عدس الماء: من نبات ضار إلى وقود أخضر

مروة الاسدي

2023-02-23 05:32

كان عدس الماء يعتبر - ولفترة طويلة - من النباتات الضارة التي يتعين مكافحتها. وهاهم الباحثون يكتشفون أن هذا النبات بالذات يمكن أن يكون مصدرا للوقود الحيوي النظيف وبكميات كبيرة نظرا لما يتميز به عدس الماء من سرعة نمو.

لا يحب أصحاب البرك وأحواض تربية السمك رؤيته: إنه عدس الماء الذي يتكاثر بسرعة كبيرة خلال وقت قصير جدا ليغطي كامل سطح الماء ويحول بركة أسماك الزينة أو حوض تربية الأسماك إلى ما يشبه مرجا أخضرا. وعلى الرغم من أنه كان يعتبر سابقا من الأعشاب الضارة أصبح عدس الماء، الذي يسمى أيضا غذاء البط، في أوساط الخبراء يُعد مصدرا للطاقة الخضراء.

المميز في هذه النباتات هو أنه يمكن إنتاج الوقود الحيوي منها بطريقة صديقة للبيئة – دون الحاجة إلى الأراضي الزراعية، وهذه الأخيرة يمكن توفيرها لإنتاج الغذاء.

يميز علماء النبات بين 37 نوعا مختلفا ضمن عائلات عدسيات الماء. ويؤكد عالم الأحياء كلاوس أبينروت، الذي يبحث في مجال عدسيات الماء منذ 35 عاما في جامعة فريدريش شيلر في مدينة يينا الألمانية، مدى تحمسه الشديد لعدس الماء. ويقول: "عندما أبدأ تجربتي بغرام واحد من هذا النبات، وأجعله ينمو في المختبر في ظل ظروف مثالية، فإنه ينتج لدي من ذلك الغرام الواحد 20 غراما خلال سبعة أيام". ثم يضيف أبينروت: "إنه شيء يكاد يكون مستحيلا مع نباتات أخرى".

في الواقع، فإن عدس الماء هو الأسرع نموا بين النباتات المزهرة في العالم – ومن أسرع الأنواع على الإطلاق نوع اسمه "وولفيا ميكروسكوبيا" (Wolffia microscopica). هذا النوع من عدسيات الماء الذي تعود أصوله إلى قارة آسيا يضاعف نفسه كل 30 ساعة تقريبا. ولو أن هذا النبات لم يكن من النباتات التي تنمو على الماء فقط، لغطىّ الكرة الأرضية بالكامل في غضون حوالي أربعة أشهر.

عدس الماء كمورد للطاقة، هذه القدرة الهائلة على التكاثر جعلت عدس الماء مثيرا للاهتمام ليس فقط بالنسبة لعلماء النبات. إذ يمكن بفضل هذا النبات تغطية جزء من احتياجات الطاقة في العالم، لأن عدس الماء يحتوي على الكثير من النشا، الذي يعتبر بدوره مادة أساسية لإنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول. وهذا ما يوضحه كلاوس أبينروت: "عندما أجعل النشا يتحلل، فإني أحصل على السكر وهذا السكر يمكنني تخميره ليتحول إلى إيثانول". ويمكن أيضا زيادة محتوى النشا في عدس الماء: عندما يوضع عدس الماء الذي تقطفه في مياه فقيرة بالمواد الغذائية، فإن العدس سيتوقف عن النمو. والسكر الذي ينتج عن عملية التركيب الضوئي سيتم بالتالي تخزينه على شكل نشا. بعدها يتم تجفيف عدس الماء ثم طحنه وخلطه مع أنزيمات. لينتج في نهاية المطاف السكر الذي يتم تحويله عبر عملية تخمر إلى إيثانول – وهذا هو الوقود الحيوي.

ولا يحتاج إنتاج هذا النوع من الوقود الحيوي إلى التضحية بمساحة هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة – كما هو الحال غالبا مع الأنواع الأخرى الصالحة لإنتاج الوقود الأخضر، وبالتالي إلى الاستغناء عن مساحات كبيرة ضرورية لإنتاج الغذاء. وهذا ما أدى في عام 2007 إلى اضطرابات في المكسيك مثلا، التي ارتفعت فيها أسعار الذرة – الغذاء الرئيسي – بشكل غير مسبوق، لأن قسما كبيرا من محصول الذرة تم تحويله إلى وقود حيوي في خزانات السيارات، بدلا من أن يكون على مائدة الطعام. مثل هذه الإشكالية غير موجودة مع عدس الماء.

وينتج عدس الماء كميات أكبر من الوقود الأخضر مقارنة بالذرة، كما يقول البروفيسور أبينروت: "الضعف عل الأقل". كما يمكن لعدس الماء أن يوفر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المخصصة للرعي وإنتاج علف الحيوانات، لأنه يمكن استخدام هذا العدس كعلف للحيوانات. وهذا حقيقي، لأن عدسيات الماء ليست غنية بالنشا فقط، ولكن بمحتوى كبير من البروتين أيضا، ما يجعله نباتا مثيرا للاهتمام: فهو يعتبر غذاء مثاليا للأغنام والماعز والخنازير وأيضا للدجاج البيّاض وحتى للسمك.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن نبات عدس الماء له فائدة أخرى: إنه ينظف المياه بطريقة طبيعية وغير معقدة. وكما هو معروف فالزراعة الحديثة تعتمد على استخدام الأسمدة الطبيعية التي تتجمع في البحيرات والبرك المحلية. "وهذا يعني، أننا نتسبب في تلويث المياه باستمرار عندما نتبع أسلوب الزراعة المكثفة"، كما يوضح كلاوس أبينروت. عدس الماء هو الوسيلة الناجعة لتتعامل مع هذه المركبات من النيتروجين والفوسفور. ولكن حتى عدس المياه لا يمكنه فعل شيء مع المياه الملوثة ب بالسموم والمعادن الثقيلة.

في الماضي، كانت عدسيات المياه ولعدة عقود – وخاصة في أوروبا – تعتبر من الأعشاب الضارة. وبدلا من استكشاف فائدتها، كان الاهتمام منصبا على كيفية التخلص منها في البحيرات وعند السدود. فقط في السنوات الأخيرة، التفتت البحوث العلمية إلى فوائد عدس الماء. وتعتبر الصين أكثر الدول تطورا في هذه البحوث، فهناك تجارب فعلية على نطاق واسع لزراعة عدس المياه بكميات كبيرة.

وفي المناطق الأكثر دفئا من العالم مثل جنوب الصين يمكن زراعة وحصاد عدس الماء على مدار العام، ما يجعل هذه الزراعة اقتصادية للغاية. ولكن حتى في ألمانيا الباردة نوعا ما هناك إمكانية للزراعة على مدار العام. هذا المجال يبدو مجالا واعدا، ونوع من العلوم بات يلقى اهتماما خاصا من الجامعات ومراكز الأبحاث.

آفاق واعدة للتغذية بعدس الماء

قال علماء في ألمانيا إن بعض أنواع عدس الماء الآسيوي قد يكون لها مستقبل عالمي كمصدر للبروتين في التغذية البشرية، وعدس الماء هو نبات مائي ضئيل الحجم من دون جذور، وهو يطفو على السطح أو أسفل الأجسام الساكنة أو البطيئة الحركة في المياه العذبة أو الأنها، ويبحث علماء التغذية في جامعة ينا الألمانية إلى جانب زملاء في أماكن أخرى في ألمانيا وفي الهند أيضا، ما إذا كان يتعين على بقية العالم الانتباه على نحو أكبر للأنواع المختلفة من عدس الماء، وما الإمكانيات المحتملة التي يحتوي عليها بوصفه مصدرا للغذاء الإنساني. ونشرت نتائج أبحاثهم في مجلة "جورنال فود كيميستري" ومقرها أمستردام.

وقال العلماء إن محتوى عدس الماء من البروتين يضاهي البروتين الموجود في الترمس وبذور اللفت والبازلاء حيث تبلغ نسبة البروتين 30% من وزنه المجفف. إضافة إلى أنه يحتوي على أحماض أوميغا 3 الدهنية المفيدة.

وأظهرت اختبارات العلماء أن أكثر الأنواع الواعدة من عدس الماء هي "ولفيا جلوبوزا" (wolffia globose) البيضاوية الشكل التي يقولون إن مذاقها يشبه مذاق البازلاء، وتعرف باسم ووترميل ( watermeal)، وتوجد في المناطق الدافئة بآسيا حيث تقدم حاليا كحساء وطبق خضار جانبي أو بيض مقلي، ومن الاستخدامات الأخرى المحتملة هي مشروبات السموثي أو السلع المخبوزة الخالية من الغلوتين خاصة في أجزاء من العالم حيث يتناول الناس الكثير من الخبز.

عدس الماء والوقود الحيوي

اكتشف العلماء طريقة لاستخلاص كميات وفيرة من الزيت من نبات «عدس الماء» الذي يعد واحداً من أسرع النباتات المائية نمواً في الطبيعة، قد يمثل تحويل هذا الزيت النباتي إلى وقود الديزل الحيوي، واستخدامه في أغراض النقل والتدفئة جزءاً كبيراً من مستقبل أكثر استدامة.

وفي دراسة جديدة نشرت في دورية «بلانت بيوتكنولوجي جورنال»، قام الباحثون بتعديل «عدس الماء» جينياً لإنتاج كمية تعادل سبعة أضعاف الزيت الذي ينتجه الفدان الواحد من فول الصويا، وهو النبات الأكثر استخداماً في الوقت الحالي لإنتاج وقود الديزل الحيوي.

وذكر جون شانكلين اختصاصي الكيمياء الحيوية في مختبر بروكهافن الوطني، التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن إجراء مزيد من الأبحاث قد يضاعف إنتاج زيت «عدس الماء» المعدّل جينياً خلال السنوات القليلة المقبلة.

وخلافاً للوقود الأحفوري الذي تكوّن في باطن الأرض على مدار مئات الملايين من السنين، يتجدد الوقود الحيوي بمعدل أسرع من معدل استخدامه. والجدير بالذكر أن الوقود المصنوع من الزيوت النباتية الجديدة والمستعملة، والدهون الحيوانية والطحالب، يُخلِّف بصمة كربونية أقل من البصمة الكربونية التي يخلّفها الوقود الأحفوري، تبعاً لطريقة استخلاصه، لكنه لاقى ردود أفعال غاضبة في الآونة الأخيرة، ولعل ذلك يعزى جزئياً إلى استغلال العديد من المحاصيل حالياً لإنتاج الطاقة بدلاً من الغذاء؛ إذ يعتمد إنتاج الوقود الحيوي على أكثر من مئة مليون فدان من الأراضي الزراعية في العالم.

ويعد «عدس الماء» المنتشر في كل القارات عدا القارة القطبية الجنوبية، من النباتات الأكثر إنتاجية في العالم للفدّان الواحد، ويشير الباحثون إلى أنه قد يمثل مصدراً محورياً للطاقة المتجدِّدة لأسباب رئيسية، لعل أولها أنه ينمو بسهولة وسرعة في المياه، فلا يتنافس مع المحاصيل الغذائية على الأراضي الزراعية الخصبة.

ويمكن أن ينمو «عدس الماء» في المناطق الملوّثة زراعياً مثل مزارع الدواجن، وقد يسهم في التخلّص من النيتروجين والفوسفور الذي تطلقه هذه المزارع في المياه، وتوصل شانكلين وفريقه البحثي إلى طريقة للتغلب على عقبة أساسية تتعلق بالتكنولوجيا الحيوية الرئيسية. وعادة ما تستهلك النباتات المعدّلة جينياً الكثير من الطاقة لإنتاج الزيت، وبالتالي تتوقف عن النمو، ويوضح شانكلين في الدراسة الجديدة أن الباحثين أضافوا جيناً منتِجاً للزيت يكون معطلاً في البداية، ثم يتم تشغيله مثل مفاتيح الإنارة عن طريق إدخال جزيء معين، فقط عند اكتمال نمو النبات.

عدس الماء قد يصبح مصدرًا للبروتين للإنسان

بعض أنواع عدس الماء الآسيوية التي يتم حصدها للاستخدام في الصابون وبيض الأومليت قد يكون لها مستقبل عالمي بوصفها مصدرا للبروتين في التغذية البشرية. ويذكر أن عدس الماء نبات مائي ضئيل الحجم من دون جذور يطفو على السطح أو أسفل الأجسام الساكنة أو بطيئة الحركة في المياه العذبة أو الأهوار.

ويبحث علماء التغذية في جامعة ينا إلى جانب زملاء في أماكن أخرى في ألمانيا وفي الهند أيضا، فيما إذا كان يتعين على بقية العالم الانتباه على نحو أكبر للأنواع المختلفة من عدس الماء، وما الإمكانات المحتملة التي يحتوي عليها بوصفه مصدرا للغذاء الإنساني.

وقال العلماء إن محتواه من البروتين يضارع البروتين الموجود في الترمس وبذور اللفت والبازلاء؛ حيث تبلغ نسبة البروتين فيها 30 في المائة من الوزن المجفف، إضافة إلى أنها تحتوي على أحماض أوميجا 3 الدهنية المفيدة.

وأظهرت اختبارات العلماء أن أكثر الأنواع الواعدة من عدس الماء هي «ولفيا جلوبوزا» (wolffia globose) بيضاوية الشكل، التي يقولون إن مذاقها يشبه البازلاء. وتعرف باسم ووترميل (watermeal) وتوجد في المناطق الدافئة بآسيا حيث تقدم حاليا كحساء وطبق خضار جانبي أو بيض مخفوق.

ومن الاستخدامات الأخرى المحتملة مشروبات السموثي أو السلع المخبوزة الخالية من الجلوتين، خصوصا في أجزاء من العالم حيث يتناول الناس كثيرا من الخبز.

ويتضاعف هذا النبات بسرعة هائلة لدرجة أنه خلال فترة قصيرة يمكن أن يغطي سطحا كاملا من مجرى مائي. وهناك الآن منشآت تجريبية في إسرائيل وهولندا تنتج النبات على نطاق صناعي، بحسب العلماء. ونشرت نتائج أبحاثهم في مجلة «جورنال فود كيميستري» ومقرها أمستردام.

ليست كل خضرة على وجه الماء تلوّثاً

عملت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أخيراً، على تعزيل حوض انان من الاعشاب المائية والبلوم الكثيف الذي يعيق جريان المياه نحو المحطة الكهرومائية (بولس ارقش) وريّ الاراضي في نطاق وادي بسري. وقد بينت دراسة لعيّنات من المياه والنباتات أُخذت من البحيرة وجود نوع منها ينتمي الى النباتات الزهرية العليا Angiosperm يعرف بـ «عدس المياه». وجود هذا النوع من النباتات الزهرية يعتبر ظاهرة طبيعية في المستنقعات المشبعة بالمواد الملوثة كالنيترات والفوسفات والمعادن الثقيلة. ولكن ما هي مضارّه وفوائده؟

بيّنت دراسة بيولوجية للاحياء الموجودة في بركة أنان وجود نوع واحد فقط من «عدس الماء» (الاسم العلمي Lemna minor وبالفرنسية lentille d’eau). فيما خلت من الطحالب او السيانوبكتيريا المسمّة الموجودة بكثافة في بحيرة القرعون، حيث قضت على الحياة البيئية فيها. علماً أن مياه البركة، في هذا الوقت من العام، مياه متجددة، فيما كانت السنة الحالية مطرية بامتياز. لذلك، ينبغي لمزيد من الدقة، متابعة الدورة السنوية المتكاملة. وإلى بركة أنان، ينمو «عدس الماء» في بحيرة اليمونة أيضاً.

يتكاثر «عدس الماء» بسرعة وخلال وقت قصير، وهو الأسرع نمواً بين النباتات المزهرة في العالم. ويمكنه أن يغطي كامل سطح الماء ويحوّل المسطّحات المائية إلى ما يشبه مرجاً أخضر. وبعدما كان يعتبر سابقاً من الأعشاب الضارة، أصبح اليوم من النباتات المفيدة، إذ أنه غذاء للطيور والاسماك. وبالنسبة الى العديد من الخبراء، يُعد مصدراً للطاقة الخضراء. والمميز في هذه النباتات أنها منتج للوقود الحيوي biodisel بطريقة صديقة للبيئة، ومن دون حاجة إلى الأراضي الزراعية.

يميز علماء النبات بين 37 نوعاً ضمن عائلة عدس الماء. ويؤكد عالم الأحياء كلاوس أبينروت، الذي يبحث في هذا المجال منذ 35 عاما في جامعة فريدريش شيلر الألمانية، أن تجاربه المخبرية أثبتت أن غراماً واحدا من هذا النبات، في ظل ظروف مثالية، ينتج 20 غراماً خلال سبعة أيام، لافتاً إلى انه «أمر يكاد يكون مستحيلا مع نباتات أخرى». وتتميز هذه النبتة بأنها تضاعف نفسها كل 30 ساعة تقريبا. ويؤكد العلماء أنه لو كانت هذه النبتة تنمو على غير الماء لكانت غطّت الكرة الأرضية تماماً خلال أربعة أشهر فقط.

هذه القدرة الهائلة على التكاثر جعلت «عدس الماء» مثيرا للاهتمام، ليس بالنسبة لعلماء النبات فقط. وإنما أيضاً لإمكان أن يغطّي جزءاً من احتياجات الطاقة في العالم. إذ تحتوي هذه النبتة على الكثير من النشاء الذي يعتبر مادة أساسية لإنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول. ويوضح أبينروت أن تحلّل النشاء يحوّله إلى سكر يمكن تخميره ليتحول إلى إيثانول. إلى ذلك، يمكن زيادة محتوى النشاء في هذه النبتة بوضعها بعد قطفها في مياه فقيرة بالمواد الغذائية، إذ يتوقف العدس عن النمو. أما السكر الذي ينتج عن عملية التركيب الضوئي فيتم تخزينه على شكل نشاء. بعدها يُجفّف العدس ثم يطحن ويخلط مع أنزيمات.

ولهذه النبتة فائدة أخرى. إذ أنها تنظف المياه بطريقة طبيعية وغير معقدة بسبب قدرتها على امتصاص النيتروجين والفوسفات اللذين يشكلان أهم مصادر التلوث، باستثناء المياه المشبعة بالسموم التي تفرزها السيانوبكتيريا والمعادن الثقيلة كما هي حال بحيرة القرعون. كما أن هناك امكانية للاستفادة من الكتلة الحيوية عند جرف البلوم وتجفيفه ومن ثم استخدامه كسماد طبيعي.

كان عدس الماء، لعقود عدة (خصوصاً في أوروبا)، يعتبر من الأعشاب الضارة، وكان الاهتمام ينصبّ على كيفية التخلص منه في البحيرات. إلا أن ذلك تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ بات يلقى اهتماماً خاصاً من الجامعات ومراكز الأبحاث كنوع من الزراعة الواعدة. وتعتبر الصين، اليوم، أكثر الدول تطورا في إجراء تجارب فعلية لزراعته بكميات كبيرة. ويمكن، في المناطق الأكثر دفئاً، زراعة عدس الماء على مدار العام، ما يجعله زراعة اقتصادية للغاية. وفي ألمانيا، الباردة نوعا ما، باتت هناك إمكانية أيضاً لزراعته على مدار العام.

وتؤكد الأبحاث العلمية أن بعض أنواع عدس الماء الآسيوية قد يكون لها مستقبل عالمي كمصدر للبروتين في التغذية البشرية. اذ تحتوي على 30 - 50% من البروتين وعلى منافع طبية واستشفائية لاحتوائها على فيتامينات متعددة ومعادن كالحديد والزنك، إضافة إلى احماض اوميغا 3 الدهنية المفيدة. ويبحث علماء التغذية في جامعة «ينا» إلى جانب زملاء في أماكن أخرى في ألمانيا، وفي جامعات هندية أيضا، ما إذا كان يتعين على بقية العالم الانتباه على نحو أكبر للأنواع المختلفة من عدس الماء، والى الإمكانيات المحتملة التي يحتوي عليها كمصدر للغذاء الإنساني. إذ يؤكد العلماء إن محتواه من البروتين يضارع البروتين الموجود في الترمس وبذور اللفت، والبازلاء.

إنتاج الوقود الأخضر

اكتشف العلماء طريقةً لاستخلاص كميات وفيرة من الزيت من نبات عدس الماء الذي يُعد واحدًا من أسرع النباتات المائية نموًّا في الطبيعة، قد يُمثل تحويل هذا الزيت النباتي إلى وقود الديزل الحيوي واستخدامه في أغراض النقل والتدفئة جزءًا كبيرًا من مستقبلٍ أكثر استدامة.

في دراسة جديدة نُشرت في دورية «بلانت بيوتكنولوجي جورنال» Plant Biotechnology Journal، قام الباحثون بتعديل عدس الماء جينيًّا لإنتاج كمية تُعادل سبعة أضعاف الزيت الذي يُنتجه الفدَّان الواحد من فول الصويا، وهو النبات الأكثر استخدامًا في الوقت الحالي لإنتاج وقود الديزل الحيوي، ذكر جون شانكلين -اختصاصي الكيمياء الحيوية في مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية والباحث الرئيسي في الدراسة- أن إجراء المزيد من الأبحاث قد يُضاعف من إنتاج زيت عدس الماء المُعدل جينيًّا خلال السنوات القليلة المقبلة، تجدُر الإشارة في هذا الصدد إلى أن شانكلين وفريقه البحثي أجروا هذه الدراسة بالتعاون مع الباحثين في مختبر كولد سبرينج هاربور في نيويورك.

خلافًا للوقود الأحفوري الذي تكوَّن في باطن الأرض على مدار مئات الملايين من السنين، يتجدد الوقود الحيوي بمعدل أسرع من معدل استخدامه، الجدير بالذكر أن الوقود المصنوع من الزيوت النباتية الجديدة والمستعملة، والدهون الحيوانية والطحالب، يُخلِّف بصمةً كربونيةً أقل من البصمة الكربونية التي يُخلفها الوقود الأحفوري، تبعًا لطريقة استخلاصه، لكنَّه لاقى ردود أفعال غاضبة في الآونة الأخيرة، ولعل ذلك يُعزى جزئيًّا إلى استغلال العديد من المحاصيل حاليًّا لإنتاج الطاقة بدلًا من الغذاء؛ إذ يعتمد إنتاج الوقود الحيوي على أكثر من مئة مليون فدان من الأراضي الزراعية في العالم.

يُعدُّ عدس الماء، المنتشر في كل القارات عدا القارة القطبية الجنوبية، من النباتات الأكثر إنتاجيةً في العالم للفدان الواحد، يُشير الباحثون إلى أنَّه قد يُمثل مصدرًا محوريًّا للطاقة المتجدِّدة لثلاثة أسباب رئيسية، لعل أولها أنه ينمو بسهولة وسرعة في المياه، فلا يتنافس مع المحاصيل الغذائية على الأراضي الزراعية الخصبة، ثانيًا: يمكن أن ينمو عدس الماء في المناطق المُلوَّثة زراعيًّا مثل مزارع الخنازير والدواجن، وقد يسهم في التخلص من النيتروجين والفوسفور الذي تُطلقه هذه المزارع في المياه.

ثالثًا: توصل شانكلين وفريقه البحثي إلى طريقة للتغلب على عقبة أساسية تتعلق بالتكنولوجيا الحيوية الرئيسية؛ فوفقًا لريبيكا روستون، اختصاصية الكيمياء الحيوية في جامعة نبراسكا-لينكون، والتي لم تُشارك في الدراسة، عادةً ما تستهلك النباتات المُعدَّلة جينيًّا الكثير من الطاقة لإنتاج الزيت، وبالتالي تتوقف عن النمو. يوضح شانكلين في الدراسة الجديدة أن الباحثين أضافوا جينًا مُنتِجًا للزيت يكون مُعَطَّلًا في البداية، ثم يتم تشغيله مثل مفاتيح الإنارة عن طريق إدخال جزيء معين، فقط عند اكتمال نمو النبات.

تقول روستون إن هذه العملية "نجحت للغاية، وإذا تكررت مع أنواع أخرى -ولا يوجد ما يمنع ذلك- فقد نتغلب على واحدة من أكبر المشكلات التي نواجهها، ألا وهي كيفية إنتاج المزيد من الزيت في المزيد من النباتات دون التأثير سلبًا على نموها".

لتوسيع نطاق الإنتاج إلى المجال الصناعي، سيحتاج العلماء إلى تصميم أوعية كبيرة الحجم وإنتاجها؛ لزراعة النباتات المُعدَّلة جينيًّا واستخلاص الزيت منها، الأمر الذي يُمثل تحديًا على حد قول شانكلين؛ لأن عدس الماء محصول غير رئيسي يفتقر إلى الكثير من البنية التحتية.

ذات صلة

الإعلام المعادي وتهاون المؤمنينإعادة بناء قبور البقيع.. إشاعة لروح التعايش بين المسلمينمعالم منهجية التوجيه الثقافي في فكر الإمام الشيرازيتداعيات الرد الإيراني على إسرائيلهدم البقيع جريمة لا تنسى