إعادة بناء النفس وبرمجة الشاكلة
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه (4)
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2018-12-02 05:46
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا * وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً)(1).
البحث في الآية الكريمة يدور أولاً حول بعض البصائر القرآنية الكريمة ثم يتمحور ثانياً حول كيفية برمجة الشاكلة وصناعتها.
المدار في (الفضل) و(الأجر) العمل أم الشاكلة؟
المحور الأول: ويتضمن مسائل ثلاث:
الأول: هل المدار في (الفضل) العمل أم الشاكلة؟
الثانية: هل المقياس في (الأجر) العمل أم الشاكلة؟
الثالث: هل المرجع في (الطريق الأقوم) العمل أو الشاكلة؟
والفضل قائم بذيه، والأجر خارج عن ذاته، وأقومية الطريق سبيله، فهي من وِديان ثلاثة مختلفة.
فلو تعارضت الشاكلة مع الأعمال، كما لو كانت الشاكلة خبيثة والأعمال صالحة أو العكس بان كانت الشاكلة طيبة والأعمال خبيثة فايهما الأفضل؟ وأيهما ذو الأجر الأعظم(2) وايهما سبيله أقوم؟
وللمسائل الثلاث صورتان: الأولى عقائدية، والثانية: أخلاقية اجتماعية.
فعلى المستوى العقائدي يجري البحث عن ان المسلم أو المؤمن إذا ساء عمله، والمخالف أو الكافر إذا حسن عمله، فايهما الأفضل عند الله تعالى؟ وايهما الأحب إليه؟ وايهما الأرجح ميزاناً؟ وايهما الأقوم سبيلاً؟
وعلى المستوى الأخلاقي والاجتماعي يقع البحث في ان ذا الشاكلة الخبيثة كالحسود أو الحقود إذا لم تبدر منه أية بادرة عملية بغيضة تجاه المحسود بان سيطر على جوارحه تماماً، هل هو الأفضل أم سليم النفس الذي يحبك ولكنه يؤذيك أحياناً أو باستمرار لسبب أو آخر(3).
وهذا البحث على كلا مستوييه من البحوث الهامة التي ترتبط ببحث الشاكلة والأعمال، ولعلنا نوفق للإجابة – مستقبلاً – على ذلك على ضوء التدبر في الآية الشريفة (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) وسائر الآيات والروايات ذات الصلة بالبحث.
برمجة الشاكلة وصناعتها
المحور الثاني: ان الشاكلة ليست أمراً لا اختيارياً محضاً، بل هي أمر اختياري إما في أصلها أو في بعض مراتبها ودرجاتها أو في بعض تجلياتها، وعلى أي فان الانبعاث عنها ليس قسرياً، كما سبقت الإشارة إليه، بل هي دافع اقتضائي قوي تارة، وضعيف تارة أخرى نحو الأعمال المتسانخة مع الشاكلة.
والعوامل التي تؤثر في صناعة الشاكلة كثيرة نشير الآن إلى بعضها بإيجاز وهي: الحادثة، الهيئة، والظاهرة.
أ- الحوادث مفردات في طريق تغيير الشواكل:
إن كل حادثة وإن بدت هامشية ولم تستغرق إلا ثانية من الوقت مثلاً فقط فانها يمكن ان تكون مما يصنع الشاكلة أو مما يعيد تشكيلها وصناعتها، إضافة إلى ما للحادثة الواحدة في حد ذاتها من القيمة الإيجابية أو السلبية الكبيرة.. ولنضرب لذلك عدداً من الأمثلة:
أ- مسح رأس اليتيم.. فان هذه الحادثة على بساطتها قد تعيد بناء شاكلة الإنسان ليتحول، بالتدريج، إلى معدن للإيمان والحب لله وفي الله وإلى محطة متنقلة لخدمة الناس.
والروايات الواردة في فضل ذلك مما تذهل الإنسان حقاً.. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ تَرَحُّماً لَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))(4) وذلك ان القيامة مراحل ومنازل ومسالك مظلمة ومهالك، فكل نور إضافي فانه يشكل سلاحاً جديداً يدخل أرض المعركة لصالح الإنسان منيراً الطريق في أرض الأهوال والمخاطر والمهاوي والشعاب.
وورد أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ تَرَحُّماً بِهِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَةً))(5)
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِذَا بَكَى الْيَتِيمُ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ هَذَا الَّذِي أَبْكَى عَبْدِيَ الَّذِي سَلَبْتُهُ أَبَوَيْهِ فِي صِغَرِهِ؟ فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَارْتِفَاعِي فِي مَكَانِي، لَا يُسْكِتُهُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ إِلَّا أَوْجَبْتُ لَهُ الْجَنَّةَ))(6)
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((مَنْ أَنْكَرَ مِنْكُمْ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ فَلْيَدْنُ يَتِيماً فَيُلَاطِفَهُ وَلْيَمْسَحْ رَأْسَهُ يَلِينُ قَلْبُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ لِلْيَتِيمِ حَقّاً))(7)
ب- تقبيل يد العالم.
ج- تقبيل يدي الأبوين.
وتقبيل اليد ليس مجرد إعراب عن تقدير واحترام وإكبار وإجلال، بل انه رمز متجسد للمحبة والوفاء، وهو إلى ذلك مما يصنع الشاكلة النفسية للإنسان حيث ان هذا العمل المتجسد يوحي لا شعورياً إلى منطقة العقل اللاواعي بان العلم نور وان الأبوين رحمة وان العالم الصالح يجب ان يُقتدى به وان الأبوين يجب ان يُتّخذا ينبوع عطف وحنان، وانك كما تتعامل مع والديك يتعامل أولادك معك، وانك تستمطر رحمة الله بذلك.
د- تقبيل الأضرحة والعتبات وجدران المساجد والمشاهد المشرفة وشبه ذلك.. وهو كذلك إيحاء مركّز لمنطقة الوعي الباطن بان هذه مراكز طهر وتقوى ومعادن نور وإيمان وان أعمالك كلها يجب ان تصدر عن منطلقات إيمانية تتجانس مع روحانية العتبات المقدسة وقدسية المساجد والمشاهد وقد قال تعالى: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)(8).
هـ- الغضب، فان تفجر الغضب في دقيقة واحدة، حادثة واحدة لكنها قد تحرق مستقبل الإنسان كله، وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ فَمَا يَرْضَى أَبَداً حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ فَأَيُّمَا رَجُلٍ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ سَيَذْهَبُ عَنْهُ رِجْزُ الشَّيْطَانِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ غَضِبَ عَلَى ذِي رَحِمَ فَلْيَدْنُ مِنْهُ فَلْيَمَسَّهُ فَإِنَّ الرَّحِمَ إِذَا مُسَّتْ سَكَنَتْ)(9) أي انه قد يغضب من شريكه أو بعض أهله أو حتى من عدوه، فلا يسيطر على قوته الغضبية بل ينساق مع مقتضياتها فتجره من عنف إلى آخر أو من مؤامرة إلى أخرى حتى تدخله النار.. بل ان حالة غضب واحدة قد تدفعه دفعاً إلى اتخاذ موقف جنوني كخنق الطرف الآخر باليد أو تهشيم رأسه بالفأس أو برصاصة من مسدس أو شبه ذلك فيستحق بذلك الخلود في نار جهنم. قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها...)(10)
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ))(11)
وقال بعض علماء الأخلاق: (الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلّا أنها لا تطلع على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد، كما يستخرج الحجر النار من الحديد، وقد انكشف للناظرين بنور اليقين، أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين، فمن أسعرته نار الغضب، فقد قويت فيه قرابة الشيطان، حيث قال: (خَلَقتَنی مِن نارٍ وَخلَقتَه مِن طِینٍ) فمن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاستعار).
و- عطر الأجنبية، وتعطر المرأة لدى الخروج من المنزل بحيث قد يشم رائحتها الأجانب مبغوض لدى الله تعالى، ولا شك انها إذا قصدت إثارة الاغيار وكانت في معرض الفتنة والريبة كان تعطرها محرماً.
تأثير القهوة الحارة أو الباردة على تقييم الآخرين
وهذا التعطر مجرد حادثة لكنها تتسلل لا شعورياً إلى كوامن نفس الإنسان فتحوله بالتدريج إلى بهيمة شهوانية تركض وراء اللذة المحرمة لا سمح الله.
ولكي يعرف البعض منّا، ممن قد يستسخف ما يراه تهويلاً منّا للحوادث الصغيرة – فيما يراها هو – فلا بد ان ننقل التجربة العلمية الآتية التي أجراها علماء النفس في جامعة Yale حيث كشفت عن عمق تأثير الحوادث مهما كانت جانبية على قناعات الإنسان وتأثيرها على تقييمه للآخرين:
فقد قام العلماء بالتجربة التالية مراراً عديدة على طلاب متنوعين في إحدى المختبرات الحافلة بالعديد من الطلاب الزائرين بغرض التمرين والتدريب.. والتجربة تبتني على ان يجد الطلاب وهم في طريقهم إلى المختبر، في بعض الممرات، موظفاً يحمل كوباً من القهوة بيد ومجموعة من الأوراق والكتب باليد الأخرى وهي تكاد تتساقط منه، فيشير إلى أحدهم طالباً الإمساك بالكوب هنيئة ريثما يعدل من وضع الأوراق والكتب، وقد ابتنت التجربة على تنويع القهوة فتارة تكون ساخنة وأخرى باردة.. والغريب ان تقييم الطلاب الذين أمسكوا بكوب القهوة لذلك الموظف كان مختلفاً تماماً فالطلاب الذين أمسكوا كوب القهوة وكانت باردة في ذلك الشتاء البارد، كان تقييمهم للموظف بانه بارد انطوائي اناني.. والطلاب الذين أمسكوا كوب القهوة وكانت ساخنة كان تقييمهم للموظف إيجابياً وانه دمث الأخلاق اجتماعي لطيف.. والتحليل الذي وصل إليه العلماء هو ان كوب القهوة البارد في الشتاء أثّر في انكماش الطالب وتقلص عضلات يده بعض الشيء فسرى ذلك – رغم انه قد يبدو بسيطاً جداً – إلى تقييمهم للموظف نفسه.. اما من أمسك القهوة الساخنة فقد أحس بانتعاش فانعكس ذلك على تقييمه للموظف نفسه.. نظير ما ذكره علماء المنطق من تأثير قبح اللفظ أو جماله على قبح المعنى أو جماله.
والغريب ان بعض شبابنا عندما يستمع إلى مثل هذه التجربة من علماء النفس يراها فتحاً علمياً سيكولوجياً وأمراً مبرهناً علمياً لكنه عندما يسمح ان ((النَّظَرُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ...))(12) أو ان مسح رأس اليتيم كذا وتقبيل يد الوالدين كذا، يستبعد ذلك ويستغربه وقد يرفضه أو قد لا يهتم به أصلاً!
ب- الهيئات شوارع نحو تغيير الشواكل
واما الهيئات فهي أعظم تأثيراً من الحوادث في بعض الأحيان.. ولذلك ورد النهي عن التشبه بالمشركين والكفار.. وذلك لما للهيئات من التأثير..
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: ((أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ قُلْ لِقَوْمِكَ لَا تَلْبَسُوا لِبَاسَ أَعْدَائِي وَلَا تَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أَعْدَائِي وَلَا تُشَاكِلُوا بِمَا شَاكَلَ أَعْدَائِي، فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي))(13)
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ((إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ))(14).
ومن نماذج الهيئات:
1- قصَّات الشعر.. لقد انتشرت في المجتمع كالنار في الهشيم قصات الشعر الأجنبية من ألمانية وفرنسية وغيرها.. وليس الكلام عن حرمتها.. إنما الكلام عن تأثير هذه الهيئة في الشاكلة النفسية للأفراد.. فان تقمّص شكل الآخر مدعاة لتقمص خصاله وسائر عاداته وتقاليده.. وليس انتشار هذه القصات أمراً عفوياً، بل هو أمر مخطط له على أعلى مستويات مراكز صناعة القرار لدى الاستعمار؛ ذلك ان علماء النفس لديهم يعرفون جيداً ان التأثير على سائر الأمم قد يبدأ من أمر يبدو حيادياً لا ضرر منه أبداً لكنه يحمل في ذاته بصمة الحضارة الغالبة.
2- حلق اللحية.. إن الالتحاء للمؤمن وقار وزين.. والحلق تشبه باليهود والكفار وقد ورد في الروايات العديدة النهي عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ((حُفُّوا الشَّوَارِبَ وَ أَعْفُوا اللِّحَى وَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ))(15)
3- ربطة العنق.. وليس الكلام عن الحرمة كما سبق.. بل عن مظهر حضارة تريد ان تحكمك حتى في كيفية ملابسك!
ج- الظواهر مظاهرات سيكولوجية في تغيير الشواكل النفسية
وبعد ذلك يأتي دور الظواهر الاجتماعية، فانها تملك التأثير الأكبر في صناعة الشواكل النفسية ومن هنا نجد:
أ- ان المواكب الحسينية تعد من أهم الظواهر التي تصنع شاكلة الإنسان أو تعيد صناعته من جديد.. المواكب بكل ما تحفل به من ظواهر ومظاهر ومناسك وشعائر.. انها توفر للإنسان الملاذ الآمن والأجواء التي تعبق بالعطر الحسيني المحمدي الأصيل، وهي بذلك توفر له حصانة داخلية ضد الانحراف أقوى بكثير من البعيد عن هذه الأجواء.
ولذلك نجد ان موجات الإلحاد تكتسح الشباب الذين لا يعيشون أجواء الحسينيات والمواكب بشكل أسرع جداً من أولئك الذين تحتضنهم تلك المواكب الحسينية وتشكل لهم الهواء الذي يستنشقونه والملاذ الآمن الذي يستريحون إليه.
ب- كما نجد ان لصلاة الجماعة في المساجد أجراً عظيماً جداً، كما لها في حد ذاتها أجر عظيم كذلك.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((أَتَانِي جَبْرَئِيلُ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبِّكَ يُقْرِؤُكَ السَّلَامَ وَأَهْدَى إِلَيْكَ هَدِيَّتَيْنِ لَمْ يُهْدِهِمَا إِلَى نَبِيٍّ قَبْلَكَ، قُلْتُ: مَا الْهَدِيَّتَانِ؟ قَالَ: الْوَتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَالصَّلَاةُ الْخَمْسُ فِي جَمَاعَةٍ،
قُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ: وَمَا لِأُمَّتِي فِي الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ، كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ صَلَاةً.
وَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّمِائَةِ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفاً وَمِائَتَيْ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَمِائَةِ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا سِتَّةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةِ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا ثَمَانِيَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَمِائَتَيْ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا تِسْعَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةِ صَلَاةٍ.
وَإِذَا كَانُوا عَشَرَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَبْعِينَ أَلْفاً وَأَلْفَيْنِ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ.
فَإِنْ زَادُوا عَلَى الْعَشَرَةِ، فَلَوْ صَارَتْ بِحَارُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلُّهَا مِدَاداً وَالْأَشْجَارُ أَقْلَاماً وَالثَّقَلَانِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كُتَّاباً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا ثَوَابَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ))(16)
ولعل جزء الفلسفة في ذلك ان صلاة الجماعة تعمل على إعادة بناء شخصية الإنسان منذ طفولته.. وفي مراحل شبابه.. وحتى هرمه وشيخوخته.. فهي البحر الإيماني الذي يسبح فيه المؤمن، في مقابل الملاهي والمباغي مثلاً والتي تكوّن البحر الشيطاني الذي يسبح فيه الفاسقون والعياذ بالله.. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين