من مفاتيح السعادة في القرآن: الشكر لله بين الثواب والزيادة

آلاء هاشم القطب

2015-07-14 03:20

في بيان إلهي صريح في آية مباركة انزلت على قلب الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قال فيها رب العزة: "لئن شكرتم لأزيدنكم" ومعنى الآية المباركة ان لئن شكرتم واطعتموني لأزيدنكم في النعمة.

واعتبر فيها الشكر طريق للبركة والزيادة وهو هدف المؤمن، وما يبتغيه وطريق لتحقيق اهدافه ومبتغاه.

لقد وردت كلمة الشكر ومشتقاتها في القرآن الكريم 75 مرة وتكرار هذه الكلمة دلالة على عظمتها البالغة لذلك يجب ان نعرف معناها.

ان الشكر في اللغة عرفان النعمة واظهارها والثناء لها.

وشكر الله يعني حمدهُ، ذَكر نعمته وأثنى عليه. والشكور من صفات الله عزوجل ومعناها المُثيب والمُنعم. وقد وردت هذه الكلمة على لسان الأنبياء وكانت صفة ملازمة لهم.

فابتداءا بأبي البشر آدم (عليه السلام) ففي حقه وحق امنا حواء نزلت الآية المباركة "لما اثقلت دعوا الله ربهما لئن اتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين".

وفي حق النبي ابراهيم (عليه السلام): "شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه الى صراط المستقيم".

وفي حق النبي نوح (عليه السلام) "انه كان عبدا شكورا".

وفي حق النبي سليمان (عليه السلام) "رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي".

وفي حق النبي موسى (عليه السلام) "ياموسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ".

وهكذا جميع الانبياء كانوا حامدين لله تعالى شاكرين لفضله عليهم فيذكر ان النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قام حتى تورمت قدماه فقيل له "غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر" قال (صلى الله عليه وله وسلم) "افلا اكون عبدا شكورا" وهذا الكلام من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) دليل على قيمة وعظمة الشكر لله.

كيف يكون الشكر؟

1- معرفة النعمة واليقين بانها من الله عز وجل: فكل شخص منا يمتلك العديد من النعم ولكن هذه النعم لا يشكر الله عليها لأنه اعتاد على وجودها قال تعالى "وقليل من عبادي الشكور".

فنعمة السمع والبصر والنطق والصحة والاولاد وغيرها، فاعتدنا عليها حتى أصبح القلة القليلة منا يذكر فضل الله علينا بها ولكن ماذا يحصل لو حرمنا منها؟

يذكر ان شخص له من العمر ثمانون عاما، اصيب بالعمى واستدعى ذلك اجراء جراحة ليرد اليه بصره، فذهب الى الهند وأجريت له عملية جراحية لعينه، وعندما شفي اعطى له الطبيب ورقة مكتوب بها تكلفة العملية، فبكى الرجل المسن فقال له: الطبيب لماذا تبكي؟ هل كلفتك العملية كثيرا؟ أو انت لا تملك المال؟ فقال الرجل: كلا ولكن اعطاني الله نعمة البصر لثمانين عاما دون مقابل حتى نسيت ان احمده واشكره عليها وها انا ادفع هذا الثمن الباهظ لاسترجاعها لما بقي من عمري.

2- شكر الله على هذه النعمة باللسان: وذلك عبر عدة طرق اهمها وافضلها سجدة الشكر فلها فضل كبير وتأثيرها عظيم عن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم): ان العبد اذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الله تعالى الحجاب بين العبد وربه فيقول يا ملائكتي انظروا الى عبدي ادى فريضتي واتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما انعمت عليه، يا ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الله تعالى ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك، فيقول الله تعالى ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاه ما همه، فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لاعلم لنا فيقول الله تعالى: "لأشكرنه كما شكرني، وأقبل اليه بفضلي وأريه رحمتي".

كذلك لصلاة الشكر او ترديد الشكر لله أو قول شكرا لله.

3- ان لا تجعل هذه النعمة لك وحدك: بل تسخرها في خدمة الناس لتنال رضا الله عزوجل فلو امتلك من احدا نعمة العلم فحمده لله وشكره على هذه النعمة لا يقتصر على لفظ الشكر، بل يجب عليه نشر هذا العلم وتعليمه للناس لتعم الفائدة له ولغيره، فعندما يمتلك أحدنا نعمة لكي يأمن بقاؤها يجب: أولا ان لا يكون متفردا بها. وثانيا: ان يبتعد عن مظاهر التكبر لان كل نعمة باقية بإذن الله ولو يشاء الله عزوجل أذهبها.

واهل البيت (عليهم السلام) خير مثال على كيفية الاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها وتسخيرها فكانوا يدأبون على نشر علومهم ومواعظهم للناس.

فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: احسنوا جوار النعم، قلت: وما حسن جوار النعم؟ قال (عليه السلام): "الشكر لمن انعم بها واداء حقها".

وعن ابي عبد الله الحسين عليه السلام "ثلاث لا يضرهن شيء الدعاء عند الكرب والاستغفار على الذنوب والشكر عند النعمة".

يرتبط شكر الانسان لله تعالى بالإيمان فكلما كان الشخص مؤمن بالله تعالى كلما ازداد شكرا لله على نعمه في السراء والضراء.

فهذا النبي ايوب على نبينا وعليه السلام عندما تسلط الشيطان على ابناءه ورقيقه ولم يترك له شيء غير غلام واحد وزوجته فاتاه الغلام فقال: يا ايوب ما بقي من ابلك شيء، ولا من رقيقك أحد الا وقد مات، فقال ايوب (عليه السلام): الحمد لله الذي اعطاه والحمد لله الذي اخذه.

فاتاه الغلام مرة ثانية فقال: قد مات خيلك فلم يبقى منها شيئا الا هلك. فقال ايوب: الحمد لله الذي اعطاه والحمد لله الذي اخذه.

وكذلك عندما أخبره ببقره وغنمه ومزارعه وارضه واهله وولده، وهو يقول الحمد لله الذي اعطى والحمد لله الذي اخذ حتى مرض مرضا شديدا وهو يشكر الله ويحمده.

لذلك لنجعل من شكر الله هدفا لنجاتنا وللتوفيق ولنيل السعادة بكلمات وافعال لا تستغرق شيئا ووقتا طويلا لكي نفوز برضا الرحمن اولا ولكي يبارك الباري بالنعمة التي اعطاها ويمنن علينا بالزيادة فيها لأنه تعالى قال: "ولئن شكرتم لأزيدنكم "ونحن نعلم بان الله لا يخلف الميعاد".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي