البنية التركيبية القرآنية وأثرها في توجيه المعنى

الخطبة القاصعة أنموذجا

د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي

2025-10-23 04:30

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المُقدِّمة

 الحمد لله الذي أنار دياجي الليل المظلم بعطفه وعفوه، والشكر له على ما هدانا ووفقنا ومنَّ علينا بخير الأديان، ووعدنا بالجنان، والصلاة والسلام على فيض الوجودات، ومنجي الهلكات، والرحمة المهداة من ربِّ السماوات محمد بن عبد الله خير خلق الله، وعلى آله المصطفين الموحدِّين العارفين المنتجبين الطاهرين الأكرمين.

وبعد..

 كتابٌ ملأ الدنيا وشغل الناسَ ببلاغته وأسلوبه، بخطبه وحكمه، بغزارة علمه، ومكنوناته التي تتجدد كلَّما تقادمت الأيام وأبرزت العلومُ جديدها، يجد الباحثون ظالتهم فيه بعد كتاب الله تعالى، وصفوه بأنَّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ألا وهو نهج البلاغة ومنهاج البراعة وصراط المعرفة ومعين العقول، فاخترنا منه جوهرة ثمينة ألا وهي (الخطبة القاصعة) المباركة، قدَّمها أمير البلاغة والكلام علي (عليه السلام) هديَّة لينقذ الناس الذين جرفهم سيل الأهواء، واغتروا بالدنيا، وباعوا آخرتهم بثمنٍ بخس، وتكبروا وتغطرسوا وعاثوا في الأرض فسادا، فأراد أن يُعيدهم إلى جادة الصواب بأسلوبه الذي لا يقبل النقض، فجاء البحث في دراسة تراكيب هذا الأسلوب إذ جاء العنوان (البنية التركيبية وأثرها في توجيه المعنى ـ الخطبة القاصعة مثالًاــ) واقتصرنا على البناء التركيبي من ماهية الجملة وتقلباتها، فجاءت خطة البحث بتمهيد وثلاثة مباحث تنتهي بخاتمة احتوت على أبرز النتائج التي تمخضت من البحث.

 ففي التمهيد: درسنا ماهية البنية التركيبية ومختصر تعريفي عن الخطبة القاصعة المباركة.

والمبحث الأول: درسنا فيه الجملة الخبرية وأثرها في توجيه المعنى ومن ثمَّ التطبيقات في الخطبة الشريفة.

أمَّا المبحث الثاني: فكان من حصة الجملة الإنشائية للوقوف على أثرها في توجيه المعنى الموجه عبرها للمتلقين.

في حين جاء المبحث الثالث: بدراسة مفهوم التقديم والتأخير في الخطبة، وكيفية توجيه المعنى عبرهما بأغراضهما المختلفة.

وبعد ذلك انتهى البحث بخاتمة فيها جلُّ النتائج التي توصل إليها البحث ومن ثمَّ قائمة بالمصادر والمراجع.

 علمًا أنَّ الخطبة المباركة فيها من البنية التركيبية أكثر بكثير ممّا ذكرناه لكننا اقتصرنا على هذه المباحث لأنَّها الأبرز والأكثر إيرادا في مفاصل علم البلاغة، ومن جهة أخرى جاء اقتصارنا للإختزال وضيق الوقت وعدم الإطناب، ولعلَّ اللهَ يوفقنا في قابل الأيام لنُكمل ما تبقى من البنية التركيبية في بحث مستقل إن شاء الله تعالى، كما أنَّنا لا ندعي الكمال لبحثنا هذا بقدر ما نراه خطوة نحو الجد والاجتهاد، آملين أن يفيد غيرنا من صحيحه ويعمد إلينا من يرى فيه عيوب بعيوبه كي نصححها (ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا)

التمـهيــد
البنية التركيبية

توطئة

 يُقصد بالتركيب هو ما يُقابل الإفراد من الألفاظ، فالإفراد يدخل في دراسته علم التصريف والإعراب من الدراسات اللغوية، في حين دراسة التراكيب ما اختصت بها علوم البلاغة، والكلام العربي يتكون من ركنين أساسيين لا بدَّ من وجودهما في عمود الكلام ليكونَ كلامًا يحسن السكوت عليه؛ وهما (المسند والمسند إليه)، إمَّا أن يكونا (مبتدأ وخبر) أو (فعل وفاعل) هذا في اصطلاح النحويين، وإذا حُذف أحد هذين الركنين؛ يلجأون إلى التقدير(1) والتأويل وإيجاد العلَّة من الحذف، ولا يمكن أن يخلو كلامٌ من هذين الركنين وإلّا لم يكن ذا فائدة.

 ودراسة التراكيب عبر علوم البلاغة قد ساهمت مساهمة كبيرة في تحليل المعنى المراد من النص وفهمه، فإنَّ ((كلام المخاطب قد لا يكفي في فهمه معرفة الألفاظ وتراكيب الجملة بل يحتاج إلى معرفة الأسلوب الذي استعمله المتكلم، ففي قوله تعالى: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(هود/87)، تجد أنَّ قوله تعالى: (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ظاهره المدح لأنَّ هذه الألفاظ ألفاظ مدح، ولكن السياق يدل على أن هذا الأسلوب أسلوب تهكم وسخرية))(2)، فإنّ السياق له السلطة الرئيسة على توجيه المعنى ولا يمكن التخلي عنه أو قطع تركيب معينٍ منه وإصدار حكم على هذا القطع؛ لأنَّه يذهب بروح المعنى المراد من المجمل.

 أمَّا الحذف؛ فللعرب ميدانٌ واسع في ذلك، ولكن اشترطوا الدليل على المحذوف؛ فإذا دلَّ عليه دليل؛ جاز حذفه، وإلّا لا يجوز الحذف(3)، وسبب الحذف جاء للاختصار، لأنَّ العرب تميل إلى الإيجاز فيكتفي السامع بالألفاظ المذكورة فيعلم بتمامها(4)، وأمَّا الإطناب أو الإسهاب في الكلام العربي يتبيَّن من خلال علم المعاني هل هو تطويل بلا طائل؟ أمْ له غرض آخر؟ وهل التكرار جاء بسبب نسيان أو عجز المتحدث؟ أم لغرض آخر؟ وكذلك ذكر العام ومن ثمَّ يأتي على ذكر الخاص والعكس.

 أمَّا تقلبات الجمل فلها أثرها في إثراء المعنى وبيان قصد المتحدث من ذلك، مثلًا: (التقديم والتأخير، الحصر، الفصل والوصل، التعريف والتنكير، الإلتفات) كل ذلك يتبيَّن عبر دراسة أحوال الجملة في السياق كما سيتبين من خلال البحث إن شاء الله تعالى.

الخطبة

 عُرف عن العرب القدامى الخطابة والشعر وإن كان الثاني أبرز وأكثر انتشارًا في الأوساط العربية، إلاّ أنّ الخطابة لا تقل أهمية عنه، وفي صدر الإسلام تقدمت قدم الخطبة على كعب الشعر وأخذت بالريادة والصدارة لحاجة الدعوة الإسلامية إلى ذلك حيث أن صاحب الرسالة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان خطيبًا له من البلاغة في الخطاب ما ليس لغيره من العرب رغم فصاحتهم وبلاغتهم إلا أنَّه (صلى الله عليه وآله) كان له قصب السبق إلى الطليعة لأنَّه أديب الله تعالى، وفي هذا الوقت برز من الخطباء العرب الداعين إلى الإسلام كثير، يتقدمهم أمير البلاغة والكلام سيد الأوصياء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونهج البلاغة قمين بالشهادة عليه، كان كلامه (عليه السلام) في الأسماع أمضى من سيفه في الرقاب، كان يصفع الشبهة بالحُجة الدامغة، ملازم لكتاب الله ملازمة الظل للشاخص، وقد تحول أمر الخطابة في عهده عليه السلام تحوُّلا لم يسبق له نظير في الإسلام، حيث كان أمر الخطابة أمرًا دفاعيًّا وموضوعها اثبات النبوة وتوحيد الله ضد المشركين واليهود والنصارى وغيرهم، في حين صار أمرها في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) اثبات إمامته، والتسليم له، واثبات أحقيته في الخلافة، وبيان وجوب اطاعته فكان مخطط الخطابة في صدر الإسلام كالآتي:

- في عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

خطب المسلمين ضد: المشركين-اليهود-النصارى.

- في عهد الإمام علي (عليه السلام)

خطب الإمام ضد: معاوية-أصحاب الجمل-جيشه الذي لا يُطيعه.

ولو أمعنا النظر بين العهدين لوجدنا أن عهد الإمام (عليه السلام) كان أصعب من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالنسبة لمفاصل الخطابة، لأنَّ الإثبات لهؤلاء الخارجين كان صعبًا جدًا، فهم لا يُريدون أن يفهموا ولا يبحثوا عن الحقيقة لأنَّهم يعرفونها بيد أنَّهم لا يرتضونها، لذا كانت خطبه (عليه السلام) تمتاز بالحجاج وقوَّة الكلمة، وجزالة المعنى والإستشهاد المباشر بالبيان والشعر والقرآن ومنها ما جاء في الخطبة القاصعة المباركة كما سيتبين لنا خلال البحث.

الخطبة القاصعة:

تسميتها: في اللغة جاءت بمعنى القتل والتحقير، قصع فلانٌ فلانًا حقره، وقصع الرجل البعوضة قتلها (5)، ربما جاءت تسميتها بسبب تحقير الإمام (عليه السلام) لإبليس وذم الدنيا وقتل أهواء الناس الذين ساروا وراء أهواءهم دونما علم، ((لأنَّ سامعها لو كان متكبرًا ذهب تأثيرها بكبره كما يذهب الماء بالعطش))(6)، فلم تختلف تسميتها بين اللغة والاصطلاح، إذ كلاهما بمعنى تحقير الدنيا واتباعها وقتل الأهواء.

 تتمحور مفاصل الخطبة القاصعة حول ذم إبليس على استكباره الذي كان سببًا في معصيته لله تعالى، وقد أظهر العصبية لعنصره (النار) وظنَّه وهن عنصر التراب المتمثل بآدم (عليه السلام)، وكذلك تُحذِّر الخطبةُ الناسَ من سلوك ذات الطريق الذي سلكه إبليس لأنَّه يؤدي بهم إلى ما وقع به إبليس (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)(الحجر34/35). 

 والجدير بالذكر أنّنا نجد أنَّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أولَ حاكم وأول رئيس أو خليفة يطالب الناسَ بحقهِ، إذ لا نجد حاكمًا في التاريخ يشكو ظلم الرعية له سواه، ولم يتوانَ بإرشادهم وتحذيرهم من السقوط في مزالق الدهر والدنيا، فمن طبيعة الحكم أنَّ الرعية تشكون الحاكم وظلمه، ولكن هذا انعكس تمامًا في دولة العدل الإلهية، وصار الحاكم يشكو ظلم رعيته له، ورغم الآلام التي كابدها منهم لم يفتأ يدعوهم لما يُحييهم ويحذرهم وساوس الشياطين وحبائل إبليس والنفس الأمارة بالسوء بلغة عربية فصيحة بليغة تخلو من المجوجة والنفور في الألفاظ، بتراكيب توحي إلى السامع مدى حرص الباث على حياته الدينية والدنيوية، وهذا ما سنراه في المباحث اللاحقة إن شاء الله. 

المبحث الأول
الـــخـــــبــر وأثره في توجيه المعنى وتطبيقه في الخطبة

 تنقسم الجملة في عُرف أهل البلاغة على جملة خبرية وجملة إنشائية وعن طريق هذا التقسيم يتم معرفة ماهية الجملة ونوعيتها، وبعد ذلك يُشرع في دراسة حدِّها وأقسامها أو أضربها وأغراضها البلاغية، وعلى هذا الأساس سنبحث في الخبر للتعرف على ماهية الجملة الخبرية وأضربها ومن ثمّ تطبيقها.

الخبر: حدَّه، أنواعه، أغراضه وتطبيقاته.

في اللغة: عرَّف أهل اللغة الخبر بأنَّه العلم بالشيء(7)، وهو (((خبرت بالأمر) أي: علمته، و(خبرت بالأمر، اخبره) إذا عرفته على حقيقته، و(الخبر) – بالتحريك-: واحد الأخبار، و(الخبر): ما آتاك من نبأ عمن تستخبر، و(الخبر): النبأ، و(خبره بكذا، واخبره): نبأه))(8)، ((فالخبيرُ في صفاته [تعالى] بمعنى العالم ببواطن الأمور وظواهرها، وبما كان منها، وما يكون: والخبر: النبأ، وهو الكلام الذي يُفيد به المتكلم السامع واقعةً من الواقعات))(9)، وهذه التعريفات تؤمن بوجود الترادف في اللغة والقرآن الكريم، ومن غير الممكن أن تكون لفظتان تختلفان بالبنية تجتمعان في المعنى ((فإن الكلمات العربية إكتنفها الغموض، مما أفقد اللفظ إيحاءه وظلاله، فلم نعد - نحن العرب - نملك رهافة الحس التي كانت تكشف الفرق ما بين لفظتي "قرب ـ اقترب" أو "فكر ـ إفتكر"، حتى لم نعد نعرف الفرق بين كلمتي "سار ــ سارب"... وما اشبه))(10)، وبذلك فإن الفرق بين اللفظة وأختها بتغيير حرف واحد واضح، فكيف إذا كانت اللفظة تختلف عن الأخرى تمامًا مثل [الخبر والنبأ]؟. فالخبر ما كان إخبار بشيء أقل أهميَّة من النبأ، والنبأ يأتي في الأخبار الهامَّة التي تسترعي الإنتباه وربما للتحذير. 

الخبر في الاصطلاح: تكاد كلمة أرباب البلاغة تجتمع على تعريف الخبر اصطلاحًا وهو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته (11) فلا يُقطع بصحة الخبر ((لكن هذا التعريف لا ينطبق على القرآن الكريم لأنه) لا يأتيه الباطلُ مِنْ بَينِ يَديهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ ([فصلت (42)]، ولا على قول الرسول الأعظم " صلى الله عليه وآله "لأنه" لا ينطق عن الهوى "ولا على كلام أهل البيت" عليهم السلام " لأن الله تعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، والكذب من الرجس، فكلامهم صدق ولا يحتمل غير ذلك والمراد بالصدق هو ما طابق الواقع، والكذب ما خالفه))(12)، وهنا نرى أن الخبر في كلام المعصوم لا يمكن أن يحتمل الكذب، في حين عند غيره يحتمل ذلك.

أنواع الخبر: للخبر أنواع ثلاثة: الخبر الابتدائي: وهو ما خلا من المؤكِدات، والخبر الطلبي: وهو ما جاء فيه مؤكِّد واحد، والخبر الإنكاري: وهو ما جاء فيه أكثر من مؤكِّد لرفع الشك من ذهن السامع (13).

وقد وردت الأخبار في الخطبة القاصعة بأغراض مختلفة منها:

1ـ الإرشاد: وهو أسلوب استعمله أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته لإرشاد الناس إلى الطريق الصحيح، وهو من الأغراض التي يخرج إليها الخبر عن معناه الحقيقي ليفيد فائدة الإرشاد مجازيًّا، وقد جاء في قوله (عليه السلام): ((فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ))(14)، وهذا الخبر أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يرشد الناس عن طريقه إلى عدم التعصب، وعليهم ترك الميول التي تؤدي إلى العصبية والتعنت مقابل أوامر الله تعالى، لأنها بالنتيجة ستؤدي بهم إلى مهالك الدهر وتفقدهم مكانة الدنيا وفوز الآخرة.

2ـ التحذير: يخرج الخبر إلى معنى التحذير الذي يؤديه الخبر مع قرائن السياق، ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ))(15)، فقد حذَّر الإمام من منازعة الله في عزته وكبريائه، لأنهما رداء الله، فمن لبسهما ألبسه الله رداء الذل، وهذا التنازع يترتب عليه جزاء الطرد عن رحمة الله، لذا كان شعور الإمام علي (عليه السلام) بالمسؤولية الدينية الواجبة التي تحتم عليه انقاذ الناس من الجهالة وحيرة الضلالة.

 وكذلك جاء الخبر في بعض السياقات للتحذير في قوله (عليه السلام): ((وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ وَمَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ))(16)، فأراد الإمام (عليه السلام) أن يبين علم الله بما تخفيه القلوب، فقد حذَّر بذلك على سبيل الإخبار بالجملة الإسمية التي تفيد الثبوت، وعن طريقها بيَّن ثبات علم الله بما تكنّه القلوب وما يفعله العباد في السرائر.

 3ـ الاستهزاء: يفيد الإخبار في بعض السياقات مجازيًّا معنى الإستهزاء، ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وَإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ وَفُرْسَانُ الْكِبْرِ وَالْجَاهِلِيَّةِ))(17)، فقد جاء أسلوب الإخبار وأريد منه الإستهزاء بهؤلاء الذين صدّقوا إبليس لأنهم أوكلوا أمورهم إليه وتبعوه في كلِّ شيء، وهذا استهزاء في عقولهم التي استحوذ عليها إبليس بمكره، وفي هذه المقولة إشارة إلى قوله تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)(الفتح/26)، أي الذين صدقوا إبليس فيهم عرق من الذين ينتصرون لأنفسهم ولو على حساب دينهم.

4ـ التوبيخ: بعض السياقات الإخبارية يراد منها التوبيخ مجازيًّا، منها ما جاء في قوله (عليه السلام): ((وَإِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الأُلْفَةِ الَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا))(18)، فقد وبخهم الإمام (عليه السلام) بمخالفتهم له بسبب عاداتهم الجاهلية التي استولت عليهم، فبين ذلك من طريق الإخبار، وهذا الأسلوب الذي جاء به أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أوقع في النفس وبيانه أوكد، وفيه بيان أنه (عليه السلام) حصن الله تعالى الذي أحكمه، ولو نمحص المؤكدات التي جاء بها الإمام (عليه السلام) لوجدناها أكثر من أربعة مؤكدات مما يدل على إنكارهم وتعنتهم بالتعصب، فضلًا عن حركة الأفعال التي بينت شدة تمسهم بحبل إبليس دون حبل الله.

5ـ التقرير: هو أن المخبر يعرف النتيجة من إلقائه للخبر، ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَمَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ))(19)، فقد أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يعرف النتيجة، ومع ذلك ألقى اليهم الخبر، وهذا المقطع يذكره الإمام (عليه السلام) في مضمار خطبته ليبين مكانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانته من رسول الله، لكن القوم كان الصمم مسيطرًا على آذانهم ولا يفقهون قولا.

 فقد كان للبنية التركيبية الخبرية أثرٌ في توجيه المعنى المراد توصيله من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس بطريقة محببة ناصحة وليست طريقة الجبر والإلزام ولي الأذرع، ولو أراد ذلك لفعل وهو قمين بالفرض، لكنّه (عليه السلام) استعمل النصح والإرشاد والتوبيخ اللفظي لاعتقاده أنها أقوى من السيف، والخطبة القاصعة تحمل كثيرًا من الأغراض الخبرية التي تثري المعنى ولكن البحث فيها وإحصائها كلها يطول المقام في البحث، وما ذكرناه للمثال لا للحصر.

المبحث الثاني
الإنشاء الطلبي حدّه، صيغه وأغراضها البلاغية، وتطبيقاتها

 لا يكاد كتاب في البلاغة العربية يخلو من أسلوب الإنشاء، إذ يمثل العماد الرئيس لمفهوم الجملة، ويكون - مع الخبر - اللبنة الأساسية في منهاج البلاغة العربية إذ قسم البلاغيون الكلام الى خبر وإنشاء، وسبق أن تحدثنا في الخبر، وحده وأغراضه البلاغية، وما يجب لكل ضرب منه. وظهر في الحديث هناك تتنوع أساليب الخبر بحسب أحوال المخاطبين ومقام الخطاب، وبقي أن نتحدث عن أساليب الإنشاء وأنواعها وما يتحقق من البلاغة عند استعمالها، ولما كانت معرفة الشيء فرعًا عن تصوره كما يقول الأصوليين فمن المناسب أن نبدأ بتعرف الإنشاء(20).

في اللغة: الإنشاء: الابتداء أو الخلق والابتداع، وأنشأ الله الخلق: ابتدأ خلقهم، إذ يقال أنشأ الله السحاب، أي ابتدأها ويقال فلان ينشيء الأحاديث أي يضعها فهو إذن الإبتداء والوضع والإبتداع (21).

في الإصطلاح: تكاد تجتمع كلمة أرباب البلاغة على أنَّ الإنشاء: هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته سواء كان الواقع الخارجي يطابقه أو لا يطابقه(22) فهو ((قولٌ لا يُوصف بصدق ولا بكذب، كأن تقول لإنسان: قِفْ، فهذا أمر لا يُقال لقائله: صادق ولا كاذب))(23)، فالسؤال والطلب والنداء والنهي لا يحتملون التصديق والتكذيب، فكلها طلب، والطلب لا يستدعي بين صدقه وكذبه وإنّما الرفض أو التنفيذ.

صيغ الإنشاء الطلبي وأغراضها وتطبيقاتها:

 للإنشاء الطلبي صيغ أربع وهي: (الإستفهام، الأمر، النداء، النهي)، وهذه الصيغ إن كان الطلب فيها حقيقيًّا قلَّ موطأ البلاغة فيها، وإن خرجت عن معناها الحقيقي إلى معان مجازية كانت البلاغة فيها كبيرة، وهذا يُعرف عن طريق السياق الذي ترد فيه هذه الصيغ، وسنرى منها في الخطبة القاصعة وإيراداتها وكيفية توجيه المعنى فيها إن شاء الله تعالى.

أولًا ـ الإستفهام: أول من أشار إليه وإلى أدواته وأغراضه؛ سيبويه ت(180هــ) في كتابه تحت باب (باب الاستفهام) وذكر له كثير من الأمثلة (24)، وبعده ذكره الفراء ت(207هـ) في معاني القرآن وأبو عبيدة ت(210هـ) في مجازه والأخفش الأوسط ت(215هـ) في معاني القرآن (25) فهو مصطلح قديم يراد منه طلب الفهم لشيء لم يكن مفهوما بوساطة أدواته (26).

الأغراض البلاغية التي خرج إليها الاستفهام في الخطبة القاصعة:

1ـ التقرير: وهو الإستفهام الذي يكون فيه السائل والمجيب يعرفان الجواب، وكثيرًا ما يأتي في سياق النفي، ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَابًا فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكًا عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ))(27)، فقد بيَّن الإمام (عليه السلام) أن الذين هلكوا كانوا يدَّعون الربوبية لغرض امتلاك رقاب الناس، والذين وجه الخطاب إليهم يعرفون ذلك، لذا خرج الإستفهام إلى التقرير، ففي قرارة انفسهم يعرفون ما حصل لأولئك الذين ادعوا الربوبية ومآلهم إلى أين، فكان للتقريرية التي استعملها أمير المؤمنين (عليه السلام) الحافز المكنون في أنفسهم واستنهاض الهمة فيهم للخلاص من الكبر والعجب.

 ومن الاستفهام التقريري ما جاء في قوله (عليه السلام): ((وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَالْبَلَاءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيدًا فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ...))(28)، ففي سياق ارشادهم لأخذ العبرة من الماضين شحذ أمير المؤمنين همم الناس لاتخاذ هؤلاء عبرة لهم والحذو حذوهم وهم يعلمون ما حصل إليهم في غابر الأيام فكانت التقريرية هنا بمثابة أسلوب الحجاج عليهم، فليس لهم بعد ذلك حجة، لأنَّهم يعلمون بأحوالهم. 

2ـ الاستفهام الإنكاري: وهو الإستفهام الذي يخرج عن معنى الفهم إلى الإنكار، وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا اللون من الاستفهام في سياق استشهاده بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ((قَالَ (صلى الله عليه وآله) وَمَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ (صلى الله عليه وآله) إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَمَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ))(29)، فقد أنكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم إيمانهم لأنه يعرف مكرهم وأنَّ سؤالهم هذا ليس حقيقيا وإنَّما كان بدافع التكذيب والنكر، لذا خرج الإستفهام إلى معنى الإنكار، فكان توجيه المعنى عن طريقه إلى بيان الدنائة التي كانت تعيشها تلك الطغمة الفاسدة المنكرة لمعاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبه استبان المعنى الحقيقي من المجازي.

3ـ النفي: من خروجات الإستفهام المجازية هو خروجه إلى النفي، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((.. فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ..))(30)، فقد خرج الإستفهام بـــ(هل) إلى النفي، فكان المعنى: لا يصدقك في أمرك إلا مثل هذا، ومثل هذا القول كثير في كلام العرب والقرآن الكريم كقوله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)(الرحمن/60)، وقد أثرى هذا الأسلوبب البلاغي المعنى دلالة وقوة، وكان أوقع في نفوس المتلقين من غيره، وقول المشركين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في حادثة معجزة الشجرة بهذا الأسلوب أرادوا منه التهكم والتصغير، واستشهاد الإمام (عليه السلام) بهذه الحادثة في سياق خطبته ليبيِّن أنَّه أول القوم إسلامًا وأقدمهم إيمانًا ولم يسبقه إلى ذلك أحد لأنَّ المشركين حصروا تصديق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام).

4ـ الاعتبار: يخرج الإستفهام في بعض الأحيان إلى أخذ العبرة، ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صلوات الله عليه إِلَى الْآخِرِينَ))(31)، فقد ذكر الإمام الاستفهام لغرض الاعتبار، وهذا ما كشف عنه السياق في قوله، وكيف اخذ العبرة من اختبار الله لخلقه من آدم فما دون.

5ـ التيئيس: من المعاني التي يعطيها الاستفهام؛ التيئيس، وقد ورد هذا اللون من المعاني البلاغية في الخطبة القاصعة، فيقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَمَنْ ذَا بَعْدَ إبليس يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ))(32)، فقد أشار الإمام إلى التيئيس بأسلوب الاستفهام، فلا يأتي أحد بعد إبليس يسلم على الله البتة، وهذا السياق الاستفهامي أثرى المعنى العام من خلال التيئيس.

6ـ الخبر: في فبعض أحيان الاستفهام يخرج إلى الإخبار ليبين مفهوم الخبر بطريقته، وهذا ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا))(33)، فقد خرجت (كيف) عن حاليتها للخبر وقد أشار إلى هذا المعنى السياق الذي وردت فيهه فيهذه القطعة المباركة من الخطبة.

 مما تقدم من أسلوب الاستفهام تبين أثره في توجه المعنى والتأكيد على المراد بطرقه المختلفي بوساطة أدواته، وقد أثرى هذا اللون من ألوان البلاغة العربية؛ الخطبة المباركة بالمعنى الذي استدعاه الإمام ليسترعي انتباه السامعين، فكانت للاستفهام الحضوى الكبرى في هذه الخطبة الشريفة.

ثانيًا / الأمــــــــــــــــــــر: حدُّه، صيغه وتطبيقاته

في اللغة: أمر فلان فلانًا أي طلب منه فعل الشيء، وهو على وجهين: الأول: ما كان جمعه أوامر، ما كان الطلب من الأعلى إلى الأدنى فيكون واجب التنفيذ مما يُسمى بالأمر الحقيقي، والثاني ما كان نقيض النهي وهو إلقاء القول لغرض الحصول على الفعل (34).

في الاصطلاح: ذكر البلاغيون هذا اللون من البلاغة وعرفه أنَّه: طلب حصول الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام شريطة أن يكون من الأعلى إلى الأدنى وهذا ما أسموه بالأمر الحقيقي، وإذا خرج الأمر عن هذا الإلزام فلا يصح بان يُسمى حقيقيًا وإنَّما يكون مجازيًا يخرج عن الأمرية إلى معانٍ متعددة يكشفها السياق الوارد فيه الأمر(35) ولو((اكتفوا بالجزء الأول من التعريف لما احتيجَ لهذه الخروجات، إذ لو كان التعريف هو: طلب حصول الفعل، لكان الأمر أمرًا بمعنى الطلب فقط))(36).

صيغه وتطبيقاته: للامر ثلاث صيغ في الطلب وهما: 

1 ـ فعل الأمر: وهي الصيغة التي يرد فيها مَن عنى الأمر بصيغة (إفْعَلْ)، والفاعل فيه مستتر وجوبًا تقديره (أنت)، مثل: أذهب، قُمْ، جالسْ، قدِّمْ، قِ...... وغيرها، وقد حازت الخطبة المباركة مجموعة من الأفعال بهذه الصيغة بمعان مختلفة يكشفها لنا السياق الواردة فيه، منها:

أ ـ الاعتبار: وذلك ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإبليس إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ))(37)، وقد خرج ههنا الفعل عن معناه الحقيقي إلى الإعتبار وهو المعنى البلاغي الذي أفاده فعل الأمر هنا، وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) لهذا المعنى البلاغي مباشرة بلفظ (اعتبروا) وهو أخذ العبرة مما فعل إبليس بنفسه التي آل مآلها إلى الحضيض والطرد عن رحمة الله وهو الذي كان يعبد الله سنين عددا.

 منه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَصَوْلَاتِهِ وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلَاتِهِ وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَمَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ وَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ))(38) ففي هذه المقطوعة من الخطبة الشريفة أراد الإمام (عليه السلام) أن يبين ما حصل للذين سبقوهم بأكثر من فعل لغرض أخذ العبرة وعدم السقوط بمزالق السابقين؛ لأنَّ الأيام تتكرر والأحداث تُعاد، فقد استعمل الفعل (اعتبروا) والمراد منه بيان ترك التكبر والاتعاظ من قصص الأمم المستكبرين، وفيها شيء من التحذير والتهديد من غضب الله تعالى، ثمَّ انتقل على الفعل (اتعظوا)، وأراد به أخذ العظة مما آلت إليه خدود الأمم السابقة ومصارعها، وقال بعد ذلك (استعيذوا) والاستعاذة دائما تكون بالله من الشيطان وطوارق الدهر، وهنا أراد ان يوضح الإمام (عليه السلام) أن التكبر لا يقل شأنًا عن فعل الشيطان وطوارق الحدثان، فكلها تؤدي بالإنسان إلى السقوط في هاوية غضب الله، وحركة الأفعال هذه أثْرَتِ المعنى بإيراد الاعتبار على أكمل وجه.

ب ـ التحذير: فقد حذر أمير المؤمنين (عليه السلام) المسلمين بطريقة الأمر الإرشادي، فلم يستعمل معهم القوة في الطلب، وذلك في قوله: ((فَاحْذَرُوا عَدُوَّ اللهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ))(39)، وهنا خرج الأمر إلى التحذير بلاغيًّا فلا يريد معنى الفعل الحقيقي وإنَّما تحذير المتلقي من عداوة إبليس له بالتكبر والغرور والعصبية فيؤدي ذلك به إلى الطرد من رحمة الله كما طُرد إبليس.

ج ـ الإرشاد: من المعاني التي خرج إليها الأمر في الخطبة هو الإرشاد، وذلك ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَادًا وَلَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّادًا))(40)، فقد أراد (عليه السلام) إرشاد الناس بطريقة الأمر المجازي الذي أورده بصيغة اتقوا، والتقوى هنا أراد منها ارشادهم بدفع الندية والضدية عنهم مقابل نعمة الله التي أنعمها عليهم.

2ـ اللام المقترنة بالفعل المضارع:

 من صيغ الأمر المعروفة عند العرب في كلامهم؛ اللام التي تقترن بالفعل المضارع، وهذا التركيب يُراد به الأمر، ولا يخرج عن المعنى العام لمفهوم الأمر، إذ يراد منه الحقيقي والمجازي بحسب رتبة المخاطِب والمخاطَب، وهذا الذي يكشفه السياق، ففي الخطبة المباركة جاء بمعان مختلفة منها:

أ ـ الإرشاد: وهو أحد المعاني التي يخرج إليها الأمر الذي يكشف عنه السياق، ومنه ما جاء في الخطبة القاصعة في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ))(41)، فقد خرج الأمر ههنا إلى الإرشاد، فقد أرشد الإمام (عليه السلام) الناسَ إلى أن يكون التعصب لمكارم الخصال والأخلاق وأن تكون أفعالهم محمودة، ولا يكون تعصبهم كتعصب إبليس عنصريًّا ذاتيًّا تكبريًّا.

ب ـ الاستهزاء والتكذيب: فقد أورد أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الخطبة المباركة بعض القصص القرآنية المتعلقة بإبليس وما حدث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر كيف استُهْزء برسول الله (صلى الله عليه وآله) إبَّان البعثة المكرمة، ومنها ما حصل معه في حادثة الشجرة، وقد ذكرها الإمام (عليه السلام) في القاصعة المباركة لغرض العبرة وعدم الوقوع في شراك التكبر مرة أخرى، فمن ذلك ما ذكره في القاصعة قول قريش للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكان الإمام (عليه السلام) حاضرًا إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصفها أيَّما وصف، فيقول لمَّا طلب القرشيون من الرسول الأكرم أن تأتيه الشجرة: ((قَالَ (صلى الله عليه وآله): يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللهِ فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ (صلى الله عليه وآله) فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوًّا وَاسْتِكْبَارًا فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيًّا فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)))(42)، وقولهم (فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا) أرادوا أن يستهزؤا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكذبوه لعدم تقبلهم هذا المشهد، فأرادوا دفعه بكل ما أوتوا من قوة، لأنَّ ذلك سوف يضرب مصالحهم ويزيد من إقبال الناس على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).

 ومنه ما جاء في تكملة هذه القصة المباركة التي يذكرها سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) فيذكر قولهم الآخر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصيغة الأمر معاندين على كفرهم وتكذيبهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ((فَقَالُوا كُفْرًا وَعُتُوًّا فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ (صلى الله عليه وآله) فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى تَصْدِيقًا بِنُبُوَّتِكَ وَإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ..))(43)، فقد وصف الإمامُ (عليه السلام) فعل هؤلاء بالكفر والعتو وعدم الإيمان البتة، فأيُّ أناس كان يدعو رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وإلى أيِّ عقولٍ مجَّة بُعث؟ ! يُطالبوه بمعجزة ويعدونه بالإيمان؛ ولمَّا يأتيهم بالمعجزة؛ لا يزيدهم ذلك إلا نفورًا وعتوًا وكفرًا رحم الله الشيخ أحمد الوائلي الذي يقول: [من الكامل]

حقدٌ إلى حسدٍ وخسةُ معدنٍ --- مطرت عليك وكلهنَّ هتونُ

راموا بها أن يدفنوكَ فهالهم --- أن عـاد سـعـيهمُ هو المدفونُ

وتوهموا أن يُغرقوكَ بشتمهم --- أتخاف من غرقٍ وأنتَ سفينُ(44)

3ـ المصدر النائب عن الفعل:

 من الألفاظ التي تؤدي معنى الأمر في العربية هو المصدر النائب عن فعله، وهو شائع في الاستعمال العربي، وقد جاء في الخطبة القاصعة في مورد واحد أفاد عن طريقه التنبيه والتحذير، وذلك في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَجَاحَدُوا اللهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَمُغَالَبَةً لِآلَائِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ))(45)، فقد صدَّر الإمامُ قوله بأداة التنبيه (ألا) ليسترعي انتباه الناس لما سيقوله، ثمَّ جاء بالمصدر (الحذر) بمعنى احذروا، وتكراره أفاد التأكيد والبيان وليس من باب الإطناب، ولم يحذرهم الإمام (عليه السلام) من دون بيان السبب من التحذير، فقد أشار إلى سبب الحذر وهو تفادي الوقوع في آبار الفتنة والعصبية التي تستولي على عقول السادة والكبراء الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم لأنَّهم قواعد أساس العصبية، ولفظ قواعد أراد منها الإمام (عليه السلام) الإرتكاز، فالقاعدة تعني مصدر الإرتكاز فهم بمثابة الإرتكاز الذي ترتكز عليه العصبية، وفيهم أنفة من الجاهلية لا تفارق عقولهم، وهذه القرائن ميَّزتهم عن السادة والكبراء الذين التزموا أوامر الله وانتهوا بنواهيه ولم تأخذهم حمية الجاهلية، فالقرائن أفادت البيان والتوضيح الضدي.

ثالثًا/ النهي: صوره وأغراضه البلاغية:

 النهي في اللغة: يقول ابن فارس: ((النون والهاء والياء أصل صحيح يدل على غاية وبُلوغ، ومنه أنهيتُ إليه الخبر: بلَّغتُه، ونهايةُ كلِّ شيء: غايتُه، ومنه: نهيتُه عنه، وذلك لأمر يفعله، فإذا نهيته فتنتهى عنك؛ فتلك غاية ما كان...والنُّهية: العقل؛ لأنه ينهى عن قبيح الفعل، والجمعُ: نُهى))(46)، والنهي خلاف الأمر فهو طلب أيضًا ولكنه بعكس طلب الأمر، إذ هو طلب الكف عن الفعل والزجر عنه(47).

في الاصطلاح: فهو من الأساليب الإنشائية التي تفيد طلب الكف عن الفعل على وجه الإستعلاء (48)، وله صورة واحدة للعمل، وهي (لا الناهية + الفعل المضارع)، وقد يخرج النهي عن معناه الحقيقي إلى معانٍ أخرى بلاغية يكشف عنها السياق بالمعنى العام حاله في ذلك حال الأساليب الأخرى، منها:

1ــ النصح والإرشاد: في أغلب مفاصل الخطبة المباركة ورد النصح والإرشاد ولكن بأساليب مختلفة، ومن هذا يكشف مدى الشعور بالمسؤولية من قبل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمن هذا الغرض ما جاء بصورة النهي قوله (عليه السلام): ((وَلَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ وَقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ..))(49)، قدَّم (عليه السلام) النصح للناس بطريقة النهي، وهو لم يستعمل النهي الحقيقي بالفرض والإلزام والردع وقوة الحكم، وإنَّما كان بهذه الطريقة الأبوية الشاعرة بالألم والخوف على مستقبل الرعية.

 ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَادًا وَلَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّادًا))(50)، لأنَّ الذي يجحد نعمة الله تعالى يخسرها ويجني من جحده غضب الله، لذلك كان النصح بطريقة النهي المباشر.

2ـ التحذير: فقد جاء في الخطبة المكرمة أسلوب النهي وأُريد منه التحذير، وذلك في قوله (عليه السلام): ((وَلَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ))(51)، فقد حذرهم الإمام (عليه السلام) من إطاعة الأدعياء وهم أبناء البغايا الذين لا يعرفون آباءهم، وهذه إشارة منه (عليه السلام) لمعاوية وعمرو بن العاص حيث كانا كلاهما من الأدعياء.

رابعًا / النداء:

في اللغة: هو مشتق من الندى، والنداء هو الصوت (52)، فهو ((صوتٌ مجردٌ غير مفهوم الكلمات... و"النداء" من العبد في القرآن يأتي بمعنى الدعاء.... فهو رفع الصوت بطلب من يُنادى، وله حروف مخصوصة..... يُقال: ناداه، ونادى به، مناداة ونداء؛ أي صاح به ودعاه بأرفع الصوت))(53)، فهو رفع الصوت، وطلب من المقابل أن أقبلْ.

في الاصطلاح: لا يختلف معنى النداء في الاصطلاح عن معناه اللغوي، فهو: مخاطبة المنادى بوساطة أحد أحرف النداء المنابة عن الفعل (أدعو)، وتوجيه الدعوة له بالإقبال(54)، وللنداء مجموعة من الأغراض يؤديها في السياق البلاغي منها ما جاء في الخطبة القاصعة المباركة:

1ـ الإنكار: وهو من الأغراض التي يخرج إليها النداء عن معناه الحقيقي في الإقبال، وقد جاء في مضمار الخطبة القاصعة في ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) إنكار المشركين نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام): ((لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيمًا لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِك))(55)، فقد انكروا عليه ما جاء به، فكان نداؤهم لبيان الإنكار وعدم قبول الأمر.

2ـ الأمر: يأتي الأمر بصيغة النداء ليكشف مدى صدق المنادي وإطاعة المنادى، ومنه ما جاء في الخطبة القاصعة في حادثة الشجر إذ قال رسول الله للشجرة:((يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ))(56)، فقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الشجر بصيغة النداء وهو يأمرها بالفعل.

المبحث الثالث
التقديم والتأخير وأثرهما في توجيه المعنى وتطبيقهما في الخطبة

 يُعدُّ التقديم والتأخير مظهرًا من مظاهر إثراء المعنى، يعمد إليهما المتكلم بقصدية بيان المعنى المراد منه، ولا يكاد يخلو كتاب في البلاغة من هذا الأسلوب البلاغي الرصين، ويُمثلان قدرات تعبيرية يستعملها المتكلم الذكي ويُديرها إدارة حية وواعية، فيسخرهما تسخيرا منضبطا مقصودًا للبوح بأفكاره وأحاسيسه ومختلف خواطره، ومواقع الكلمات من الجملة تأتي بمعان مختلفة يبيِّنها السياق العام في التركيب، وهي شديدة الحساسية، وأي تغيير فيها يحدث تغييرات جوهرية في تشكيل المعاني وألوان الحس وظلال النفس(57).

ففي اللغة: التقديم: مأخوذة من (قَدَمَ)، و((الْقَافُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَبْقٍ وَرَعْفٍ...))(58)، فهو من السبق، وهو نقيض التأخير، والتأخير: هو ضد التقديم، حيث أن ((الهمزة والخاء والراء أصلٌ واحِدٌ إليه ترجع فروعة وهو خلاف التقدُّم))(59).

في الاصطلاح: فهو تقديم الألفاظ التي حقها أن تتأخر وتأخير ما حقه التقديم(60)، فلم يختلف المعنى العام الاصطلاحي عن المعنى اللغوي كما تبيّن في التعريفات.

 والتقديم والتأخير كمفاصل البلاغة الأخرى، فما قُدِّم لفظ على لفظ إلا لغرض أريد منه، ولا يتأخر لفظ إلا لغرض أيضًا فمن الأغراض التي جاءت في التقديم والتأخير في الخطبة القاصعة:

1ـ الحصر: وهو من الأغراض التي يخرج إليه التقديم والتأخير، ومنه ما جاء في مطلع الخطبة القاصعة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((الْحَمْدُ لله الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ وَاخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ))(61)، فقد قدَّمَ شبه الجملة (لنفسه) على (دون خلقه) وهو حقه أن يتأخر لغرض حصر العز والكبرياء بنفس الله ولا يجوز لغيره أن يلبسهما، فخرج التقديم هنا للحصر.

2ـ الاهتمام: يخرج التقديم والتأخير إلى الاهتمام لبيان اهتمام الباث باللفظ المتقدم، وهذا ما جاء في قول الإمام (عليه السلام): ((اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ))(62)، إذ قدَّم الإمام لفظ (بذلك) الذي يقصد به العزَّ والكبرياء، وقد أشار إليهما بصيغة الواحد للدلالة على أنهما غير منفكين عن بعضهما وهما من مختصاته تعالى ولا ينازعه بهما أحد، وهذا التقديم أفاد اهتمام الله تعالى بهذين الأمرين، وكذلك تقديم شبه الجملة (منهم) للغرض ذاته.

 ومن ذلك ما جاء في الآية المباركة التي استشهد أمير المؤمنين بها، وهي قوله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)(ص/72)، فقد قدَّمَ تعالى (فيه) وقدَّم (له) وهو من متعلقات الفعل (فقعوا)، وتقديمه على (ساجدين) لإهتمام الله تعالى بآدم (عليه السلام).

3ـ للبيان: يأتي في بعض السياقات النصية التقديم والتأخير للبيان والتأكيد، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ))(63)، حيث قدَّم متعلقات الجملة الإسمية (فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ) على الخبر (لواحد) للبيان والتأكيد، وتكرار كلمة (أهل) زادت من المعنى توكيدا.

4ـ للتوهين والتصغير: يأتي التقديم والتأخير لغرض التوهين والتضعيف والتصغير، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) يشحذ همم الناس وحثهم على منابذة إبليس، فيقول: ((فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدَّكُمْ وَلَهُ جِدَّكُمْ))(64)، فقدَّم الإمام (عليه السلام) الجار والمجرور (عليه) ويقصد إبليس، لتوهينه وتصغيره وبيان ضعفه، وشحذ همم الناس وبيان قدرتهم على ذلك وأن كيده ضعيفٌ فلا يمكنوه من أنفسهم.

5ـ التحذير: كثيرًا ما يأتي التقديم والتأخير لغرض التحذير، ومنه ما جاء في سياق الخطبة الشريفة يحذر الإمامُ (عليه السلام) الناسَ من إبليس وجنوده، فيقول: ((فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُودًا وَأَعْوَانًا وَرَجِلًا وَفُرْسَانًا))(65)، إذ قدَّم (لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) وهو الخبر ومتعلقاته على إسم إنَّ (جنودًا) كي يُحذرهم منه لأنَّ مشروعه يمتاز بالخطورة الدائمة.

 ومنه ما جاء في قوله (عليه السلام): ((فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَادًا وَلَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّادًا))(66)، فتقديم (لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ) والظرف (لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ) تحذيرا من جحود نعم الله تعالى التي أنعمها على الناس، وشكرها يؤدي إلى دوامها، وجحودها يؤدي إلى زوالها، لذا جاء التحذير ليقعوا في المحظور.

6ـ التهكم: تُقدَّم بعض الألفاظ لغرض التهكم، ومنها ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَلَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وَأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إبليس مَطَايَا ضَلَالٍ وَجُنْدًا بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقًا لِعُقُولِكُمْ...))(67)، بعد أن حذرهم الإمام (عليه السلام) من إبليس نصحهم بعدم الركون إلى كبرائهم وأدعيائهم الذين اتخذهم إبليس مطايا يركبهم أنَّى شاء، وفي هذه القطعة مجموعة من الألفاظ المقدَّمة وهي حقها التأخير، لكن ما نريده في التهكم هو تقديم (جندًا) على الفعل و(تراجمة) على (ينطق) وهما للتهكم والاستخفاف في عقولهم.

7ـ للتخصيص: من الأغراض البلاغية التي يفيدها التقديم والتأخير هو غرض التخصيص، ولعلَّ هذا الغرض هو الأبرز في كلام العرب والقرآن الكريم، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن يبين حال البيت الحرام: ((...يُهَلِّلُونَ للهِ حَوْلَهُ وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثًا غُبْرًا لَهُ))(68)، فقد قدَّم لفظ الجلالة (لله) للتخصيص، حيث أنَّ التهليل والتكبير من مختصات ذاته المقدسة، وكذلك أخرها في قوله (له) أيضا ليبين الخصوصية في الأعمال لله تعالى.

8ـ للتسلية: في بعض السياقات يُقدَّم اللفظ أو يؤخر لغرض التسلية وتخفيف الحزن أو الخوف، ومنه ما جاء في الخطبة الشريفة في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((حَتَّى إِذَا رَأَى اللهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَالِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجًا))(69)، إذ قدّم متعلقات الفعل (جعل) وهي (لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ) على مفعوله (فرجًا) لغرض التسلية وحثهم على الصبر ومكاره الدهر والأذى، لأنَّ الله تعالى إذا رأى العبد صابرًا جعل له من بين همومه فرجًا ينفس به كُرَبه.

9ـ التقريع: من الأغراض التي يخرج إليها التقديم والتأخير؛ غرض التقريع والتأنيب وبيان مآل الحال الذي وصل إليه المقرّع، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكر أحوال العرب بعد الهجرة، يقول: ((وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَابًا وَبَعْدَ الْمُوَالَاةِ أَحْزَابًا))(70)، فقرَّعهم الإمام (عليه السلام) بطريقة تقديم الظرف (بَعْدَ الْهِجْرَةِ) على المفعول (أعرابًا)، وهذا الأسلوب يحمل في طيته التنبيه إلى جانب التقريع المباشر والذم الخطابي الصريح، ومثله تقديم (وَبَعْدَ الْمُوَالَاةِ) على المفعول (أحزابًا).

10ـ للسبق والترتيب: يخرج التقديم والتأخير لغرض السبق والترتيب بين الأشياء زمنًا أو أفضليَّة، ومنه ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((..فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَأَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَرَجَّةُ صَدْرِهِ...))(71)، حيث قدَّم الناكثين ــ وهم أصحاب الجمل ــ على القاسطين ــ وهم أهل صفين ــ وكذلك قدَّمهما على المارقين ــ وهم أهل النهروان ــ للترتيب الزمني في القتال، والسبق الحدثي الذي قامت المعارك معهم، فكان غرض التقديم للسبق والترتيب الزمني.

 وفي الخطبة المباركة كثير من الألفاظ التي قُدِّمت وحقها أن تتأخر لأغراض مختلفة، وأكثرها الجار والمجرور (متعلقات الأفعال)، لكننا نكتفي بهذا القدر رعاية للإختصار وخشية الإطالة، وما ذكرناه للتمثيل لا للحصر. والحمد لله رب العالمين. 

الخــــاتــمـــة

 الحمد لله على ما أنعم، والشكر له على ما قدَّم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الغر الميامين، بعد هذه الرحلة الممتعة في رحاب الخطبة القاصعة، تمخض البحث بالنتائج الآتية:

1ــ كان للبنية التركيبية أثرها الجلي في توجيه المعنى المراد بطرقها المختلفة.

2ـ لا تقلَّ الخطبة القاصعة الشريفة أهمية عن خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في سِفْره الخالد (نهج البلاغة) المبارك.

3ـ أدّى الخبر في الخطبة القاصعة أغراضه التي أراد الإمام إيصالها للمجتمع المُخاطَب، فكان للخبر موقعه المُميَّز بجمله وبيان أغراضه.

4ـ حاز موضوع الإنشاء الحظ الأوفر والأوفى في مفاصل الخطبة المباركة، إذ كان من أكبر المباحث مادَّة في تأدية المعنى، حيث إنَّ:

أ ـ الإستفهام: امتلك حيِّزًا معيَّنًا في الخطبة، وأدَّى بأغراضه المختلفة إلى إثراء السياقات بالمعاني الكثيرة.

ب ـ الأمر: استعمل الإمام (عليه السلام) موضوع الأمر البلاغي كثيرًا في سياقات الخطبة بصيغه المختلفة، وكان لصيغة (فعل الأمر أفعل) الحضوى في ذلك.

ج ـ النهي: كان أقلَّ إيرادًا من صيغ الإنشاء الطلبي في الخطبة.

د ـ النداء: جاء بطريقة غاية في الروعة في استعماله لتأدية أغراضه المختلفة، وحصَّته كانت بطريقة التناص القصصي، وبكثرة صيغ الإنشاء الطلبي زادت مفاصله في الخطبة الشريفة.

5ـ أدَّى موضوع التقديم والتأخير الأغراض المختلفة في الخطبة الشريفة، وقد اقتصرنا على بعضها رعاية للاختصار. والحمد لله رب العالمين..

........................................

هوامش البحث

 (1) يُنظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم: 6، مجلة دراسات إسلامية معاصرة: عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر ـ دراسة في الأفكار والصياغة ـ : 271.

(2) التفسير اللغوي للقرآن الكريم: 35.

(3) يُنظر: تأويل مشكل القرآن: 300.

(4) يُنظر: مجاز القرآن: 1/ 111.

(5) يُنظر لسان العرب، مادة (قصع).

(6) نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: 284، هذا المقطع ذكره الشيخ محمد عبدة في شرحه.

(7) ينظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس (ت: 395هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ ـ 1979م: 2/ 239.

(8) لسان العرب، مادة (خبر).

(9) ينظر: المعجم القرآني، دراسة معجمية لألفاظ القرآن الكريم :2/ 5

(10) تفسير من هدى القرآن: 1/105.

(11) ينظر: الكتاب:1/314، مجاز القرآن: 1/ 74، تأويل مشكل القرآن: 213ـ214، المقتضب: 1/12ـ21، الصاحبي في فقه اللغة: 179، دلائل الإعجاز: 6ـ7.

(12) مباحث علم المعاني في تفسير (من هدى القرآن) للسيد محمد تقي المدرسي،(رسالة):15.

(13) ينظر: البلاغة والتطبيق:107، جواهر البلاغة: 38، علم المعاني، دراسة وتحليل:42، البلاغة فنونها وأفنانها،:113، الأساليب البلاغية في تفسير نظم الدُّرر في تناسب الآيات والسّور، (اطروحة):26.

(14) نهج البلاغة: 285.

(15) المصدر نفسه: 285.

(16) المصدر نفسه: 285.

(17) المصدر نفسه: 286.

(18) المصدر نفسه: 296.

(19) المصدر نفسه: 296.

(20) يُنظر: بلاغة التراكيب دراسة في علم المعاني: 195.

(21) يُنظر: لسان العرب، مادة (نشأ)، الصحاح في اللغة: 1/77.

(22) يُنظر: الإيضاح: 2/130 ـ 132، المطوَّل شرح تلخيص مفتاح العلوم، سعد الدين التفتازاني ت (792هـ)، تحقيق: د.عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1433هـ ــ2001م:406، التعريفات، أبو الحسن علي بن محمد (الشريف الجرجاني) (ت: 816هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1408 هــ ــ 1988م: 38، الأساليب الإنشائية في النحو العربي، عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، مصر، ط2، 1399هـ ــ 1979م:13.

(23) الكافي في البلاغة، أيمن أمين عبد الغني، دار التوفيقية للتراث، القاهرة، د.ط، 2011م:330.

(24) يُنظر: الكتاب: 3/173 ــ 181.

(25) يُنظر: معاني القرآن، الفراء (ت: 207هـ) تحقيق د. محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، ط2، 1980م: 1/23، مجاز القرآن، أبو عبيدة (ت: 210هـ)، عارضه بأصوله وعلق عليه: د. محمد فؤاد سركين، نشر مطبعة سامي الخانجي الكتبي، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1374هـ -1955م: 2/231، معاني القرآن (الأخفش الأوسط) (ت: 215هـ)، تحقيق: د. فائز فارس، دار الرشيد للنشر، ط2،1401هـ – 1981م:1/56.

(26) يُنظر: مفتاح العلوم: 524. المطول، خطيب الدمشقي:226، التعريفات: 1/ 37،الصاحبي في فقه اللغة، أبن فارس: 151.

(27) نهج البلاغة: 295.

(28) المصدر نفسه: 294.

(29) المصدر نفسه:299.

(30) المصدر نفسه:293

(31) المصدر نفسه: 290.

(32) المصدر نفسه: 285.

(33) المصدر نفسه: 296.

(34) يُنظر: كتاب العين: 8/297،، مقاييس اللغة: 1/137، المفردات في غريب القرآن: 1/47، لسان العرب مادة (أمر): 4/26، تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي (ت: 370:هـ)، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، محمد فرح العقدة: 5/159، تاج العروس: 1/2463، المعجم القرآني: 1/617.

(35) يُنظر: الأمالي الشجرية، ابن الشجري (ت: 542هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، 1349هـ: 1/68، مفتاح العلوم : 543، 86، التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ضبطه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط2، 1934م: 168 ـ 169، معجم المصطلحات البلاغية: 1/13.

(36) مباحث علم المعاني في تفسير من هدى القرآن، (رسالة): 50.

(37) نهج البلاغة: 285.

(38) المصدر نفسه: 288 ـ289.

(39) المصدر نفسه: 289.

(40) المصدر نفسه: 288.

(41) المصدر نفسه:294.

(42) المصدر نفسه: 294.

(43) المصدر نفسه: 294.

(44) ديوان الوائلي: 42.

(45) نهج البلاغة: 288.

(46)) معجم مقاييس اللغة: 5/359 ــ360.

(47) يُنظر: المعجم القرآني: 3/616.

(48) يُنظر: الأمالي الشجرية: 1/271، مفتاح العلوم: 545، الإيضاح: 1/145.

(49) نهج البلاغة: 287.

(50) المصدر نفسه: 288.

(51) المصدر نفسه:288.

(52) يُنظر: لسان العرب، مادة (ندى).

(53) المعجم القرآني: 3/506.

(54) ينظر: التلخيص/ 172، والمطول /244.

(55) نهج البلاغة: 298.

(56) المصدر نفسه: 299.

(57) يُنظر: دلالة التراكيب: 175.

(58) معجم مقاييس اللغة: 5/65، يُنظر: المعجم القرآني: 3/28.

(59) معجم مقاييس اللغة: 1/64.

(60) يُنظر: البرهان في علوم القرآن: 3/233، يُنظر: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: 2/325.

(61) نهج البلاغة: 284.

(62) المصدر نفسه: 285.

(63) المصدر نفسه: 285.

(64) المصدر نفسه: 287.

(65) المصدر نفسه: 287.

(66) المصدر نفسه: 288.

(67) المصدر نفسه: 288.

(68) المصدر نفسه: 289.

(69) المصدر نفسه: 294.

(70) المصدر نفسه: 296.

(71) المصدر نفسه: 297.

................................. 

معين البحث

 القرآن الكريم.

 الأساليب الإنشائية في النحو العربي، عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، مصر، ط2، 1399هـ ــ 1979م.

 الأساليب البلاغيـــة في تفسير (نظــم الدُّرر في تناســب الآيـــات والسّـــور)،(اطروحة)، عقيد خالد العزاوي، جامعة بغداد، ابن رشد، 2002م.

 الأمالي الشجرية، ابن الشجري (ت 542هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، 1349هـ.

 الإيضاح في علوم البلاغة، لجلال الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب القزويني ت(739هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر الفاطمي، المكتبة العصرية،، بيروت، 1424هـ-2004م.

 البرهان في علوم القرآن، بدر الدين الزركشي (ت 794هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، ط1، 1377هـ - 1958م.

 بلاغة التراكيب، دراسة في علم المعاني، د. توفيق الفيل، مكتبة الآداب، القاهرة، د.ط، د.ت.

 البلاغة فنونها وأفنانها، فضل حسن عباس، دار الفرقان، الأردن، ط4، 1997م.

 البلاغة والتطبيق، د. احمد مطلوب، ود. كامل حسن البصير، ط1، الجمهورية العراقية، 1402هـ-1982م.

 تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة (ت276هـ) تحقيق: السيد أحمد صقر الناشر دار إحياء الكتب العربية، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1291هـ-1973م.

 التعريفات، أبو الحسن علي بن محمد (الشريف الجرجاني) (ت: 816هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1408هــ ــ 1988م.

 التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ضبطه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط2، 1934م.

 تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي (ت: 370هـ)، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، محمد فرح العقدة.

 جواهر البلاغة، أحمد الهاشمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.ط، 2001م.

 دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني (ت: 471هـ)، تعليق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، ط3، 1992م.

 الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، أحمد بن فارس (ت: 395هـ)، تحقيق: مصطفى الشويمي، - مؤسسة بدران للطباعة، بيروت، لبنان، 1383هـ،1964 م.

 علم المعاني، دراسة وتحليل، كريمة محمود أبو زيد، دار التوفيق النموذجية، القاهرة، ط1، 1988م.

 الكافي في البلاغة، أيمن أمين عبد الغني، دار التوفيقية للتراث، القاهرة، د.ط، 2011م.

 كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ)، تحقيق د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد للنشر، د.ط، 1981م.

 الكتاب، كتاب سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت: 180هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط2، 1399هـ ــ 1979م.

 لسان العرب، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم المعروف بابن منظور (ت: 711هـ)، حققه وعلّق عليه، ووضع حواشيه: عامر أحمد حيدر، راجعه: عبد المنعم خليل إبراهيم، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1424هـ-2003م.

 مباحث علم المعاني في تفسير (من هدى القرآن) للسيد محمد تقي المدرسي،(رسالة)، خالد عبد النبي الأسدي كلية العلوم الإسلامية، جامعة كربلاء، 2017م.

 مجاز القرآن، معمّر بن المثنى أبو عبيدة (ت: 210هـ)، عارضه بأصوله وعلق عليه: د. محمد فؤاد سركين، نشر مطبعة سامي الخانجي الكتبي، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1374هـ-1955م.

 مجلة دراسات إسلامية معاصرة: عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر ـ دراسة في الأفكار والصياغة ـ، أ.م.د. جاسم عبد الواحد راهي، العدد: 9، 2014م.

 المطوَّل شرح تلخيص مفتاح العلوم، سعد الدين التفتازاني (ت: 792هـ)، تحقيق: د. عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1433هـ ــ2001م.

 معاني القرآن، (الأخفش الأوسط) (ت: 215هـ)، تحقيق: د. فائز فارس، دار الرشيد للنشر، ط2،1401هـ – 1981م.

 معاني القرآن، الفراء (ت: 207هـ) تحقيق د. محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، ط2، 1980م.

 المعجم القرآني، دراسة معجمية لألفاظ القرآن الكريم، د. حيدر علي نعمة، د. أحمد علي نعمة، مطبعة السيماء، بغداد، د.ط، 2013 م.

 معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، د. أحمد مطلوب، المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1986م.

 معجم مقاييس اللغة، ابن فارس (ت: 395هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ ـ 1979م.

 المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني (ت: 502هـ)، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم، دمشق، ط4، 2005م.

 المقتضب، أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت: 286هـ)، تحقيق: حسن حمد، مراجعة: د. اميل يعقوب، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1420هـ - 1999م.

 من هدى القرآن، السيد محمد تقي المدرسي، دار القارئ، بيروت، لبنان، ط2، 2008م.

 نهج البلاغة، الإمام علي (عليه السلام)، جمع: الشريف الرضي ت(406هـ)، شرح: الشيخ محمد عبدة، مؤسسة المختار، القاهرة، ط2، 2008م.

ذات صلة

الطواغيت ولذّة الاستبدادالعراق بين إشكالية الحكم والأزمات السياسية والمجتمعية والخدمية!تخليص اليمن من خطر مزدوجتركيا واحلام التفوق الإقليميبنود من بحر الطويل ناطقة بلسان الحال