بيداغوجيا التفاعل الرمزي
د. علي أسعد وطفة
2024-03-03 06:02
"إن المسافة الكبيرة بين ما تظهره الرموز وما تحجبه وما تومئ إليه وما تستره، إلا أن ذلك التباعد ذاته هو ما يجعل عملية التأويل ممكنة وتلك المسافة وما تتطلبه من عنت وجهد ومن شك وتساؤل هي التي ترفع القراءة إلى مرتبة تجعلها فناً من الفنون" (1).
1- مقدمة
تشكّل "التفاعليّة الرمزيّة" (symbolic-interactionist) أحد التيّارات السوسيولوجيّة الّتي فرضت نفسها نقيضاً مناظراً للاتّجاهات الكبرى في علم الاجتماع، مثل: البنيويّة والماركسيّة. وينظر معظم النقّاد اليوم إلى التفاعليّة الرمزيّة بوصفها نظريّة سوسيولوجيّة متكاملة الأركان رغم حداثتها نسبيّاً. وقد عكف روّاد هذه النظريّة على تحليل الظواهر الاجتماعيّة الصغرى (الميكروسوسيولوجيّ) سعياً إلى فهم العلاقات التفاعليّة الرمزيّة القائمة بين الأفراد في المجتمعات الإنسانيّة، ومحاولة لإدراك معانيها ودلالاتها ومغازيها. وقد ركّزوا على دراسة معطيات الحياة اليوميّة للأفراد وفعاليّاتهم السوسيولوجيّة القائمة في مدارات اتّصالهم، ومسارات تفاعلهم، واعتمدوا منهجيّاً على تحليل الرموز والمعاني والدلالات الّتي تعطي معنى للتجارب الاجتماعيّة في الحياة اليوميّة.
ويرى علماء الاجتماع أنّ نظريّة التفاعل الرمزيّ تشكّل إطاراً عامّاً للنظريّات الّتي تبحث في المجتمع بوصفه نتاجاً للتفاعلات الاجتماعيّة اليوميّة، وتدرس الكيفيّات الّتي تتمّ فيها التفاعلات الاجتماعيّة بين الأفراد الّذين يضفون المعاني والدلالات على الأشياء المحيطة بهم في مسار تفسير تفاعلاتهم مع الآخرين. ويعتمد هذا المنظور على فكرة أساسيّة مفادها أنّ الناس يفهمون عوالمهم الاجتماعيّة من خلال التواصل والتفاعل الاجتماعيّين، أي عبر تبادل المعنى من خلال الرموز واللغة. ويرى أصحاب هذه النظريّة أنّ المعنى الّذي ننسبه إلى العالم من حولنا يعتمد على تفاعلاتنا مع الناس والأفكار والأحداث، وأنّ فهمنا للعالم وكيفيّة تفاعلنا مع مجتمعاتنا يعتمد على ما نتعلّمه من تفاعلاتنا مع الآخرين بدلاً من الحقيقة الموضوعيّة. وعلى هذا الأساس يعتقد التفاعليّون الرمزيّون أنّ مجتمعاتنا مبنيّة على المعاني الّتي نضفيها على التفاعلات والأحداث الاجتماعيّة.
وتشكّل التفاعليّة الرمزيّة أحد أهمّ الاتّجاهات الرئيسيّة الكبرى في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعيّ على حدّ سواء، ويشغل هذا الاتّجاه مكانة مهمّة في الفضاء الواسع للعلوم الإنسانيّة بحثاً في إشكاليّات الحياة الإنسانيّة وقضاياها الوجوديّة. ويشكل البحث في المستتر والغامض والكامن والخفيّ الرمزيّ المجال الرئيس للتفاعليّة الرمزيّة، كما أن التفاعليين الرمزيين يركزون في أبحاثهم على دراسة العلاقة الجدليّة القائمة بين المجتمع والفرد وفق معطيات الرمز والتفاعل الرمزيّ. ويتبنى أصحاب هذا الاتجاه توليفة متبلورة فكرية من العلوم الإنسانيّة في المجتمع والأدب واللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع، ومن ثم يعتمدونها كأدوات للتحليل من أجل التوغّل في أعماق الحقيقة الاجتماعيّة وفق منهجيّات الاستقصاء الرمزيّ للوجود الاجتماعيّ، وهم في كل ذلك يركزون أهمية استكشاف الغامض والمبهم والخفيّ الرمزيّ الضارب في عمق الحياة الإنسانيّة. ويأخذ مفهوم "التفاعل الرمزيّ" صورة تواصل اجتماعيّ يقوم على التبادل التفاعليّ للرموز والدلالات والمعاني بالطريقة الّتي يتأثّر فيها الفرد، ويؤثّر في عقول الآخرين وتصوّراتهم ورغباتهم ووسائلهم في تحقيق أهدافهم، وفي ممارسة تكيّفاتهم الحيويّة داخل المجتمع(2).
فالرموز والمعاني والدلالات والتصوّرات والكلمات تشكّل في مجموعها أدوات التفاعل الاجتماعيّ، كما تشكّل في الوقت نفسه موضوع البحث والدراسة والتقصّي في مجال النشاط السوسيولوجيّ للتفاعليّة الرمزيّة. وتعمل على استكشاف الكيفيّات الاجتماعيّة الّتي توجد في أصل تكوّن النسيج الاجتماعيّ، وتحديد الفعاليّات الّتي يعتمدها المجتمع في تطوير ذاته، والمحافظة على وجوده من خلال التواتر المكثّف لنشاط الأفراد في سياقات تفاعلهم وتواصلهم عبر المعاني والرموز(3).
ويمكن القول بصيغة أخرى، إنّ التفاعل الرمزيّ يشكّل إطار عمل للتفاعليّة الرمزيّة الّتي ترى المجتمع نتاجاً للتفاعلات اليوميّة للأفراد، وهي في أفضل أحوالها تشكل إطاراً مرجعيّاً منهجياً يمكّن الباحثين من فهم أفضل لكيفيّة تفاعل الأفراد مع بعضهم بعضاً ضمن فضاءات رمزيّة مُفعَمة بالمعاني والدلالات.
ويمكن تعريف التفاعليّة الرمزيّة أيضاً بأنّها اتّجاه فكريّ، أو مشروع نظريّة اجتماعيّة توظّف في وصف الكيفيّة الّتي يتمّ فيها بناء الحياة الاجتماعيّة، وفي فهم الطريقة الّتي يتمّ فيها تشكّل المجتمع كنتيجة للتفاعلات الرمزيّة القائمة بين أفراده. وتركّز نظريّة التفاعل الرمزيّ في المقام الأوّل على أهمّيّة الرموز بوصفها حمّالة للمعاني، وجميعها –أي الرموز والمعاني- تشكّل أداة للتفاعل الاجتماعيّ بين أفراد المجتمع، وهو عين التفاعل الّذي يشكّل لحمة المجتمع وجوهر تكوينه. وتأخذ النظريّة بأهمّيّة دراسة التفاعلات الرمزيّة داخل الجماعات الصغيرة، وهي تفاعلات تحدث بين الأفراد بصورة حسّيّة عيانيّة، أي وجهاً لوجه، وتسلّط الضوء على أهمّيّة الرموز كوسيلة للتواصل، ولا سيّما على المستوى الفرديّ دون النظر إلى تأثير المؤسّسات والظواهر الاجتماعيّة الكبرى.
ويمكن تعريفُ التّفاعل الرّمزيّ، مرة أخرى، بأنّه "صيغة تفاعل رمزيّ أصيل يقوم بين الأفراد، ضمن نسق مجتمعيّ معيّن، ويظهر ذلك التّفاعل في مجموعة من السلوكيّات الّتي يقوم بها فاعل ما، في علاقة بالسلوك الّذي يصدر عن الفاعل الآخر. فتصدر عن الذوات المتبادلة مجموعة من الأفعال وردود الأفعال في تماثل مع بنية المجتمع. وتتّخذ هذه الأفعال معاني ودلالات رمزيّة متنوّعة تستلزم الفهم والتأويل"(4).
وتعتمد نظريّة التفاعل الرمزيّ على مفهومين أساسيّين كما يبدو من تسميتها، هما: التّفاعل والرّمز. ويتوسّط هذين المفهومين مفهومُ الإنسان والهويّة الإنسانيّة. وتمثّل هذه النّظريّة إطاراً عامّاً لبناء التصوّرات السوسيولوجيّة الّتي ترى بأنّ المجتمع نتاج للتفاعلات الرمزيّة اليوميّة القائمة بين الأفراد في المجتمع. فتركّز على دور التفاعلات الاجتماعيّة في جعل الأشخاص يعيّنون معانيَ للأشياء من حولهم بناء على تفسير تفاعلاتهم مع الآخرين. وينطلق أصحابها وممثّلوها من فكرة أساسيّة قوامها أنّ الناس يفهمون عوالمهم الاجتماعيّة من خلال التّواصل والتّفاعل الاجتماعيّين القائمين على وسائطيّة التّبادل الرمزيّ إنتاجاً للمعاني والدّلالات. وبصيغة أكثر دقّة، يرون أنّ المعنى الّذي يُسبَغ على مكوّنات العالم من حولنا ينبثق من آليّات التّفاعل الرّمزيّ مع النّاس والأفكار والأحداث. وهذا يعني أنّ فهمنا للعالم والمجتمع الّذي نعيش فيه يعتمد على نواتج التّفاعل الرّمزيّ الاجتماعيّ.
ويشار غالباً إلى عالم الاجتماع البراغماتيّ الأمريكيّ جورج هربرت ميد (George Herbert Mead: 1863-1931) بوصفه الأب المؤسّس للتفاعليّة الرمزيّة، وهو الّذي رسم معالمها في كتابه المشهور "العقل والذات والمجتمع" (Mind, Self, Society) الّذي نشر عام 1934، أي بعد وفاته بثلاث سنوات(5).
ويعدّ عالم الاجتماع الأمريكيّ هربرت بلومر ( Herbert Blumer: 1900 - 1987) أوّل من استخدم مصطلح "التفاعليّة الرمزيّة" (Symbolic Interactionism) في مقالة له بعنوان "علم النفس الاجتماعيّ" في عام 1937. ويعود إليه الفضل الكبير في تطوير جوانب هذا التيّار في مختلف مستوياته الفكريّة والنظريّة والمنهجيّة. ويعرّف هربرت بلومر في كتابه "التفاعليّة الرمزيّة" (Symbolic Interactionism)(6) "التفاعل الرمزيّ" بأنّه صيغة فريدة للتفاعل الاجتماعيّ بين الأفراد في المجتمع، والأفراد في سياق تفاعلهم يفسّرون أفعالهم، ويؤوّلونها تأسيساً على المعنى الّذي يسبغونه عليها"(7). ومن الواضح أنّ "التفاعل الرمزيّ" يشكّل أرومة عمليّة للتفاعل الاجتماعيّ ومضمونه، وهو نمط من التفاعل الّذي يتحقّق بالوسائط الرمزيّة الّتي تمكّن الأفراد من تحقيق التواصل الاجتماعيّ في معترك الحياة الاجتماعيّة، وهو التواصل الّذي ينتهي بتحقيق التكامل والتفاعل والاندماج الاجتماعيّ.
وعلى هذا الأساس، يأخذ التفاعل (Interaction) صورته بوصفه نسقاً متواتراً من التواصل الديناميّ المستمرّ بين أفراد المجتمع، فرداً لفرد، وفرداً لجماعة، وجماعة لجماعة أو لفرد، وينطوي هذا التفاعل بالضرورة على مخزون هائل من الرموز (Symbols) الّتي تشكّل أنساقاً متدافعة من إشارات رمزيّة يوظّفها الأفراد في عمليّة تفاعلهم مع الآخرين من أجل توليد التفاهم والتواصل الاجتماعيّ، كما تأخذ هذه الرموز هيئة لسانيّة لغويّة محمّلة بالمعاني ومتشبّعة بالدلالات والانطباعات الذهنيّة المتنوّعة.
والمجتمع، وفق التفاعليّة الرمزيّة، بوتقة يتفاعل فيها الأفراد فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الوسط الّذي يحتضنهم، وهو المدار الّذي تتفاعل فيه الذوات الإنسانيّة، والإطار الّذي يزخر بالدلالات الاجتماعيّة والسيميائيّة. وإذا كان الفعل الإنسانيّ ينتج الرموز، ويبدع المعاني، ويبني الدلالات، فإنّ أصحاب هذا الاتّجاه يميّزون بين نمطين من الأفعال الإنسانيّة: أحدهما، إنسانيّ اجتماعيّ متشبّع بالدلالة؛ والآخر إنسانيّ عفويّ يقع خارج المعاني، ويفتقر إلى الدلالات، وهم في هذا السياق يعتقدون أنّ الأفعال الاجتماعيّة هي فقط هذه الّتي تحمل في ذاتها معاني ودلالات رمزيّة ومقاصد إنسانيّة في أثناء التفاعل الاجتماعيّ، أي: الأفعال الاجتماعيّة الحاملة للقيم والمعاني، وهي القيم والمعاني الرمزيّة الّتي ينهلها الفرد من المجتمع، ويشترك فيها مع الآخرين ضمن أنساق قيميّة وميول ومعايير يشاركهم فيها، ويعتمدها في التواصل معهم، لكي يكون قادراً على التنبّؤ بسلوكيّاتهم وبواعث تصرّفهم (8).
وفي هذا السياق يرى فيكتور تيرنر (Victor Turner) أحد روّاد التفاعليّة الرمزيّة "بأنّ علاقتنا بالأشياء المحيطة بنا تعتمد على تقييمنا لها عن طريق تحويلها إلى رموز، وهذه الرموز قد تكون إيجابيّة أو سلبيّة بالنسبة لنا اعتماداً على خبراتنا وتجربتنا معها، فإذا كانت إيجابيّة، تفاعلنا معها بقوّة"(9). ويتجلّى هذا التأكيد على الطابع الرمزيّ للوجود الإنسانيّ بقوله المشهور: إنّ" الإنسان محاط بغابة من الرموز، فالرمز يأخذ حيّزاً كبيراً في حياتنا اليوميّة، فهو يحضر باستمرار في كلّ تفاعلاتنا الاجتماعيّة وفي مختلف ممارساتنا الطقوسيّة الواقعيّة منها والافتراضيّة التي تتميز بأنها متّخمة بمنظومات رمزيّة تتحدّد كبنيّة لإنتاج الاجتماعيّ، وكآليّة صميميّة لإعادة إنتاجه وبنائه مجدّداً"(10).
واستناداً إلى ما تقدّم يمكن القول: إنّ التفاعل الرمزيّ يشكّل إطاراً نظريّاً لنمط من السوسيولوجيا الّتي تبحث في الطبيعة الرمزيّة للحياة الاجتماعيّة، وتتحرّى الطريقة الّتي يتمّ بها التفاعل الاجتماعيّ من خلال الرموز القائمة في الثقافة الاجتماعيّة السائدة (11).
2- التفاعليّة الرمزيّة في التربية:
يقصر التفاعليّون الرمزيّون تحليلهم للتعليم على ما يلاحظونه مباشرة في الفصل الدراسيّ. ويركّزون على كيفيّة تأثير توقّعات المعلّمين في أداء طلبتهم وفي تشكيل تصوّراتهم ومواقفهم، ويهتمّون بالديناميّات النفسيّة الاجتماعيّة لتفاعل الأفراد في الفصول الدراسيّة، وهم يركّزون أيضا على الرموز الّتي توظّف في تشكيل العقول والمعرفة عند الطلبة من خلال عمليّة التفاعل الرمزيّ في الفصول، وفي داخل الأسرة أيضاً. وغالباً ما يرون أنّ مشاعر الطلبة وهويّتهم وأحاسيسهم وشعورهم بذواتهم يشكّلها التفاعل الرمزيّ في سياق العمليّة التربويّة، وقد لا يبالغون في القول بأنّ تشكيل صورة الذات (Self-Concept) يتمّ من خلال كيفيّة تفاعل الأفراد مع أقرانهم في الوسط الاجتماعيّ والمدرسيّ. كما يؤكّدون على أهمّيّة الرموز ودورها في عمليّة التفاعل التربويّ، إذ الرموز –سواء كانت كلمات أو رموزا غير لفظيّة– لها معان مشتركة بين الأفراد، وتعمل كوسيلة للتواصل والتفاهم بينهم. وعندما يستخدم رمز معيّن ينشأ تفاعل بين المرسل والمرسل إليه فيتمّ تبادل المعاني والمفاهيم الرمزيّة. ويؤدّي هذا التفاعل إلى تكوين معنى مشترك بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، عندما تستخدم كلمة "شكراً"، يُدعى لها معنى مشترك معروف لدى الأفراد مثل التقدير والامتنان.
وتعتمد النظريّة التفاعليّة الرمزيّة على فكرة أنّ الرموز لا تحمل معانيَ ثابتة ومحدّدة، بل هي تتغيّر وتتطوّر مع الزمن ومع تطور الثقافة وتغير السياق الاجتماعيّ. لذلك، قد تكون للرموز معان مختلفة لدى أفراد مختلفين، أو في سياقات مختلفة.
وفي المستوى التربوي يقوم التفاعليّون الرمزيّون بتحليل عمليّات التفاعل الرمزيّ بين التلامذة من جهة والمدرّسين من جهة أخرى، كما يركّزون على التفاعل الشامل بين مختلف مكوّنات العمليّة التربويّة في المدرسة (بين الطلبة والطلبة كما بين المعلّمين والطلبة والإداريّين ) ويعتمدون في تحليلهم على المنهج السوسيولوجيّ المصغّر أو ما يمكن أن يطلق عليه الماكروسوسيولوجيّ (Macro-sociology) أي المجموعات المصغّرة.
وتشكّل المدرسة عندهم فضاء رمزيّاً للتفاعل بين مكوناتها: طلبة ومعلّمين وإداريّين ومناهج تعليميّة ومضامين ثقافيّة، ويرون بأنّ هذا التفاعل هو البوتقة الّتي يتشكّل فيها التلامذة نفسيّاً وروحيّاً ومعرفيّاً واجتماعيّاً، ويعني هذا أنّ التفاعل القائم على الرموز والمعاني يعطي القوّة الّتي تشكّل الأفراد وتمنحهم هويّتهم وشخصيّتهم الاجتماعيّة. فهم يتشكّلون في عمق التفاعل الرمزيّ، وفي سياق تحوّلاته وديناميّاته المستمرّة.
ويتكوّن الفضاء المدرسيّ من أنساق لا متناهية من الرموز؛ أفعالاً وإشارات وتلميحات وصوراً وألواناً ولغة، كما أنّ المناهج والدروس والمقرّرات تصاغ في رموز، وهذه الرموز حمّالة للمعاني والدلالات الفاعلة في تشكيل الإنسان بوصفه كائناً رمزيّاً. والمدرسة كما العائلة هي أكثر الفضاءات الرمزيّة قدرة على تشكيل هويّة الفرد وعقله ونظرته إلى نفسه وإلى غيره، وتعطيه المعنى لوجوده وحياته.
وقد ركّز الرمزيّون على طبيعة التفاعل بين المعلّمين والتلاميذ، ووجدوا أنّ هذه العلاقة تشكّل المنطلق في نظرة التلميذ إلى نفسه، وفي الصورة الّتي يجب أن يكون عليها. فالمعلّمون يشكّلون المرآة الّتي تحدّد مصير الطالب علميّاً وفكريّاً وثقافيّاً. فأحكام المعلّمين وتصنيفاتهم وتقييماتهم وتوقّعاتهم وتوصيفاتهم للتلامذة أو الطلبة تؤدّي دوراً خطيراً في تشكيل هويّة الطالب علميّاً وإنسانيّاً؛ إنّها تؤثّر في مستوى تحصيلهم، وفي نظرتهم إلى أنفسهم، وفي مسيرتهم العلميّة. فالتوقّعات المنخفضة والأحكام السلبيّة تؤدّي إلى نتائج سلبيّة في سلوك الطلبة، وفي إدراكهم لأنفسهم. وعلى خلاف ذلك عندما تكون أحكام المعلّمين وتوقّعاتهم إيجابيّة، فإنّها تؤدّي دوراً إيجابيّاً في مستويات أداء الطلبة، وفي نفسيّاتهم. ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن بيئة الفصل الدراسيّ مليئة بالأنشطة والرموز والأشياء والأحداث، ويجب على المعلّمين الربط بين هذه الرموز ومعانيها والعمل على تطويرها وتعديلها وتغييرها بمراعاة الظروف الاجتماعيّة القائمة.
3- أسطورة بيغماليون – النبوءة المحققة لذاتها:
بيغامليون نحات أسطوري إغريقي فاقت شهرته الآفاق، نحت تمثالا لامرأة فائقة الجمال تدعى غالاتيا، فوجد نفسه أمام آية فنية رائعة الجمال، فصعق بجمالها ووقع في حبها وهام بها عشقا، ولما أضناه الحب ونال منه جنون العشق، أشفقت عليه إفروديت Aphrodite إلهة الحب والجمال فوهبت محبوبته الحجرية نسغ الحياة، ليتزوجها وينهل من حبها إلى الأبد.
هذه الأسطورة السحرية شكلت موضوعا أثار اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع، وقد تفتق هذا الاهتمام عن تساؤل جوهري حول القيمة الواقعية لما يعتقده الإنسان ولما يفترضه، وعن إمكانية تحويل الطموحات والأحلام والتوقعات الإنسانية إلى وقائع وحوادث وفعاليات ترتسم في نسق الحياة وتستقيم على دروبها.
وقد اثارت هذه الفكرة الأسطورية اهتمام المفكر وعالم الاجتماع المعروف روبيرت ميلتون Robert MELTON الذي أطلق على هذه الظاهرة النبوءة المتحققة ذاتيا (prophétie auto-réalisatrice) واستحضر حدثا واقعيا يتعلق بإفلاس أحد البنوك في عام 1932 على اثر إشاعة مغرضة لي لها أساس من الصحة.
وتتمثل الدلالة التربوية لمعادلة بيغاميليون Pygmalion في تحقيق نتائج تربوية تستند إلى مجرد توقعات وتكهنات تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ حيث يتحول الافتراض إلى حقيقة تفرض نفسها في مجال الواقع التربوي. فالإنسان يحاول دائما أن يتجلى على منوال الصورة التي يرسمها الآخرون حوله، وتصورات الآخرين قد تفعل فعلها المكين في نفوسنا وعقولنا، فآراء الآخرين حولنا يمكن أن تدمي قلوبنا ويمكن أن تحيينا، وإذا كان الأمر على هذه الدرجة من الأهمية فكيف يمكن أن يكون الأمر بالنسبة لأطفال على مقاعد الدراسة في مواجهة أحكام المعلمين وتقديراتهم التي قد تكون مفرغة من حكمة الصواب. فأحكام المعلم ونواهيه حول المتعلم تمتلك قدرة سحرية تؤثر في شخصية التلميذ وقد تدفعه إلى تحقيق النجاح أو إلى كارثة العدم التربوي إذا كانت مجحفة وقاسية. وما تأثير بيغاميليون إلا صورة لهذه العلاقة التربوية المتشبعة بالأحكام التي يطلقها المعلم على تلامذته وطلابه في داخل الفصل وفي خارجه.
4- دراسة روزنتال وليونور جاكوبسون:
لقد بينت التجربة في المجال المدرسي أن التنبؤ المدرسي للمعلمين يتحقق بصورة عفوية وذاتية: ففي الصفوف المدرسية التي تكون فيها توقعات المعلمين إيجابية حول مسيرة بعض الطلاب فإن هذه التوقعات غالبا ما تتحقق هذا الأمر وغالبا ما يحقق التلامذة المعنيون بهذه التوقعات الإيجابية نجاحا كبيرا وملحوظا يوازي توقعات معلميهم. وهذا ما أفادت به الدراسة التجريبية التي أجراها طل من روبرت روزنتال ولينور جاكوبسون [12] في مدرسة أويك الحكومية الابتدائية. حيث تم توزيع التلاميذ في هذه المدرسة إلى ثلاثة مجموعات صنفت وفقا لثلاثة تقديرات من الذكاء: مرتفعو الذكاء، متوسطو الذكاء، ضعيفو الذكاء.
استخدم فريق روزنتال البحثي اختبارا نفسيا لقياس ذكاء التلاميذ في المدرسة، وقد أخفى الباحثون الغرض الأساسي لدراستهم الخاص بعملية اختبار تأثير بيغامليون، وزعموا أنهم يختبرون تقنية جديدة تتعلق بتحسين بقياس معدلات الذكاء لدى الأطفال وعلاقة ذلك بمستوى نجاحهم في المدرسة.
في البداية قام الباحثان بتطبيق اختبار الذكاء الأولي القبلي مع بداية العام الدراسي على جميع التلاميذ في جميع الصفوف المدرسية في مدرسة أويك. وكان الهدف من هذه التجربة العلمية قياس معدلات ذكاء الأطفال من جهة واختبار ما أطلق عليه تأثير بيغامليون من جهة أخرى.
وعندما أنجز الباحثون اختبار معدل الذكاء الأولي أو القبلي قاموا بانتخاب 20% من عدد التلاميذ عن طريق القرعة زُعم الباحثون أنهم حققوا نتائج عالية في معدلات ذكائهم، وقدمت لائحة بأسمائهم إلى معلميهم. وهنا يجب أن نؤكد بأن أسماء هؤلاء التلاميذ قد اختيرت بطريقة القرعة بصورة عشوائية وليس بناء على أي اختبار حقيقي لذكائهم. وقد شكلت الجماعة التجريبية للطلاب مزعومي الذكاء (وفقا للقرعة) نسبة 20% من عدد الطلاب في المدرسة، أما الجماعة الضابطة فهي ما تبقى من الطلاب في المدرسة حيث لم تقدم اية معلومات عن مستوى ذكائهم وفقا للاختبار. وقد طبق اختبار الذكاء نفسه البعدي في نهاية العام الدراسي الأول وفي نهاية العام الدراسي الثاني أي بعد أن تغير المعلمون الذين شاركوا بالتجربة دون دراية منهم بأغراضها الحقيقية.
ومن المهم الإشارة والتكرار أيضا أنه في العام الدراسي الثاني قد تغير معلمو التلاميذ المعنيين بالتجربة وهذا سيسمح بالتعرف على ما إذا كانت الأحكام المسبقة للمعلمين قد فقدت تأثيرها في مستوى تحصيل التلاميذ المتفوقين حسب القرعة. وأخيرا تمّ حساب الفروق في الدرجات بين الاختبار الأول وبين الاختبار الثاني بالنسبة للجماعة التجريبية والجماعة الضابطة.
لقد بينت التجربة أن طلاب المجموعة التجريبية (الطلاب الذين صنفوا بالقرعة على أنهم أذكياء) قد حققوا تقدما كبيرا في مستوى ذكائهم ونجاحهم المدرسي على طلاب المجموعة الضابطة وذلك في نهاية العام الدراسي الأول. وبعد مضي عامين أي في نهاية العام الثاني بين الاختبار الثاني أن تلامذة المجموعة التجريبية قد خسروا تقدمهم مع انقطاع علاقتهم بمعلميهم الذين كانوا يحملون تصورا إيجابيا عنهم.
ويتعين علينا في مستوى التحليل أن نتساءل ما إذا كان التقدم الذي حققه أطفال المجموعة التجريبية في معدلات الذكاء قد تحقق على حساب المجموعة الضابطة؟ وهنا يمكن التصور بأن المعلمين كانوا قد اعطوا مزيدا من الاهتمام والعناية بالتلاميذ الذين قدموا على أنهم مبدعين وأذكياء بالمقارنة مع الآخرين. وهذا يعني أن التقدم الذي حققه الأطفال في المجموعة التجريبية لم يكن مفاجئا وكان نتيجة طبيعية لاهتمام المتعلمين المتزايد بهم.
ولكن روزنتال يستبعد هذا الاحتمال ويرى بأن المعلمين وعلى عكس ما هو متوقع منهم كرسوا وقتا أقل لتلاميذ المجموعة التجريبية، وعلى خلاف ما هو متوقع أيضا يرى روزنتال بأن تلامذة المجموعة الضابطة قد استفادوا من تقدم زملائهم في المجموعة التجريبية: ففي الصفوف التي حقق فيها أطفال المجموعة التجريبية أعلى مستويات التقدم في التحصيل المدرسي حقق أطفال المجموعة الضابطة أيضا ما يوازي هذا التقدم في اختبار الذكاء.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يستطيع المعلمون إستنهاض مستوى ذكاء الطلاب استنادا إلى توقعهم بحدوث هذا التقدم. ومما لا شك فيه الموقف يلعب دورا هاما ومركزيا في هذه العملية، فموقفنا وسلوكنا إزاء الآخر يتحدد بالصورة التي نمتلكها عنه وبعلاقتنا به. وهنا يفترض في مدرسة إويك أن المعلمين قد تصرفوا بطريقة ودية مع الأطفال الذين حققوا تقدما في معدلات ذكائهم (أطفال المجموعة التجريبية) وبالتالي فإن هذا الموقف أحدث آثارا إيجابية فيما يتعلق بنشاط الطلاب ومستوى تقدمهم. وضمن هذا الافتراض فإن المعلمين وجهوا مزيدا من عنايتهم واهتمامهم إلى التلامذة المتوقع منهم تحقيق تقدم في التحصيل والذكاء. ووفقا لهذا التصور فإن المعلمين كانوا أكثر اهتماما بالمبادرات الإيجابية لهؤلاء الأطفال وأكثر نزوعا إلى تعزيز استجاباتهم وتشجيعهم بالمقارنة مع الوضعية العادية.
ولأن المعلمين قد تلقوا إشارة بأن هؤلاء الأطفال (المجموعة التجريبية) سيكونون متألقين أكثر من الآخرين فإن المعلمين أعطوا لهذه الفئة من التلاميذ اهتماما خاصا حيث عملوا على تعزيز مسار تحصيلهم وتفوقهم ومن ثم المواظبة على تقييمهم إيجابيا بطريقة تؤدي إلى تحسين مستوى التطور العقلي لديهم. وبالتالي فإن التفاعل الإيجابي بين المعلمين وطلابهم من المجموعة التجريبية قد شكل عاملا أساسيا من عوامل تقدم طلابهم ذهنيا عقليا.
لقد تعرضت تجربة روزنتال للنقد الحاد من قبل ثورندايك Thorndike وسنو Snow في الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل كارلييه Carlier و كودستيينر Gottesdiener في فرنسا. وقد تمركز النقد حول نوع الاختبار الذي لم يكن مكيفا لقياس مستوى ذكاء الأطفال، وأن هذا الاختبار قد أعطى نتائج خاطئة. ويرى كارلييه في هذا السياق بأن روزنتال لم يقدم برهانا منهجيا على مصداقية تحليله لأبعاد هذه الظاهرة المدروسة. وقد أعرب عن خشيته من تأثر منهجية الباحثين برغبتهم في إثبات الحقيقة التي تدور في رؤوسهم عن تأثير بيغامليون، ويلاحظ بالتالي بأن هذه الرؤية لم تتحقق مصداقيتها إلا فيما يتعلق بمجموعة صغيرة من التلاميذ. فتأثير بيغامليون يمكن ملاحظته في المدرسة من خلال عملية التمييز الاجتماعي التي تتم بين جدران المدرسة، وفي هذا السياق يلاحظ بأن صفوف التقوية التي أنشئت كمعابر مدرسية للطلاب الضعفاء تتحول في النهاية إلى صفوف تكرس الإخفاق والتراجع المدرسي حيث تتنامى الهوة بين الأقوياء والضعفاء. وهذا يعزى جزئيا أو كليا إلى تقديرات المعلمين الذين يعرفون جيدا المستوى العام للصف الذي يقومون بتدريسه. وعلى أساس معطيات دراسة روزنتال ظهرت مقالات كثيرة في الصحافة الشعبية لتطرح عددا من الأفكار خارج السياق لدراسة روزنتال، حيث ذهب كتاب هذه المقالات إلى القول بأن الطفل الذي لا يستطيع القراءة بشكل جيد نتاج لإهمال وتقييم سلبي من قبل المعلم.
5- دراسة راي ريست:
أجرى راي ريست (Ray Rist) بحثًا مشابهًا لدراسة Rosenthal ‐ Jacobson في عام 1970. في فصل رياض الأطفال حيث كان كل من الطلاب والمعلمين أمريكيين من أصل أفريقي، قام المعلم بتعيين الطلاب على طاولات بناءً على القدرة؛ جلس الطلاب "الأفضل" على طاولة قريبة منها، وجلس الطلاب "المتوسطون" على الطاولة التالية، وجلس الطلاب "الأضعف" على الطاولة الأبعد. اكتشف ريست أن المعلم خصص الطلاب لقاعدة طاولة على تصور المعلم لمستويات مهارات الطلاب في اليوم الثامن من الفصل، دون أي شكل من أشكال الاختبار للتحقق من التنسيب. كما وجد ريست أن الطلاب الذين ينظر إليهم المعلم على أنهم متعلمون "أفضل" جاءوا من طبقات اجتماعية أعلى، في حين أن الطلاب "الضعفاء" كانوا من طبقات اجتماعية أقل.
من خلال مراقبة الطلاب خلال العام، وجد ريست أن الطلاب الأقرب إلى المعلم تلقوا قدرا أكبر من الاهتمام وكان أداؤهم أفضل. ولاحظوا أنه كلما جلس الطالب بعيدًا عن المعلم كان أداؤه أقل وأضعف.
بعد السنة الأولى، واصل ريست مراقبة هذه المجموعة من الطلاب أثناء تقدمهم في المدرسة. تبعتهم سمعة الأطفال إلى الصف الثاني، حيث راجعت معلمة أخرى درجاتهم وقسمت فصلها أيضًا إلى ثلاث مجموعات، "النمور" و "الكاردينالات" و "المهرجون". تم تشكيل هذه المجموعات بالطريقة نفسها بالضبط، وبنفس التقسيم، مثل الجداول الأول والثاني والثالث. من هذا البحث، توصل ريست إلى نتيجة مذهلة مفادها أن رحلة كل طفل في المدرسة قد تم تحديدها بحلول اليوم الثامن من الروضة. وفقًا لريست، فإن التسميات التي أعطاها معلمو رياض الأطفال للأطفال تضعهم في مسار عمل يمكن أن يؤثر على بقية حياتهم.
من خلال مراقبة الطلاب على مدار العام، وجد ريست أن الطلاب الأقرب إلى المعلم حصلوا على أكبر قدر من الاهتمام وكان أداؤهم أفضل. كلما جلس الطالب بعيدًا عن المعلم، كان أداء الطالب أضعف. واصل ريست دراسته خلال السنوات العديدة التالية، ووجد أن التسميات المخصصة للطلاب في اليوم الثامن من روضة الأطفال اتبعتهم طوال فترة دراستهم.
6- دراسة جيرمي إيفرسون:
ويقدّم لنا جيريمي إيفرسون (Jeremy Iverson) تحليلاً عميقاً وطريفاً لمسائل التصنيفات والحكّام الّتي يوظّفها المعلّم في توصيف طلبته والحكم على قدراتهم، ويسرد لنا في كتابه الموسوم "المدرسة الثانويّة" (High School) تجربته النادرة في الانتساب متنكّراً كطالب في مدرسة ثانويّة في كاليفورنيا مع أنّه كان قد تخرّج من جامعة ستانفورد الشهيرة. ومن المشكلات الّتي حدّدها في بحثه مشكلة المعلّمين الّذين يطلقون أحكامهم وتصنيفاتهم وتقييماتهم على الطلبة، وقد وجد بأنّ هذه الأحكام السلبيّة تؤدّي دوراً تدميريّاً في حياة الطالب، وتبقى ملازمة له على مدى الحياة. ومن الطرائف العجيبة والنوادر المضحكة أنّ أحد المدرّسين أفاده بأنّه لن يحقّق أيّ نجاح، وأنّ إمكاناته المعرفيّة والعقليّة متدنّية، دون أن يدري أنّه خرّيج لامع من إحدى الجامعات المرموقة في أمريكا. ومن الواضح أنّ إيفرسون لم يأخذ التقييم الخاطئ لهذا المعلّم على محمل الجدّ، إذ يرى أنّ مثل هذه الأحكام السلبيّة قد تكون قاتلة ومدمّرة بالنسبة إلى الطلبة الجدد المبتدئين الّذي يكونون عادة في مقتبل العمر، والّذين يرون في معلّميهم القدوة، ويعتقدون أنّهم أهل الحكمة والمعرفة، وأنّ تقديراتهم وأحكامهم لا بدّ أن تكون صحيحة لا يداخلها أيّ شكّ أو ريبة.
7- تأثير التوقعات التربوية:
لقد كشف كل بروكوفير في عام 1982 وكوبر في عام 1984 وكودون في عام 1987 عن مجموعة من العوامل والمتغيرات التي تؤثر في موقف المعلمين من التلاميذ وتدفعهم إلى تشكيل توقعات محددة حول مستواهم التحصيلي، ومن هذه العوامل يشار إلى متغير جنس التلاميذ فعلى سبيل المثال لا يضع المعلمون توقعات جيدة للإناث في هذا المقرر ولاسيما للطالبات الأكبر من حيث العمر. وهناك متغيرات أخرى مؤثرة في عملية بناء التوقعات مثل: الوضع الاقتصادي والاجتماعي للتلميذ، متغير الانتماء إلى جماعة إثنية، نمط المدرسة ومكانها، مظهر الطالب والطريقة التي يرتدي بها ملابسه، اللغة التي يستخدمها التلميذ ولاسيما عندما يكون المستوى اللغوي للطفل محدودا أو ضعيفا، طريقة الطالب في تنظيم شؤونه، نزعة المبادرة لدى التلميذ، فعدم نضج الطفل أو ضعف خبرته قد تتشاكل مع قدرته على التعلم وبالتالي فإن هذا المتغير يؤثر على تقدير المعلم وتوقعه بمستوى تحصيل الطفل ومن العوامل الأخرى المؤثرة يشار أيضا إلى: الانطباع العام للمعلم: بعض المعلمين يعممون بعض التصورات العامة حول التلميذ وهي تصورات قلما تستند إلى معطيات واقعية وحقيقية تتعلق بإمكانيات التلميذ وقدراته وإمكانياته الحقيقية، ثم متغير مكان جلوس الطالب في الأمام أو في الخلف أو في الوسط، متغير التعليقات السلبية التي توجه إلى التلميذ، متغير تصنيف التلميذ في مجموعات جيدة أو ضعيفة يمكنها أن تجر توقعات سلبية أو إيجابية لدى المعلم.
تلك هي المعايير والمتغيرات التي يعتمدها المعلمون بطريقة عفوية لبناء توقعاتهم وتصوراتهم المتعلقة بمستوى نجاح التلميذ ومستوى تحصيله المدرسي. وهنا تبذل الجهود لمساعدة المعلمين على تجنب هذه النمط من الأحكام المسبقة حيث يتم العمل على تبصير المعلمين بخطورة هذه الأحكام المسبقة والتوقعات الأولية وكيفية تأثيرها لا شعوريا في علاقة المعلم بالأطفال والتلاميذ. في هذا السياق يعتقد روزنتا أن هذا المنطق السلبي يمكن أن يفهم بصورة خاطئة إذا اعتقد المعلم بأن الأحكام المسبقة والتوقعات الإيجابية أو السلبية التي تتعلق بالتلميذ يمكن أن تجعل منه ما يتوافق مع توقعاته بصورة عفوية.
وينوه الباحثون في هذا السياق أن إعطاء مصادر المعلومات أهمية كبيرة مثل نتائج الاختبارات والملفات المدرسية يمكنها أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. وهم يعلنون بأن هذه المعلومات المتعلقة بالتلاميذ يجب ألا تؤخذ على أنها حقيقة نهائية مطلقة بل يجب أن ينظر إلها وأن يستفاد منها في مسار اتخاذ القرارات المستقبلية التي تتعلق بالتلميذ. وهنا يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن للتلاميذ أن يتفاعلوا مع تقديرات وتوقعات عالية المستوى من قبل معلميهم.
ويرى الباحثون أن التوقعات الكبيرة والتقديرات العالية للتلاميذ تشكل عنصرا أساسيا في المكونات الضرورية لتحقيق نجاح أكبر في المدرسة. وهذا العامل يجب أن يتضافر مع عوامل أخرى مثل العناية الإدارية، والمناخ المدرسي المنظم الآمن، والتقويم المستمر لمستوى الطالب. وهذا العوامل يجب أن تتكامل أيضا مع عوامل أسرية منها ما يتصل بأوضاع التلميذ في المنزل ومواظبته على الدراسة وحصوله على الدعم الأبوي والعائلي حيث يجب على الأبوين أن يسمحا للطفل بالمشاركة في النشاطات الخارجية ولاسيما التلاميذ الذين يحتاجون إلى دروس تقوية تهدف إلى رفع سويتهم العلمية.
وغالبا ما يعزى انخفاض المستوى التحصيلي للتلاميذ إلى ضعف مستوى التلاميذ أنفسهم، وقلما يعزى هذا الضعف في التحصيل إلى الممارسة التربوية نفسها في المدرسة. ومن يتأمل في الأمر يجد أحيانا بأن المعلمين غالبا ما يضعون توقعات متدنية للتلاميذ وهذه التوقعات تؤثر في خفض مستوى تحصيلهم. فالأطفال الذين يصنفون ضعفاء في صفوفهم يتلقون معرفة واهتماما أقل إثارة والمعلمون لا ينتظرون شيئا مهما من قبل هؤلاء التلاميذ. ومن الطبيعي أن يتلقى هؤلاء الأطفال عددا كبيرا من الإشارات والتلميحات السلبية غير المباشرة التي تخفض لديهم دافعية العمل والإنجاز المدرسي وبالتالي فإن نتائجهم تكون على منوال التوقعات التي يرسمها معلموهم بصورة مسبقة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية العلاقة التي تربط بين المعلم والطالب حيث تكون هذه العلاقة في منتهى الخطورة والأهمية من حيث تأثيرها في مستوى نجاح الطالب أو مدى تحصيله المدرسي. فالعلاقة بين المعلم والتلميذ قد تكون حاسمة في تحديد مسار نجاح التلميذ، لأن هذه العلاقة تنطوي على جوانب ذاتية متنوعة ومتعددة تتجاوز حدود التجربة المدرسية ذاتها. فالعلاقة الإيجابية مع المعلم تمكن الطفل من أن يثق بنفسه وأن ينطلق وأن يشعر بالأمن التربوي وأن يشعر بالقدرة على المواظبة. وعلى خلاف ذلك إذا كانت هذه العلاقة سلبية فقد تؤدي إلى نتائج مدمرة في شخصية الطفل ومسار حياته المدرسية برمتها. وفي هذا السياق يلاحظ أن المعلم غالبا ما يبني علاقات أقوى وأعمق مع التلاميذ الذين يبدون مشاركين وفاعلين وواعدين وأن هذه العلاقة غالبا ما تكون سلبية مع الطلاب ذوي المستويات التحصيلية المتدنية.
وغالباً ما يخمّن الطلبة توقّعات معلّميهم المتعلّقة بهم، ويتمثّلونها ثمّ يتماهون مع أحكامهم وتصوّراتهم، وعلى هذه الصورة يكون المعلّم المرآة الّتي يجد فيها الطالب صورة نفسه، فيعمل على محاكاتها. وهو ما يعني أنّ كلّ الأحكام والتصوّرات والتصنيفات والتقييمات المسبقة الّتي يعتمدها المعلّمون تتحوّل إلى قوّة فاعلة في تشكيل هويّة الطلبة ومستويات أدائهم، ويطلق على هذه العمليّة: النبوءة ذاتيّة التحقّق أي الّتي تتحقّق ذاتيّاً (Self-Fulfilling prophecy)، ومثال ذلك الطالب الّذي يكون عرضة للأحكام والتقييمات السلبيّة من قبل المعلّم كأن يوحي له بأنّه فاشل وكسول، وغير قادر على النجاح، وعندها نجد أنّ الطالب يتمثّل هذه الفكرة عن ذاته، ويشعر بالضعف، ويطغى عليه إحساس بالقصور والعجز، فيتكاسل ويصاب بالإحباط، ولا يبذل أيّ جهد في سبيل النجاح. وعلى خلاف ذلك عندما يبدي المعلّم أحكاماً إيجابيّة بشأن طالب آخر كأن يصفه بالذكيّ والناجح، ويتوقّع له النجاح والتفوّق، فإنّ الطالب المعنيّ سيبذل قصارى جهده ليؤكّد صورته الإيجابيّة الّتي رسمها المعلّم على نحو مسبق.
وغالباً ما يصنّف الأطفال في المدرسة ضمن مستويات علميّة قد تأخذ أبعاداً سيكولوجيّة، كأن نصنّف الطلبة في الفصل إلى ثلاثة مستويات: المستوى الأوّل الّذي يتضمّن التلاميذ الأضعف في مستوى التحصيل، ويتضمّن المستوى الثاني الأطفال الّذين يوصفون بأنّ تحصيلهم متوسّط، وفي المستوى الثالث يوضع الطلبة الأكثر نجاحاً وتفوّقاً. وقد لاحظ الباحثون أنّ هذه التصنيفات تعزّز إيجابيّاً الطلبة الأقوياء، وتزيد في ضعف الأطفال الضعفاء. ووجدوا أيضاً أنّ هذه التصنيفات تضرّ ببعض التلامذة، وترفع من معنويّات الآخرين، كما وجدوا أنّ هذه التصنيفات والأحكام تؤثّر في البنية النفسيّة للأطفال. فالأطفال في المستوى الأوّل أي الضعفاء ينتابهم شعور بأنّهم أغبياء ومقصّرون، وهذا يؤثّر في صورتهم الذاتيّة عن أنفسهم؛ ومن ثمّ يتمثّلون هذه الصورة الغبيّة لوجودهم مع استمرار هذا النمط من التصنيف.
وفي سياق آخر، عندما يقلّد التلاميذ مراكز قياديّة في الصفّ أو في الملعب، فإنّ هؤلاء الطلبة يمتلكهم شعور الثقة بالنفس والقدرة على ممارسة الفعل القياديّ بتفوّق ونجاح، وذلك على خلاف التلامذة الّذين يحرمون من أداء هذه الأدوار القياديّة في الصفوف وفي الملاعب، وفي نهاية المطاف، فإنّ الطفل الّذي لا يمنح هذه الفرص القياديّة سيكون عادة أقلّ قدرة على القيادة من الأطفال الآخرين الّذين يمنحون مثل هذه الفرصة، حتّى لو كانت قدرات الجميع الفطريّة متساوية.
وفي سياق آخر وجد بعض الباحثين المعلّمين يمارسون دوراً خطيراً في التأثير في ذهنيّة الطالب وقدراته، وقد لاحظوا أنّ المعلّمين يميلون إلى الانتظار لفترة أطول للحصول على إجابات من الطلبة الّذين يعتقدون أنّهم متفوّقون في الإنجازات، وهم أكثر استعداداً لمنح هؤلاء الطلبة فرصاً متعدّدة، وهم بالمقابل يضنّون بالفرص على الطلبة الّذين يعتقدون أنّهم أقلّ إنجازاً ونجاحاً. وقد أثبتت الأبحاث أنّ هذا لا ينطبق فقط على الموادّ الأكاديميّة الّتي تتطلّب مهارات وقدرات عقليّة، بل يغطي الموضوعات الّتي تتطلب قدرات بدنيّة وعقليّة وأخلاقيّة أيضاً.
8- دروس مستفادة:
وفي مقابل هذه الجوانب السّلبيّة الموجودة في الممارسة يمكن أن نرى أنّ التفاعليّة الرمزيّة تُعدّ منهجيّة حديثة تستخدم على نطاق واسع في التعليم، إذ يمكن توظيفها في عمليّة تحسين جودة التعليم وزيادة فاعليّته، كما في تسريع إدماج الطلبة جميعهم. وهي تقدّم العديد من الفوائد الهامّة في التعليم ومنها:
1- تعزيز التفاعل بين المتعلّم والمحتوى التعليميّ: يمكن للتفاعل الرمزيّ العمل على تعزيز التعلّم التعاونيّ بين الطلبة؛ إذ يمكن للطلبة التواصل والتعاون فيما بينهم من خلال الأدوات والمنصّات التفاعليّة التي تساعدهم كثيرا في هذا المجال.
2- تحفيز الطلبة على المشاركة والتفاعل في العمليّة التعليميّة: يمكن للتفاعليّة الرمزيّة أن تسهم في زيادة مستوى المشاركة والتفاعل في الصفّ. ويمكن للطلبة الآن أن يشاركوا في نقاشات جماعيّة، ويتعاونوا في حلّ المشكلات وتعزيز التعلّم المتبادل.
3- زيادة تركيز الطلبة وتحفيزهم على الاستمرار في التعلّم وزيادة التشويق والاهتمام: يمكن أن تجذب انتباه الطلبة، وتزيد شغفهم واهتمامهم بالموضوعات المعرفيّة. فعندما يشارك الطلبة في العمليّة التعليميّة بنشاط يصبحون أكثر استعداداً للتعلّم والمشاركة. كما يساعد هذا على إثراء المحتوى التعليميّ وجعله أكثر تنوّعاً وتشويقاً.
4- تحسين التركيز والانتباه: يمكن استخدام التفاعلات الرمزيّة لجذب انتباه المتعلّمين وتحفيزهم على المشاركة في التعلّم وتحسين التركيز والانتباه. كما يمكن توظيفه في تعزيز الذاكرة والتفكير الناقد وتحسين المهارات الإبداعيّة للطلبة.
5- توفير بيئة تعليميّة تفاعليّة وممتعة للطلبة، وتعزيز التعلّم التشاركيّ: تساعد التّفاعليّة الرمزيّة على تعزيز التعلّم التشاركيّ، وذلك من خلال السماح للمتعلّمين بالتواصل فيما بينهم وتبادل الأفكار والمعرفة.
6- تعزيز التفكير النقديّ والإبداع: يمكن للطلبة –من خلال استخدام التّفاعليّة الرمزيّة– أن يطرحوا أسئلة، ويحلّلوا المعلومات ويفكّروا على نحو نقديّ.
7- تعزيز التعلّم الذاتيّ: يمكن للتفاعليّة الرمزيّة أن تساعد الطلبة على تطوير مهارات التعلّم الذاتيّ، فتتيح لهم الوصول إلى الموارد والمعلومات بسهولة والعمل على نحو مستقلّ في وقتهم الخاصّ ووفقاً لوتيرتهم الخاصّة.
8- استثارة ردود فعل فوريّة: يمكن للتفاعليّة الرمزيّة أن توفّر ردود فعل فوريّة للطلبة، بما يساعدهم على معرفة مدى تقدّمهم وفهمهم. ويمكن للطلبة من ثمّ ضبط أدائهم وتحسينه وفقاً للملاحظات المتسلمة من التفاعليّة الرمزيّة.
9- تعزيز التفاعل الاجتماعيّ: يمكن للتفاعلات الرمزيّة أن تساعد على تعزيز التفاعل الاجتماعيّ بين المتعلّمين، والّذي يمكن أن يؤدّي إلى تحسين تجربة التعليم.
10- تقديم تجربة تعليميّة شاملة: يمكن استخدام التفاعلات الرمزيّة لتعزيز تجربة التعليم الشاملة، إذ يمكنها توفير العديد من المصادر والأدوات التعليميّة المتنوّعة الّتي تساعد على تحقيق أهداف التعلّم.
11- تشجيع الإبداع: يمكن للتفاعلات الرمزيّة أن تشجّع الإبداع، وتحفّز المتعلّمين للتفكير خارج الصندوق والقوالب الجامدة، من أجل العثور على حلول جديدة ومبتكرة للمشكلات.
12- تحسين مهارات الاتّصال: يمكن استخدام التفاعلات الرمزيّة في تحسين مهارات الاتّصال لدى المتعلّمين، وذلك من خلال السماح لهم بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم بطريقة فعّالة وجذّابة.
ومن ناحية أخرى، يرى مناصرو هذا التّيّار أنّ التفاعل الرمزيّ يساعد على تطوير التعليم في المؤسّسات التعليميّة على النحو الآتي:
1- تحليل النتائج: يتمّ تحليل النتائج المتحصّل عليها من استخدام التفاعليّة الرمزيّة في التعلّم ومقارنتها بالنتائج التقليديّة لتحديد ما إذا كانت التفاعليّة الرمزيّة أكثر فعّاليّة في تعزيز المفاهيم والمهارات المطلوبة.
2- ملاحظة الطلبة: يمكن للمعلّمين ملاحظة تجاوب الطلبة مع التفاعليّة الرمزيّة وتقييم إجاباتهم وتطبيق المهارات المكتسبة من خلال الأنشطة التفاعليّة.
3- تقييم الطلبة: يمكن استخدام الاختبارات والتقييمات لقياس نجاعة التفاعليّة الرمزيّة في تعلّم الطلبة. ويمكن تقييم النتائج لتحديد ما إذا كان الطلبة يتمتّعون بمهارات التفكير الناقد وحلّ المشكلات والتواصل الفعّال على نحو أفضل.
4- مراجعة التفاعل بملاحظات الأطراف المعنيّة: يمكن الحصول على ملاحظات من المعلّمين والطلبة والعائلات والمستخدمين الآخرين حول جدوى التفاعليّة الرمزيّة في التعلّم. كما يمكن التحقّق من مدى رضا الطلبة والمعلّمين عن التفاعل الرمزيّ، ومعرفة ما إذا كان يحقّق المنافع التعليميّة المرجوّة.
ومن التوصيات الّتي يجب مراعاتها في التعلّم داخل الفصل الدراسيّ لتحسين الأداء التربويّ:
1- يجب على المعلّمين الحذر من إطلاق الأحكام على عواهنها، ويفضّل أن تكون أحكامهم إيجابيّة لا سلبيّة، وهذا ما يؤكّده كلّ من روزنتال وجاكوبسون (1980)(13) في نظريّتهما حول النبوءة المحقّقة لذاتها. وتكمن الخطورة في أنّ التصنيفات والأحكام السلبيّة تؤدّي إلى تشويه فكرة الهويّة الذاتيّة عند المتعلّمين (14).
2- يجب على المعلّمين تأكيد الالتزام بالقيم الثقافيّة دون تحيّزات شخصيّة، ويعني هذا أنّه يُنتظر من العمليّة التربويّة أن تعكس القيم والفضائل الثقافيّة في المجتمع، وأن يبتعد المعلّم عن الأحكام الشخصيّة والذاتيّة الّتي يطلقها حول المتعلّم، وفي الأحوال كلّها يجب على المعلّم تجنّب الإشارات السلبيّة والأحكام الأخلاقيّة كما يجب عليه تجنّب إطلاق أحكام على القدرات النفسيّة والسيكولوجيّة عند التلامذة.
3- عدم اللجوء إلى العنف: يرفض كثير من التفاعليّين الاستبداد السائد في المدارس، ويرون أنّه يعيق عمليّة التعلّم، ويشجّع على السلوك غير الديمقراطيّ في المستقبل.
4-أهمية التفاهم: التعلّم وفقاً لأنصار التفاعليّة الرمزيّة نتاج للتفاهم والتفاعل الإيجابيّين داخل الصفوف، ويرى أصحاب هذا التوجّه أنّ التفاعل الاجتماعيّ الإيجابيّ يعزّز قدرة التلاميذ على التحصيل، ويدعم تكوينهم، ويُحسن إعدادَهم لخوض الحياة العمليّة.
9-خاتمة:
لقد بينت أعمال روزنتال وجاكوبسون بأن التوقعات التي يرسمها المعلمون حول المسار الدراسي للتلاميذ مؤثرة جدا، وغالبا ما تُتَرْجم هذه التوقعات إلى واقع مدرسي. ومن الواضح أن تأثير بيغامليون يشكل إطارا منهجيا لتحليل وتفسير الجوانب المختلفة للحياة التربوية التي تتعلق بالتحصيل المدرسي للتلميذ. فالتقييم المدرسي الذي يجريه المعلم وتوقعاته حول مستوى التلميذ يلعب دورا كبيرا في عملية توجيه المسار المدرسي للطفل. ويجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تأثير بيغامليون يبقى نتاجا لفكرة أسطورية في الأصل والجوهر، وهي فكرة يمكن اعتمادها في تفسير وتطوير الفعاليات المدرسية المتعلقة بعملية التنبؤ والتوقع والتطوير في مجال التحصيل المدرسي.
ومهما يكن الأمر فإن البعد التربوي للتفاعل الرمزي يمكنه أن يوظف فعليا في توجيه السلوك التربوي للمربي الذي يجب عليه أن ينطلق في عمله من الإيمان بأهمية التعزيز الإيجابي للطفل عبر توقعات إيجابية، فالتوقعات السلبية والصورة السلبية غالبا ما تكون كارثية على التلميذ، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نعمل تربويا وفقا للحكمة التي تقول توسموا الخير تجدوه، أو هذه التي تقول كن جميلا ترى الكون جميلا، فكم يجب علينا أن نتوسم خيرا بأطفالنا وتلامذتنا من أجل خيرهم ومستقبلهم، وكم يتوجب علينا أن ننظر بعيون جميلة إلى أطفالنا وفلذات أكبادنا ليتألق الجمال لوحة أصيلة في قلوبهم وعقولهم.