العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة.. مخاطر نفسية وصحية
شبكة النبأ
2023-06-22 06:12
العزلة الاجتماعية تشير إلى الغياب التام أو شبه التام للتواصل مع المجتمع، وغالبًا ما تكون العزلة لا إرادية، مما يميزها عن الميول أو الأفعال الانعزالية التي يقوم بها الشخص متعمدًا، تعددت أسماؤها ولكن المظاهر واحدة. وهي لا تشبه الوحدة المتصلة في غياب التواصل المؤقت مع البشر الآخرين. ويمكن أن تمثل العزلة الاجتماعية مشكلة لأي شخص مهما كان سنه، فقد تظهر على كل فئة عمرية ويحتمل أن ينشأ عن مشاعر الوحدة والخوف من الآخرين أو تقدير الذات انخفاض تقدير الذات تقدير الذات السلبي التعرض لأضرار نفسية حادة.
الشعور بالوحدة ثقيل وله أضرار، بعضها لا يستهان به، فبالإضافة إلى أن الوحدة تسبّب شعورا نفسيا ثقيلا قد يصيب بالقلق وربما الاكتئاب فقد تكون لها أيضا أخطار صحية، إذ كشفت دراسات حديثة أن الوحدة قد تكون أسوأ من التدخين، وأحيانا قد تنجم عنها أخطار صحية تضاهي السمنة، كما قد تكون سببا في تسريع الشيخوخة.
ويعاني الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة من ألم عاطفي، ويمكن لفقدان إحساس الاتصال بالمجتمع أن يغير الطريقة التي يرى بها الفرد العالم، كما يمكن أن يشعر الشخص الذي يعاني من الوحدة المزمنة بالضعف وعدم الثقة بالآخرين.
فقد توصلت العديد من الدراسات إلى وجود رابط بين العزلة الاجتماعية، والشعور بالوحدة، وخطر الموت المبكر، لكن بعض النتائج كانت مثيرة للجدل أو مختلطة، وفقًا لما ذكرته الورقة التي نُشرت في مجلة "Nature Human Behavior".
وقال تورهان كانلي، أستاذ علم الأعصاب التكاملي بقسم علم النفس في جامعة ستوني بروك بمدينة نيويورك الأمريكية، غير المشارك في الدراسة، إن هذه النتائج المتضاربة قد يكون مردّها إلى البحث الذي تركز فقط على مجموعة أو منطقة معينة.
والورقة البحثية الجديدة عبارة عن تحليل تلوي لـ90 دراسة فحصت الروابط بين الوحدة، والعزلة الاجتماعية، والموت المبكر لدى أكثر من مليوني شخص بالغ. وتمت متابعة المشاركين في الدراسة بين ستة أشهر و25 عامًا.
وكان الأشخاص الذين عانوا من العزلة الاجتماعية أكثر عرضة بنسبة 32٪ للوفاة باكرًا لأي سبب مقارنة مع أولئك الذين لم يعيشوا العزلة الاجتماعية.
وكان المشاركون الذين أبلغوا عن شعورهم بالوحدة أكثر عرضة للوفاة باكرًا بنسبة 14٪ مقارنة مع الأشخاص الذين لم يفعلوا ذلك.
وقالت جوليان هولت لونستاد، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بريغهام يونغ بولاية يوتا الأمريكية، والعالمة الرئيسية في التقرير الاستشاري الأخير حول الجراحة العامة الأمريكية المتصلة بالعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، غير المشاركة في الدراسة إنّ البحث يسلًط الضوء على تأثير العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة على الوفاة المبكرة.
وحددت الدراسة الجديدة العزلة الاجتماعية، بأنها عندما يعاني شخص ما من نقص موضوعي في الاتصال بأشخاص آخرين، ويمكن أن ينطوي الأمر على وجود شبكة محدودة حوله أو العيش بمفرده.
ويُقصد بالوحدة الشعور بالضيق إذا كان هناك تناقض بين جودة العلاقات الاجتماعية وما يطمح إليه الفرد، وفقًا لما ذكره التحليل التلوي.
وحول هذا الأمر، قال أنتوني أونغ، وهو أستاذ علم النفس ومدير مركز العلوم التنموية التكاملية ومختبرات الصحة البشرية في جامعة كورنيل بمدينة نيويورك الأمريكية، غير المشارك في البحث، إنّ شخصًا ما في هذه الحالة قد يشعر بأن علاقاته غير مرضية إذا لم تتم تلبية احتياجاته بالتواصل أو العلاقة الحميمة.
ولفتت هولت لونستاد إلى أنّ "الأمريكيين يقضون المزيد من الوقت في عزلة، ومع ذلك لا نعتبر أن ذلك يشكّل خطرًا، خصوصًا إذا كان ذلك خيارهم"، موضحة أنه "يفترض الناس أنه لا بأس، بل وربما يكون من الجيد لنا أن نعيش العزلة إذا لم نشعر بالوحدة".
الشعور بالوحدة والعزلة في الجسد
وقال كانلي إنّ العزلة الاجتماعية أو الوحدة يمكن اعتبارهما أحد أشكال التوتر، لافتًا إلى "أنّنا قد نشعر جميعًا بالوحدة من وقت لآخر، لكن عندما يكون هذا الشعور مستمرًا، فقد يكون بمثابة شكل من أشكال التوتر المزمن، وهو أمر غير صحي". وتابع أن "إحدى الطرق التي يمكن أن يحدث بها ذلك هي من خلال هرمونات التوتر التي تؤثر سلبًا على الجسم".
وكان المشاركون الذين تم عزلهم اجتماعيًا ولديهم إصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر عرضة للوفاة مبكرًا من أولئك غير المصابين بالمرض. كما أن الأشخاص الذين يعيشون العزلة الاجتماعية ولديهم إصابة بسرطان الثدي، هم أكثر عرضة للوفاة بسبب المرض مقارنة بالأشخاص غير المعزولين اجتماعيا.
وقال كانلي إن الموت باكرًا لأي سبب أو بسبب مرض قلبي وعائي قد يكون مرتبطًا أيضًا بسلوكيات نمط حياة الناس: "الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية، أو الوحدة، يميلون إلى اتباع عادات غير صحية، مثل التدخين، وتعاطي الكحول، والنظام الغذائي السيئ، (أو) ممارسة قليلة للتمارين الرياضية".
ورأى الخبراء أنّ عوامل عديدة قد تساهم في العزلة الاجتماعية التي يكون لها تأثير أقوى على مخاطر الوفاة المبكرة من الشعور بالوحدة.
وقال مؤلف الدراسة الأول فان وانغ، أستاذ علم الأوبئة في جامعة هاربين الطبية بالصين، إنّ "الأشخاص الذين يختبرون الوحدة، لكنهم ليسوا معزولين اجتماعيًا، يعانون من ضغوط نفسية، ولكنهم قد يتمتعون بمرونة بسبب شبكاتهم الاجتماعية"، حتى لو لم تكن هذه الشبكات تمامًا كما يريدها شخص ما.
وأضاف كانلي أنّ امتلاك شبكة اجتماعية صغيرة، أو اتصال ضئيل أو معدوم بالعالم الخارجي يمكن أن يقلل من احتمالية تلقي الشخص للرعاية الطبية إذا لم يكن لديه أي شخص يقوم بفحصه.
وأشار أونغ الذي كان أيضًا بين العلماء المشاركين في تقرير الجراحة العامة إلى أنه "في حين أنّ هذا التحليل التلوي مهم في تقديم دليل داعم للآثار الضارة للعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، إلا أن هناك حاجة ملحة لتجاوز الأسئلة المتعلقة بالآثار المستقلة والنظر في تفاعلهم المشترك".
وأضاف أن هذه الدراسة الإضافية ستمهد "الطريق لفهم أعمق وتدخلات فعالة".
توسيع الروابط الاجتماعية
وأوضح وانغ أن الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يجب أن يسعوا بجد للحصول على الدعم الاجتماعي.
ونصح كانلي بضرورة التفكير "بالحفاظ على شبكة اجتماعية مثل أي نشاط آخر لتعزيز الصحة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الطعام بشكل جيد، والاعتناء بنفسك".
وأضاف أن تنمية صِلاتك الاجتماعية أولوية من خلال عدم اقتصارها على "إلقاء التحية" على شخص ما بالإجازات فقط، أو من خلال التفكير في طرق للانخراط بأنشطة قد تعرضك لدوائر جديدة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل.
وقال وانغ إن تطوير التدخلات بمساعدة أفراد الأسرة والشبكات المجتمعية أمر بالغ الأهمية.
كيف نشعر بالاكتفاء والتواصل في علاقاتنا؟
وقالت لويز هاوكلي باحثة علمية رئيسية بمراكز البحث الأكاديمي "NORC" في جامعة شيكاغو، إنّ البشر ككائنات، يفرحون حين يُحاطون بأشخاص آخرين، لكن معدّل حاجة كل إنسان للاتصال بالآخر ونوعية الإتصال به، يسمحان له بالشعور أنه جزء من المجتمع. ويختلف هذان العاملان من شخص لآخر.
أما الاعتقاد الشائع فهو أنّ الأشخاص الأكثر وحدة هم الذين يعيشون بمفردهم. لكن الدكتورة كارلا بيريسينوتّو، بروفسورة الطب ومساعدة مدير برامج طب الشيخوخة بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، أكّدت على ضرورة الفصل بين الاثنين.
والأطفال قد يشعرون بالوحدة لأنهم لا يستطيعون رؤية أصدقائهم في المدرسة. ويشعر المهمشون بالوحدة لأن المجتمع ينبذهم. ويختبر المتقدمون في السن الوحدة عند بلوغهم سن التقاعد أو خسارة من يحبون، وفقًا لما ذكرته بيريسينوتّو.
وبحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، فاقمت الجائحة مشاكل الشعور بالوحدة، ما أثار قلق العديد من مسؤولي الصحة حول مخاطر الصحة العقلية والجسدية المرتبطة بالمشاعر، مثل الإحباط، أو مشاكل الأوعية الدموية، والوفاة المبكرة. لذلك، يقول الخبراء إنّ الوقت قد حان للتبحّر بمعنى أن تكون وحيدًا، وما هي الحلول المقترحة.
هل اختيارك للعزلة يعني شعورك بالوحدة؟
وعندما يتعلق الأمر بمكافحة الشعور بالوحدة من خلال الاتصال بالمجتمع، تكون المقاربة أنّ جودة الاتصال أهم بكثير من الكمية.
وقالت هاوكلي إنّ "أحد الأشياء الذي يميّز بين الوحدة والعزلة هو أنّ الوحدة لا علاقة لها بالكَمْ، أي بعدد الأشخاص الذين تتفاعل معهم، وعدد المجموعات التي تنتمي إليها، رغم أنّ ثمة رابط بينهما، لكنّه ليس قويًا للغاية".
وأضافت أنّ من اختاروا العيش بمفردهم أو غير مرتبطين، أو يفضلون قضاء معظم وقتهم بمفردهم، ليسوا بالضرورة الأسوأ حالًا عندما يتعلق الأمر بالشعور بالوحدة.
وقالت بيريسينوتّو إنّ السر لا يكمن بالنظر إلى الظروف وافتراض المشاعر التي يجب ربطها بها، لكن مساءلة نفسك حقيقة إن كنت تشعر بالوحدة. وإذا كانت وحدتك خيارًا، ولديك أشخاص يمكنهم دعمك إذا احتجت لمساعدة، فليس هناك ما يشير إلى أنه لا يمكنك أن تعيش حياة سعيدة مترافقة بشعور ضئيل من الوحدة.
وأوضحت هاوكلي، أنه مثلما أنّ العزلة لا تعني بالضرورة الشعور بالوحدة، فإن التفاعل لا يساوي الإشباع بالنسبة للجميع.
وتابعت: "يمكن للناس أن يُحاطوا بآخرين ويشعرون بالوحدة، أو يمكن أن يفضّلوا العزلة إلى حد كبير ولا يشعرون بالوحدة".
لماذا أشعر بالوحدة وأنا محاط بآخرين؟
ولفتت بيريسينوتّو إلى أنه قد "يكون لديك علاقات اجتماعية واسعة، ورغم ذلك تشعر بالوحدة على نحو كبير".
وشرحت هاوكلي أنّ هناك ثلاثة أنواع أساسية من التواصل، يمكن أن ينبثق الشعور بالوحدة عن أي منها، وهي:
الأول: يسمى الاتصال الحميم، عندما يكون شخص ما، مثل الشريك الرومانسي قريبًا منك لدرجة أن جزءًا من هويتك يصبح متداخلًا بهويته.
الثاني: يُعرف بالاتصالات العلائقية، وقوامها الأساس العلاقة مع الأصدقاء المقربين الذين تثق بهم.
والثالث، الاتصال الجماعي، أو تلك التفاعلات التي تجعلك تشعر بأنك جزءًا من المجتمع.
وقالت بيريسينوتّو إنه من المهم تحديد أي نوع من فقدان الاتصال الذي يسبّب شعورك بالوحدة، ثمّ عليك بعد ذلك تقويم جودة تلك العلاقات.
ولفتت بيريسينوتّو إلى أنها تعتقد "أنّ هذه بعض الأشياء الملموسة حقًا التي عليك طرحها على نفسك، مثل: هل هذه العلاقة قيّمة بالنسبة لي؟ هل أشعر من خلالها بالتقدير؟ هل يحفّزني ذلك على الشعور بأن لديّ غاية، ويشعرني بالتالي أنّني في حالة جيدة"؟
وبعد تحديد نوع الاتصال الذي تتوق إليه في العلاقات وجودتها، تكون قد أنجزت خطوة أولى مهمة، لكن كيف تتصرّف تاليًا يعتمد كليًا على سياقك المحدّد.
وأوضحت بيريسينوتّو أنه لا وجود لقياس واحد يناسب الجميع، مشيرةً إلى أنّه "بالنسبة لبعض الناس، فإن وجود علاقة عميقة وذات مغزى مع شخص واحد أمر بالغ الأهمية لإرضاء مشاعر الاتصال هذه، لكن بالنسبة لآخرين، فيمكن أن يكون الاتصال مع شخص غريب هو الهدف المنشود".
أما إجراء محادثة عميقة مع شخص غريب في حانة بالمطار، أو الاتصال بصديق قديم، أو بناء المزيد من الثقة والانفتاح مع شريكك، كلها وسائل تخفّف من مشاعر الوحدة.
ويعتبر الخبراء أنه حتى التحدث على نحو عام أو خاص عن الوحدة، يُعد إحدى وسائل مكافحتها.