السلوك السياسي الأمريكي للرئيس أوباما تجاه الشرق الأوسط

د. تمارا كاظم الأسدي

2018-09-24 04:39

مقدمة

أن السلوك السياسي يمكن أن يفهم انه سلوك جماهيري وليس فقط سلوك فردي أو جماعي، إذ أن النظرية السلوكية عندما تتحدث عن السلوك السياسي تقصد به ذلك المواطن الذي يتعامل مع السلطة من دون أن يمارس السلطة بنفسه، فالسلوك السياسي الدولي يقوم على سلوك الانسان نفسه.

لذلك سوف نتناول السلوك السياسي الأمريكي للرئيس أوباما اتجاه الشرق الأوسط من خلال محورين الأول يتضمن تركيبة أوباما الاجتماعية ونسقه العقيدي، والمحور الثاني يتضمن أوباما والتغيير في الشرق الأوسط.

أولاً: تركيبة أوباما الاجتماعية ونسقه العقيدي

يمثل وصول باراك حسين أوباما إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نقطة تحول في تاريخ السياسة الأمريكية، فوصول أوباما إلى البيت الأبيض بوصفه رئيساً أسود البشرة شكل سابقةً لم تحصل طوال 230 عام من تأسيس الدولة الأمريكية عام 1776، وباراك هو الاسم الأول لأوباما ويعني مبارك باللغة العربية، ولد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1961 لأب كيني وأم أمريكية، وتخرج من كلية الحقوق في جامعة هارفرد عام 1991، ويعد أول رجل أسود يتخرج من جامعة هارفرد.

وأن نشأة أوباما تشير إلى انه ترعرع وسط ثقافة بيضاء وهذا ما يفسر تقبل الكثير من الأمريكيين البيض لأوباما لدرجة انه حصل على أصوات عدد كثير من البيض، إذ انه رجل يحمل فكراً ليبرالياً مناهضاً لكل ما هو عنصري وظالم، إلا انه عانى من أزمة هوية أثرت على شخصيته بسبب عرقه الأسود الذي ولد لديه شعور بالحرمان، فضلاً عن والده الذي تركه بعد عامين من ولادته فهذهِ الظروف جعلت منه شخص مختلف فهو سلوكياً مساير ومتعاون صاحب شخصية قوية مع مسحة تفاؤل مسيطرة على سلوكه، الامر الذي يجعله يفاوض بشكل جيد، إذ يعد أوباما شخصية الصفقة فهو عندما يحبط في مجال يتحول إلى صفقة في مكان اخر، ويرى بعض الباحثين أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما امتلك عدد من مصادر القوة في شخصيته والتي ميزت سلوكه عن منافسيه وعلى رأسها:-

1- صغر سنه ولد في عام 1961 وانتماؤه لجيل الشباب نسبياً.

2- تميزه بقدرات خطابية هائلة، وفصاحة كلامية.

3- الميل للحلول التوافقية، وارضاء جميع الأطراف، ومراعاة التوازنات.

4- امتلاكه لسمة الهدوء والاتزان وابتعاده قدر الإمكان عن الهجوم.

أما بالنسبة لعقيدته الدينية فمن المعروف أن والد أوباما مسلم كيني وزوج امه مسلم اندونوسي، لذا كانت مسألة الدين مثار جدل بالنسبة لترشحه لمنصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا يتضح أن أوباما رجل ليبرالي علماني رأى بإن الدين وأن كان بإمكانه أن يكون قوة فكرية ورمزية للديمقراطية، إلا انه لا بد أن يخضع للمجال التداولي والابتعاد عن التعصب.

ثانياً: أوباما والتغيير في الشرق الأوسط

أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أكثر من إي وقت مضى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تحدياً يصعب التغلب عليه، ويتمثل في صعوبة الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات ما يسمى بـ( الربيع العربي) في عام 2011، لاسيمّا أن موقف أوباما من هذهِ التطورات كان متأرجح بين دعم الأنظمة السياسية تارة ودعم الشعوب تارة أخرى، وعلى هذا فإن أبرز السمات الاستراتيجية لإدارة أوباما مع العالم العربي هي:-

1- انشاء قواعد عسكرية ثابتة عبر دول التقاطع الإستراتيجي.

2- أعادة رسم حدود سياسية لدول عربية، وتقسيم الدول الكبيرة إلى دويلات متناحرة.

3- تغيير موازين القوى وصولاً إلى اللعبة الصفرية بدلاً من نظرية الانسياق لتوازن القوى.

4- زيادة الصراع الطائفي في داخل المجتمعات العربية.

5- نسف الشرعية الدولية وتسخير مؤسساتها لإدامة حروبها.

وعلى هذا الأساس أوباما يتبع سياسة الربط بين تطبيق الديمقراطية والحرب على الإرهاب، إذ رأى أوباما أن ترويج الديمقراطية في الشرق الأوسط سوف يعمل على تحسين الأحوال السياسية والثقافية والعلمية التي كانت السبب الرئيس لتفريغ الإرهاب العالمي كما ربط المساعدات الاقتصادية والعسكرية والاتفاقيات التجارية والاعفاء من الديون بالدعوة الملحة للإصلاح، إذ أن إدارة أوباما استندت على نظريتين أساسيتين أتجاه الشرق الأوسط هما:-

1- نظرية القيادة من الخلف

لا يتوقع احد أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية انعزالية بأي شكل من الاشكال بسبب تورطها في أفغانستان والعراق، إلا انها بالمقابل لن تحاول نشر أي قوات كبيرة على الأرض وبدلاً عن ذلك واصلت قيادة الحلفاء والعملاء من الخلف بدلاً من اتخاذ خطوات صريحة ويتمثل ذلك في دعم الأنظمة المستبدة التي تضع نفسها في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها.

2- نظرية القيادة من الجو

يبدو أن ادراة أوباما شرعت في توسيع تدخلها العسكري من الجو من خلال توسيع المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية وشن هجمات الطائرات بدون طيار على الدول العربية كلما كان ذلك ضرورياً، إذ انها اعتمدت على احداث ثورة في الشؤون العسكرية لتعزيز نفوذها إلى الحد الأقصى وتقليص تدخلها المادي في المنطقة.

ويرى البعض أن أوباما اخفق في التعامل مع ثورات الربيع العربي، إذ ان سياسته لم تستغل الفرص لبناء مؤسسات إقليمية وسياسية وعسكرية واقتصادية تساعد المنطقة على حل قضاياها وإدارة أزماتها بدون أن يتطلب ذلك التضحية بمزيد من أرواح الجنود الأمريكيين ومليارات الدولارات الأمريكية وتقليل تنامي نفوذ تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية وتقليل النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط .

الخاتمة:

وانطلاقا من ذلك يتضح ان سلوك أوباما اتجاه التغيير في العالم العربي كان متردد وغير واضح فهو تعامل مع كل دولة بطريقة معينة وصحيح أن البعض انتقد هذهِ الطريقة ووصفها بالضعف، إلا انه حسابياً اتضح انه تحقق مكاسب للأستراتيجية الأمريكية بطريقة ناعمة وأقل تكلفة.

............................................................................
المصادر:
1- باراك حسين أوباما، أسود في البيت الأبيض، مركز الدراسات والترجمة، دار المؤلف، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2010.
2- باراك حسين أوباما، جرأة الامل: أفكار عن استعادة الحلم الأمريكي، ترجمة: معين الايمام، مكتبة العبيكان، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 2009.
3- د. أحمد نوري النعيمي، السياسة الخارجية، دار الكتب والوثائق، بغداد- العراق، الطبعة الأولى،2001.
4- د. محمد احمد النابلسي، التحليل النفسي للرئيس أوباما، المركز العربي للدراسات المستقبلية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2009.
5- د. وائل محمد إسماعيل، أدارة الأزمة الدولية، دار الكتب العلمية ، بغداد- العراق، الطبعة الأولى، 2013.
6- صلاح حسن الشمري، الإستراتيجية الأمريكية حياال العراق: قراءة في ملامح التغيير، منشورات ضفاف، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2014.
7- مروان بشارة، اهداف الولايات المتحدة واستراتيجيتها في العالم العربي، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد(1)، الدوحة- قطر، 2012.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا