمي ليس فقط للاحتفال بجهود الوالدين، بل هو أيضًا فرصة لتسليط الضوء على دورهم الحيوي في المجتمع وتشجيع تقديم الدعم لهم.
وفي الدول العربية يرى المسلمون أن الدين الإسلامي يحض على بر الوالدين في كل يوم وليس في مناسبات معينة، ولا يقتصر على يوم معين، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الخصوص، ومنها قوله الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء "وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً". وفقًا لموقع “قناة السومرية الفضائية”.
للأب دور فعال في تفوق الأبناء
أكدت دراسة بريطانية أن الأطفال يحققون أداء أفضل في المدرسة الابتدائية عندما يقضي آباؤهم وقتا منتظما معهم في القراءة، واللعب، أو غيرِهما من الأنشطة اليومية.
فهل فعلا وجودُ الأب مع أطفاله أثناء الدراسة يُحسن من تحصيلهم العلمي؟ وكيف يمكن للأب المشغول غالبا أن يجد الوقت المناسب؟ من الانهماكِ في العمل إلى المسؤولياتِ والضغوطِ اليومية، يحاول الكثيرُ من الآباء جاهدين إيجادَ الوقتِ الكافي للجلوسِ مع أبنائهم خصوصا في أيام الدراسة.
أسباب دفعت خبراءَ بريطانيين، إلى إجراء دراسة تربوية تؤكد أن الأطفال يحققون أداءً أفضل في المدرسة الابتدائية عندما يقضي آباؤهم وقتا منتظما معهم في القراءة، واللعب، أو غيرِهما من الأنشطة اليومية.
وأظهرت الدراسةُ أن الأطفال الذين تفاعلوا مع آبائهم بهذه الطرق عند بلوغِهم سنَّ الثلاث سنوات، حققوا درجات مثالية في المدرسة عندما بلغوا الخامسة من عمرِهم. وكانت لديهم درجات محسّنة في التقييمات الرئيسية عند بلوغِهم سن السابعة.
فالمشاركة النشطة للآباء تلعب دورا مهما في تعزيز التحصيل التعليمي للطفل. من جهة أخرى، أكد الخبراء أنه يمكن للآباء أن يكونوا مصدرا للتحفيز والتعلم الممتع، مما يسهم في تطوير مهارات الأطفال اللغوية والاجتماعية والمهارات الحركية.
فعندما يشارك الآباءُ في تعليم أطفالهم، يبنون علاقات أقوى معهم ويزيدون من مشاعر الأمان والثقةِ لأطفالهم. وفي الختام، ينصح الخبراء الآباء المنهكين في العمل بتحقيق التوازن بين حياتهم المهنية والعائلية، من خلال تنظيم الوقت والمشاركة الفعّالة في تعليم أطفالهم، لخلق ذكرياتٍ جميلة تدوم مدى الحياة.
وخلال حديثها، لبرنامج الصباح على سكاي نيوز عربية، قالت الخبيرة الأسرية والتربوية لمى الصفدي:
ـ على الأب مسؤوليات كبيرة تجاه أبنائهم إلى جانب مسؤولياته المادية والاجتماعية.
ـ يعد وجود الأطفال مع الأم مهم جدا إلى حدود الست سنوات لكونها المصدر الأكبر للحنان والاهتمام.
ـ يحتاج الطفل بعد سن السادسة إلى ما يسمى بـ"مشاعر الأمان" من خلال البحث عن السند والأمان والذين يشعر بهما الأبناء أثناء تواجد الأب.
ـ لكل من الوالدين دور وبصمة هامة في حياة الطفل ولا يمكن أن يحل أحد منهما محل الآخر.
وقتك مع ابنائك
ـ ضرورة الابتعاد عن كل ما يمكن أن يشغلك أثناء قضاء بعض الوقت مع الأبناء.
ـ أهمية الاعتماد على التواصل البصري أثناء الحديث مع الأبناء لما يمكن لهذا التواصل من أهمية في تبليغ المشاعر والاهتمام والإحساس بالأمان والثقة.
ـ أهمية استغلال الوقت مع الأطفال من خلال مدهم بالتعزيز الايجابي وتحفيزهم على سلوكيات إيجابية.
ـ أهمية بناء صورة إيجابية للأب لتمتين العلاقة مع الأطفال. وفقًا لموقع “سكاي نيوز عربية”.
خطأ كبير أن تتحمل الأم، مسئولية رعاية الأبناء وحدها، وانشغال الأب بلقمة العيش وتوفير الحياة الآمنة للأسرة لا يبرر أهمية وجوده في مراحل تربية الطفل، وما يقدمه في بناء شخصيته بشكل متوازن. عن أهمية دور الأب تحدثنا الدكتورة فاطمة الشناوي استشاري العلاقات الزوجية والأسرية.
التكامل الأسري
ـ وجود الأب يعني الحماية والرعاية والقدوة والسلطة والتكامل الأسري بشكل يختلف عما يجده الأبناء عند الأم، بالتواصل ومحاولة التقرب من الابن، الأدوار التي يقوم بها كل من الأب والأم مهمة جداً في الإنماء التربوي للطفل رغم اختلافهما.
ـ مهمة الأب ينبغي ألا تقتصر على تأمين المسكن والملبس والمصاريف ورسم صورة الأب كديكتاتور متسلط حازم في كل شيء؛ حيث إن مشاركة الأب في التربية والاهتمام بالأبناء ومصادقتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم يحقق التوازن الأسري.
إرشاد الأبناء والتفاعل معهم
ـ دور الأب إرشاد أبنائه وتقويمهم واستخدام الشدة والحزم مع الابن إلى جانب الرفق والتسامح معه، وجود الأب يمثل نوعاً من الحوار الرادع. يجعل أبناءه على حذر من الوقوع في الخطأ؛ بالتقرب منهم وتمضية الوقت الكافي معهم. وتعويدهم على أسلوب الحوار والنقاش.
ـ تفاعل الأب مع أبنائه يمنحهم الإحساس بوجود الصدر الحنون الذي يلجؤون إليه عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم. وبهذا يبعد عنهم مشكلة الضياع، وعليه أن يكون عالماً ومدركاً لكل قرار يتخذه الأبناء في غيبته.
الأب قدوة للأبناء
ـ تعدد مسئولية الأب خارج المنزل لا يعفيه من مسئوليته الأسرية التي لا تقل أهمية؛ حيث يجب أن يكون نموذجاً وقدوة لأبنائه؛ حتى يسهل عليهم تقليد السلوك الجيد في حياتهم بدلاً من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يرونها.
ـ الأب في نظر أبنائه شيء مثالي، هو البطل الذي يقلدونه في كل شيء. حركاته، تصرفاته، تواضعه، أمانيه وطموحاته، والأب الذي له وجود واضح وسليم معنوياً ومادياً في حياة أسرته وأبنائه يمكنه منع الكثير من معوقات النمو وانحرافاته عنهم.
تنمية قدرات الطفل
ـ الأبناء بحاجة إلى أن يلقوا التشجيع ويطمئنوا إلى الموافقة والقبول من أبيهم؛ كي ينعموا بحياة فيها الشجاعة والتعاون، تقدير الأب خليق بأن ينبه داخل الطفل خير ما عنده، وأن يبعث لديه الحماس للقيام بخير ما يستطيع.
ـ قدرات الطفل تنمو على التشجيع وتخمد باللوم والتثبيط، وكلمة التشجيع التي يحظى بها من أبيه متى أعطيت في حينها فهي الحجر الأساسي في تكوين الثقة بالنفس التي تدفعه للتحلي بالشجاعة والعزم والاتزان. ليصبح فيما بعد الشخصية الخلاقة.
تعليم الطفل احترام الغير
ـ دور الأب أن يعطي أبناءه في حديث قصير إيضاحاً لمدلول السلوك المنضبط. والطفل كائن منطقي معتدل يستجيب إذا لقي الاحترام وعومل على مستوى إنسانيته، أما المعاملة على أساس الأمر والنهي والعقاب فإنها تثير الكثير من الهم والقلق والعدوان وصورة للأب كمتسلط باطش غاشم.
ـ الأب وحده قادر على أن ينشئ ابنه على احترام الغير وحقوقهم ومعتقداتهم؛ ليساعده على أن يطل على الحياة من أفق واسع، وأن ينظر إلى مشاكلها ومسائلها بعين موضوعية متحررة من آثار التحيز والهوى، وقادر أيضاً على أن يعلم طفله كيف يختلف مع غيره في الرأي ثم يبقى على احترامه إياه. وفقًا لموقع “مجلة سيدتي”.
كيف هو شكل بر الوالدين الذي يراه الجيل الشاب؟
يجادل المراهقون والمراهقات والديهم بلا توقف، وقد أخفقت هذه الظاهرة حتى تحول بر الوالدين إلى صراع بين الأبناء والأولياء.
فاحترام الوالدين وحسن التعامل معهما قيم إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، ولها أهمية خاصة لدى المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تعد هذه القيم من اللبنات الأساسية في التربية والتعليم.
ويعتبر بر الوالدين في الدين الإسلامي أولوية، لقوله سبحانه وتعالى "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا"، فقد قرن الله بر الوالدين بعبادته، وهذا دليل على عظمة وأهمية بر الوالدين والإحسان إليهما.
فما أسباب هذا التحول المجتمعي؟ هل قصّر الآباء في التربية؟ هل هو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل انتشار الأجهزة الذكية جعلت هذا الجيل غير مكترث بأهله؟ كيف يتعامل الجيل الجديد مع والديه خصوصا في فترة المراهقة؟ تستعرض الجزيرة نت آراء بعض الشباب عن هذا الموضوع، فماذا قالوا؟
غياب احترام الآباء
يعتبر باقر الطفيلي (17 عاما) أن غياب احترام الآباء أصبح ظاهرة منتشرة، وخاصة لدى المراهقين المتمردين الرافضين للانصياع لأوامرهم، فهو يتذكر صديقه السابق الذي كان يسيء معاملة والديه ويصرخ في وجه أمه رغم أنه كان مدللا جدا لديهما.
وهذا الأمر جعل باقر غير راغب باستمرار هذه الصداقة، لأنه تربى في منزل يملؤه الحب والتقدير والحنان والصراحة والوضوح منذ الصغر وإعطاء فرصة للاعتماد على النفس والاحترام المتبادل بين الطرفين مع عدم التقليل من شأن الآخر، إلى جانب المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية.
مفهوم بر الوالدين
نشأ وتربى عبد الصمد البداوي (21 عاما) على مفهوم بر الوالدين، لأن من أراد أن يبرّه أولاده في حياته وعند كبره فليكن بارّا بأبويه الآن ومحسنا إليهما. فكما تزرع تحصد -بحسب البداوي- وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!، فمن برَّ أباه وأمه برَّه ولده وابن ولده.
يقول عبد الصمد لقد صحّ في السلف الصالح أن البرَّ يزيد في العمر ويعطي البركة في الرزق، مؤكدا أنه يجب عدم إظهار التأفف للوالدين بل يجب أن تقول لهما قولا كريما، ويجب عدم التذمر لمطالبهما.
ويوضح عبد الصمد أنه مهما حصل من الوالدين يجب عدم عقوقهما، لأن ما يبدر منهما تجاه أبنائهم وبناتهم يكون في الغالب بدافع الشفقة والرحمة والخوف، وهذه الأمور -وفق عبد الصمد- قد لا يعيها الأبناء والبنات في الصغر، ولكن عندما يكبرون ويعون الحياة جيدا يتبين لهم فضل الوالدين وأسباب ذلك المنع والخوف والقسوة والشدة التي تبدر منهم ونحن صغار السن.
لا يشعر بالذنب تجاه تصرفاته مع والديه
"د. ي" (19 عاما) كان له رأي مغاير، فهو ليس مهتما بإظهار الإحسان أو العطف لأهله، كما أنه ليس مقربا إليهما، والخلافات بينهم كثيرة لدرجة فقدان التواصل والمحبة، فالعلاقة فاترة وهو غير متشجع لتغيير هذا الأمر، لأنه مقتنع بأنه بنظرهما سيئ السلوك ويحتد ويصفق الأبواب ويتمرد على كل شيء، ولا يعجبه ما يفرضانه عليه، وحتى إنه ينتقد الطعام الذي تعده والدته، ولا يرغب بالإصغاء إليهما والانتباه لكلامهما الممل، وفق وصفه.
ويؤكد ياغي أنه محق في قراره ولا يشعر بالذنب لتصرفاته مع والديه، لأن نمط تفكيره مختلف تماما عن نمط تفكيرهما التقليدي غير القابل للنقاش. ويتمنى أن يجد عملا ليسكن بمفرده ويتصرف بحريته بدون قيود، وفق قوله.
الهروب إلى مواقع التواصل
"ك. د" (18 عاما)، سئمتْ وتأففت من أوامر أهلها ومن طلبهما المستمر أن تجلس معهما بأدب، وهي ترفض بشدة هذا الأمر، ولا ترغب بالتودد لهما أو طاعة أوامرهما، لأن ذلك يشعرها بالتوتر وعدم الراحة والضجر.
وهي تفضل الجلوس وحدها في غرفتها ومتابعة أخبار صديقاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتتخلص من تذمرهما الدائم تجاه تصرفاتها التي تجدها هي طبيعية.
حلول لمعالجة هذه الظاهرة
عرضت الجزيرة نت قضية بر الوالدين لدى شباب اليوم على عدد من ذوي الاختصاص وأهل الرأي، فماذا قالوا لمعالجة هذه الظاهرة؟
احترام الوالدين يجب أن ينشأ عليه الأبناء من الصغر حتى تكتمل مسيرة الحياة الاجتماعية -كما تقول الاختصاصية في علم الاجتماع نادية سابا- وفق التوجيهات السماوية، وحتى يسود الاستقرار النفسي عند الوالدين والأولاد ويلمس أثره في الحياة الاجتماعية، وخاصة في المجتمع المسلم.
تحديات الحياة المعاصرة
تضيف نادية سابا أنه على الآباء تعليم الأبناء أن صور الحياة تتغير ولكن القيم ثابتة، فالصغير يتعلم غالبا من المشاهدة أكثر من التعليم بالتوجيه، فإذا شاهد والديه يهتمان ويعتنيان بوالديهم يتأصل البر لديه، وبهذا يحافَظ على الأصول الربانية مع اختلاف الأجيال.
وتنوه نادية سابا إلى واجب التربية المبكرة على تحمل المسؤولية ومواجهة مطالب وتحديات الحياة المعاصرة بكفاءة واقتدار، والذي فرضه واقع الحياة الحديثة، وما تمر به المنطقة العربية من ظروف استثنائية يتطلب نوعا ومستوى معينا من الأبناء القادرين على المحافظة على الحد الأدنى من الحياة والعيش الحر الكريم.
وتلفت إلى أن أهم ظواهر العقوق يبدأ من المشاكل الأسرية بين الوالدين وغياب الاستقرار الأسري وضعف -وربما فساد- البيئة التربوية الحاضنة.
فضلا عن الأخطاء التربوية المتكررة من الوالدين نتيجة لضعف وغياب التأهيل التربوي اللازم للوالدين وإصرارهما على فرض أفكارهما، ومنها: السيطرة، والشدة، والوعظ والتوبيخ، وغياب الحوار، وتباين التفكير والمفاهيم. وكلها تساهم باتساع الفجوة بين الوالدين والأبناء، بحسب اختصاصية علم الاجتماع نادية سابا.
انشقاق عاطفي بين الآباء والأبناء
تشير المرشدة الأسرية أولغا مادويان إلى أنه ولد في زمن المتغيرات المتسارعة الحديثة بالمجتمع انشقاق عاطفي بين الأبناء وآبائهم، فلم يعد للآباء (الأم والأب) وقت للجلوس مع أبنائهم وزرع
قيمة البر في نفوسهم، وعندما يكبر الأبناء تبدأ علامات العقوق بالظهور، منبهة إلى أن عقوق النظرات هي في البدايات، ثم يأتي عقوق الألفاظ، ويُختتم بعقوق الأفعال.
وترى مادويان أن ثورة التقنيات والتواصل غيّرت الأخلاق والسلوك، وأدت إلى انهيار العلاقات الاجتماعية نتيجة للاستخدام السيئ لها من قبل شريحة كبيرة من المجتمع، وخاصة فئة الشباب من الجنسين، فيصبح الشخص منغلقا على نفسه ولا يجد الوقت الكافي لمعرفة أحوال والديه، فيكتفي بالسؤال عنهما عن طريق الجوال أو الإنترنت.
وتبين المرشدة الأسرية أولغا أن ذلك أفرز مشكلات وصراعات نفسية في شبكة العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة، وبسبب التغيرات الحديثة وما فيها من سيل متدفق من المعلومات والأخبار والمعارف والصور والمقاطع.
فعقليات شباب اليوم -بعيدا عن والديهم وأسرهم ومعلميهم- غلب عليها التمرد والتطرف والانعزالية والانطواء وتثاقل الجلوس مع الأسرة، والسخط من كل شيء، وفق المرشدة أولغا.
علموا أولادكم البر
تبدأ الداعية الإسلامية الحاجة ثريا عرفات حديثها للجزيرة نت بقول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"، وتستمر الداعية بالقول كيف تكون الوقاية من النار إلا بتعلم الدين، واختيار الزوجة الصالحة من أجل تربية صحيحة للأولاد، فالأهل هم قدوة لأولادهم.
وتضيف الحاجة ثريا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بتعليم الأولاد أمور الدين والعبادات، لكن هنالك أمور أخرى يجب تعليمها للأبناء، فالنبي الكريم قال "ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا"، أي أنه يجب أن نحترم الكبير ونعطف على الصغير، إضافة لكيفية التعامل مع الولد في الصغر كي لا يكون عاقا في الكبر لأهله.
وتنوه الداعية إلى أن عدم تنشئة الأولاد التنشئة الصالحة، وعدم الحرص على غرس تعاليم الدين والأخلاق الإسلامية في صغرهم، وعدم إبعادهم عن الأمور التي تعيق تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، كلها تؤدي إلى عقوق الأبناء للآباء.
كما يجدر بالوالدين أيضا الحرص على المودة والرحمة والحنان والاحترام فيما بينهما، وهو ما ينعكس على تربية الأولاد؛ فتكون المودة قائمة وظاهرة، مع الحرص على الحزم واحترام خصوصية كل فرد وتعليمه أمور الدين والحرص على أن تكون العلاقة بين الوالدين والأولاد قائمة على الصداقة، وبذلك ينعم المجتمع بالراحة والطمأنينة.
وتكمل الداعية الإسلامية شرحها فتقول إن من مظاهر عقوق الوالدين عدم طاعتهما في غير معصية الله، مع القدرة على ذلك، أو التثاقل من طاعتهما بالتضجر أو التأفف، وسبهما، وإساءة القول معهما، والعبوس في وجههما، وعدم الاحترام في معاملتهما ومخاطبتهما، والغياب عنهما دون عذر، والسفر دون إذنهما، وعدم الإنفاق عليهما، وعدم الاستغفار والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما.
ومن كان بارّا بوالديه كان هانئًا رضيّا تقيّا متواضعا، فبر الوالدين شيمة من شيم أهل الفضل الكرام، وباب يقود إلى الجنان. وتنهي الداعية حديثها للجزيرة بالدعاء "اللهم اجعلنا من الذين يبرون والديهم". نقلًا عن موقع “الجزيرة نت”.