النبأ تناقش دور عالم الأفكار في استباق وقوع الكوارث

شبكة النبأ

2023-11-09 05:51

تحرير: حسين علي حسين

عقدت مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام جلسة حوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي، تمت فيها مناقشة ورقة بحثية تحت عنوان: (عالم الأفكار واستباق وقوع الكوارث)، وذلك في مقر المؤسسة.

قدّم هذه الورقة التي حضرها نخبة من الكتاب والمفكرين، الكاتب والإعلامي في شبكة النبأ المعلوماتية الدكتور مسلم عباس، وقد جاء فيها:

"الأفكار هي الصور الذهنية التي تتمثل في عقل الانسان، وقد تتحول إلى سلوك إنساني، ولا سيما إذا ارتبطت الأفكار بالحقيقة وقد ترتبط بالخيال وحسب السياق.

وتحمل الأفكار الصواب والخطأ، وتقترب من الصواب إذا كانت مستندة إلى حقائق مستقاة من الواقع.

والفكر هو عبارة مجموعة من العمليات الذهنية والعقلية التي يقوم بها العقل البشري، وبما يجعله قادراً على تصور العالم، وبناءً على العمليات الذهنية يصبح عالماً به، وقادراً على التعامل معه بفاعليةٍ أكبر.

ومن خلال التفكير عبر الإنسان حدود جسده الضعيف وصنع الأدوات التي تساعده على تخطي الصعوبات في الحياة، فقد صنع الإنسان النَّار للتدفئة والطبخ وبعدها تحولت إلى محرك لعجلة العالم التي اخترعها قبل ميلاد المسيح واستخدمها سكان بلاد وادي الرافدين، ومن العجلة صنع المسمار ليربط أجزاء الأدوات التي يستخدمها للصيد والتنقل، ومن أجل تصحيح الرؤية أو توسيع مداها اخترع العدساتُ البصريّة، ثم انطلق للبحث عن آفاق أوسع فكانت البوصلة معيناً له في تحديد الوجهة الصحيحة، بينما كان الورق وسيلته في توثيق أفكاره والأحداث التي يمر بها.

تتزاحم أهداف الإنسان فيبدأ من الصين رحلة اختراع البارود، وعلى يد جونتبيرغ يخترع المطبعة، وفي أواخر القرن التاسع عشر تحل الكهرباء مشكلة الإنسان مع الظلام، بعد اختراع المصباح الكهربائي من قبل توماس اديسون، كما اخترع الانسان المحرّكُ البخاري، ثم محرِّكُ الاحتراقُ الدّاخلي، وبعدها الهاتف والُّلقاح، والسّيارات، والطّائرات، البنسلين، والصّواريخ، والانشِطارُ النّووي، وأشباهُ الموصِلات، والحواسيبُ الشّخصيّة، واليوم نتحدث عن الذكاء الاصطناعي وظهور الآلة كمساعد ومهدد للبشر، من العرض السريع هذا نجد أن الأفكار كانت مساعداً للإنسان في تخطي حواجز الكوارث والانتقال إلى حالة الاستقرار النسبي، بينما كانت بعض الأفكار دليلاً نحو مزيد من التدمير، ولم يتوقف الانسان عند انتاج الأفكار بما يصب في توجيه مسار الحياة، بل استعملها لتفسير ما يحدث من كوارث طبيعية وبشرية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر احتدم الجدل بين المؤرخين الفرنسيين حول أسباب ثورتهم وخلاصة الجدل انقسم إلى جبهتين:

الجبهة الأولى تقول أن ثورة الشعب الفرنسي لم تحركها أفكار العدالة والمساواة ولا كتابات فولتير وروسو ومونتسيكيو وغيرهم، بل حركتها مظالم فعلية صارخة إذ قال بعض المفكرين أن الفرنسيون قد ثاروا حين عض الجوع بطونهم وخوت أكياس نقودهم وألقوا مسئولية ضائقتهم على عاتق حكومتهم، واكدوا أن أسباب اندلاع الثورة نجدها في سجلات الحياة اليومية والحياة الاقتصادية البائسة.

عام 1906 أصدر ماريوس روستان كتابه: "الفلاسفة والمجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر" وفيه أكد أن أفكار الفلاسفة هي التي ميزت القلاقل الفاشلة منذ 1715 عن الانتفاضة القومية 1789.

ويختصر الموقفان الجدل الدائر حول ما إذا كانت الأفكار هي السبب الذي يدفع الناس للمضي في بعض القضايا أم الظروف المادية.

من هذه الحادثة نستنتج أن تاريخ الأفكار يشير إلى أن العقل هو القوة المحركة وراء تقدم أو تأخر البشرية وحسب درجة الاستخدام وطبيعة توجيه الأفكار. وهذه الأفكار لا تدفع الناس للسير حول مقتضاها إلا إذا قدمت لهم أشياء ملموسة وإيماناً دافعاً للقيام بفعل معين.

الأفكار تنبيه لاستباق الكوارث

تؤكد الأحداث المتلاحقة التي تنشر يومياً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن العالم يعيش زيادة مخيفة في عدد الكوارث سواءً كانت طبيعية أو غير طبيعية، مثل كوارث الحروب والحرائق والزلازل والأعاصير، والفيضانات، وكل ما يؤثر على تدمير اكبر قدر ممكن من المساحات المستغلة من قبل الإنسان، أو ما يؤدي على قتل وتشريد أكبر عدد من الناس.

على سبيل المثال تتحدث بعض الإحصائيات عن أن هناك 1.2 مليار نسمة يعيشون بدون مياه نظيفة، و 35000 طفل يموتون من الجوع يومياً، و 2.4 مليار نسمة مهددين بمرض الملاريا، و 1.2 ميار نسمة مشردين.

ولا يمكن لنا نسيان الأحداث المرعبة مثل انفجار مفاعل تشرنوبل النووي في أوكرانيا عام 1986، وضرب الولايات المتحدة لمدينتيّ هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية وقتل ربع مليون إنسان، ومذابح روندا عام 1994 التي رح ضحيتها ما يقرب من مليون إنسان خلال مائة يوم فقط.

أما على الصعيد المحلي فهناك الكوارث التي تحطم الأرقام القياسية، مثل كارثة فيضان بغداد في خمسينيات القرن الماضي، والحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت، ومجاعة الحصار الاقتصادي في التسعينيات، ثم كارثة جسر الائمة في بغداد عام 2005، والحرب الطائفية التي تسببت بالقتل والتشريد لملايين الأفراد.

لدينا كارثة انتشار ما يقرب من 25 مليون لغم منتشر على طول 1200 كيلومتر على الحدود العراقية الإيرانية.

الأرض العراقية استقبلت 78 الف مقذوف من اليورانيوم المنضب في حرب عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة الاميركية.

كما القت الولايات المتحدة 300 الف مقذوف من اليورانيوم المنضب في حرب 2003.

تعرض العراق لأكبر اعتداء ارهابي عام 2016 في منطقة الكرادة وسط بغداد ما أدى إلى استشهاد وجرح حوالي 500 مواطن.

عام 2019 غرقت عبارة تقل مواطنين يحتفلون بالعيد في نهر دجلة بمدينة الموصل وأدت إلى غرق أكثر من 120 مواطناً كانوا يحتفلون بالعيد.

في شهر نيسان عام 2021 تعرضت مستشفى ابن الخطيب لحريق أدى لوفاة وجرح العشرات من المواطنين.

وبعد شهر من الكارثة احترق مستشفى الحسين في الناصرية وراح ضحية الحريق أكثر من تسعين مواطناً وجرح العشرات.

وقبل أيام قُتل أكثر 100 مواطن في منطقة الحمدانية داخل قاعة للأعراس.

تزايد عدد الكوارث دفع الأمم المتحدة لتحديد يوم دولي للحد من مخاطر الكوارث في عام 1989، بعد دعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ليوم واحد لتعزيز ثقافة عالمية للتوعية بالمخاطر والحد من الكوارث. ويحتفل باليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث في 13 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام الهدف من الاحتفال هو توعية الناس بكيفية اتخاذ إجراءات للحد من خطر تعرضهم للكوارث.

في عام 2015 في المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة بشأن الحد من مخاطر الكوارث في سينداي باليابان، تم تذكير المجتمع الدولي بأن الكوارث تضرب بشدة على المستوى المحلي مع إمكانية التسبب في خسائر في الأرواح وحدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

وتعتقد الأمم المتحدة حسب ما منشور في موقعها الرسمي أن هناك حاجة لتعزيز القدرات بصورة عاجلة على المستوى المحلي، ويركز إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث على الإنسان في نهجه للحد من مخاطر الكوارث وتطبيقه على الكوارث ذات الخطورة الصغيرة والكبيرة الناجمة عن الأخطار التي هي من صنع الإنسان أو الطبيعية، فضلا عن البيئية، والأخطار والمخاطر التكنولوجية والبيولوجية ذات الصلة.

وركز موضوع احتفالية عام 2022 على الغاية (ز) الغايات العالمية السبع التي حُددت بغية دعم عملية تقييم التقدم العالمي المحرز نحو تحقيق النتيجة المنشودة والهدف المتوخى من إطار سينداي. وتنص الغاية (ز) تلك على "الزيادة بدرجة كبيرة في ما هو متوافر من نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة ومن المعلومات والتقييمات عن مخاطر الكوارث وفي إمكانية استفادة الناس بها بحلول عام 2030".

وتجلت الحاجة الملحة إلى تحقيق تلك الغاية في آذار/ مارس 2022 بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أن "الأمم المتحدة ستقود إجراءات جديدة لضمان حماية كل فرد على وجه المعمورة بإتاحة نظم إنذار مبكر في غضون خمس سنوات".

وجرت احتفالية عام 2022 في أثناء استعراض منتصف المدة لإطار سنداي، الذي يُختتم بإعلان سياسي في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيار/ مايو 2023.

والهدف الأساس لإطار سنداي هو تجنب التسبب في مخاطر جديدة وتقليل المخاطر الحالية، وعندما لا يتحقق ذلك، يمكن لنظم الإنذار المبكر وإجراءات التأهب المرتكزة على الناس أن تتيح القدرة على اتخاذ إجراءات مبكرة لتقليل الضرر الذي يلحق بالناس وسبل عيشهم وأموالهم.

ووضعت الأمم المتحدة سياسة إدارة مخاطر الكوارث وتحدد استراتيجيات وسياسات الحد من مخاطر الكوارث الأهداف والغايات في مختلف الجداول الزمنية وتتضمن غايات ومؤشرات وأطرا زمنية واضحة. وتمشيا مع إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث للفتر 2015-2030، ينبغي أن تستهدف هذه الاستراتيجيات والسياسات منع نشوء مخاطر الكوارث والحد من المخاطر القائمة وتعزيز القدرة على الصمود من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.

وترد في "إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030" الذي أقرته الأمم المتحدة، والذي اعتمد في آذار/مارس 2015، سياسة عالمية متفق عليها للحد من مخاطر الكوارث، تتمثل النتيجة المنشود تحقيقها على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة في: "الحد بشكل كبير من مخاطر الكوارث والخسائر في الأرواح وسبل المعيشة والصحة والأصول الاقتصادية والمادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للأشخاص والأعمال التجارية والمجتمعات المحلية والبلدان".

بعد الورقة طرح الباحث الأسئلة التالية على المشاركين في الجلسة:

السؤال الأول: كيف يؤدي الاستغراق في عالم الأشياء الى الوقوع في متوالية الكوارث؟

السؤال الثاني: كيف يمكن لعالم الأفكار ان يستشرف المستقبل ويكتشف المخاطر؟

السؤال الثالث: ماهي الآليات الفكرية اللازمة لبناء منظومة استشراف وتنبؤ بالمستقبل؟

المداخلات

- الدكتور محمد مسلم الحسيني:

استشراف أحداث المستقبل ومتغيراته له أثر كبير في استباق الأحداث من أجل العمل على تصحيح الأخطاء وتجنب الخلل والتمسك بالصلاح. الفهم المبكر للمتغيرات الظرفية والأحداث المستقبلية يعتمد على التحليل العلمي والفكري الرصين لأهل الاختصاص وعلى المعطيات النوعية والكمية الصحيحة المتوفرة وعلى الوسائل والتجارب والمهارات.

استشراف المستقبل هو فعل ضروري وهام على الصعيد الفردي والمؤسساتي للدولة، لأنه بحث واستنباط معتمد على معطيات علمية موثقة يؤدي إلى كشف المتغيرات الظرفية المستقبلية ويحضر الساحة لمواجهتها والتعامل معها. الاستشراف الناجز يسلط الضوء على مجريات الأحداث المستقبلية ضمن المديات المنظورة والبعيدة، ويسهل في كشف العقبات والتعقيدات والغموض ويجد الحلول البديلة الملائمة لها كي يستمر المشروع المستقبلي دون تلكؤ أو مفاجآت غير محسوبة.

استشراف المستقبل لا يعتمد على جانب معين من جوانب الحياة فقط، وانما هو فعل ضروري وحاجة ماسة في كل جانب من جوانب الحياة وخصوصياتها وبكل ركن من اركانها وناصية من نواصيها. هو ضرورة ملحة في كل مؤسسات الدولة وبناها الفوقية والتحتية، كالمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية والبيئية والعسكرية والأمنية، إضافة إلى الأعمار والصناعة والتجارة والزراعة وغيرها.

على هذا الأساس يعتبر استشراف المستقبل خطوة ومرحلة هامة وحساسة تسبق الخطط الاستراتيجية للدولة ومشاريعها المستقبلية. رغم أهمية الاستشراف المستقبلي في إصلاح الخلل وإقرار الصح في التعاملات المختلفة المتعلقة في المشاريع المستقبلية والخطط الستراتيجية للدول، يبقى الاهتمام في هذا الشأن متباينا بين الدول. من الدول من تستثمر الفوائد المنبعثة من هذه الممارسة الهادفة ومنها ما لا تولي أهمية محسوسة بهذا الشأن!

كثير من الأمراض المعدية والأوبئة استشرفها علماء الطب وتجنب العالم الكوارث، وتصدرت بعض البلدان والمدن في العالم حالة الأمن والأمان في مجتمعاتها بسبب الاستشرافات المطبقة والمتبعة في الأمن الوقائي، ومدينة ابو ظبي نموذجا. ليس كل ما ينصح به المستشرفون يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل أهل الأمر والنهي والسياسيين، فحتى في أكثر دول العالم المتطورة تكنولوجيا تناقضت آراء السياسيين مع نصائح المستشرفين وضربت استشرافاتهم عرض الحائط!

من أجل أن يكون استشراف المستقبل مائزا وفعالا ومفيدا فلابد أن يتميز بالضوابط والشروط المطلوبة التالية:

أولا/ طبيعة المستشرفين والكفاءة المحورية:

المستشرف المناسب هو من يحمل المهارات العلمية والعملية والفكرية والتخصصية إضافة إلى المهارات الحسية من حدس وبصيرة وذكاء وابداع وفطنة وقدرة على التصور. هذه المهارات الفردية تعززها مهارات العاملين في المشاريع المستقبلية مضافا اليها الكفاءات المحورية المتمثلة بالمعطيات النوعية والكمية المتاحة أمام المشروع المستقبلي من معلومات ووسائل وأدوات وقدرات وموجودات خاصة وبيانات وجداول وإحصائيات وذكاء اصطناعي وغيرها. كل هذه الأمور تعزز القدرة على الاستشراف وعلى وضع احتماليات الأحداث المقاربة للواقع المستقبلي للمشروع من جهة، والى وضع الحلول الرائدة للمتغيرات والعوائق في الواقع الجديد من جهة أخرى.

ثانياً/ استشراف السيناريوهات المستقبلية المتباينة:

لابد للاستشراف المستقبلي أن يبني استنتاجاته على معطيات نوعية قائمة قابلة للتغيير وعلى سيناريوهات متعددة ومتباينة ممكنة الوقوع. فقد تبقى حالة المشروع الجديد ثابتة بلا تغيير يذكر عما كانت عليه الحالة سابقا، وهذا ما يسمى بـ "السيناريو المستمر" اي أن حالة المشروع الجديدة تتشابه مع سابقتها. أو قد تسوء الظروف وتنتكس الحالة في بنية المشروع الجديد وهذا ما يطلق عليه " السيناريو المتشائم". أو أن الظروف تتجه نحو الأمام وتتحسن الحالة وتكون أفضل من واقعها الحالي وهذا هو "سيناريو التفاؤل"، وفي حالات استثنائية ونادرة قد تحصل ظروف فوق العادة سواء أكان بالإيجاب أو السلب فيحصل "سيناريو التألق أو سيناريو الكارثة". الاستشراف الناجع هو الاستشراف الذي يضع الخطط البديلة التي تتماشى مع جميع هذه السيناريوهات المتباينة طبقا للضرورة.

ثالثا/ تحديد الهدف:

ما هو هدف الاستشراف المستقبلي ولماذا؟. سؤال يجب على المستشرف أن يجيب عنه وإن يوضح تفاصيل المهمة التي يسعى إليها، إذ عليه أن يعطي تعريفا للهدف ويبين السبل والوسائل الموصلة اليه. الاستفاضة في البحث عن سبل الوصول إلى الهدف مهمة رائدة وضرورية فمن خلالها نستطيع أن ندرك الصعوبات المستقبلية التي تواجهنا قبل تحقيق الهدف من جهة، والى محاولة معالجة الإشكالات المستقبلية المحتملة والتحضير لها من جهة أخرى.

- الإعلامي عصام علاوي:

الموضوع لم يحقق التطبيق النظري، ولم يصل إلى التطبيق العلمي لمعرفة الكثير من التحديات التي تواجه المجتمع، كما أن تحرك الدول والمنظمات الدولية وكل المنظمات المعنية يكاد يكون معدوما أو ضعيفا في مواجهة التحديات وليس هناك إجراءات ملموسة في المجتمع المطلوب لمواجهة الكثير من التحديات.

بعض الكوارث التي تحدث والتي يتسبب بها الفساد، مثلا كما حصل في حريق الحمدانية مؤخرا، وكذلك فيضانات ليبيا في مدينة درنة التي تسببت من انتهاء صلاحية السد، فالفساد هو السبب الأساسي في حدوث الكثير من الأحداث والكثير من الكوارث التي تواجه البشرية.

التحرك المطلوب يجب أن يكون على مستوى المنظمات الدولية وعلى مستوى الخبرات العالية يستدعي أن يكون التحرك حقيقيا مع وجود أفكار سليمة يؤخذ بها بالإضافة إلى الرؤى أكاديمية والرؤى العلمية في مواجهة التحديات.

- خليفة التميمي، كاتب واعلامي:

عالم الأفكار يشمل التفكير وتعليم التفكير، وقراءة المستقبل، تم ذكر مثل عن دولة رواندا، فقد مرت بكارثة كبير جدا فكان هناك خلاف كبير جدا بين قبائل التوتو والتوتسي، حول الأموال والمواشي في قضايا عشائرية كما موجود لدينا في المناطق البدوية أو المناطق غير الحضرية، إلا أن الشيء اللافت للنظر أن رواندا في الوقت الحاضر ربما تحتل المرتبة العاشرة في التقدم، فانتقلت من دولة نامية إلى دولة متطورة وحاليا ماضية في طريق التقدم.

التفسير العلمي الذي يقف وراء ذلك، أولا إنها استفادت من العلم كون أن العلم عمومي وإنه ينقل الأفكار القديمة وينتقل إلى أفكار جديدة تعتبر كالمبادئ أو الأسس العلمية، كما يحدث في بناء الطابق الأرضي، فالبناء ينتقل بشيء عملي ولا ينتقل عبر فلسفات، لأن الفلسفات تنتقل بشكل أفقي، وقد ساعدها العالم المتقدم ووقفوا إلى جانبها في القضايا الإنسانية، فقامت دولة رواندا بحل مشاكلها وحاليا تسير في طريق التقدم.

فإذا أردنا أن نتخلص من الكوارث التي نعاني منها، علينا أن نحدد الجانب العلمي والتفكير العلمي وندخلهما في صياغة حياتنا المستقبلية.

قضية المستقبل تطرق لها أول شخص هو القديس أوغسطين، وتحدث عنه من العرب ابن خلدون في المقدمة، وتحدث عنه أيضا جورج أورويل في كتابه رحلة حول العلم، على أن العلم سوف يصل إلى هذه النقطة في المستقبل القريب وقد تحقق هذا، وقد وصل وضعنا الحالي إلى ثلاثة مبادئ أساسية هي:

امبراطورية فائقة، صراع فائق، وديمقراطية فائقة، فعليك أن تتقبلها كما هي، فعليك أن تجد الفكر الإيجابي كي تنهي هذا الصراع التاريخي كما في نهاية التاريخ لفوكوياما، أو أن تستسلم لها وتسير وفق معطياتها، فالعلمانية تمضي في طريقها سواء قبلنا بذلك أم لا نقبل، وسوف تفجر إلى جانبها تطرف ديني أو تطرف مذهبي أو سياسي.

أقيم في عام 1974 مشروع إعلامي اسمه مشروع مارشال، وقد تم طرحه في الأمم المتحدة على أن يكتمل في 74 أو 75، على أن كل دول العالم تستقبل تلفزيون واحد موحود فيه ثلاث قنوات أمريكية، فاعترضت الهند على هذا المشروع حيث كانت عضو غير دائم، وقالت أن القوميات في الهند سوف تتعرض للاندثار إذا يكون البث مباشر، فتم تأجيل هذا المشروع.

حاليا النت موجود والانفتاح المباشر على الجميع، فبدأت حياة جديدة، في المقابل انتشر مراكز قراءة المستقبل أو استشراف المستقبل، فهذه الخطوة سوف تقضي على التقاليد وتؤدي الى محو الهويات، فإذا لم نلتجئ إلى ديانتنا ومبادئنا وحياتنا الخاصة وإدارتها، فاعتقد أن المستقبل بالنسبة لنا مظلم جدا.

بالنسبة للتنشئة الاجتماعية الحديثة التي دار حول النقاش قبل بداية الجلسة، إننا كيف نعلم ونربي أطفالنا؟، ولكن هذه ليست هي المشكلة، أي أن المشكلة ليست في أطفالنا، وإنما هي مشكلتنا نحن الذين وصلنا إلى مراتب فكرية أكاديمية دينية وثقافية أو أي تصنيف آخر كما نريد أن نصنفه، فحسب التصنيفات الموجودة لدينا في الإعلام أنه 98% من القراء العرب يقرؤون الجريدة من الخلف ولا يقرؤونها من الأمام، لأنها تحتوي على أخبار قوس قزح لا تضر ولا تنفع، وتنقل أخبار تافهة عن الفنانين حول الطلاق والزواج، أو عن الأزياء والموضة والأبراج، ونادرا ما نقرأ المقالة الافتتاحية على الرغم من أن كاتبها بذل جهدا كبيرا في كتابتها، فمن له مزاج لقراءة هذه الافتتاحية، ومن له اندفاع لتحليل ما يقرأه؟

كما أن الإنسان لدينا لا يحفز نفسه على انتاج الفكر، أو يحقق براءة اختراع أو غير ذلك، فهذه الأمور كما أتصور هي بعيدة عنا الآن، وإذا لا نرجع إلى التفكير العلمي من جديد ونحدد الأهداف التي نريدها أو نخطط لها، لن ننجح، وعلينا أن نبين بأن البحث العلمي والتربية الرصينة والجادة هي طريقنا إلى التقدم.

الباحث عدنان الصالحي:

يقول المختصون في هذا الجانب والعلماء، أن الإنسان مر في رحلة الخلق بثلاث مراحل هي، عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأفكار، ويشرح هذا الموضوع سماحة السيد مرتضى الشيرازي في كتاب الأشياء والأشخاص والأفكار وسقوط الأمم، وهو كتاب مهم يستحق أن يطلع عليه الإنسان فيصف كيف أن الطفل عندما يولد يهتم بالأشياء التي يحتاجها. بعد لك يبدأ يتعرف على الأشخاص القربين منه، الأم والأب وأفراد العائلة، وكلما يكبر يتعرف على الأصدقاء، وينتقل من حالة الأشياء إلى حالة الأشخاص، ثم ينتقل بأفكاره إلى عالم الأفكار، هذه هي السلسلة البشرية الفطرية، لكن هناك بعض الأشخاص عند الأشياء يتوقف، أو عند الأشخاص يتوقف، لذلك يقول العلماء إن الإنسان يهتم بذكرياته في عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأفكار.

وقد تمنيت أن يتحدث الدكتور الباحث عن مسائل أكبر من حوادث العبارة والحمدانية، لأننا في الحقيقية يوجد عندنا موت بطيء، ومنها مثلا حوادث السير والمرور، باتت أعدادها مهولة جدا لكنها بسبب كونها حوادث يومية صغيرة وتقتل أعدادا قليلة فلا تتضح نتائجها الهائلة، كذلك قضية الاقتتال العشائري، وكذلك فقدان العلاج وموت المرضى وغيرها، فهناك عندنا كوارث في العراق، لكن مشكلتنا أننا أصبحنا نهتم فقط بالنكبات القوية التي نتعرض لها كالجثث المتفحمة أو الغارقة وهذه مشكلة، لأنه ما عاد الإنسان يهتم بقيمته الشخصية، فمشكلة الإنسان في العراق أن قيمته بدأت تقل، وهذه طامة كبرى نواجهها اليوم، لذلك فإن خبر اغتيال شخص ما بغض النظر عن أفكاره وما يتبناه يمر مرور الكرم في الأخبار وينتهي الموضوع لأنه رقم لا أكثر.

إن مشكلتنا ما عادت غامضة، فقضية الإفلات من العقاب باتت مسألة شائعة جدا، خاصة إذا كانت هناك جهة تحميك أو تدافع عنك، فمن السهل جدا أن تفلت من العقاب، ولذلك التشجيع على الجريمة أصبح شيئا واردا جدا، وهذا الذي يقوم بالجريمة ليس ناتجا عن قضية عقائدية، وإنما هو غارق في أشياء مدفوعة له، أما الأموال أو المكانة أو المنصب وغير ذلك، لكن هذه القضية لا يصح أن نعممها على الكل بل على أجزاء، لكن هي فعالة وأصبحت مشكلة كبيرة شغلت الدولة.

أغلب الاجراءات التحقيقية تميل للشكوك، فمثلا أحد الأخوان قال لي أنه كان في لجنة تحقيقية بقضية معروفة، حدث فيها قتلى، يقول إنه لم أجد مسؤولا عن اللجنة، فالجناية كاملة ولم يستلمها أحد، قضية مع سبق الإصرار والترصد ولا يوجد من يستلمها ويحقق فيها، إذن الإفلات من العقاب أصبح بسيطا جدا.

الأشياء المتوفرة لإغراء الإنسان كالمنصب والأموال وغيرها، والإفلات من العقوبة أصبح هو الاهم في بلدنا، ولذلك فإن عالم الأفكار بدأ يبتعد كثيرا عنا، إلا ما ندر، بل وحتى الذين ينشطون في عالم الأفكار يُصَفون بأنهم مسالمون أو متفلسفون أو أصحاب مزاجات رومانسية أو يعبَّر عنها بالنرجسية، بينما في الحقيقة أن صاحب الأفكار هو الذي يعطي لصاحب الأشياء قيمة لحياته.

نحن نحتاج إلى أشياء كثيرة لمعالجة هذه الأمور فنحن الآن لدينا قنابل موقوتة في كل العراق سواء كانت تتعلق بسقوط سقوف الكرافانات أو غيرها، وأنا سابقا كنتُ أسميها (دولة الكرافانات)، بالنتيجة هذه كلها موجود ومن الممكن في أية لحظة أن تحدث فيها كارثة. لذلك مطلوب من الكل إثارة هذا الموضوع لأنه ما عادت شروط السلامة والأمان تطبق في أي جوانب من جوانب العراق، لا في الصحة، لا في المرور، لا في الأمن، ولو أننا نمتلك قانون يحاسب الدراجة غير المرقمة وتسير في الشارع فيمكن الكشف عنها بسهولة، لذلك نحتاج إلى التركيز على تطبيق القانون المهني، وليس القانون المسيَّس أو المحزَّب.

هنا تبدأ الأفكار بالظهور والتطور وتفرض نفسها على عالم الأشخاص، حتى يبدأ هؤلاء الأشخاص ينتقلون من عالم الأشياء إلى عالم الأفكار.

- الشيخ مرتضى معاش:

عالم الأفكار في طرح هذا الموضوع يقابله عالم الأشياء، لأنه كل الكوارث التي قد تحصل في العالم سببها التمحور في عالم الأشياء، فالإنسان عندما يكون مستغرقا في الأشياء والماديات، بالنتيجة تغيب عنه الرؤية والقدرة على فهم الأمور والنظر إلى المستقبل قبل أن تقع الكارثة وهو منشغل في عالمه الشيئي الخاص.

الاستباق بمعنى التغلّب، السبق، أو المسابقة، كما في الآية القرآنية (استبقوا الخيرات)، فالإنسان الذي يستبق وقع الكوارث يتغلب على وقوعها، ليس بمعنى أن يوقف وقوع الكارثة، وإنما يحتوي الأضرار التي قد تتسبب بها الكارثة، فالكوارث تكون على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: كوارث طبيعية مباشرة دون أن يكون هناك تدخلا للبشر في حدوثها.

النوع الثاني: كوارث طبيعية يكون للبشر يد في حدوثها. فيتسبب البشر بمثل هذه الكوارث مثل الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي.

النوع الثالث: كوارث طبيعية مباشرة يتسبب بها البشر.

فالاستباق بمعنى يكون الإنسان مستشرفا أو متنبئا أو متغلّبا على وقوع الكوارث، في الأنواع الثلاثة للكوارث.

بالنسبة لعالم الأشياء، هذا العالم يحجب الوعي عن الإنسان ويغلف وعيه بالماديات، وبالنتيجة يؤدي بالإنسان إلى الرؤية بعينه فقط، وينظر بحواسه، لانه يحرك نوازع الطمع فيه، فالإنسان يريد أن يتملك الأشياء ولديه حب التملك، والاستملاك والحصول على الأشياء بأي ثمن كان، والطمع كما عن الإمام علي (عليه السلام): (الطمع رق مؤبد) يجعل الإنسان عبدا. فبالنتيجة هو لا ينظر او لايهتم إلى ما قد يحدث من مشكلات أو ما يأتي من مخاطر.

أيضا عالم الأشياء هو عالم الربح السريع، دون التفكير بالعواقب، فالمهم كم يحقق من أرباح وهذا ما نراه الآن في المشكلة الأساسية في قضية التغير المناخي التي نعاني منها الآن، فكل المشكلات الموجودة الآن بالنسبة للكوارث الطبيعية سببها هو الاحتباس الحراري، وسببه النشاط البشري الذي يؤدي الى اختلال الطبيعة، مثل إعصار (درنة)، حيث تتجمع الأمطار في السماء دون أن تهطل بشكل متدرج، بل تسقط فجأة فتؤدي إلى كوارث وأعاصير ضخمة جدا.

فزيادة النشاط البشري التجاري الكبير، هو السبب، لان الشركات الرأسمالية أهم هدف عندها هو أن تحافظ على النمو الاقتصادي وعلى زيادة الأرباح بالنسبة لحملة الاسهم، حيث يقول القائمون على القطاع الرأسمالي انه لا يمكن أن نوقف حركة هذا الاقتصاد، لأننا إذا أوقفناه إلى حد معين واحتويناه فسوف يؤدي هذا إلى انخفاض الأرباح وانخفاض النمو الاقتصادي، وبالنتيجة انخفاض الناتج المحلي مخلفا أزمات أخرى مثل الركود والبطالة.

الربح السريع هو تحقيق الربح دون أن النظر إلى المخاطر، وهذا هو أحد أهم أسباب الكوارث، اي البقاء في عالم الأشياء دون التفكير في المخاطر. فالشيء الذي ينتج عن عالم الأشياء هو اللذة بأي ثمن والاشباع الغريزي المتطرف.

فهناك بشر يحب الطعام، فيذهب للمطاعم بكثرة دون أن يفكر بالعواقب التي قد تحدث له مثل انسداد الشرايين، أو صعود ضغط الدم وارتفاع السكري، فهذه اللذة حجبت الإنسان وجعلته في عالم الأشياء دون أن يفكر بالمخاطر التي ستؤدي إلى إصابته بالأمراض.

أيضا هناك من يفكر بالحاضر فقط، وحتى لو فكر بالمستقبل، فإنه يفكر ماذا سيحصل له في الحاضر من خلال تفكيره في المستقبل، لذلك فإن النفاق والانتهازية والكسب من دون قواعد ومن دون قوانين، مع وجود الفساد، فهذا يعني إن الإنسان يعيش في الحاضر فقط، ولا يفكر بالمستقبل ولا بالعواقب، ولا بالعقاب، ولا يفكر بما يحدث في يوم القيامة، وبالجزاء ولا يفكر بالعذاب والنتائج المترتبة على المخاطر.

وهناك أقوال معروفة حيث يرددها الناس ومنها (الشاطر هو الذي يعبّئ السلة بالعنب)، فهذا المثل أن الإنسان يبقى في الحاضر ومرتهنا له، فأي شيء تحصل عليه في الحاضر معنى ذلك إنك رابح، فلا تعبأ ولا تهتم بالمستقبل ولا تفكر به، هذا بالنسبة إلى عالم الأشياء.

أما عالم الأفكار فإنه يؤدي إلى بناء الوعي واليقظة في فهم الأشياء وإدارة الشيء الذي تستخدمه أو تعيش معه، فالأبعاد الثلاثة التي تشكل عالم الاشياء المادي (الطول والعرض والارتفاع)، تحتاج الى بعد رابع وهو (الوعي)، حتى يحسن الانسان التعامل ويديرها بصورة صحيحة، وإلا ستصبح الأمور فوضى وهذا البعد الرابع هو الفرق بين الإنسان والحيوان.

فالإنسان توجد لديه إدارة لحياته، من خلال عقله وقدرته على فهم الأشياء بصورة صحيحة وسليمة فيديرها بالصورة السليمة، كذلك عالم الأفكار يعطي للإنسان البصيرة، ويحرر الإنسان من هيمنة الحواس، فأخطر شيء في الإنسان عندما تهيمن الحواس على بصيرته، لكن نلاحظ اليوم أن المشكلات التي نعيشها خصوصا في شبكات التواصل الاجتماعي أن السمع والبصر هما المسيطران على فهمنا لأمور الحياة.

فكل الأفكار دائما تُقال في مواقع التواصل، وهذا هو أسلوب التضليل في عمليات بناء السلوك الإنساني من خلال التضليل الذي يحدث عند الآخرين، فعالم الأفكار يبني الإنسان ويحرره من هيمنة الماديات ويخرجه منها ويضعه في إطار البصيرة ورؤية ما خلف الجدار، فالبصيرة هي رؤية ما خلف الجدار، الرؤية للمستقبل، التفكير العميق والرؤية العميقة للأشياء لكي نعرف كيف ندير الأشياء.

كذلك يؤدي عالم الأفكار إلى القدرة على فهم عالم الأسباب والمسببات، وهو عالم مهم جدا، فلا يصح أن يصبح العلم تجاريا أو عشوائيا، وإنما هناك اسباب ومسببات، وهي بمثابة قواعد تنقسم إلى نوعين هما:

أولا: قواعد تكوينية.

ثانيا: قواعد تشريعية.

لذا فإن فهم عالم الأسباب والمسببات يحتاج من الإنسان إلى أن يغوص في عالم الأفكار ويتعمق فيه حتى يعرف ما هو السبب وما هو المسبب، وعندما يعرف ما هي العلاقة بين الأسباب والمسببات، سوف يؤدي ذلك إلى القدرة على استكشاف النتائج والتنبؤ بها.

كذلك عالم الأفكار يضع الإنسان في إطار المعايير الأخلاقية العقلانية المستقيمة، أما عالم الأشياء فعلى العكس من ذلك، يبقي على الإنسان في عالم اللذة، وعالم الغريزة بينما عالم الأفكار يضع الإنسان في الغريزة العقلانية، فبالنتيجة يركز على الثقة كأسلوب حياة، وهذا كله يؤدي إلى التفكير في العواق، والنتائج.

بالنسبة للسؤال الثالث، حول الآليات المناسبة لتجنب الوقوع في الكوارث، من ناحية عالم الأفكار.

أولا: العقيدة التربوية بين المادية والمعنوية

العقيدة التربوية الحالية في مجتمعاتنا سواء كانت في الأسرة، أو في المدرسة، أو التعليم العالي، تضع الإنسان من ناحية المدخلات في عالم الأشياء، أي المهم الحصول على وظيفة بأي ثمن، ولا تضعه في عالم صناعة الإنسان الفكرية والمعنوية.

فاليوم الأب يعلّم ابنه منذ الصف الأول على أن يصبح طبيبا، ليس لمعالجة الناس فقط، وإنما للحصول على مبالغ مادية جيدة، هذه عقيدة تربوية، تحصر الإنسان في عالم الأشياء وليس في عالم الأفكار، لذا فالعقيدة التربوية جوهرية في بناء السلوك الإنساني.

إذا لاحظت اليوم فوضى في الشارع وانتهاكا للنظام، فإن هذا يأتي كنتيجة لتراكم السلوك منذ اليوم الأول للإنسان، فالسلوك المتراكم هو الذي يعطي المعرفة، فالإنسان عندما يكرر سلوكية معينة، يصل إلى مرحلة معينة من هذا التراكم فتصبح قيمة، لذا فالقيمة هي نتاج مجموعة السلوكيات التي تتراكم عند الإنسان. لذلك لابد أن نهتم منذ الصغر في عملية بناء التراكم السلوكي في التأكيد على بناء الحالة المعنوية دون المادية.

ثانيا: تسليط الضوء على المخاطر.

عبر وجود مؤسسات إرشادية، ففي كل مكان لابد أن تكون هناك مؤسسة ترتبط بنا لتعطينا الرؤية للمخاطر، أضرب لكم مثالا حول ذلك، البنوك غرقت في الأزمة المالية، وإعلان إفلاسها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، فكانت عليها ديون سابقة بحيث أدت إلى أن تعلن إفلاسها هذه القضية اقتصادية، ولكن لماذا لم تتنبأ مسبقا هذه البنوك بالمخاطر؟

لقد كان عملها كله يركز على الأرباح، وكل أرباحهم تقوم على الديون، أي شراء الديون وبيعها، بالإضافة إلى أنها لم تكن مرتبطة بمؤسسة فكرية تركز على المخاطر من خلال دراسات هيكلية مستمرة حتى توضح لها المخاطر في القادم من المستقبل، لكي تتجنب مخاطر الأزمة المالية. لذلك هناك حاجة اساسية إلى مؤسسات إرشادية، فالكل يحتاج إلى هذا الأمر حتى الأسرة تحتاج إلى مؤسسة إرشادية تعطيها رؤية للمخاطر التي قد تواجه أبناء الأسرة، أو قد تواجه رب العائلة في القضايا الاقتصادية، من حيث الادخار الانفاق الاستهلاك إدارة الموارد فكل إنسان يحتاج إلى هذا النوع من الإرشاد.

ثالثا: التثقيف بالوعي أو ثقافة الوعي

هذا الشيء غير موجود لدينا، ويعد شيئا غريبا، ربما بعض الفلسفات تركز على الوعي، فالوعي له اهمية في الشعور بالذات وبناء اليقظة الذهنية، التي تركز باستمرار على مراقبة سلوك الإنسان وإدراك أفكاره، مثلا اليقظة الذهنية في الطعام، إلى أين يوصله هذا الأكل، هل هو كحاجة جسمية أم كرغبة وشهوة؟

لذا نحتاج في كل أنماط حياتنا الصحية والمادية والتربوية والاجتماعية والسياسية، إلى يقظة ذهنية حتى يكون الإنسان دائما في حالة فهم للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها.

- الدكتور حميد مسلم الطرفي:

الكوارث جزء من حيثيات الخلق ودواعي بقاء الحياة، فالحياة تحمل في داخلها الموت، فالموت والميلاد، والظلام والضياء، اضداد متلازمة، وما نعبر عنه بالكوارث هو مظهر حتمي طبق القوانين التي تسير بها عجلة الكون، ومتى ما استطاع الانسان ايقاف الكوارث ومنع الموت تعفنت الحياة وبئست، وسئمها الانسان وملَّ منها.

تدخل الانسان انما هو في تحسين وقع الكارثة واختيار أفضل السبل لكيفية حدوث الكارثة الكبرى وهو الموت. فلن يستطيع أحد أن يوقف الزلازل ولا أن يتحكم بكل تغييرات المناخ والطقس ولن تتوقف الحروب مادام الإنسان هو الإنسان بنزعاته وغرائزه، أقول أن هذه الحتمية ينبغي أن لا تنفك عن عقل الانسان ووعيه وعليه أن يجهد في ايجاد ما يسهل عليه عملية الموت، أفضل أنواع الموت للنفس البشرية هو الموت الطبيعي بعد سن الشيخوخة وانتهاء العمر الافتراضي للكائن البشري، والكوارث وفق منظورنا تعكر صفو الحياة، وتقصف الأعمار قبل أوان الانتهاء، وتسلب وسائل راحته وأمواله المنقولة وغير المنقولة، فالأمراض كارثة، والجوع المؤدي الى الموت كارثة، وقد قُسمت الكوارث الى قسمين:

كوارث طبيعية، كالزلازل والفيضانات والجفاف، والأوبئة الانتقالية، والفقر، والمجاعة وغيرها.

وكوارث مصطنعة من فعل البشر، كالحروب الداخلية والخارجية، ونشر الفيروسات المصنعة، المتعمد أو غير المتعمد، كما هو اللغط أخيراً بشأن وباء كورونا، وتسرب الاشعاعات المميتة في المفاعلات النووية، كما حصل في مفاعل تشرنوبيل في الاتحاد السوفيتي سابقاً وغيرها.

لمواجهة الكوارث هناك دورة حلقية -حسب المختصين بهذا العلم- وهي عبارة عن مراحل متصلة ببعضها وهي:

- الاستعداد والتهيؤ، وهي مرحلة تسبق وقوع الكارثة، وكما قلنا فإن الكارثة تعيش بيننا ولذلك فعدم الاستعداد يعني الجهل واللامبالاة وسوء التخطيط.

- المواجهة: أو الاسعافات الأولية، وهي أن نكون أمام الكارثة وجهاً لوجه فنقدم ما نستطيع تقديمه للمنكوبين.

- الإنعاش والتأهيل: وتأتي بعد مرحلة تقديم الاسعافات الأولية، أو الحلول العاجلة، وتعنى بتأهيل المنكوبين للعودة إلى وضعهم الطبيعي.

وعبر هذه المراحل الثلاثة يكون هناك عامل التقييم والمراقبة لكل مرحلة، وبهذه الدورة تسترشد كل الجمعيات والمنظمات المهتمة بشؤون الكوارث في العالم. إن إدارة الكوارث باتت علماً من العلوم التخصصية، ففي جمهورية ايران الاسلامية على سبيل المثال هناك كلية مدة الدراسة فيها اربع سنوات اسمها ادارة الكوارث.

إن إجراءات السلامة من الكوارث كثيراً ما يتم التساهل بها من قبل الأجهزة المختصة لأننا نستبعدها، في حين انها قريبة منا وهي تعيش بيننا، وعلى فرض انها بعيدة الاحتمال فإننا مدعوون بأن نعد لها ما نستطيع وشعار المخطط الستراتيجي هو (تهيَّأْ دوماً تنتِفعْ يوماً).

- الحقوقي أحمد جويد المطيري:

لا تزال تحدث كوارث كثيرة ليس على مستوى العراق وحده، بل على مستوى العالم كله، وسوف أبدأ بعنوان الورقة البحثية، توجد لدي ملاحظة عن الاستباق، إذ يمكن تغيير كلمة استباق إلى إدراك، لأنه من الصعب أن تستبق الكارثة، لكن يمكن أن تدرك الكارثة من خلال الفكر، فقد تخمّن أن تقع كارثة معينة وتضع حلولا لهذه الكارثة.

يوجد مثال لدينا في سد الموصل، فحين نناقش هندسة هذا السد فكريا، ويتم فحص السد ومن الممكن أن تحدث سيول في تركيا، في لحظة معينة تولد ضغطا معينا وفق الحسابات الهندسية، فقد يتحمل السد هذا الضغط، وإذا لم يتحمل ذلك ما هو الإجراء لتفادي الخلل الذي قد يحدث في السد، وكيف يمكن أن نتلافى هذه المشكلة، فالإدراك هنا يمكن أن يخفف الكارثة.

إن الكوارث قد يكون سببها بشري وهي كوارث أما تكون مادية أو أن تكون معنوية، فقد تتعرف على شخص ما ويتسبب لك بكارثة، أو تنتخب حزبا معينا ويقودك إلى كوارث، مثلا القيام بانقلاب مثل انقلاب 1958 الأبيض الأحمر، الذي من خلاله تم عسكرة المجتمع، حيث كنا نسير في كارثة لا نعلم ولا ندرك تفاصيلها ولا نتائجها، فهذه أيضا نوع من الكوارث، لأن الكارثة ليست فقط الزلزال أو الإعصار، فمثلا الكارثة التي حدثت في كربلاء بمنطقة القطارة، أو حادثة العبارة في الموصل، هذه كلها كوارث حدثت بسبب الإهمال البشري، أما على صعيد العالم فتحدث هذه الكوارث بشكل يومي كما نلاحظ ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن من أكبر الكوارث التي نلاحظها في العراق هي انهيار منظومة التعليم، فلا يوجد تعليم جيد لا على المستوى الابتدائي التربوي ولا الجامعي، ولا على مستوى الدراسات العليا، فهذه كارثة بمعنى الكلمة، فبعد عقد أو عقدين من الزمان ربما نخرّج أساتذة جامعيين لا يقرأون ولا يكتبون، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها.

مدخلات المدارس الابتدائية، تؤدي إلى الجامعة، فلننظر إلى مستوى الجامعات اليوم، ويمكن ملاحظة ذلك في الوسط الجامعي، فهل هذا الأمر يشبه تخرّج المعلم في سبعينات القرن الماضي، أو الأستاذ الجامعي في الثمانينات أو السبعينات، فهذه الظاهرة سوف يكون التخرج سريعا إلى أن نجد أنفسنا في قلب الكارثة، حيث نجد أنفسنا في شعب أمي مع أنه يمتلك شهادة دراسية أو علمية.

صناديق الاقتراع وأعني الانتخابات التي نمارسها، نجد أن الأحزاب غير مؤمنة بالعمل الديمقراطي، ولا مؤمنة بالآخر، ولا بوجود الآخر، بل هي أحزاب إقصائية قائمة على الفساد، وهذه كارثة، ومع ذلك نحن الناخبون نذهب إلى صناديق الاقتراع وننتخب دون أن نحسب أو نتحسب أن هؤلاء الأشخاص والأحزاب إذا ساهمنا في وصوله إلى السلطة، فماذا ينتجون لنا، هل ركزنا على هذه النتائج، أم أن كل ما نريده هو التعيين لي أو لابن عمي في الدولة أو إكمال خدمات معينة وغيرها، ولم ندرك المخاطر تحصل، إنها كوارث فعلا.

لنفترض أن شخصا ما قام بانقلاب وكلنا خرجنا معه ورفعنا الشعارات المؤيدة له، وإذا به حاكم طاغية، فهذه تعد من أخطر الكوارث.

أما الفساد فهو كارثة من هذه الكوارث بل قد يكون عصفا لا يمكن إيقافه، فهل يستطيع اليوم شخص ما على إيقاف الفساد في العراق؟، الجواب كلا لا يمكن ذلك، حتى بعض الجهات الدولية تسعى وتحاول في هذا الاتجاه وتضع خططا لمواجهة الفساد، بالإضافة إلى وجود هيئات رقابية كثيرة في العراق، وهيئات حسابية وإنفاذ قانون وغيرها، ولكن نلاحظ أن قضية الفساد تكبر يوما بعد يوم، وهذه من أكبر الكوارث.

لو أننا ذهبنا إلى الدول الأخرى، نجد أنها تشاطرنا أيضا في نفس القضايا، وأبسط شيء موضوع الرافعات في الحرم المكي في موسم الحج، أو قضايا التدافع الذي سقط ضحيتها في يوم واحد 700 حاج، ألا يمكن للحكومة السعودية أن تدرك هذه الكوارث قبل حدوثها وتعالج أسبابها قبل وقوعها، لأن السعودية تمتلك إمكانيات هائلة.

قضية كورونا، التي ظهرت فجأة ولا أحد يعرف كيف ظهرت، ومن الممكن أن تتوقع أن هذه المختبرات البايولوجية التي لم يسلط عليها الضوء، ماذا ستنتج، يقال أن فايروس كورونا من أوهان. ولكن ما هو نوع هذه المختبرات البايولوجية وماذا ستنتج؟، فهذه أكبر من الإعصار الذي قد يضرب مناطق محددة في الساحل الأمريكي، وهذه قضية معروفة، كذلك حوادث الحرائق معروفة أيضا في استراليا وسواها، ولكن هذه المختبرات ما السر الذي يقف وراها عالم الأفكار هنا يظهر دوره، فالمختبرات التي تنتج الآن الجراثيم والفايروسات وغيرها، وهذا التسابق على التسلح، وحجم الكراهية الدفينة سواء على مستوى أديان أو طوائف، أو شعوب وقضايا حروب هذه هي الكوارث الحقيقية.

الكوارث تكمن في السياسات، السياسة الدولية العامة الآن، ليست إعلامية فقط، وإلا ما معنى أن أكبر دولة في العالم تنسحب من اتفاقية مكافحة التغيير المناخي، وكذلك اكبر دولة اقتصادية وهي الصين لا يهمها الاحتباس الحراري ولا تعنيها مخلفات المعامل، دولة مثل روسيا أكبر دولة نووية، تستعرض صواريخها ولا نعرف في أية لحظة تضغط الزر النووي من الممكن أن تحدث كارثة هي من أكبر الكوارث على وجه الأرض لأنها فناء للكرة الأرضية وحتى الموجودات الأخرى.

الموضوع فعلا يحتاج إلى التركيز عليه بقوة والتسويق له إعلاميا، وتكون الدراسات على المفاصل الخطرة التي تؤثر على الجنس البشري، مثلا قضية الجندر والشذوذ الجنسي وغيرها، أليس هذه كارثة على النوع البشري، حتى الحيوانات لا تتقبل هذا الأمر.

هذه كارثة، لأن الأسرة مهددة بالإلغاء بسبب هذه السياسية الكارثية مستقبلا، وكبار السن لا أحد يلتفت لهم، وقيم بر الوالدين كلها تنتهي، لهذا أرى أن هذا الموضوع مهم جدا ويجب أن لا يتوقف عند هذه الجلسة فقط. فتقام حوله كتابات وندوات ودراسات على مستوى أكاديمي، وقضايا استقصائية يقوم بها الإعلام، لأن الموضوع مهم جدا.

- الباحث حامد عبد الحسين الجبوري:

هناك علاقة عكسية بين عالم الأفكار ووقوع الكوارث، بالخصوص الكوارث الصناعية، أما بالنسبة للكوارث الطبيعية فلا يمكن تلافي وقوعها، ولكن قدر ما نستطيع أن نتلافى الأضرار أو سرعة الاستجابة لتلافي الآثار، فالمسألة تتعلق دائما بالعلاقة بين الكوارث وعالم الأفكار، ويمكن أن نصور الكوارث بأنها أشبه بالأمراض، فيأتي الطبيب ليشخص هذا المرض.

عالم الأفكار في وسطنا العربي هو عالم فقير جدا، لأنه كما ذكر الأستاذ عدنان الصالحي أن هناك ثلاثة عوالم هي عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء، وهذا العلم يبدأ من الابرة وحتى الطائرة، أي أننا نحن ننقاد إلى عالم الأشياء وليس نحن الذين نقود الأشياء، كما يحدث اليوم بالنسبة للموبايل الذي هو يديرنا ولسنا نحن الذين نديره، ويأخذ كل وقتنا.

مسألة الأشخاص للأسف لربما حصل نوع من التنافر بين عالم الأشخاص، فحوادث القتل التي تحدث هناك دور كبير لعالم الأشخاص بحوادث القتل، كما حدث في الحروب الطائفية والدينية، التي عشناها في سنوات 2007 و 2007، حيث قام عالم الأشخاص بتقديس قادته والاندفاع وراءهم في قضية القتل، ومسألة داعش أيضا هي مسألة دينية.

أما عالم الأفكار، إذا تطورنا في هذا العالم فمن المؤكد سوف تتراجع الكوارث، فنحتاج إلى الآلية المناسبة لتجنب وقوع الكوارث المصطنعة، لذلك ما يخص عالم الأفكار نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مناهج التدريس، لتكون هذه المناهج ليست تلقينية، وإنما نقدية تفاعلية، مما يؤدي إلى ترتيب وتنشيط مستوى الأذهان لدى الطلبة وهذا يؤدي إلى حل الكثير من المشاكل على مستوى الكوارث لاسيما بخصوص سرعة الإنقاذ من الكارثة، سرعة الاستجابة لإنقاذ الآثار التي قد تتسبب بها الكوارث. لذا يجب أن نسبقها بإيجاد الحلول قبل وقوع الكوارث المصطنعة.

- الباحث حيدر الجراح:

الكوارث قد تحدث نتيجة لأمور طبيعية أو أخطاء بشرية، أريد أن اربد عنوان عالم الأفكار واستباق حدوث الكوارث مع السؤال الأول وهو كيف يؤدي الاستغراق في عالم الأشياء إلى الوقوع في متوالية الكوارث وأسأل، ماذا عن الكوارث التي وقعت في قرون سابقة قبل أن يظهر هذا الانهمار بالأشياء، سابقا عندما كانت تقع الكوارث لم يكن هناك شيء اسمه عالم الأشياء، متى ظهر هذا، بعد أن تغير مفهوم الانتاج من تلبية الحاجات إلى تحقيق الأرباح وتنميتها بصورة فاحشة.

عالم الأشياء أو النزعة الاستهلاكية مفهوم حديث يتزامن مع الكوارث التي حدثت في قرون سابقة، يعني إذا نتحدث عن الكوارث التي حدثت في قرون سابقة، فماذا يمكن أن نسميها؟، هل يمكن تسميتها بعالم الأفكار، ونقارنها بعالم الأشياء أو غير ذلك؟

سؤال آخر ماذا عن الأيديولوجيات اليوتوبيوية التي تحققت وهي من عالم الأفكار، مثل الشيوعية والنازية والفاشية والأيديولوجيات الدينية (داعش وغيرها وسبقتها القاعدة)، والتي خلقت حاضرا تدميريا في وقتها، أي أن الأفكار نفسها هنا هي التي تقود إلى الكارثة، يعني عالم الأفكار هو الذي يقودك إلى هذه الكارثة التي تحققت وإلى كوارث أخرى سوف تتحقق مستقبلا.

الأمثلة التي ذكرتها هنا هي كوارث إرادية ولا إرادية، يعني الحرب مثلا هي كارثة إرادية وليست لا إرادية، مثلها مثل الزلزال، أيضا هي خاضعة هنا لتفكير معين اقترن بسلوك لا يمكن أن يتوفر إلا عند صاحب سلطة خاصة فيما يتعلق بالحروب.

سؤال هل الكارثة تكون مخطط لها أمن أنها بنت لحظتها المستقبلية؟، سواء كانت كارثة إرادية أو طبيعية، كل مشروع يتحصل بنتيجته إلى كارثة مثل الحمدانية وسواها، هذه كلها سبقها تخطيط وتفكير في مشروع معين، مثلا قطارة الإمام علي واحدة من الكوارث أو كارثة جسر الأئمة وغيرها، فالسؤال هل الكارثة يكون مخطط لها أم أنها بنت لحظتها، نتيجة لحدث فني أو بشري، ختام السؤال هل كان متوقع حدوث كارثة بالحجم الذي حدثت فيه الكارثة، وإذا كان متوقع ذلك هل كان يضع تدابير للوقاية من هذه الكارثة؟.

سؤال آخر من الممكن أن نطرحه في كل جلسة وفي كل ندوة سواء انعقدت هنا أو في مكان آخر، هل تعتقد أن مجرد تأسيس منظومة قانونية أو تغيير منظومة أخلاقية أو ثقافية أو اجتماعية يجنبنا الكوارث؟

- الكاتب كمال عبيد:

الفكرة هي محاولة لفهم الأشياء وطرح كل ما يخطر في العقل من حلول واقتراحات، كلها تدخل في باب الأفكار، ومنها الوسائل المادية، فدائما ما تخضع الأشياء المادية للموت بينما الأشياء الفكرية أو التابعة للأفكار ستعيش، وهذه مقارنة بين عالم الأشياء وعالم الأفكار، لكن من هو المسبب الأكبر أو الرئيس في حدوث الكوارث، هل هو عالم الأشياء أو عالم الأفكار؟

هنا من الممكن أن يحدث الاختلاف في وجهات النظر، فعالم الأشياء من الممكن أن يكون هو السبب من خلال النهم المادي المفرط، الذي يحرك الغرائز فيأتي لنا بالكوارث بمختلف أنواعها، ولكن هل سيكون عالم الأفكار هو الحل ويكون هو قارب النجاة؟، كلا، أنا أختلف مع وجهة النظر هذه، فعالم الأفكار من الممكن أن يكون قنبلة موقوتة، مثل ذلك نيتشة غيّرَ مفهوم القوة، وأغلب الباحثين يذكرون بأن هتلر استقى أفكاره وأخلاقياته من فلسفة نيتشة، والنتيجة موت بحدود 50 مليون إنسان بسبب الفكر النيتشوي.

هنا أحاول أن لا أجيب بشكل مباشر عن الأسئلة المطروحة، وهنا أذكر العوامل الأساسية المؤثرة جدا في مجالات مهمة جدا نتيجتها مؤثرة في عالم الأشياء، والمثال الذي أذكره له علاقة باختصاص أو مجال الإعلام والتعليم، وسائل الإعلام كما نلاحظ في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام فنحن نهتم بصحافة الأفكار دائما، ونقدم أفكارا فيها تحليلات واستشراف، في حين أن معظم وسائل الإعلام مهتمة بعالم الأشياء وعالم الترف وذكرت احدى المداخلات أن 98% من القراء يهتمون بالمواضيع الترفية التي لا قيمة لها ولا إبداع.

في التعليم هنالك كارثة، حيث يطالبون الطالب ببحث علمي تنجزه بأية طريقة كانت، أو ينجزه لك شخص غيرك، لكي تقدم أفكار أو ابتكارات أو اختراعات، ولكن ليس أنت مصدرها أو مبتكرها، وهنا أختصر مداخلتي من خلال ذكر أسباب رئيسة بشكل عملي، لأننا في الحقيقة لا يوجد لدينا تخطيط للطوارئ، فدائما نعالج الأمور عند وقوع الكارثة ونحاول تصحيح نتائجها، ولا يوجد لدينا تخطيط استراتيجي يستشرف المستقبل.

الكارثة الموجودة في معظم مؤسسات الدولة هي ضعف القدرات، الثقافية أو العلمية أو العملية، في مواجهة أي قضية سواء كانت بناء أو تهديم بسبب حدوث كارثة ما، أما الحلول التي عايشناها ولاحظناها بعد حدوث الكوارث فهي حلول ترقيعية تتعالم مع الأزمة بعد وقوعها، أما نجاحها غير مضمون لأنه لا يوجد لدينا تخطيط مسبق لمعالجة الكوارث أو استشراف وقوعها بشكل مسبق، وهذه لا تقع ضمن أهداف المسؤولين.

هناك قضية مهمة جدا وهي تتعلق بكل المجالات بما فيها الإعلام الفكري، وهي رصد المخاطر، ورصد المعلومات، وتوقعها، وكل هذا يأتي ضمن قضية التنبؤ بالأزمات، كذلك هناك مسألة مهمة جدا تم ذكرها وهي استشراف المستقبل وهو مفهوم مهم جدا وله دورات خاصة به وبحوث ودراسات، لكن المستقبل ينقسم أيضا إلى مجموعة أقسام كما يقسمه الباحثون إلى ثلاثة أقسام:

أولا: المستقبل المنظور. من الممكن أن تحدث كارثة حاليا أو يتوقعون حدوثها، فنسبة سكان العراق حاليا كذا وبعد عشر سنوات سوف تصل إلى كذا عدد وسوف تسبب كوارث عديدة.

الثاني: المستقبل القريب. حيث حلت بنا جائحة كورونا، وتداعياتها المعروفة، وما رافقتها من حلول آنية عشوائية.

ثالثا: المستقبل الذي يقع في دائرة (التاريخ يعيد نفسه). حيث يتم التفاعل مع المشاكل المستقبلية ضمن رؤية التاريخ يعيد نفسه وتتم معالجتها في هذا السياق.

نحن نحتاج إلى التأسيس الصحيح فكل مؤسسة يكون تأسيسها صحيح ستكون مخرجاتها صحيحة، فإذا كانت لدينا مشكلة في الجوع، فلابد أن نعالج الجوع قبل حدوثه، من خلال السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأقترح هنا أن تكون لدينا مؤسسات تحتضن وترعى العلماء وهذه النقطة غير موجودة في العراق وتفتقر لها الدول المتأخرة، فإن أوجدنا مؤسسات تحتضن المفكرين والمبدعين فسوف يمكن حل المشكلات في المستقبل.

- مداخلة فرعية للإعلامي خليفة التميمي:

حين تم توجيه سؤال لبعض السياسيين حول مستقبل العراق، فأجابوا بالقول لا يوجد مستقبل للعراق، حسنا هؤلاء ساسة يمتلكون القرار، ومن المفترض أن تكون لديهم خيارات، وقاموا بترشيح أنفسهم في الانتخابات واستلموا وزارات ومسؤوليات، فما هي المشكلة التي يعاني منها العراق بحيث إنهم يعتقدون لا مستقبل له؟

هناك عدة أسباب منها هذه الامبراطورية التي تتسيدها أمريكا، فهي تؤمن بأن النقود تعادل كل ما سواها، فمن يمتلك فلسا يساوي فلسا، لذلك هي تحاول الحصول على النقود بأية طريقة ممكنة، أخلاقية أو غير أخلاقية أو استخدام جريمة، أو ميكافيلية والى آخره.

الجميع مؤمنون على أن امبراطورية أمريكا الفائقة ليس لها حدود ولا تتوقف عند حد معين، الصراع الحالي بين الصين وامريكا وبريكس، وأيضا صراع علني على النفوذ ومصادر القوة، الديمقراطية الفائقة انتجتها الولايات المتحدة والعولمة واستلاب الهويات، كونت مراكز دراسات لاستشراف المستقبل وقراءته بشكل صحيح، فتكون العلم الذي يسمى السبرنطيقي، يقوم بقراءة البيانات بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنها تطلع على حساباتنا الواتساب وغيره، فيحللون كتاباتنا ويعرفون حاجاتنا الاجتماعية من خلال هذه البيانات، فيغذوننا بما نريده، فنحن مثلا نحب العشائرية والبداوة، فتشيع ذلك وتشجعه، لذلك إذا ظهر كاتب جيد يحاول ترويج فكرة جيدة تحاول هذه المواقع أن تحجبه واحتمال تقوم بحذف حسابه في مواقع التواصل.

هنا نموذجان في معالجة المستقبل:

النموذج الأول: نموذج فولستر.

وهو ينمي حدود الأنساق الثقافية، الأنسقة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، المفروض تجتمع لجنة مثلما أشار لها سماحة الشيخ مرتضى معاش، هذه مجموعة العبقريات ومجموعة الاختصاصات تجتمع في مكان معين وتحدد المستقبل القريب والبعيد للمشكلة موضوعة البحث.

لذلك نحتاج إلى مثل هذه الأنساق الثقافية، رجل الدين زائد رجل السياسة زائد رجل الاقتصاد، كما نجلس الآن في هذه الندوة ولكن على مستوى عال من حيث القدرة على صنع القرار، بحيث يعرفون ما هي مشكلة العراق؟، إن مشكلة العراق تتصادم مع الامبراطورية الفائقة والصراع الفائق والديمقراطية الفائقة والتي لا نمتلك حيالها أي شيء.

النموذج الثاني: نموذج الاتجاهات.

يقول هذا النموذج بأن الأنساق بدلا من أن تكون طولية وعرضية، نأخذ البناء الطولي والبناء العمودي ونحاول أن نجد صيغة تعاون فيما بينهما، ونتجه إلى جانب الأزمات والمواجهات، فيوجد لدينا الآن خياران، أما أن تجتمع الأنساق الثقافية مع بعضها ونصل من خلالها إلى حل مشترك، وأما أن نركز على الاتجاهات والبناء الطولي والعرضي والغسيل الوسخ والغسيل النظيف ونحول أن نعزز الشيء الجيد ونتجاوز الشيء السيّئ، ولابد أن هناك أناسا خيّرين في العالم نحاول أن نكون معا حتى نقف على أقدمنا حالنا حال رواندا.

مداخلة فرعية الشيخ مرتضى معاش:

يمكن أن نلاحظ بأن الأفكار المتوحشة الموجودة في العالم، هي أسيرة لعالم الأشياء، ونلاحظ اليوم أن الرأسمالية هي التي أنتجت كل أفكار ما بعد الحداثة، فهي إنتاج رأسمالي خالص، هذه الأفكار في أساسها ومحورها تابعة لعالم الأشياء، فهذه الأفكار لا تنتمي إلى الأفكار، وإنما هي عالم الأفكار المسجونة في عالم الأشياء.

* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
https://annabaa.org/

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا