مناشئ الضلال والانحراف وترشيد روافد المعرفة

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

2015-03-23 10:42

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.

يقول تعالى:

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)([1])

الحديث يدور ـ بإذن الله تعالى ـ حول (الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) وجريا على طريقتنا المعهودة نبدأ في الفصل الاول من الحديث بالإشارة إلى بعض البصائر القرآنية في الآية الشريفة، ثم ننطلق في الفصل الثاني الى ما يتفرع على ذلك من مباحث.

الفصل الاول: البصائر القرآنية

في الآية الشريفة بصائر كثيرة نتوقف عند اربع منها في المفردتين القرآنيتين (بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ):

1- البصيرة الأولى: دلالات اضافة (آيات) إلى (الرب)

ان في إضافة (آيات) الى (الرب) في (بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ) وليس الى (الله) مثلا دلالات مهمة فينبغي التأمل فيها واستكشاف ما يمكننا من وجوهها؛ فقد كان من الممكن ان يقول تعالى (أولئك الذين كفروا بآيات الله...) او (... بآيات الرحمن) او غير ذلك.

ولعل من الوجوه: ان ذلك أشبه بالتعليل لكونهم الاخسرين أعمالا بأنهم قد صاروا من الأخسرين اعمالا؛ لأنهم كفروا بآيات ربهم (مربيهم) والمنعم عليهم، فان الذي يكفر بالعلامة التي جاءته من مربيه هو اشد كفرا وأعظم خسارة مما لو اتته من صديقه مثلا.

ذلك انه أحياناً يرشدك صديق الى الدرب، واحيانا يرشدك المعلم والمربي، لكن الانسان اذا خالف قول الصديق فقد لا يلام كما يلام فيما لو خالف أستاذه ومربّيه إذا كان بالحق، خاصة إذا كان يعرف ماضيه ومستقبله واغلب شؤونه، فكيف بما لو كان مربيه المحيط بكل شؤونه؟!

وبذلك يظهر بوضوح: ان الانسان اذا كفر بآيات ربه الحقيقي بكل ما للكلمة من معنى، فعندئذ سيكون هو الخاسر بل الاخسر بلا شك.

وبعبارة اخرى: حيث أذعن الانسان بان الله تعالى هو ربه والمنعم عليه فلابد ان يؤمن بكل آياته وأوامره ونواهيه، فإذا كفر بها فسيكون اخسر أعمالا من غيره.

2- البصيرة الثانية: الكفر بذات الشيء أو بعلامِيّته أو بالمرسِل أو بالرسول

ان الكفر تارة يكون كفرا بذات الآية او قل بأصل الآية، وتارة يكون بآيتية الآية، وثالثاً يكون بالمرسِل ورابعة يكون بالرسول، والفرق بينها كبير جداً.

توضيح ذلك: تارة يكفر الانسان بالشيء أي بالعلامة بذاتها، وتارة يكفر بعلاميتها وثالثة يكفر بالرسول ورابعة يكفر بالباعث لها والمرسِل، ومثال ذلك: ما لو جاءك شخص رسولاً من قبل المرجع في الدين أو في الطب أو في السياسة او غير ذلك، فانه توجد ههنا حالات للكفر: فتارة لا يقبل الإنسان (أي المرسل إليه) ذلك المرجع اصلا فيكون كفره بالمرسَل والمندوب لأجل عدم قبوله للمرجع والمنبع بنفسه.

وتارة أخرى يكون المرسل إليه ممن يقبل ذلك المرجع والمرسِل ولكنه لا يرتضي المندوب عنه إذ انه لا يعجبه ان يأتيه هذا الشخص بالذات بهذه الرسالة!! وثالثة لا يقبل مضمون الرسالة ومحتواها ورابعة لا يقبل كونها رسالة منه.

ومحل الكلام هنا كذلك فتارة يكفر الكافر بآيات الله تعالى؛ لأنه يكفر اصلا بالله تعالى وهو المُرسل، ولكنه تارة يكفر بالرسول ويعترض على إرسال هذا الرسول بالذات... كما كفر بنوا اسرائيل واعترضوا على إرسال الله تعالى نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، فالمشكلة عندهم ليست في المصدر بل في الرسول، ولذا كانوا يكرهون جبرائيل (عليه السلام) ويعتبرونه خائنا لأنه نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو من ذرية إسماعيل ولم ينزل على احد منهم – وهم من ذرية اسحق!! -، وثالثة يكفر بمضمون الرسالة ومحتواها كما لو أمره بالجهاد أو الخمس فرفض وكفر بهما!! ورابعة يكفر بالانتساب.

والسؤال هو عن أي قسم من الأقسام الثلاثة تتحدث هذه الآية الشريفة (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ * فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)؟ هل المراد الكفر بالمرسِل؟ أو الكفر بالمرسَل؟ أو الكفر بالرسالة أي بمضمونها؟ أو الكفر بكونها رسالة منه؟ سيأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.

3- البصيرة الثالثة: الكفر بالآيات آلي ام استقلالي؟

هل عنوان (الذين كفروا بآيات ربهم) عنوان آلي ام هو عنوان استقلالي؟ وهذا بحث فقهي وعقدي مهم، فان قلنا انه عنوان استقلالي([2]) فهو كافر وان لم يرجع إنكاره الى إنكار الرسول ولا الى انكار الرسالة ولا الى انكار التوحيد والالوهية، وان قلنا انه عنوان آلي فلا يكون المنكر للآية بما هي آية وإن كانت ضروريةً، كافرا([3]).

توضيح ذلك: يوجد خلاف شديد بين الفقهاء حول مقياس منكر الضروري من الدين، وهل انه كافر فيما لو كان كفره آلياً أي مرآة للكفر بالمرسِل أو مقدمة موصلة له؟ أو انه كافر استقلاليا بمعنى إنكار هذا المضمون بذاته مستلزم للكفر مع قطع النظر عن ملزوماته وملازماته ولوازمه؟.

ولاشك ان منكر اصل وجود الله يعتبر كافرا بلا خلاف، وكذلك منكر وحدانيته أو النبوة والأكثر على ان منكر المعاد كذلك، وفي الدرجات اللاحقة ياتي (العدل) و(الامامة) على حسب تعدد إطلاقات الكفر كما فصلناه سابقاً، واما بالإطلاق الأول فيجري البحث انه كافر آلي – لو جرّ إلى إنكار المرسِل أو الرسول – فقط أو استقلالي – والمشهور انه ليس بكافر استقلالياً بالإطلاق الأول ولذا تحل مناكحته وليس بنجس.. الخ

لكن ما هو الحكم لو أنكر حرمة الكذب مثلا مع ان ذلك من الضروريات في ديننا الحنيف؟، وهنا يأتي أيضاً هذا البحث:

فتارة نقول ان منكر الضروري إنما يكون كافراً إذا علم ان القران والرسول (صلى الله عليه وآله) يصرحان بحرمة الكذب ومع ذلك انكر وخالف بهذا اللحاظ فيكون في جوهره وواقعه وعقد قلبه ينكر رسول الله مباشرة ويخالفه فهو كافر دون شك، لكنه ليس بكافر إذا انكر ذلك لا بهذا اللحاظ.

وتارة نقول بالأعم وان منكر الضروري كافر لأنه أنكر ضرورياً سواءً أعاد إلى إنكار الأصول الثلاثة أم لا فيكون حالها([4]) كحال منكر الرسالة فانه كافر وإن لم يعد ذلك إلى انكار الله تعالى، ويتضح ذلك إذا لاحظنا ان الانسان احيانا يفكك بين الحقائق الارتباطية فيفكك مثلا بين اللازم والملزوم بل قد يفكك بين اليقين بالشيء وبين عقد القلب عليه بنفسه كما قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)([5]).

والحاصل: انه قد يعتقد الشخص بان الرسول مرسل لكنه لا يؤمن ببعض ما جاء به كحرمة الكذب او حرمة شرب الخمر او وجوب لبس الحجاب وكذلك وفوق ذلك إنكار الولاية والوصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) او غير ذلك بان يفكك بين علمه برسالته وعلمه بانه قال الكذب حرام مثلاً وبين عقد قلبه على حرمة الكذب. فتدبر

والآية الشريفة تحدد الاخسرين اعمالا بانهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ، فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) فان كان المراد بـ(كفروا بآيات ربهم) أي جوهر الآيات بما هي هي فهو كافر وتحبط أعماله إذا كفر بالمضمون وإن لم يكفر بالمرسَل ولا كذبه في أقواله اما لو قلنا ان الكافر من كفر بآيتية الآية من حيث اشاريتها وارتباطها ودلالتها على رسالته (صلى الله عليه وآله) وصدقه فعندئذٍ يكون كافراً إذا رجع إنكار ذلك الضروري إلى إنكار أحد الأصول، والبحث طويل في هذا الحقل نتركه لمظانه.

ثم ان هذه الآية تصلح ان نعدها من آيات الأحكام فيستدل بها على كفر منكر الضروري اما لذاته أو لطريقيته – على الأخذ والرد في ذلك - إضافة الى ما ذكروه من الآيات التي أشارت الى الأحكام الفقهية.

4- البصيرة الرابعة: وجه جمع (الآيات)

وههنا بصيرة أخرى هامة تنبثق عن التدبر في وجه عدم ورود (آيات) بصيغة المفرد أي بان يقال: أولئك الذين كفروا بآية ربهم بل جاءت بصيغة الجمع (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ) هناك وجوه ومنها:

1) لان الكلام عن الجميع في مقابل الجميع فهم جمع وجماعات وكل جمع او جماعة من المبطلين يكفر بأية او عدة آيات مختلفة، فذاك ينكر النبوة والآخر ينكر الإمامة او العدل، والثالث ينكر عمومية أحكام القران لكل الأزمان ويؤمن بالهرمنيوطيقيا حسب احدى مذاهبها، او ذاك ينكر الصوم او الحجاب وغير ذلك والحاصل: ان الكثير من الناس ينكرون كثيرا من الحقائق فـ(أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ) كل واحد منهم مقابل أية من آيات الله تعالى.

التشكيك في حكم أو آية يستتبع تشكيكات

2) وقد يقال: لأن الحكم والجزاء في الآية معلق على الكفر بالآيات دون الآية الواحدة. فتأمل

3) وهو وجه اخر دقيق ولطيف من غير مانعة جمع بينه وبين الوجه الأسبق أو السابق وهو:

ان الذي يكفر بأية واحدة, فانه يجره ذلك عادة الى الكفر بآيات أخرى، وهنا مكمن الخطر، فإذا رأيت احداً في الجامعة او في الحوزة او رأيت شخصاً من عامة الناس بدأ يشكك في رواية لمجرد ان نفسه لا تقبل مضمونها ولا تطيب بها وانه لا يرى هذه الرواية صحيحة، فاعلموا انه في طريق خطر وقد يجره إلى الأكثر فالأكثر بل قد يجرّ ذلك بعض الناس الى الكفر قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([6]) فانهم حتى في انفسهم ينبغي ان يكونوا راضين بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) او من ينوب منابه من الائمة (صلوات الله عليهم اجمعين)

موجة التشكيك لا تتوقف عند حد

وذلك لان موجة التشكيك اذا بدأت فانها لا تقف عادة عند حد ما لم تُتدارك بالعلاج بالرجوع إلى العلماء الربانيين بالتضرع إلى الله تعالى والتوسل بالرسول وأهل البيت الأطهار عليهم السلام لثبات القدم، وقد راينا بعضهم يبدأ بالتشكيك في حكم من الاحكام او في آية أو رواية واحدة، ثم انتهى الى انكار النبوة او الامامة او غير ذلك من اصول الدين وقد يصل الى الالحاد والعياذ بالله تعالى.

وعلى ذلك اذا رأى الانسان عدم رضا نفسي من حكم ما او اية او رواية او غير ذلك فعليه ان يسلّم (ويسلموا تسليماً) اما إذا كانت الرواية مجهولة فعليه ان يَكِل علمها الى أهلها صلوات الله عليهم كما صرح بذلك اهل البيت (عليهم السلام).

وقد كنت ذات يوم اتحدث مع شخص معروف وله مكانته الاجتماعية فقال لي: من قال ان مصافحة الاجنبية حرام؟!! انا لا ارى ذلك!!

فقلت له: من أنا وأنت حتى نقول: قال الله وأقول؟ - والعياذ بالله – وأنني أرى كذا أو لا أرى كذا؟ فقال: لا توجد رواية ولا آية واحدة تدل على حرمة مصافحة الأجنبية!، فقلت له: هل طالعت كتاب الجواهر أو أي كتاب فقهي استدلالي آخر؟ وهل حققت في المسالة في الكتب الفقهية المعدة لذلك ثم لم تجد دليلاً؟ ثم هل أنت متخصص بمباحث الاجتهاد وضوابط الاستدلال؟ قال: لا! قلت: فهل يصح الإنكار في أية مسألة دون تحقيق وبحث وفحص؟ ثم قلت: المشكلة ان بعضنا يعيش في لا شعوره – وشعوره – حالة من الاحساس بالضغط العالمي لأجل تحليل المحرمات أو تحريم المحللات، إضافة إلى ان ابتلائك شخصياً بمواقف محرجة هو الذي دفعك للتشكيك لا عن تحقيقٍ بهذه المسألة البديهية!([7])

ولو كان المقياس هو (أرى ولا أرى! ومن قال!) من غير تحقيق ومن غير استجماع المحقق لشرائط التحقيق وكونه قادراً عليه فسيكون كل الدين محل تأمل واشكال اذ لكل من هبّ ودبَ ان يقول: من يقول ان السجود واجب!! أنا لا أرى ذلك؟ ومن يقول ان الصلاة بهذه الطريقة واجبة!! وهكذا يسري الشك الى كل الاحكام والتشريعات وتهدم عُرى الدين عروة عروة لمجرد أهواء النفس وتخرصاتها.

وعوداً إلى بدأ نقول قد يكون من وجوه جمع (آيات ربهم...) ان هذه الحالة هي حالة ترابطية فاذا شكك الشخص بآية او رواية واحدة ولم يمنع نفسه من التردي في مجاهيل الحيرة ووديان الضلالة فانه عادة ينتهي به الشك الى الانكار بالكلية الا من عصمه الله تعالى

ولذا يقول تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)([8]) فلا يشفع له انه يؤمن ببعض احكام الله تعالى بل لا بد من الايمان الكامل بكل آيات الله وأوامره ونواهيه سبحانه وتعالى.

الفصل الثاني: مناشئ الضلال والانحراف

في القسم الثاني من الحديث على ضوء هذه الآية القرآنية الكريمة نتوقف بعض الشيء لدراسة بعض مناشئ الضلال ([9]) والانحراف والبدع وأسباب ولادة العديد من المذاهب المبتدعة والاديان المختلقة وقد سبق ان احدى المناشئ هي المؤامرات الدولية في صناعة الاديان أو المذاهب أو الدس فيها وتحريفها أو استثمارها بالنحو السيء، ونضيف هنا:

مؤامرة إشاعة الفوضى

ان أحد أهم مفردات ومصاديق هذه المؤامرات هو مؤامرة اشاعة الفوضى الفكرية والعقدية إضافة إلى إشاعة الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية في المجتمع فهذا نمط متطور من انماط المؤامرات الدولية والإقليمية أيضاً.

إشاعة الفوضى الخلاقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية

ولقد ابتكروا لإشاعة الفوضى الهدامة: السياسية والاجتماعية والحقوقية، مصطلح (الفوضى الخلّاقة) التي كانت هي الفكرة الأساس المحرك لما أسموه بالربيع العربي([10]) وذلك هو ما صرحت به بعض مراكز دراساتهم، وجوهر الفوضى الخلاقة يعني تخريب الوضع القائم لأجل تغيير قواعد اللعبة السياسية ومن ثم صناعة واقع جديد يكون العملاء الجدد فيه أفضل لهم من القدامى بكثير، فاذا كان اولئك يركعون للغرب فان العملاء الجدد يسجدون له!! والعياذ بالله تعالى.

ونتائج (الفوضى الخلاقة) تجدونها واضحة في سوريا وفي مصر وليبيا وغير ذلك والتي لم تنتج إلا دمار هذه البلدان والتي كان من أهدافها بيع مخزون الأسلحة المختلفة من قبل شركات صناعة السلاح العسكرية التابعة لهم وتفعيل عجلة صناعاتهم العسكرية عبر هذا الطريق المدمّر.

إشاعة الفوضى الفكرية والعقدية

وهذه هي الفوضى الخلاقة في السياسة او غيرها، وهناك فوضى خلاقة أخرى لهم تستهدف الاديان وتهدف إلى إيجاد فوضى متعددة الأبعاد عبر صناعة الاديان والفرق المنحرفة الضالة أو عبر تحريف أسسها أو اتجاهها.

وقد كانت هذه فلسفة قديمة شجع عليها شياطين الانس والجن والأهواء والشهوات وهي تفكيك الأديان وإيجاد انشقاقات ومذاهب متناحرة داخل جسم الدين الواحد فمع ان الامة الاسلامية هي امة واحدة ومذهب اهل البيت (عليهم السلام) مذهب واحد الا ان الأيادي عمدت الى تفكيك الاسلام او التشيع حتى يكون مثل القنابل العنقودية او الانشطارية

وقد اخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك حيث يقول ((سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَة))([11])

ومن الواضح ان الجاهل المقصر ومن كان معاندا فانه يستحق العقاب، اما من كان يجهل الحق فعلا عن قصور ولم يكن معاندا فان الامتحان سيعاد عليه يوم القيامة، وهذا الامر عام سيّال جار حتى على الكفار والمشركين الذين يجهلون الحق تماما قاصرين لا مقصرين.

ولا يزال أعداء الدين يعتمدون على هذه الفلسفة وهي ايجاد مذاهب اخرى وفرق اخرى في ذلك الدين او ذلك المذهب لتشتيت الكلمة وتفكيك القوة فتسهل السيطرة عليهم او يسهل نهب ثرواتهم ومقدراتهم.

وهكذا اوجدوا البهائية والقاديانية والتي توفي مؤسسها عام 1309 م في لاهور.

وكذلك الأمر في المسيحية وغيرها، وحسب إحصاء رسمي فان عدد الطوائف المسيحية يصل الى 33830 طائفة وان اكبرها طائفة (الكاثوليك) واصغرها طائفة تسمى(شَيكرز) وهذه الطوائف بعضها انشطر طبيعيا حسب طبيعة النفس البشرية كالبغي او الجهل الذي يؤدي الى ذلك لكن بعض هذه الانقسامات من صناعة الدول الغربية وحسب نظرية الفوضى الخلاقة التي يعتمدونها للسيطرة على الشعوب والبلدان والاديان.

إن فكرة انقسام الأديان تساعدهم كثيرا في السيطرة والتحكم بمقدرات الشعوب والدول بينما نجد ان تضامن وتعاون أبناء البلد الواحد او الدين الواحد او المذهب الواحد يشكل حجر عثرة في طريق مخططاتهم وأهدافهم التوسعية والاستعمارية.

فعن طريق الانشطار والانقسام تسهل السيطرة على قسم كبير من الناس والتحكم بهم يمينا او شمالا كما نرى ذلك الان ظاهراً في الخريف العربي و(التكفيري).

لكن قل الملتفتون الى عمق ذلك ووعيه

الاستعمار ونظام المحاكاة: المحاكاة العسكرية

هناك نظام يسمى بــ(المحاكاة) وهو يستخدم كثيرا في العلوم العسكرية فمثلا لو ارادوا التنبؤ بنتائج مهاجمة الدولة الفلانية فانهم يدرسون ذلك عبر تفعيل عملية محاكاة المعركة الحقيقية من قبل فتجري محاكاة خط سير المعركة على ارض الواقع على الكمبيوتر فيتوصلون الى توقعات مسبقة لردود فعل العدو وللمفاجئات المحتملة.

وكانوا سابقا يقومون بالمحاكاة على الورق مشفوعة ببعض الرسوم أما الآن فانهم يقومون بذلك عبر الكمبيوتر وبشكل متطور جداً إذ يرسم الكمبيوتر – حسب سيل من المعلومات والمحتملات المعطاة له - ارض المعركة ووضع الجنود والأسلحة وما للطرفين من الفرص والمخاطر ومن نقاط القوة ونقاط الضعف ويطرح مختلف السيناريوهات والاحتمالات الممكنة ويتنبأ بخطوات العدو خطوة خطوة وذلك كله كي يتحرزون من كل خطر وكي يضعوا حلا لكل مشكلة أو مفاجأة محتملة.

محاكاة الأديان والمذاهب والشخصيات!

وهذا النظام معروف في الانظمة العسكرية لكن هذا النظام ادخلوه منذ فترة ليست بالقريبة في الاديان والمذاهب فمثلا لو ارادوا السيطرة على أي دين أو مذهب أو أية قوة صاعدة في العالم فانهم يلجأون فيما يلجأون الى نظام المحاكاة ويدرسون كل الاحتمالات والبدائل والسبل والوسائل.

مستر همفر والسلطان عبد الحميد!

ومن بواكير ذلك ما شاهده مستر همفر العميل البريطاني الشهير الذي جنّد محمد بن عبد الوهاب كعميل مهم لتأسيس مذهب تكفيري مهمته تمزيق وحدة المسلمين وتدمير البلاد والعباد الى مئات السنين، وقد نماه وغذاه وجعل بيده نجد والحجاز، فعندما عاد مستر همفر إلى بريطانيا بعد نجاحه المذهل قالوا له في وزارة المستعمرات البريطانية: حيث انك بلغت درجة عليا من النجاح فسنطلعك على بعض الاسرار([12])

ثم ادخلوه في قاعة كبيرة داخل الوزارة وقد ذهل عندما رأى طاولة مستطيلة والسلطان العثماني عبد الحميد بنفسه يجلس في صدرها والذي التقى به قبل ايام فقط! كما رأى حاكماً إسلامياً آخر ايضا جالساً وهكذا مجموعة أخرى من الرؤساء وكبار المسؤولين الاخرين، فاستغرب كثيرا الا انه بعد التدقيق رأى ان هؤلاء هم نسخ مقلدة من أولئك وليسوا هم! أي انهم مشابهون لهم وليسوا هم بانفسهم!

ثم يقول: قال لي الضابط المسؤول عني: انظر ما الذي يجري فرأيت احد السياسيين المحنكين طرح مسالة سياسية معينة على مشابه السلطان عبد الحميد (مثلا: ماذا لو حدث في تركيا الحدث الفلاني؟)

يقول مستر همفر فبدأ السلطان المزيف يجيب متقمصاً شخصية السلطان عبد الحميد وبنفس الحركات والسكنات!! بل وجدته متقارباً معه حتى في طريقة تفكيره! إذ كانت اجوبته تحاكي وتقترب مع ما كنت أتوقع ان يجيب به السلطان العثماني!!

وذلك يعني انهم قاموا بدراسات مستفيضة تاريخية ونفسية وشخصية وعلمية عن السلطان عبد الحميد وتاريخه ومستواه العلمي والسياسي وكل ما يتعلق به ثم بعد ذلك يُجمع ذلك كله في ملفات واضابير وتعطى الى ذلك الشبيه ويوكلون اليه مهمة ان يفكر كما يفكر عبد الحميد العثماني – أو غيره - حتى اذا ما طرحوا عليه مسألة سياسية تنبأ بردود فعله وطريقة تفكيره وعند ذلك يعيدون تقييم الأجوبة ويضعون مختلف السيناريوهات على ضوء ذلك.

محاكاة القاديانية!

والغريب ان الاستعمار كثيراً ما يستنسخ تجارب سابقة اعتبرها ناجحة ليعيد صناعتها مع بعض التطوير والتغيير بما يناسب العصر.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ان كل مراقب سوف يجد بوضوح ان الذين يدعون السفارة الان هم في الحقيقة نسخة مقلدة طبق الاصل من القاديانية، فتجربة ما قبل 100 سنة تعاد صناعتها الآن من جديد، والفرق ان ذلك كان في العالم السني اما هذا فهو في العالم الشيعي، وفيما عدا ذلك تجد ان الكلام هو نفس الكلام والادلة والحجج هي نفس الأدلة والحجج!!

وقد كانت من أهم حجج الميرزا غلام أحمد القادياني هي الأحلام والمنامات!!

كما ان الحجة الثانية هي المعاجز، وكان يقول – كما جاء في احد كتبه - ان إحدى الأدلة على انه نبي: هي التنبأ بالمستقبل والإخبار بما في الغيب ومما أخبرت به ان الطاعون سيضرب البلد الفلاني في الفترة الفلانية !!

وهذه الحجج هي بنفسها التي تطرح الان في الوسط الشيعي لكن عبر واجهة دعوى السفارة والنيابة الخاصة.

وصفوة القول: ان المؤامرات الدولية في خلق المذاهب والاديان أو خلق الفوضى فيها بغرض تحطيمها أو السيطرة عليها لعلها تعدّ من اهم مناشئ واسباب الانحراف والضلال، واللازم علينا ان نقوم بدراسة ذلك بمختلف جوانبه بشكل موسع فان من لم يعرف عدوه بشكل جيد فانه لا يمكنه عادة ان يواجهه ويتغلب عليه: ماهي طريقته؟ وماهي آلياته؟ وماهي مكامن قوته؟ ونقاط ضعفه؟

فسيفساء الأديان والمذاهب والفِرق والأحزاب!

ومن الغريب ايضا ان الاستعمار صنع فسيفساء عجيبة من الأديان المختلفة والمذاهب المبتدعة والأحزاب المتنوعة ففي كل حقل تجد ان له مفتاحاً أو عدة مفاتيح.

أ- حزب الحمير!

فقد اسسوا حزبا قبل عقود من الزمن في الغرب باسم (حزب الحمير) وقد فتحوا له مؤخرا فرعاً في كردستان العراق.. وقد جائني قبل فترة شخص وقال لي: انني من حزب الحمير!!

ومن جملة عاداتهم ان تحيتهم هي تحية الحمار! فعند التقاء بعضهم ببعض يخرجون من افواههم ما يشبه صوت الحمار! مع ان الله تعالى يقول (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)([13]) وهناك كتب عديدة تتحدث عن هذا الحزب كما ان له دستوراً وقوانين وبرامج متنوعة!!.

ولا شك ان من هم وراء هذا الحزب والأحزاب المشابهة يطرحون فلسفة برّاقة تخدع البعض من الناس وتبرر ذلك؛ فان الاستعمار يعلم ان الناس الوان واذواق مختلفة فلا بد من تاسيس احزاب وجماعات ونوادٍ مختلفة تتلائم مع اذواق ونفسيات اغلب الناس، ان لم يكن الجميع وبذلك تتم السيطرة على مجاميع بشرية كبيرة عبر قيادتها أو بعضها على الأقل وتوجيهها من حيث تدري أو لا تدري!

ب- حزب الضاحكين!

كما أسسوا حزباً آخر باسم حزب الضاحكين وقد رأى احد اصدقائنا بعضهم إذ كان في تلك إحدى البلاد فيقول بعد ان صليت صلاة الصبح نمت قليلا لكنني استيقظت على اصوات عالية جدا بدت لي كانها انفجارات من القهقهة العالية جدا، ففتحت النافذة لأتحقق من الأمر فرأيت في الساحة المجاورة المئات من الناس رجالا ونساء وهو وقوف يضحكون بصوت عال وبشكل غريب ثم سألت عنهم فيما بعد فتبين انهم حزب سياسي يسمى حزب الضاحكين!!

وقد حاولوا ان يفلسفوا ذلك بالقول: ان ذلك لتخفيف التوتر الذي ينجم من العمل طوال اليوم ومن شتى ضغوطات الحياة فتعالوا وقهقهوا بصوت عال وبشكل مختلط في حديقة عامة كي تبدأوا حياتكم بنشاط! وهم يسعون من خلال فلسفة هذا العمل سيكولوجيا بهذا النحو لكي يكون مقبولا ويكون له اتباع ومريدين!

ج- المافيات والعصابات

وهناك في الكثير من الدول والدول الغربية بالذات (مافيات وعصابات)([14]) ولقد أضحى من الواضح لدى الجميع ان كثيراً من المافيات والعصابات وراءها دول عظمى أو إقليمية والا فهل يعقل مثلاً ان الافيون يزرع في أفغانستان بكميات هائلة جداً وعلى أراضي هائلة جداً جداً ثم يُصدّر منها عبر الباكستان وإيران وغيرها الى كل دول العالم وارباحه بالمليارات والحكومة الافغانية – مثلاً - لا تستطيع ان تصنع شيئا؟؟ مع ان مزارع الافيون لا يمكن اخفائها لانها تغطي مساحات شاسعة جداً جداً، ان وراء هذا الامر دولاً عظمى وإقليمية وأيادي لهم في حكومات بعض الدول واحزاب منتفعة، بل قد يبلغ الأمر حداً أخطر من ذلك وهو وان بعض عصابات المخدرات قد تتحكم ببعض الحكومات بطريقة وأخرى فتكون تلك الدول تابعة الى مجموعة من العصابات الخطرة التي لا هم لها الا جني الارباح والسيطرة بكل وسيلة.

ان من لا يعرف ذلك ولا يعرف أساليب الأعداء وطرقهم التي تتطور يوماً بعد يوم ولا يميز عدوه من صديقه قد يقع في الشباك والمصائد وينخدع بل قد يُسحق وهو لا يعلم بذلك ومن هنا قال اهل البيت (عليهم السلام): ((الْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوَابِس))([15])

ومن الغريب أيضاً انه توجد في العديد من الدول([16]) عصابات تتحكم بالمدارس وهي عصابات متنافسة أو متناحرة فيما بينها فاذا جاء الطالب الى المدرسة وجد عصابتين أو أكثر وكلها تدعوه لكي ينضم إليهم لكي يكون محميا من قبل العصابة التي ينتمى اليها فإن أجاب فعليه الامتثال لما يقولون ويخططون (وهي غالباً ما تتعامل مع مافيات خارجية وقسم كبير منها يتعامل بالمخدرات) اما اذا لم ينضم أي منهما فسيتعرض لمضايقات مزعجة بل قد يكون عرضة الى الخطر وبالتالي فلابد ان ينضم الى احدهما شاء ام ابى!

والظاهر انهم يهدفون من وراء ذلك السيطرة ضمنياً على الشباب الذين يعيشون في ضمن حريات كبيرة قد تستغل ضدهم – أي ضد حكوماتهم - في بحر الانفلات الهائل الذي يعيشه الغرب.

وقبل فترة قد نشرت احدى المجلات تقريراً عن شخص في الولايات المتحدة ادعى النبوة واشترط شروطا مخزية للانضمام الى دعوته فآمن به (4000) شخص!!

وهكذا تتكامل حلقات السيطرة: المافيات والعصابات والأحزاب والمذاهب المبتدعة والأديان المُسخّرة!

ماهي الحلول؟

بعد تشخيص المرض والداء نتطرق إلى عناوين بعض الحلول للتصدي لهذه السلسلة من الاخطار والفلسفات المقيتة.

فنقول: ان الأمر بحاجة إلى خطة مركبة وإلى سلسلة من الحلول والبلاسم المتعاضدة وقد أشرنا الى بعضها سابقا، ونشير الآن إلى بعض الحلول والسبل الأخرى.

ترشيد وتفعيل الروافد المعرفية

ان روافد المعرفة في المجتمعات المتخلفة عادة ما تكون ضعيفة جدا ولذا كان الاخرون الاعرف بنا من انفسنا أقرب للسيطرة علينا، ويكفي كنموذج على ذلك ما تضمنه هذا البحث فان من لا يعرفه ولا يعرف ما الذي يصنعه الاستعمار فانه مغلوب على امره ولا يمكن له ان ينتصر على عدوه والاعيبه وحيله.

الدورات التخصيصية والعامة

ان روافد المعرفة كثيرة وهي بالعشرات، والضعيف فينا منها متعددٌ، ومن الروافد الهامة ما يسمى بــ(الدورات) وهو أمر سهل وممكن لكننا لا نرى حضوراً فاعلاً بل حتى متوسطاً للدورات التخصصية المعرفية في حوزاتنا او مدارسنا وجامعاتنا، فهل هناك مثلاً دورات تخصصية في المسيحية او اليهودية او في الدعوات الإلحادية او في الخطط الاستعمارية او شبه ذلك؟

ان من يدعي اليمانية او السفارة او حتى النبوة أو حتى الالوهية في أرض الله الواسعة، قد يؤمن به جمع من الناس – قل أو كثر – وهم غالباً عديموا المعرفة في هذا الحقل، والمقطوع به ان 99% منهم هم ممن لم يدخلوا في دورات معرفية وتثقيفية بهذا الامر كي يتبين لهم الغث من السمين، على أيدي اساتذة مهرة.

نماذج من دورات إحدى المذاهب الضالة

وفي المقابل نجد ان إحدى الجهات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام، وجدتُ إذ راجعت ملفها في الدورات انهم سنويا يقيمون ألوف الدورات الدعوية في شتى الحقول التبليغية وسبلها فمثلا دورة في العصف الذهني واخرى في القبعات الست واخرى في كيفية إدارة الجلسات والاجتماعات وهي علم وفن بحد ذاته.

وهناك دورة أقاموها باسم (أسس وفنيات إدارة النادي الاجتماعي) اذا ان من طرق حفظ الشباب هي النوادي الاجتماعية، لكن تأسيس النوادي الاجتماعية عشوائيا قد تأتي بنتائج عكسية او على الاقل هي غير ذات جدوى.

ودورة أخرى باسم (علم أنماط الشخصية) وهو يبحث في مختلف أنواع الشخصيات وعلائمها ومواصفاتها خصوصا وان رجل الدين او الخطيب او المعلم او الصحفي أو السياسي المتدين يتعامل مع مختلف الشخصيات فلا بد ان يدخل مثل هذه الدورة المهمة للاطلاع على اسس هذا العلم واولياته على الاقل.

كما ان هناك دورة باسم (كيف تهزم اليأس؟) اذ كثير من الناس يصاب باليأس لأي سبب كان فما هو الحل وكيف يواجه ذلك؟

وهناك دورات اخرى مختلفة تقيمها هذه الجهة أيضاً: مثل (كيفية تحسين الخطوط) و(فن التعامل مع الناس) و(افكار تطوير إدارة المنتديات) و(إدارة الوقت) و(حل المشكلات) و(فهم وقراءة النصوص) و(فهم وتدريب قراءة الكتب) وغير ذلك.

من منا يقرأ كتابا حول كيفية القراءة؟ وقد طالعت شخصيا عدة كتب في هذا المجال وهو علم وفن قائمة بحد ذاته واذا اطلع الانسان على ذلك فسيجد ويكتشف فنيات لم يسمع بها من قبل تسعفه كثيراً في استثمار مطالعاته بشكل أفضل.

وهناك دورة تخصصية حول (كيفية القراءة السريعة) فتتعلم كيف تقرأ كتابا من 500 صفحة مثلاً في خمس دقائق وتدرك اساسياته وقد طالعت في هذا المجال كتابا وتمرنت عليه ولاحظت كم هو مفيد ونافع لان الانسان قد لا يجد الوقت الكافي لمطالعة كل الكتاب بدقة لكنه يريد ان يطلع على جواهره ولبابه، وهذا العلم يساعدك على ذلك وعلى كيفية النظر الى سطور الكتاب وفصوله وفهارسه بشكر فني متقدم.

وهناك دورات أقاموها أيضاً حول العناوين التالية: (الحياة بلا توتر) او (الطباعة السريعة) او (معوقات التفكير لدى الطلاب) او (كيف نفجر الابداع في ابناءنا) او (كيف تدرب نفسك على تعلم العادات الايجابية) او (فن الاتصال) وغيرها كثير كثير.

بينما لا تجد عندنا دورات تخصصية في أغلب المجالات الا نادرا مع ان عقد الدورات أمر سهل وبسيط وغير مكلف وهي وجبة سندويشية سريعة يتعرف من خلالها الطالب على هذا المعتقد المنحرف أو ذاك بثلاث جلسات مثلا فان اراد الاستزادة فهناك دورة اخرى تستمر لمدة شهر او ثلاث اشهر وهكذا.

وصفوة القول: ان من روافد المعرفة: الدورات التخصصية، والحديث حالياً يدور عن الدور التخصصية في الأديان والمعتقدات والفرق المنحرفة فلا بد من إقامة ألوف الدورات في كافة بلاد الإسلام سنوياً والتي ينبغي ان تبدأ من الحوزة العلمية والجامعات وتصل إلى كل بيت بيت في كل بلدة وقرية.

فمثلا الانترنيت الآن غزى البيوت وبكل اشكاله والوانه من الواتساب والفيس بوك والتويتر إلى غير ذلك وكل شبابنا وأبنائنا في معرض الخطر: خطر الغزو الفكري والعقدي وخطر الانحلال الاخلاقي، فمن منا دخل في دورة تخصصية عن ذلك للتعلم والتدريب على سبل مواجهة الأخطار الأخلاقية والفكرية التي يحملها إلينا الانترنت والواتساب وغيرهما؟

ولذلك ولغيره من أنحاء النقص في الروافد المعرفية نجد انه عندما يخترع دين أو مذهب جديد او فكرة ضالة مبتدعة فانها تغزو الكثيرين، حتى أصبح الكثير من شبابنا كمدينة بلا اسوار!!

اذن من الحلول: تقوية وتعزيز الروافد المعرفية ومن ذلك الدورات التخصصية والتي ينبغي ان تأخذ حيزا من تفكيرنا واستراتيجيتنا في الهداية والارشاد الى ما فيه فلاح وصلاح الدنيا والاخرة.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/writer10-

............................................
([1]) الكهف103-105.
([2]) ويراد به الكفر بذات الآية ومضمونها مع قطع النظر عن استلزام ذلك للكفر بالمرسِل او الرسول.
([3]) أي لا يكون كافراً لو كان المستند هو خصوص هذه الآية.
([4]) أي الضروريات.
([5]) النمل 14
([6]) النساء 65
([7]) علماً بان الأدلة من الروايات وغيرها على حرمة لمس الأجنبية لا شك فيها وقد ذكرها الجواهر والفقه وغيرهما. واما عنوان الاضطرار والحرج الشديد في مورد خاص لو فرض فانه يستثنى من الحكم الكلي ولا يلغيه بالمرة كما توهم هذا الرجل!
([8]) البقرة 85
([9]) وقد سبق قسم من الكلام حول ذلك في البحوث السابقة
([10]) وهو في الحقيقة ربيع للغرب والاستعمار بينما هو خريف علينا
([11]) عوالي اللئالي ج1 ص83.
([12]) والقصد من ذلك هو تطويره في دورة مخابراتية جديدة
([13]) لقمان 19
([14]) بل توجد في احدى دولهم تجمع للصوص!! وهو يحظى بالرعاية والعناية إذ يُستخدمون في عمليات التجسس أيضاً!
([15]) الكافي: ط – الإسلامية، ج1 ص27.
([16]) خاصة في الولايات المتحدة.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي