بناء الإنسان: مفتاح مكافحة الفساد من منظور حسيني

علي حسين عبيد

2025-07-23 05:27

الفساد موجود في جميع الدول، حتى المتقدمة منها، أما دول الشرق الأوسط، وأخص منها الدول العربية، ومنها العراق بطبيعة الحال، فهي غارقة بالفساد، وإذا كانت هناك حالات فساد في الدول المتقدمة، فإنها في نفس الوقت تتحصن بمنظومة قانونية في غاية الدقة والضبط والقوة في الإنفاذ أو التطبيق، أما بالنسبة للدول الضعيفة الغارقة بالفساد، فمن أخطر عيوبها أنها تتعامل مع المنطوق القانوني لفظيا، ولا يتم إنفاذه.

هذه باختصار هي المشكلة المعقدة التي يعاني منها العراق وكثير من الدول الإسلامية والعربية، ولكن نحن نعيش في بلد وأرض الحسين، أرض العراق، وفي أرضٍ أخرى مجاورة أو تبتعد جغرافيا بمسافة قلية مثل مصر وسوريا وإيران، هذه الدول توجد فيها رموز حسينية، مثلا في مصر منطقة (سيدنا الحسين)، وفي سوريا السيدة زينب وفي إيران الإمام الرضا، هذه الدول ذكرناها كمثال لا أكثر فهي تتوفر على الرموز الحسينية.

ولكنها للأسف دول ينخرها الفساد، والمفارقة الصادمة تكمن في التساؤل الذي يطرحه الجميع، كيف لدول مثل العراق ينخره الفساد وهو البلد الذي يضم علي بن أبي طالب والحسين والعباس والكاظم، وتميز بوجود عشرات الاضرحة، كيف يمكن للفساد أن يتسلل إلى سكان هذا البلد، (الموظفين، الباعة بكل أصنافهم، التجار، القطاع الحكومي)، هذه العناوين لا يبتعد عنها الفساد، ويمكن أن نعثر عليه من دون عناء هنا أو هناك.

مشكلة مركبة أسمها الفساد

والسؤال الأكثر تداولا، لماذا لا توجد عندنا ثقافة مكافحة الفساد، ما الذي يمنع هذه المنظومة من تنقية الطبقة السياسية وكافة المواطنين والمسؤولين من مشكلة معقدة ومركبة أسمها الفساد، ألم يعطِنا الإمام الحسين عليه السلام درسا في التضحية والثورة ضد الفساد، وعلي بن أبي طالب في العدالة، وموسى الكاظم في الصبر، والسجاد في إحقاق الحقوق.

هذه الرموز العظيمة التي قدمت للتاريخ دروسا خالدة في مكافحة الفساد والظلم ورفض القمع، وطرد الجهل، ونشر العدالة، ألم تكن كافية للناس الذين يعيشون في ربوع هذه البلدان، بحيث يتعلموا كيف يكافحون الفساد، وكيف يرفضون الظلم، وكيف يتعاونون لنشر العدالة والإنصاف في كل مكان وبين كل الناس صغيرهم وكبيرهم.

الناس الذين يقودون في الدول الإسلامية، ويحتلون المناصب القيادية الحساسة والكبيرة، لماذا يتغلب عليهم الفساد، ويسحب أرجلهم ونفوسهم وحتى عقولهم نحو الغرق في بحر الفساد المتلاطم؟، إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تكاد تكون فاقدة لمعناها، لأنها تبقى تدور في فضاء اللفظ المجرد، ففي كثير من اللقاءات التي تطل علينا من الشاشات الصغيرة، يظهر لنا العشرات والمئات من المسؤولين، يرفضون الفساد قولا ويغوصون فيه فعلا.

فهناك مسؤولون فاسدون عمليا من خلال مناصبهم ونفوذهم، وفي نفس الوقت يلعنون كلّ فاسد، ولكن يتوقف هذا الأمر على التصريحات الفارغة من التطبيق الرافض، وهنا يطرح السؤال نفسه، لماذا نعلن بأننا أبناء الرموز العظيمة لأهل البيت وفي نفس الوقت، يكاد الفساد يسيل من أفواهنا، ومن أيدينا ومن جيوبنا، حتى أن جميع الناس يرون ذلك، ويرفضوه، ولكن ما فائدة الرفض والمكافحة من دون وضع الخطوات الرادعة والمعالجات الناجعة.

مبادئ المنهج الحسيني

نعم هي ثقافة يتثقف عليها الإنسان طفلا وتكبر معه، الطفل يرى الفساد في بيته، وفي روضته وفي مدرسته وفي جامعته وفي الأزقة التي يلهو فيها، إذن الفساد يعشش في كل مكان، ويحيط بالناس من كل الجهات، ويحاصرهم لدرجة أنهم يعجزون عن مكافحته، وكيف يكافح الإنسان البسيط شبكات ومافيات الفساد المتغلغلة وهو لا يمتلك السبل القويمة لهذا النوع من الكفاح، لذا نحن نحتاج من أجل المكافحة الناجعة المسؤول المثقف الوعي المؤمن بمبادئ المنهج الحسيني الرافض للفساد والقمع والقهر وعدم الإنصاف.

بمعنى لو أننا نريد فعلا مكافحة جيدة وحاسمة للفساد علينا ما يلي:

- بناء حاكم ومسؤول مثقف واع ومؤمن بمبادئ الحسين عليه السلام.

- بناء الطفولة الواعية المؤمنة بدءا من حاضنة البيت والأسرة صعودا إلى الروضة والمدرسة والجامعة، وتوعية أطفال الأزقة والمناطق السكنية.

- بناء الأسرة المؤمنة الواعية، وهذا أمر حاسم كونها تشكل الخلية الأصغر والأهم في المجتمع.

- منع المسؤولين وجميع المتكلمين الذين يرفضون الفساد قولا ويقومون به فعلا، منعهم من الظهور في جميع الوسائل الإعلامية وممارسة الخداع والكذب على الناس. 

- الاستفادة القصوى من التجربة الفعلية الأخلاقية للحسين في مواجهة الطغاة والفاسدين والخارجين على القانون والشريعة والأعراف.

- وأخيرا إطلاق حملات التوعي المدروسة المنتظمة، وتنوير الناس بخطورة الفساد عليهم وعلى أولادهم وعلى بلدهم، فأنت قد تكسب أموالا، لكنك ستخسر أولادك و وطنك وحتى نفسك، وكلنا سمعنا بتلك المقولة العظيمة: ما فائدة أن تربح العالم وتخسر نفسك.... 

ذات صلة

استراتيجيات الإمام الشيرازي في رفع الوعي الدينيالنهضة الحسينية.. ثورة ثقافية ضد الجهالةالمثقفون.. بلاغة التساؤلات وتراجع القيمةاتمنى لو لم يُفتتح: فهل فرحتم بالافتتاح؟الأموال القذرة تدمر السودان