دور الاعتدال في الاستقرار السياسي
المشروع الحضاري الإسلامي الماليزي \"أنموذجاً\"
مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة
2018-08-07 09:44
م.م ميثاق مناحي العيساوي/مركز الدراسات الاستراتيجية - جامعة كربلاء
بحث مقدم الى (المؤتمر الوطني حول الاعتدال في الدين والسياسة) يومي 22 و23 اذار 2017، الذي عقد من قبل مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ومركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
المقدمة
لم يواجه مفهوم الدولة منذ وقت طويل تحدياً، كالتحديات التي يواجهها نظام الدولة القومية المعاصر، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. واذا كان الفكر السياسي عبر تطوره التاريخي مهتماً بمفهوم السلطة والحرية والديمقراطية، فاليوم اصبح معنيا بالتغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي والداخلي، وإذا كان جل اهتمام الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ يتمحور حول (مفهوم الدولة وشكل النظام السياسي)، فاليوم اصبحوا معنيين بمواجهة التحديات المعاصرة التي تقوض مفهوم الدولة وشكل النظام السياسي المعاصر وبينة المجتمع، وذلك عبر مواجهتهم لحالات التطرف والغلو في الدين والسياسة؛ لأن مواجهة هذه الحالات ومعالجتها سيفتح باب الاستقرار السياسي والمجتمعي للدول غير المستقرة، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ثم سّيمهد لحالة الاستقرار في النظام الدولي المعاصر وسيحافظ على نظام الدولة القومية والاستقرار الداخلي.
أهمية الموضوع: تنبع أهمية الموضوع من كونه يركز على دور مفهوم الاعتدال في عملية الاستقرار السياسي من خلال الآليات السياسية والدينية المعاصرة.
فرضية البحث: ينطلق البحث من فرضية مفادها (بأن للاعتدال دور كبير أن لم يكن أساس في عملية الاستقرار السياسي وبناء الدولة، لاسيما مع تنامي الحركات والجماعات الإسلامية الإرهابية والمتطرفة وتصاعد حالات التطرف والغلو في المجتمعات الإسلامية بشكل غير مسبوق).
اشكالية البحث: تبرز اشكالية البحث من خلال الآتي:
• عدم الوضوح والغموض الذي يكتنف مفهوم الاعتدال والوسطية في الفكر الإسلامي؟.
• عدم جدية الانظمة السياسية المعاصرة والمؤسسات الدينية للتصدي إلى حالات التطرف والغلو؟.
• غياب التوظيف السياسي والديني لمفهوم الاعتدال في الأنظمة السياسية العربية والإسلامية المعاصرة!
من خلال تعدد هذه الاشكاليات تظهر هناك اشكالية اساسية نطرحها على شكل تساؤل (من هم المعنيون بدراسة مفهوم ونشر وتوظيف مفهوم الاعتدال؟ وما هي الطبقات المجتمعية المعنية بشغل هذا الدور في تحقيق عملية الاعتدال المجتمعي؟).
هيكلية البحث: قسم البحث إلى ثلاث محاور، وجاءت المحاور كالآتي:
• المحور الأول: خصص بدراسة مفهوم الاعتدال لغة واصطلاحاً، ومعايير الاعتدال وأثره، وكذلك ركز على مفهوم "الوسطية" ومرادفتها للاعتدال والفرق بينهما.
• المحور الثاني: خصص بدراسة مفهوم الاستقرار السياسي لغة واصطلاحاً، والتركيز على اشكاليات الاستقرار السياسي ومؤشراته السياسية، وتأثير عدم الاعتدال على الاستقرار السياسي.
• المحور الثالث: خصص بدارسة تأثير الاعتدال على عملية الاستقرار السياسي، من خلال سمات العمل السياسي وشروطه، والمصالحة الوطنية ودورها السياسي في ترسيخ اسس الاعتدال، ودور الطبقة الوسطة في التغيير المجتمعي.
• المحور الرابع: خصص بدراسة النموذج الحضاري الإسلامي الماليزي.
المحور الأول: مفهوم الاعتدال
يرى علماء السياسة بأن الدولة ومفهومها الحديث والمعاصر يقوم على عدة أركان ومن أهم هذه الأركان هو الشعب أو السكان أو ما يمكن أن نطلق عليه اليوم بـ "المجتمع" لذلك يظهر تأثر المجتمع في بناء الدولة واضحا، بل وحاسما في قضية نجاح الدولة وفشلها، وباختصار تشير التجارب إلى أن المجتمع الناجح يصنع دولة ناجحة والعكس صحيح؛ وأن نقطة الانطلاق نحو بناء المجتمع والدولة تبدأ من خلال التأكيد على أهمية توازن المجتمع واعتداله، وابتعاده عن التطرف في الفكر والسلوك واتخاذ المواقف فلا يصح أن يكون حال المجتمع محصورا بين الخنوع التام والعنف المطلق، بمعنى عندما يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالتين متناقضتين تماما، فأما الخضوع المطلق للحاكم الجائر بكل قراراته الفردية الظالمة، أو أن يكون المجتمع عنيفا بصورة مطلقة في ردود افعاله تجاه الظلم الذي يقع عليه"(1). وعلى هذا الاساس سيتم البحث في دور الاعتدال في الاستقرار السياسي من خلال توضيح معنى الاعتدال لغة واصطلاحاً في المحور الأول، ودراسة مفهوم الاستقرار السياسي في المحور الثاني، ومن ثم تأثير الاعتدال في الاستقرار السياسي في المحور الثالث، أما المحور الرابع سنركز فيه على النموذج الماليزي ودور الاعتدال في المشروع الحضاري الإسلامي الماليزي.
أولاً: الاعتدال لغةً:
"في القاموس المحيط: (العدل: ضد الجور، وما قام في النفس أنه مستقيم)، و(عدل الحكم تعديلا: أقامه، و(عدل) فلانا: زكّاه، و(عدل) الميزان (سواه)، و(الاعتدال توسط حال بين حالين في كم أو كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، وكل ما أقمته فقد عدلته وعدلته)، والعدول: هم الخيار"(2). وذكر في القاموس المحيط، "من معاني العدل والاعتدال: الحكم بالعدل، والاستقامة، والتقويم، والتسوية، والمماثلة، والموازنة، والتزكية، والمساواة، والإنصاف، والتوسط".
ثانياً: الاعتدال اصطلاحا:
"هو التزام المنهج العدل الأقّوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما: الإفراط والتفريط"(3). والاعتدال هو الاستقامة والتزكية والتوسط والخيرية.
ثالثاً: الاعتدال والوسطية:
الاعتدال مفهوم عام وجامع لكل الاختصاصات والأديان، إلا أنه يرادف مفهوم الوسطية التي خاطب بها الله (سبحانه وتعالى) المسلمين في القرءان الكريم بقوله تعالي ("وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ")(4). إن الوسطية المذكورة في الآية وإن شرحت لدى المفسرين بالخيرية والعدل، فإن هذه الصفات، بالنظر إلى أصل المفهوم، ناتجة عن البعد عن طرفي الإفراط والتفريط. وهو ما أكده العديد من العلماء المعتبرين. فذهب ابن "جرير الطبري" إلى أن "الله تعالى" إنما وصف المسلمين بأنهم وسط لتوسّطهم في الدّين، فلا هم أهل غلو فيه ولا هم أهل تقصير فيه قال: (ولكنهم أهل توسّط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبّ الأمور إلى الله أوسطها). أما ابن "القيم الجوزية" فبعد أن يؤكد أن دين الله تعالى بين الغالي والجافي، وأن خير الناس النمط الأوسط بعيداً عن تقصير المفرطين وغلو المعتدين، يقول: (وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا، وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط)(5). ومن هنا فإن الوسطية هي حالة من التوازن بين التشدد والشذوذ من جهة، والتهاون والتقصير من جهة ثانية. وهي منهج في الحياة، يرتبط بمختلف جوانب النشاط البشري، فهي منهج في فهم الشرع ومنهج في التدين، ومنهج في العمل السياسي، ومنهج في التعامل مع الآخرين.
والوسطية هي "التوازن، ونعني بها التوسط او التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطردا لطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابلة ويحيف عليه"(6). وتعني أيضاً، "التوسط بين شيئين، وبمعنى العدل، والخيار، والأجود، والأفضل، وما بين الجيد والرديء، والمعتدل، وبمعنى الحسب والشرف. وتعني كذلك "توسط واعتدال واقتصاد، فالوسطية في العرف الشائع في زماننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق"(7). وبهذا قد يكون مفهوم الاعتدال والوسطية مفهومان مترادفان في المعنى. وقد يخلط بين المعنيين في كثير من الأحيان، لاسيما في الفكر الإسلامي، إلا ان مفهوم الوسطية قد نجده في المفاهيم الإسلامية والفكر الإسلامي كثيراً، وربما يحمل معانٍ دينية في طابعها العام. وهذا الجمع بين (الوسطية والإعتدال) في الفكر الإسلامي، للدلالة على أن الإسلام أكثر اعتدال ووسطية، ودين جانح وغير مفرط، وضد التطرف والغلو في الأفكار والتطبيق، ولا تشدد ولا أحراج ولا تفريط في حقوق الناس والاعتراف بحرية الاخرين، لاسيما الحرية الدينية والسياسية دون ازهاق ارواح الأخرين، وتصفية النفس من الاحقاد والإكراه على الأخرين؛ لأن الناس جميعهم خلق الله واقتضت سنن الله أن يكون الاختلاف بينهم واقعة من وقائع سنن الله تعالى فيفهم المؤمن والكافر والبر والفاجر والمحسن والمسيء والخير والشر.
ويرى فهمي هويدي "أن الوسطية والإعتدال، ثقافة يمكنها أن تشكل مرجعية أشمل وأوفى" ويلخصها بالآتي(8):
تعدد منابع الخير والتوازي بين مساراته سواء كانت تلك المنابع من فئات المسلمين بإختلاف مللهم ونحلهم وفرقهم، أو كانت لدى غير المسلمين.
الإنفتاح على كل الساعين إلى الخير من بني الإنسان، إلتزامًا بمبدأ التعاون على البر والتقوى، وإهتداء بالشعار القائل بأن "الحكمة ضالة المؤمن أّنى وجدها فهو أحق الناس بها".
التجاور بين الأشياء مع تمايزها بما يحترم قاعدة الاختلاف والتنوع.
اعذار الخلق والتيسير عليهم بما لا يتصادم مع أصول الشرع وثوابته.
إدارك الأولويات وترتيب التكاليف طبقًا لأحوال كل مجتمع وبيئته.
إعتبار تغير الأحكام بتغير الأمكنة والأزمنة والأحوال بمعنى التفاعل مع البيئة والواقع الجغرافي والتاريخي.
التدرج في التبليغ والتكليف.
رابعاً: معايير الاعتدال وأثره:
للاعتدال في الدين معايير عدة، لاسيما في مجال العبادة والعقيدة، ويمكن تلخيصها بالآتي:
السماح والاعتدال في التكليف، بحيث لا تشق التكاليف في النفوس فتفسد تصرفاتها، ولا يؤدي إلى الملل والسأم من أداء الواجب.
ترك المغالاة (الغلو) والتشدد في الدين والمفاهيم الاجتماعية والسياسية السائدة؛ لأن الغلو في الدين يدفع إلى الغلو في الواجبات الأخرى، لاسيما في المجال السياسي والاجتماعي.
أما آثار الاعتدال: إن للاعتدال "آفاقا بعيدة المدى؛ لأنها ايجابية النفع، فتكاد السلبيات أو الأخطاء تنعدم أو تكون في طريقها إلى الذوبان أو النسيان؛ وذلك لما يفرزه من آثار اجتماعية ملموسة من إشاعة المحبة وتنامي المودة والابتعاد عن التعصب والأحقاد، وتوفير الثقة للآخرين وإحسان التعامل معهم فالاعتدال، داعية إلى الاستقرار والوئام وإسعاد الفرد والجماعة وتقدم المدنية وازدهار الحضارة"(9). وحتى الوسطية هي قائمة على العدل والاعتدال.
انطلاقاً من ذلك، "نلاحظ أن الاعتدال في السياسة هو نوع من الملائمة مع التسامح في الدين والمعتقد. فالاعتدال يحدّ من اندفاعة التطرف كونه يخفف من غلواء التنازع والتصارع. والاعتدال عدّة الحاكم الذي يلتزم جوهر الشريعة ألا وهو: الصالح العام. إذا كان العدل ضرورياً عند الولاة في علاقاتهم مع الناس، فإنه ضروري كذلك في مقاضاة المتحاكمين، وفي علاقة الإنسان مع أسرته ومجتمعه وبيئته السياسية والاجتماعية المحيطة. وعليه فإن الاعتدال مطلوب عامةً وبخاصة عندما تضطرب أحوال البلاد والعباد وتكاد تصل إلى مرحلة الحروب الأهلية والداخلية التي تجتاح عالمنا اليوم في غير منطقة ودولة. الاعتدال هو طريق الاستقرار"(10).
خامساً: التباس مفهومي الاعتدال والوسطية:
إذا كان مفهوم الاعتدال "ملتبسا بطابعه؛ لأنه يتعلق بموقع غير محدد على متواصل Continium سياسي أو فكري يختلف من وقت لآخر، الأمر الذي يصعب معه تحديد مستوى هذا الاعتدال أو حتى تعريفه بدقة، فالأمر كذلك أيضا بالنسبة إلى مفهوم الوسطية، رغم أنه قد يكون قابلا للتحديد. ولكن الكثير من الإسلاميين استخدموا مفهوم الوسطية دون تحديد أو تعريف متفق عليه، واستُدرج كثير غيرهم إلى الحديث عنه وكأنه يشير إلى معنى محدد في الوقت الذي ظل مفهوما سائلا ومراوغا" (11). "وحتى المثقفون والكتاّب الذين اشتهروا بأنهم وسطيون لا تجد لديهم ما تبحث عنه. فكان دكتور محمد عمارة هو أكثرهم استخداما لمفهوم الوسطية في كتاباته وأحاديثه، ولكن في الإطار العام غير المحدد أيضا. فقد تحدث كثيرا عما سماه وسطية جامعة دون أن يوضح ما الذي تجمعه على وجه التحديد. فقد ربط هذه الوسطية الجامعة بإحدى أهم خصائص الأمة الإسلامية وفقا للقرآن الكريم الذي اعتبرها أمة وسطا (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)" (12).
المحور الثاني: مفهوم الاستقرار السياسي
يعد الاستقرار السياسي غاية تسعى أي دولة لتحقيقها، وهو مفهوم نسبي حاله كحال مفهوم التنمية، فمهما بلغت الدولة من تطور لا نستطيع القول أنها مستقرة بالمطلق، فهناك دولة مستقرة نسبيا مقارنة بغيرها من الدولة، فنقول بأن الاستقرار في دول العالم المتقدم أحسن بكثير من الدول النامية، والدول النامية أحسن استقراراً من الدول المتخلفة وهكذا. ويعرف الاستقرار السياسي على أنه "قدرة النظام السياسي على التكيف من خلال التعامل مع الأزمات بشكل ناجح وإدارة الصراعات داخل المجتمع بطريقة تمكنه من السيطرة والتحكم بها وذلك باستخدام أسلوب كفوء للإقناع بعيداً عن العنف ومستنداً إلى الشرعية السياسية" (13).
أولاً: الاستقرار لغة:
من القرار ألا وهو الثبات، يقول سبحانه وتعالي ((وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ))(14)، -أي ما لها من ثبات. ورد في القاموس: "استقر، يستقر، استقراراً، استقر الرجل بالمكان ثبت فيه وتمكن، فالاستقرار يعني ثبات الشيء في مكانه إذا لم يتغير أو يتم تغييره، والثبات لا يعني عدم الحركة فالحركة هي حركة ثابتة"(15).
ثانياً الاستقرار اصطلاحاً:
يعرفه سعد الدين العثماني "الاستقرار السياسي يتمثل في قدرة النظام السياسي على التعامل بنجاح مع الأزمات التي تواجهه، وقدرته على إدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكّنه من القيام بما يلزمه من تغييرات للاستجابة للحد الأدنى من توقعات وحاجات المواطنين، فكلما كان النظام قريب جداً من جميع الفئات داخل المجتمع، ويملك خبرة كبيرة في التعامل السلس مع الأحداث سواء بين النظام السياسي والمجتمع أو بين أفراد المجتمع، كلما سمح ذلك بقدرة النظام على البقاء وقدرته على تمكين الأمن الاجتماعي داخل الدولة"(16).ويعرفه ايضاً ‘‘مارتن بالدام‘‘، "بأن الاستقرار السياسي مفهوم ليس واضح المعالم، ولكنه يتحدد من خلال أربعة أبعاد أساسية وهي: حكومة مستقرة، نظام سياسي مستقر، القانون والنظام الداخلي، الاستقرار الخارجي"(17).
وهناك من يعرفه بان الاستقرار السياسي والاجتماعي "يعني وجود نظام مقبول من العلاقات بين قوى الامة وأطرافها ويقابل ذلك حالة الاضطراب، حين تختل علاقة الأطراف مع بعضها فيقع بينها العداء والنزاع والاحتراب (الحرب)". وهنا قد تكون الشرعية مرتكز رئيس للاستقرار السياسي وبهذا فأن "الاستقرار السياسي غاية لا تتحقق إلا بتضافر النظام السياسي وأفراد المجتمع على حد سواء، فعندما يحظى النظام بقبول شعبي، نتيجة سياساته المشجعة التي تضمن نتائج ملموسة، فإنّ المواطن يعتبر هذا النظام ممثلاً له، فيتولد في داخله ولاء له، ويتعمق لديه الحس الوطني الضامن للمحافظة على مؤسسات الدولة والنظام الاجتماعي العام"(18).
وبهذا يمكن تعريف الاستقرار السياسي عل أنه مفهوم نسبي يكون فيه النظام السياسي قادراً على مواجهة الأزمات، إذ تظهر قدر ذلك النظام فيه على إدارة الصراعات والحيلولة دون قيام العنف المسلح أو تلك الحالات التي تهدد حالة الاستقرار السياسي في دولة ما لمنع حالة الاحتراب الداخلي ليقيم فيه اداء النظام السياسي من خلال الاستقرار الداخلي واقامة العلاقات الخارجية الناجحة البعيدة عن التوترات السياسية.
ثالثاً: اشكاليات الاستقرار السياسي:
يتعرض بعض الباحثين "للاستقرار السياسي باستخدام مفهوم المخالفة، أي عن طريق دراسة ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وبذلك فإن نوع التعريفات يكون سلباً، بعبارة أخرى لقد أنشغل الفكر السياسي بتحليل عوامل عدم الاستقرار السياسي من تفاوت اجتماعي- اقتصادي وتدهور مؤسسي وتشتت ثقافي بأكثر مما انشغل بتوصيف ظاهرة الاستقرار السياسي في حد ذاته. في حين يتناول بعضهم (بعض الباحثين) تحليل المفهوم من خلال الربط بينه وبين المجال البحثي المراد التعرف على الظاهرة في إطاره، فعلى سبيل المثال عند دراسة مفهوم الاستقرار السياسي من المنظور الاقتصادي، وفي هذه الحالة هناك مطابقة أو مرادفة بين المفهوم وغياب الصراع الطبقي أو العدالة في توزيع الثروات"(19).
تؤكد كثير من الحقائق والمعطيات الموجودة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي على "أن الاستقرار السياسي في الدول الحديثة اليوم، لا يمكن تحقيقه بالقمع والغطرسة وتجاهل حاجات الناس وتطلعاتهم المشروعة. فالترسانة العسكرية ليست هي وسيلة جلب الاستقرار وحفظه، كما أن زهو القوة وأوهامها، ليس هو الذي ينجز مفهوم الاستقرار، فالعديد من الدول تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة وأجهزة أمنية متطورة، وكل مظاهر القوة المادية، إلا أن استقرارها السياسي هش وضعيف، ومع أي ضغط أو تحول نجد التداعي والوهن والضعف"(20). وفي المقابل نجد دولا لا تمتلك أسلحة عسكرية ضخمة، ولا مؤسسة أمنية متطورة، إلا أن استقرارها صلب ومتين وقادرة بإمكاناتها الذاتية من مواجهة الأزمات ومقاومة المؤامرات وحفظ استقرارها وأمنها الداخلي والخارجي.
رابعاً: مؤشرات الاستقرار السياسي:
هناك من ينطلق في تحديده لمؤشرات الاستقرار السياسي من المفهوم المخالف، أي عن طريق دراسة ظاهرة اللاستقرار السياسي؛ وذلك لكثرة ظواهر عدم الاستقرار في العديد من الدول، من تدهور للمؤسسات ونقص السيادة بسبب التدخل الخارجي، وعدم القدرة على مجابهة النزاعات الداخلية، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي وغيرها، ومن هذه المؤشرات هي(21):
1. الانتقال القانوني للسلطة داخل الدولة: وذلك عندما يتم تداول السلطة بشكل سلمي بعيداً عن الانقلابات والتدخلات العسكرية وبطريقة قانونية كما رسمها الدستور والقانون. وهذا احد مؤشرات الاستقرار السياسي وأهمها.
2. شرعية النظام السياسي: تظهر الشرعية الحقيقية من القاعدة الجماهيرية التي تمثلها الانظمة السياسية من خلال رضا الجماهير والشعب عن النظام السياسي ومؤازرته عن طريق تحقيق مصالحهم وصيانة حقوقهم.
3. السيادة: وتظهر من خلال قوة الدولة في الحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي وأمن المواطن والدفاع عنه ضد أي اعتداء خارجي، وكذلك تظهر سيادة الدولة بكونها الكيان الوحيد الذي يمتلك القوة المادية والمعنوية والذي تمكنها من حماية المجتمع من الأزمات والصراعات الداخلية.
4. الثبات في مناصب القيادات السياسية: الحفاظ على بقاء القادة في مناصبهم لفترات طويلة في ظل عملية ديمقراطية سليمة هو مؤشر من مؤشرات الاستقرار السياسي.
5. الاستقرار البرلماني: يعد استقرار البرلمان ومناقشته للقوانين بدون تلكؤات وبدون اضطرابات داخلية احد مؤشرات الاستقرار السياسي.
فضلاً عن ترسيخ الديمقراطية وتدعيم المشاركة السياسية، وغياب العنف واختفاء الحروب الأهلية والحركات الانفصالية ونزعات التمرد، والصراعات المذهبية والاثنية، ووجود مبدأ المواطنة، والاقتصاد الناجح، وقلة الهجرة الداخلية والخارجية، مؤشرات حقيقية على عملية الاستقرار السياسي في أي دولة، وغياب العنف واستجابة الحكومة للضغوط والاحتجاجات المختلفة للجماهير، وتمتع ابنية النظام ومؤسساته بالشرعية والقبول والرضا العام عن النظام الحاكم من جانب المواطنين، وإعلاء قيم العدالة الاجتماعية كمبادئ حاكمة لسياسة الدولة في مختلف المجالات.
خامساً: تأثير عدم الاعتدال على الاستقرار السياسي:
تعد اشكالية شرعية النظام السياسي من أهم الاشكاليات التي تظهر كردة فعل على حالة عدم الاعتدال السياسي في شكل النظام السياسي، وتعد أيضاً الضمان الكامل لتحقيق التكامل الوطني؛ لأن وجود مقبولية من طرف الشعب يعني تعزيز الولاء والشعور بالانتماء الوطني. "إنّ أزمة الشرعية للنظام السياسي تظهر في ظلّ التعددية المذهبية والطائفية، عندما يتخلى النظام السياسي عن الصيغة التوافقية، فتغلب عليه إيديولوجيا واحدة على حساب باقي الإيديولوجيات المذهبية، يعمل على تقوية نفوذها من خلالها، عن طريق اعتماده القاعدة الجماهيرية التي تتبع هذه الإيديولوجيا وتنتمي إليها، ويكسب النظام مكانته السياسية والاجتماعية منها، بالنظر إلى معايير القوة التي تتوفر لدى الطائفة، إمّا بسبب الكثرة العددية أو القوة العسكرية الرادعة أو نحو ذلك.
وهذا السلوك يعبّر ضرورة عن المكانة الكبيرة للانتماء والولاء للطائفة أكثر من الولاء للوطن"(22). ولا يمكن للعوامل الخارجية أن تصنع استقراراً سياسياً؛ لأن العوامل الخارجية أن تدخلت لصالح طرف معين لفرض درجة معينة من الاستقرار، فإن تلك الدرجة إن تحققت لا تعبر في الغالب إلا عن عدم استقرار سياسي مبطن أو استقرار سياسي مفروض. وذلك يعني عدم استقرار سياسي على أي حال. لذلك، فإن الاستقرار السياسي الحقيقي، لا يمكن فرضه من الخارج في المدى الطويل(23).
المحور الثالث: تأثير الاعتدال على عملية الاستقرار السياسي
أثبتت التجارب انه اذا كان الاعتدال ضرورة في كل مسائل الانسانية الحياتية، إلا أن الاعتدال أكثر ضرورة في مجالي الدين والسياسة؛ لأن هذين الركنين يعدان ركنان اساسيان في بناء المجتمع والدولة؛ ولهذا يعد الاعتدال أمراً يجب توفره، بل ضرورة وحاجة إنسانية. وقد يكون الافراط في مجال الدين من جهة، واستغلاله من جهة أخرى محل شك وافتراء. فمن جهة "الإفراط في مجال الدين، والعداء للدين الذي ينتشر على الصعيد العالمي، ‘‘طبعاً ما نقصد به هنا‘‘ من العداء للدين ليس بالتحديد العلمانية، بل أن الأزمة التي يشهدها العالم اليوم، هو الإغراق في الدين لدى قادة مسؤولين كبار في العالم، والمقصود هنا، هو "المواجهة الممزوجة بالإهانة التي تحدث في تعامل الغرب مع الإسلام، والإسلاموفوبيا نتيجة لها".
هذه المواجهة مع الدين لها جذور تاريخية، إما لمواجهة العنف الديني أو بسبب الالتزام المتطرف بالدين الذي يعتبر المؤمنين بالأديان الأخرى كفرة ويريد المواجهة والصراع معهم. والمادية وإهمال القيم المعنوية كانتا أيضاً سبباً في أزمات كثيرة وصورة أخرى للعداء مع الدين. من ناحية أخرى فإن استغلال الدين يقع في الجهة المقابلة لموجة العداء للدين هذه. والحقيقة هي أن الدين في عالم اليوم هو جوهرة ثمينة؛ لأنه إن لم يكن ثميناً ولم يحظ بميول واسعة باتجاهه، لما بذلت كل هذه الجهود الكبيرة من أجل استغلاله أو توظيفه، من هنا فإن الدين كغيره من مصادر القوة الأخرى في العالم، وجد متصدين له، وهؤلاء المتصدين يسعون للاستفادة من هذا البعد خدمة لأهدافهم وليس خدمة لأهداف الذين جاؤوا بهذه الأديان. هذا الواقع الأليم يحدث للأسف في كل الأديان، ويمتلك في الوسط الإسلامي قوة وقدرة كبرى. قطعاً إن أعمال العنف التي تحدث باسم الإسلام، لا يمكن أن تمت بصلة لهذا الدين الإلهي"(24). "ويعد وجود الاحزاب السياسية احد تجليات الاعتدال في بعده السياسي، في ضرورة لتقدمها، ولحرية الرأي فيها، ولضمانِ عدم استبداد الحاكمين بالمحكومين (التوازن في العلاقة بين الحاكم والمحكوم)، وهو استبداد واقع في جلِّ هذه المجتمعات أوكلها"(25).
وفيما يتعلق بعلاقة المجتمع الإسلامي بغير المسلمين، تجدر الإشارة بدءاً إلى أنه وجب التمييز بين الموقف العقدي للإسلام من الديانات والعقائد الأخرى، إذ يقوم هذا الموقف على مجادلة التصورات الأخرى ونقدها وبيان زيفها، وبين الموقف العملي والسلوكي تجاه أهل الديانات الأخرى، إذ يقوم هذا الموقف على ضمان حقهم في الاعتقاد والعبادة. وفي المقابل أفسحت الحضارة الإسلامية مجالاً واسعاً لأهل الديانات الأخرى لمجادلة العقيدة الإسلامية أيضاً، وهو ما ولّد علماً قائماً بذاته ألا وهو "علم المناظرة". أما على المستوى العملي، فإن القاعدة الأساسية التي تحكم نظرة الإسلام لغير المسلمين، ألا وهي مبدأ المواطنة الكاملة، والذي يتضمنه قوله تعالى ((لَا يَنْهَاكمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكمْ مِنْ دِيَارِكمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(26). هذه القاعدة السلوكية مبنيّة على مجموعة أخرى من الأصول والأحكام التي يمكن تحديدها في ما يأتي(27):
1. تأكيد الإسلام لسُّنة الاختلاف: وجاء ذلك في قوله تعالى ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)).
2. تقرير مسؤولية الإنسان في شأن الاختيار العقدي والديني: ((فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ))
3. الدفاع عن حرية المعتقد: في قوله تعالى: ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿٣٩﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)).
4. تقرير مبدأ الكرامة الإنسانية: يقرر الإسلام كرامة الإنسان، من حيث هو إنسان بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين، حيث يقول القرآن: ((وَلَقَدْ كرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) (الإسراء ٧٠).
5. إقرار مبدأ التعارف والتساكن والتعايش: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكمْ مِنْ ذَكرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكمْ)) (الحجرات ١).
6. أصل القسط والبر مع المخالفين في الدين: يؤكد الإسلام على ضرورة الإحسان والعدل في العلاقة مع المخالفين في الدين، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: ((لَا يَنْهَاكمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكمْ مِنْ دِيَارِكمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) (الممتحنة8).
ومن معايير الاستقرار السياسي "ازدياد فرص الانفتاح السياسي والديمقراطية المقترنين بالاعتدال في المواقف والسلوكيات، واتخاذ مواقف أقل تشدداً وتوترا من قبل الأطراف السياسية والمدنية. وبهذا يظهر أن الاستقرار السياسي ليس وليد القوة العسكرية أو الأمنية، على أهميتها في ذلك، ولا يتأتى بالمزيد من الإجراءات الردعية أو الإكثار من الممنوعات والضغوطات، وإنما يتم ببناء حياة سياسية سليمة، ترفع مستوى الرضا الشعبي ومستوى الثقة في الحياة السياسية وفي مؤسسات الدولة والمجتمع، وتبث الأمن والطمأنينة، ومن ثم الاستقرار"(28).
أولاً: سمات الاعتدال السياسي:
هناك سمات للعمل السياسي عدة من أهمها(29):
1. تعد السياسة "فكراً وممارسة" مجال اجتهاد كما بين ذلك العلماء الذين كتبوا في السياسة الشرعية.
2. المجال السياسي يحتاج إلى حذر شديد لأن الجمود فيه - مثل التسيب سواء بسواء - عمل على عكس ما يريده الشرع.
3. المجال السياسي مجال اختلاف الاجتهادات وتعدد الآراء، وواجب المسلم فيه طاعة الله بحسب الاستطاعة، وتحري المصلحة قدر الإمكان، وقد يوافق الصواب كما قد لا يوافقه "لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذا اتقى العبد الله ما استطاع آجره الله على ذلك، وغفر له خطاه".
4. ينطلق الاعتدال من "الجمع بين ثوابت الدين المرتبطة بالمجال السياسي وعطاءات التجربة الإنسانية، وتلك الثوابت الدينية هي بالأساس القيم السياسية المنصوص عليها في القرآن والسنة، ومن تلك القيم احترام كرامة الإنسان وحرياته المدنية وحريته في التعبير، واحترام معايير الصدق والشفافية والعدل، وإقامة الشورى، وتبقى الوسائل لتنزيل تلك القيم في الواقع مفتوحة في الغالب الأعم لإبداع الأمة واجتهاداتها التي تختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى بيئة".
5. خطاب الاعتدال السياسي الوسطي خطاب يتميز بسمات الرفق واليسر والسماحة، وهو خطاب مطمئن، رفيق، ميسر متلطف، متودد.((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) (النحل/١٢٥).
ثانياً: شروط الاعتدال السياسي:
يظهر ذلك من خلال(30):
1. زرع الثقة والتنافس الإيجابي: أول آلية يؤثر من خلالها الاعتدال في الاستقرار هو توفير منهج متوازن في العلاقات مع المحيط، فانطلاقاً من سمات الاعتدال تُبنى تلك العلاقات على التوازن والاعتدال والحوار المفتوح مع الجميع، وعلى البحث الجاد عن نقاط التلاقي مع باقي التيارات الفكرية والسياسية على الساحة. فإن التيار الوسطي يأبى بطبيعته منطق الوصاية والانغلاق وأحادية التفكير.
2. علاقة متوازنة مع الأنظمة: يتبنى تيار الاعتدال منهج المشاركة في مؤسسات المجتمع، ولاسيما في المؤسسات السياسية. كما يتبنى الإصلاح وفق الآليات الديمقراطية والنضال السلمي، ويعمل على توسيع دائرة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية. كما ينبذ تيار الاعتدال العنف ولا يقبل بالنضال السلمي السياسي والاجتماعي بديلاً.
3. التغيير بالتدرج لا بالطفرات: يعد تبني التدرج في تنزيل المشروع الإصلاحي سمة بارزة للتيار الوسطي. وهو جزء أصيل من منهج الإسلام في معالجة اختلالات الواقع. صحيح أن تطور الواقع من حالة مثقلة بالتخلف إلى واقع اجتماعي حيوي مشبع بالقيم الدينية السليمة وبالقيم الحديثة، يتطلب أمرين اثنين على الأقل هما:
الانتقال التدريجي نحو القيم المرادة، دون قطائع أو هزات.
الحفاظ على التوازن بين القيم الحديثة والقيم الإسلامية، فلا يقع الميل المفقد الهوية والذاتية الحضارية.
كل حركات الإصلاح التي استعجلت التغيير، ولجأت إلى أساليب منافية لمنطق التدرج بتجاوز المراحل أو القفز على السلطة، باء مشروعها بالفشل؛ لأن السلطة الحقيقية ليست بالتسلط على الناس وإنما بإقناعهم وكسب قلوبهم.
4. حل النزاعات دون عنف: يؤدي كل من الغلو والتشدد إلى العديد من التأثيرات السلبية الفردية والجماعية تزداد حدتها على قدر حدة ذلك الغلو والتشدد، وتؤجج العنف والنزاعات المختلفة. فعلى المستوى الفردي يكون الشخص المتشدد عرضة للارتباك وسوء التوافق، أما التوازن والاعتدال فيؤديان إلى التوافق النفسي والاستقرار والشعور بالأمن، ومن ثم الميل إلى سلوك الوسائل السلمية لتسوية النزاعات وقلة الميل إلى الأساليب العنيفة. وعلى المستوى الجماعي يعتبر الاعتدال والوسطية معينة على تفادي النزاعات وعلى حلها وتجاوزها بأقل الخسائر، آما تفيد في احتواء السلوكيات الجماعية المتشددة، والتي هي مدمرة في كثير من الأحيان.
ثالثا: بناء الأمة لا انقلاب على السلطة:
وتحت هذا السقف يتحرك "تيار الاعتدال مستهدفاً في المقام الأول البناء الهادئ عملاً بحديث الرسول الكريم: "إن المُنبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظَهراً أبقى" فالذي يبقى حقيقة هو بناء الأمة عبر تغيير ثقافي طويل المدى لا الانقلاب على السلطة بأمل تغيير العالم بعمل واحد سريع عنيف"(31).
رابعاً: اولويات العمل السياسي وفقاً لنهج الاعتدال: يمكن اعتماد عدة أولويات للعمل السياسي على المستويين الرسمي والشعبي (32):
1. الاقتناع بمبدأ التعددية السياسية في تولي السلطة وفي المعارضة. وهذا يقود إلى قبول التعددية الحزبية دون الوقوع في فخّ التحزّب.
2. الإيمان بثقافة المشاركة السياسية، أي قبول الآخر المختلف سياسياً. فالأحادية السياسية تقود إلى التصادم مع المعترضين والمعارضين، وقد تفجِّر نزاعات وحروباً داخلية وأهلية من شأنها تهديد هيكليات الدولة بالسقوط. إن ثقافة المشاركة تساعد على تقدّم قيادات جديدة لتحتل مواقعها في المسؤولية السياسية الوطنية والعالمية.
3. نبذ الاستحواذ بالنفوذ السياسي وبالثروات والموارد الطبيعية على المستويين المحلي والعالمي. وهذا يؤدي إلى نبذ سياسة الإقصاء أو الإلغاء في التعامل مع المجموعات السياسية المختلفة، والقبول بالوسطية الفكرية والسياسية.
4. احترام حقوق الإنسان، بل الإيمان العميق بحقوق الإنسان.
5. تطبيق مبدأ سيادة القانون على الجميع من دون محاباة أو تمييز. وبقدر ما يطبّق هذا المبدأ تنهض مؤسسات الدولة، ويتكرس الانتظام العام.
6. تنسجم مجمل هذه الأولويات مع سياسة الاعتدال بدلاً من سياسة التطرّف. وتغدو منهجاً في السياسة آما في سائر ميادين الحياة الإنسانية، يؤسس لاستقرار سياسي بعيداً من العنف والإرهاب والتهديد باستخدام القوة المسلحة.
رابعاً: المصالحة الوطنية ومنهج الاعتدال
المصالحة تعني بلوغ الدولة والأحزاب والمذاهب والتيارات سن الرشد السياسي، وسن الرشد السياسي بوضوح ليس كثر من أن تتسلح وتتحلى جميع الأطراف، حتى في مرحلة التدافع الحاد، بأخلاق وقواعد السلوك السياسي الراشد. بحيث يصير هذا السلوك أو القاعدة السياسية: موقفاً مستقراً وسلوكاً مستقراً وحالة نفسية إيجابية مستقرة في داخل كل الأطراف، لا تمرد عليها من أي طرف سواء أكان دولة أم حزباً إسلامياً أم حزباً علمانياً. عندها فقط سيكون بنيان المصالحة مرصوصاً ومتيناً. فما هي هذه القواعد(33):
القاعدة الأولى: الأخذ بمبدأ الحوار: من خلال اعتبار الحوار موقفاً وسلوكاً وحالة نفسية ونظام حياة بين كل الأطراف. وهو قاعدة وسلوك عند الإسلامي مستمدان من الشريعة الإسلامية التي تدعونا للتعارف أو الحوار.
القاعدة الثانية: الأخذ بمبدأ الحق في الاختلاف: "ومعناه الإيمان بسنة التعدد والتنوع والتغير في ظواهر الخلق الإلهي الواحد الأحد. والحق في الاختلاف يعني الأخذ بالحرية الكاملة للناشطين السياسيين في تبني المرجعية الفكرية التي يستمدون منها خطهم السياسي العام، ويستندون إليها في نتاجهم الفكري وسلوكهم العملي. فلا حق لإقصائي علماني أو حاكم في أن يمنع بالعنف المادي والفكري حزباً إسلامياً من التعبير السياسي، بحجة خرافة عدم تدخل الدين في العمل السياسي المأخوذة من حقل سياسي في بيئة مسيحية تختلف شكلاً ومضموناً وتجربة عن تجربة الإسلام التاريخية. وأيضاً لا حقّ لمتطرف إسلامي أن يفرض بالعنف المادي والفكري على حزب علماني الأخذ بأحكام الشريعة في صياغة برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها".
القاعدة الثالثة: اعتماد الديمقراطية كوسيلة استراتيجية للتناوب على ممارسة الحكم: "فمبدأ التناوب الديمقراطي كوسيلة استراتيجية وليس كفلسفة لممارسة الحكم وتنظيم الخلاف وفض النزاعات والأزمات المحتملة في العمل السياسي بين الطرفين الرئيسيين في المصالحة أمر حيوي للنهوض السلس لبلادنا وبأقل ما يمكن من الأزمات والصدمات ومن الجهد البشري والمادي، وبأقل حصة من الزمان التاريخي".
القاعدة الرابعة: المصالحة تستدعي اعتماد المنظومة الحقوقية للإنسان المتطابقة في المرجعيتين: أي "تبني الجميع للميثاق العالمي لحقوق الإنسان غير المتصادم مع الشريعة الإسلامية، مع إضافة الحقوق الإسلامية غير الواردة في الميثاق الدولي"(34).
خامساً: ركائز المصالحة الوطنية وفق منهج الاعتدال:
من يريد المصالحة عليه أن يبحث عن منهج الاعتدال والوسطية أولاً ومن ثم يبحث في ركائزها طبقاً لهذا المنهج. وهذه الركائز هي(35):
الركيزة الأولى: العضّ بصدق من كافة الأطراف وبالنواجذ على صون مقدسات الوطن.
الركيزة الثانية: خطة وطنية بعيدة المدى لتجفيف منابع الفساد الشامل ببلادنا، خطة واقعية -حذرة للغاية- من الانزلاق نحو الفتن الاجتماعية والسياسية، تحرص على المستقبل كثر من الكلام عن الماضي الفاسد.
الركيزة الثالثة: فتح ورشة الإصلاح المتدرج: السياسي والإداري والقانوني والحقوقي والقضائي. ورشة تبني استراتيجية الواقعية المناضلة، لا المفلسة المؤثرة إيجاباً، لا المتأثرة سلباً.
الركيزة الرابعة: خطة وبرنامج وحملة وطنية لتأهيل المقاولة الاقتصادية للقدرة على السباحة والصمود في نهر العولمة الجارف.
الركيزة الخامسة: العمل الحازم من كل أطراف المصالحة لتحضير الكتلة الحرجة للمقاولة المؤهلة في مجال العلم والتكنولوجيا والحجم السكاني والموارد المادية والبشرية. فالكتلة السكانية الحرجة للتنمية الحقيقية اليوم تتطلب تكتلاً يفوق ١٠٠ مليون نسمة.
الركيزة السادسة: فتح ورشة الإصلاح الديمقراطي الجاد في كيان المجتمع المدني وكيان الدولة.
الركيزة السابعة: إعادة الاعتبار للأخلاق في العمل السياسي وتفادي الميكيافيلية المنحطة بتجاوز الأزمة الأخلاقية البارزة اليوم في الطلاق بين القول والفعل السياسيين عند الفاعلين السياسيين الأساسيين. وفي تهريب المعارك الحقيقة والاشتغال على المغشوش منها. فـ ((تَعَالَوْا إِلَى كلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)) (آل عمران: 6)
سادساً: دور الطبقة الوسطى في التغيير:
لنتساءل هنا، من هم المؤهلين في مجتمعنا لقيادة منهج الوسطية، والسعي باتجاه تحقيق الاستقرار، والسلم الاجتماعي، والتنمية المستدامة؟ ونقول –وبكل صراحة– إنهم أبناء الطبقة الوسطى..هذه الطبقة التي باتت تواجه في عالمنا العربي الذوبان، والانهيار، والتفكك نتيجة استقطاب المجتمع إلى(قلة يملكون كل شيء)، و(كثرة لا تملك شيئا). لقد تعرضت الطبقة الوسطى العربية إلى الكثير من التحديات، وانحسر دورها مع أنها قامت بدور مهم في تبني الدعوة إلى الاستقلال، والعمل من اجله. لم تكن الطبقة الوسطى العربية طبقة رأسمالية بالمفهوم الغربي، وإنما كانت طبقة اجتماعية احتل فيها المثقفون جزءا ديناميكيا، وخاصة في دعوتها إلى التحرر السياسي، والتحرر الاجتماعي، ونشاطها في إقامة قاعدة صناعية وطنية بعيدا عن قيود الحكومات وتدخلاتها. وإذا ما أردنا لمنهج الوسطية والاعتدال، ولدعوة الاستقرار النجاح لابد من توسيع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع، وإفساح المجال لها في أداء دورها في إحداث الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة حجم مشاركتها في التجارة العالمية الحرة. وإذا ما تحقق لها ذلك فإنها سوف تكون ليس محركا للتغيير في العالم العربي والشرق الأوسط وحسب، بل ومؤثرا على الاستقرار كذلك(36).
المحور الربع: المشروع الحضاري الإسلامي الماليزي "أنموذجاً"
إن "الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة، ومن أجل المساعدة على دمجهم في الاقتصاد الحديث". كما أن يصلح أن يكون "الترياق للتطرف والغلو في الدين"؛ وذلك لأنه "يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام". وفي بلد متعدد الثقافات والأعراق فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم وأعراقهم، "من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف"، وأن هذا المشروع "سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق، وسيكون مصدرًا للفخر والاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم، وإنما لغير المسلمين أيضًا"(37). وقد طرح رئيس وزراء ماليزيا "داتو سري عبدالله احمد بدوي" مشروعاَ لنهضة الأمة مستنداَ فيه على تعاليم الاسلام من اجل استعادة الدور الريادي للحضارة الإسلامية وقد أطلق على هذا المشروع اسم " الاسلام الحضاري "Civilizational Islam وهو مصطلح المقصود به المنهج الحضاري لتجديد الاسلام في ماليزيا ويكون المنطلق للأمة الإسلامية ككل نحو الريادة الإنسانية. "ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات السلفية التي تستند الى العنف والتكفير"(38).
وضعت الحكومة الماليزية عدة خطط تنموية في ضوء التعاليم الإسلامية، كجزء من مشروعها الإسلامي المعتدل في إدارة الدولة والنهوض بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتدني، مراعية في ذلك، المحافظة على تحقيق التوازن الروحي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي والقانوني في جميع النواحي الحضارية، وبواقعية سياسية حازمة بعيداً عن الشعارات الإسلامية الرنانة من أجل نشر وبث الوعي لدى أبناء المجتمع بالمفهوم الحقيقي للإسلام أملا أن يقودهم هذا المنهج إلى نهضة حضارية في بناء الدولة. إن منهج الإسلام الحضاري لا يعد مذهباَ جديداً، وإنما هو وسيلة تتخذ من أجل إعادة الأمة الإسلامية إلى الأسس القائمة على القرآن والسنة النبوية المطهرة، وبهذا فإن هذا المنهج لا يطعن في مبادئ العقيدة والشريعة والأخلاق في الإسلام بقدر أنه يركز على بث الوعي والإدراك التام بشمولية هذا الدين الحنيف وواقعيته في تبسيط الحياة وترفيه تابعيه، والقدرة على ترجمته وتطبيقه في كافة مجالات الحياة(39).
إن "مشروع الاسلام الحضاري(*) الذي طرحه عبدالله بدوي يعتمد على عشرة عناصر مهمة وهي التعليم الشامل الذي يجمع بين معارف الشريعة والعلوم المعاصرة والإدارة الجيدة وهي أدارة الموارد البشرية والمادية والتجديد في الحياة وبقصد هنا ترقية أساليب الحياة من ناحية التمدن والحضارة وزيادة جودة الحياة، أي توفير متطلبات الحياة الكريمة وقوة الشخصية وهنا يعني الإخلاص والأمانة فالإخلاص أساس الأقوال والأفعال والأمانة هي عماد المجتمع والدولة وبدونها لا يوجد انسان صالح ومجتمع صالح والحيوية والنشاط ويقصد هنا الإدراك والاستجابة للمتغيرات في الحياة المتجددة والشمول والسعة، وهنا المقصود هو المفهوم الشمولي للإسلام فلا يؤخذ بجانب ويترك جانب ولا التعاليم المجزأة خصوصاَ وان الاسلام منهج حياة متكامل فهو عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملة وتشريع وقانون وتربية وتعليم ودولة ونظام، فالإسلام هنا كما هو أساسا منهج متكامل للحياة ومن ثم تأتي العملية والواقعية فهو هنا يبتعد عن المثالية المجردة وانما يعتبره منهج عملي واقعي من حيث واقع الحياة وطبيعة الإنسان ويأتي العنصر المهم في مشروع الاسلام الحضاري وهو الاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي من كل جوانبها الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعنصر الأخير تعزيز المؤسسة الأسرية فهنا يعتبر الأسرة هي أساس بناء المجتمع وبصلاحها يصلح المجتمع، فيركز هنا على الاهتمام بالأسرة وإعطائها الرعاية من اجل نشئ صالح"(40).
يركز منهج الإسلامي الحضاري على التنمية وتشييد الحضارات وفق المنظور الإسلامي الشامل، ويكون ذلك بتكثيف الجهود من أجل رفع مستوى الحياة والمعيشية من خلال الإلمام والتمكن من العلوم والمعارف، والتنمية الروحية والمادية، تم وضع أسس عامة لمنهج الإسلام الحضاري تساعد على تحويل فكر المسلمين بصورة شاملة ومنتظمة دون التأثر بعوامل قبلية أو حزبية، آما يتطلب هذا المنهج تغيير نظرة المسلمين للعالم. وبناء على ذلك يتم التركيز على مفاهيم معينة كالتي تتعلق بالحياة والعمل بوصفهما عبادة، ومفهوم خلافة الإنسان لإعمار الأرض، ومسؤولية تحقيق التقدم والنجاح الحضاري في كل ميادين الحياة، ولا سيما تلك المفاهيم المتمشية مع مقاصد الشريعة، ومن أبرزها ما يركز على المحافظة على الدين والعقل والنفس والمال والنسب، والعرض بالإضافة إلى بعض الأمور والضرورية لحياة البشر، مثل تحقيق المحافظة على البيئة وكيان الأسرة والعدل والأمن. إن منهج الإسلام الحضاري الذي تتبناه وتطبقه ماليزيا سيكون دليلاً يثبت قدرتها على أن تكون نموذجاً للدولة الإسلامية المتقدمة، والتي تسلك مسلك الوسطية آما يدعو إليه الإسلام، وهذا يتمشى مع السياسة الحالية للدولة وكذلك المستقبلية كتطلعات عام ٢٠٢٠ وسياسة تنمية الدولة وغيرها. وعلى هذا فإن منهج الإسلام الحضاري يؤكد على قيم ومفاهيم التنمية العالمية التي لا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع ظروف المجتمع المتعدد الأجناس(41).
وبعد أن يعرض رئيس الوزراء الماليزي لجوانب رؤيته "يحدد جملة من التحديات التي تواجه مشروع الإسلام الحضاري، وهي في جملتها تحديات داخلية أهمها: الجمود والتقليد ويعتبرها عقبة كبيرة أمام محاولات التجديد والعقبة الأخرى هي التطرف والغلو ويقصد بها حركات التطرف الفكري والسلوكي التي أسأت الى الاسلام وهي حركات تعتبر كل تجديد كفر وكل تغيير الحاد، والعقبة الأخرى هي الانعزال والترهيب، وهنا يقصد به التيار المنتشر وسط الأمة الإسلامية والذي يغذي المواقف الداعية الى الزهد والرهبنة والابتعاد عن الدنيا والانصراف عنها كليا متناسين ان الله خلقنا خلفاء في الأرض من اجل أعمارها وليس الانصراف عنها والتكاسل، والعقبة الأخرى هي العلمانية واللادينية والتي ترفض ارتباط الدين بالحياة، والعقبة الأخرى هي أحادية المعرفة والمقصود هنا المعرفة الجزئية سواء بالشرع او الواقع والتي تؤدي الى نظرة جزئية وتحجب عن صاحبها معرفة الأبعاد الحقيقية للقضايا فلابد من المعرفة بالشرع والواقع معا،َ ثم العقبة الأخيرة وهي الضعف في أدارة الوقت والمقصود أهدار الوقت وعدم أدراك قيمته وهو من أسباب الفشل والتردي في الحياة"(42).
وقد شرح محمد زين المشروع في كلمة ألقاها أمام المؤتمر العالمي حول قضايا الإسلام الحضاري، فقال: "الإسلام الحضاري هو مدخل لتجديد المجتمع المسلم، ويقدم منهجًا جديدًا وصحيحًا لفهم الإسلام في الوقت المعاصر. وهو يرى أن "الإسلام الحضاري يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند على العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. وهذا المشروع يتسق ويتناغم مع مبادئ خطة الاستراتيجية العشرينية التي تهدف إلى أن تصير ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية متقدمة ومتطورة، وهذه التنمية المراد تحقيقها ليست تنمية للقطاع الاقتصادي فحسب، بل هي تنمية تشمل الجوانب الاجتماعية والروحية والثقافية والمادية". وبالتالي فإن الإسلام الحضاري "هو اجتهاد بشري وليس وحيًا معصومًا؛ ولذلك هناك احتمال الاختلاف معه". ومن خلال مشروع الإسلام الحضاري تحاول ماليزيا أن تقدم نموذجًا للعالم يمكن أن يقتدى به. وإن "هذا المشروع يهدف إلى الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي واستدامة النمو في ماليزيا؛ لأنها من العناصر المهمة لاستدامة النمو الاقتصادي. ويولي المشروع اهتمامًا للتعليم الإسلامي واللغة العربية ومواد التربية الإسلامية والفقه الضروري، ويبدأ تطبيق منهج تعليمي لهذا الغرض من المراحل التعليم الأولى، خاصة للتلاميذ المسلمين حتى يعمقوا صلتهم بالإسلام ويتمثلوه في حياتهم. والحكومة حريصة على الأمانة والطهارة ومحاربة الرشوة وتعمل جاهدة بكل الوسائل في هذا المضمار". ويقول إن "الوسطية والتوازن والاعتدال هي أهم سمات مشروع الإسلام الحضاري، والتحديث لا يعني إهمال القديم، وهناك حرج في وصف المشروع بالحداثة؛ لأنها غالبًا ما تقترن بالمفاهيم الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لوصف الإسلام التقدمي، ونفضل إطلاق وصف الوسطية على مشروع الإسلام الحضاري"(43).
كان العقد الاجتماعي الذي استطاع الماليزيون تطويره، هو أحد عناصر نجاح التجربة، وأحد ضمانات استمرارها. الاعتراف بالتنوع العرقي والديني، والاعتراف بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتعليم بين فئات المجتمع، والتوافق على ضرورة نزع فتائل التفجير، وعلاج الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي... كل ذلك كان مدخلاً لتوفير شبكة أمان واستقرار اجتماعي وسياسي. كان من الضروري وضع "شروط لعبة" يكسب فيها الجميع Win-Win Game. وقد أسهم وجود قيادات سياسية واعية ذات رؤى استراتيجية في تبني هذه "اللعبة"، وترك اللعبة التي تقتضي وجود رابح وخاسر Win-Lose Game، والتي كثيرًا ما تكون نتيجتها أن الجميع يخسر Lose-Lose Game. وكان جَوهر فكرة علاج الاختلالات مبنيًا على تحقيق التعايش السلمي، وحفظ حقوق الجميع، والمشاركة في المسؤولية وفي برنامج التنمية. والفكرة مبنية على أساس زيادة أنصبة جميع الفئات، وإن بدرجات متفاوتة، وحل مشكلة المحرومين من خلال عملية الزيادة والتوسع، وليس من خلال مصادرة حقوق الآخرين أو التضييق عليهم. أي أن الفكرة مبنية على أساس "تكبير الكعكة"، وليس على أساس التنازع عليها(44). ولأن التكوين الطائفي والعرقي في ماليزيا كان شديد التعقيد والحساسية، فقد ارتأت القيادة السياسية أنها بحاجة إلى استقرار سياسي وأمني واجتماعي، وإلى توفير البيئة المناسبة للتمكن من تحقيق نمو اقتصادي تستفيد منه كافة شرائح المجتمع وإن كان بدرجات متفاوتة. وكانت القيادة تعلم أنها لن تحقق أهدافها إلا بشكل نسبي، ولن تحصل على الرضا التام من كل الأطراف أو من أي منها؛ ولذلك اعتقدت أنها لن تستطيع العمل الفعال المنتج إلا في أجواء تكون فيها واثقة من صلاحياتها، ومَحمية من المعارضين والخصوم. وقد تكرّست هذه الاتجاهات بعد أحداث 1969، حيث رأى تون عبد الرزاق الذي تولى رئاسة الوزراء سنة 1970، أنه لابد من تخفيف درجة الاحتقان العرقي، من خلال تخفيف المنافسة السياسية، فعمل على توسيع التحالف الحاكم، بحيث يضمن أغلبية ثلثين مريحة له في البرلمان. كما قوّى من صلاحيات السلطات المركزية، وقد تابع مهاتير بن محمد سياسة تقوية السلطات المركزية وتركيز الصلاحيات بيد رئيس الوزراء(45).
ولعل أًبرز مًا يًمكن اًلاستفادة مًنه عًربيًا مًن هًذه اًلتجربة(46):
1. معادلة "الكل يكسب" وهي معادلة قائمة على توفير شبكة أمان لكافة فئات المجتمع، وعلى ضمان حرياتها وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق عدالة اجتماعية تراعي الأوزان الديموغرافية لفئات المجتمع، دون أن تهضم حقوق الأقليات، كما تركز على المصالح المشتركة، وتحيد عناصر التوتير والتفجير الاجتماعي والسياسي. وهي معادلة قائمة على أن يتنازل الجميع عن بعض ما يرونه حقوقا لهم، في سبيل تحقيق مكاسب أكبر مرتبطة بالاستقرار السياسي والشراكة في بناء الدولة وفي مشاريع التنمية.
2. الاستقرار السياسي القائم على تحالف اللاعبين الكبار وتعاونهم، إذ تحالف أكبر حزب للملايو مع أكبر حزب للصينيين مع أكبر حزب للهنود، وتطور هذا التحالف ليشكل الجبهة الوطنية التي اتسعت لـ 14 حزبا، بحيث ضمنت أغلبية مريحة دائمة في مجلس النواب، ومالت هذه الأحزاب إلى التوافق، وحلّ مشاكلها وخلافاتها خلف الأبواب المغلقة، وعدم الدخول في الابتزاز السياسي، والرضا بنصيبها المعقول من "الكعكة".
3. تبني نظام انتخابي يعطي فرصا أكبر للأحزاب والتحالفات الكبيرة في الفوز؛ حيث تم اعتماد النظام البريطاني الذي يعطي مقعدا واحدا لكل دائرة انتخابية، وهو ما يسهّل على التحالفات الفوز بسهولة من خلال تقديم مرشح واحد عنها. وعدم تبني نظام النسبية الذي يفرض مشاركة الأحزاب الصغيرة، وهو وإن كان يعطي تمثيلا شعبيا أكثر مصداقية في البرلمان، إلا أن الأحزاب الكبيرة عادة ما تكون عرضة لابتزازها السياسي عندما تكون غير مالكة لأغلبية المقاعد. وهو ما قد يرفع من أجواء التوتير، ويؤدي لسرعة سقوط الحكومات، وتعطيل برامج التنمية المختلفة.
4. إيجاد رؤى تنموية وإصلاحية طويلة الأمد، تطمئن فئات المجتمع على صحة المسار السياسي والاقتصادي، ولا تحرق المراحل، كما تخرج عن أطر الشعارات الفارغة إلى البرامج العملية الجادة.
يترسخ منهج الاعتدال من الناحية الاجتماعية في المنهج الحضاري الإسلامي الماليزي في ما يلي(47):
1. حرية استقلال الشعب: وذلك من خلال التأكيد على مفهوم الحرية باعتبارها القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية وهي الحافز للعمل والإبداع وبها يكون الإنسان مستقلاً وسيداً في قراراته.
2. التمكن من العلوم والمعارف: فالعلم هو المرتكز الأساسي لنهضة الأمة، والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض، وتسخير ما فيها، وترقية الحياة، والانتفاع بالطيبات من الرزق، إن التمكن والإلمام التام والمتكامل بالعلوم يفتح للمسلمين آفاقاً رحبة للريادة والتفوق في مختلف فروع المعارف الحديثة، ولا شك أن هذا المبدأ يعد عاملاً مهماً، وأساسياً لتكوين الشخصية الوطنية المتوازنة.
3. ترسيخ القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة: يهدف هذا المنهج أيضاً إلى العناية بالأخلاق الفاضلة، والقيم المعنوية السامية، في كل المجالات والجوانب، وأن تكون هي الأساس لتربية الأجيال، وتتمثل أهم الدعائم التي تقوم عليها حضارة الأمة، وتقدم الدولة كما يتصورها المشروع النهوضي في الثقافة الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وبهما تتكون هوية الدولة، وتبرز شخصيتها القومية لذلك يهتم المشروع الحضاري بالحفاظ على ميزة تباين الثقافات وتعددية الأديان من منطلق التمسك بالقيم الأخلاقية السامية الواردة فيها، ولما لها من أثر مباشر في سعادة الأمة، وحفظ أمن المجتمع بكافة أعراقه، وطوائفه آما أنها ترفع من شأن الشعب، ومكانته ليكون موضع إجلال واحترام من الآخرين.
ويتبلور منهج الاعتدال في المشروع الماليزي من خلال التأكيد على اهمية المنهج في الناحية الاقتصادية، ويبرز ذلك في ما يلي(48):
1. تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة:
ويقصد بها التنمية بكامل أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وتجعل صلاح الإنسان غاية وهدفاً لها، وإن الإسلام يولي اهتماماً خاصاً بالاقتصاد، ولا سيما في إطار نهضة الدولة، فمعالم النهضة الاقتصادية المتوازنة، والشاملة كما يحددها المشروع تجمع بين تطبيق الممارسات الاقتصادية القائمة على أسس أخلاقية من جهة، والقدرة على تنفيذ البرامج الاقتصادية بشكل فعال، وفق التطورات والمتغيرات التي تحدث في محيط الاقتصاد المحلي، والعالمي من جهة أخرى.
2. تحقيق الرفاة الاجتماعي والحياة الكريمة:
يهدف هذا المنهج أيضاً إلى العناية بسلامة الحياة واستقرارها، وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية. فقد أولى الإسلام عناية خاصة للمستوى المعيشي للمجتمع، وكان شديد الحرص على أن تكون الحياة متميزة بالرفاهية وقد جعل هذا الدين الحنيف تحقيق المستوى العالي، والرفيع للحياة بكل جوانبها هدفاً أساسياً يطمح إليه.
أما من ناحية بلورة منهج الاعتدال والتعامل مع الآخر في الشروع الحضاري الماليزي، "يعتمد هذا المنهج أسلوب العدل والاعتدال في التعامل مع الآخر سواء في الداخل والخارج فالحوار البناء والتواصل الإيجابي وتبادل المصالح هو الأساس الذي تقوم عليه علاقات حضارية إنسانية طيبة ودائمة، أما الغطرسة والتقوقع وإملاء الشروط واستعراض القوة فلن تأتي للبشرية إلا بمزيد من الصراعات والأزمات المتلاحقة التي تجلب للبشر الفقر والمرض والجهل والمصير المجهول"(49). ويثير أحد الباحثين سؤلاً عن الفرق بين الإسلام الحضاري الذي قدمه النموذج الماليزي وبين الإسلام السياسي الذي تقدمه كثير من الدول العربية وفشلت به؟.
يقول "داتو عبد الله زين" إجابة عن هذا السؤال: "الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى، ومن القاعدة إلى القمة، ومن الجمهور والقرى إلى القادة بطريقة منظمة ومتدرجة ورفيقة، وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا الألفاظ والعبارات". "الإسلام الحضاري ليس دينا جديدا ولا مذهبا فقهيا مبتدعا، وإنما هو طريقة تقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة لتعزيز تقدم الحضارة الإسلامية، وهي طريقة لعرض الإسلام بواقعية وعملية وعودة الأمة إلى مصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة. ويعطي مشروع الإسلام الحضاري مزيدًا من الاهتمام لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس بغض النظر عن أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم"(50).
الخاتمة
يظهر لنا بأن الاعتدال مفهوم عام وشامل ومتداخل في كل جوانب الحياة، لاسيما السياسية منها والدينية وله دور كبير في عملية الاستقرار السياسي، وهو مفهوم مرادف للوسطية في الإسلام ومضاد لحالات التطرف والغلو. دور الاعتدال في تحقيق الاستقرار السياسي الداخلي قد يتلاشى ويصبح مبهم أو يعود بنتائج عكسية قد تؤدي إلى التشظي وعدم الاستقرار الداخلي حينما تتدخل معه عوامل خارجية، أي بمعنى آخر لايمكن فرض الاعتدال بتدخل عوامل خارجية غير وطنية؛ لأن العوامل الخارجية أن تدخلت لصالح طرف معين لفرض درجة معينة من الاستقرار، فإن تلك الدرجة إن تحققت لا تعبر في الغالب إلا عن عدم استقرار سياسي مبطن أو استقرار سياسي مفروض. ويعد مفهوم المواطنة ركيزة أساسية من ركائز الاعتدال، فضلاً عن ازدياد فرص الانفتاح السياسي والديمقراطية المقترنين بالاعتدال في المواقف والسلوكيات. ومن خلال ما تقدم يمكن أن نوضح أشكالية البحث من خلال كشف اللثام عن دور الطبقة الوسطى في قيادة المجتمع وزرع الاعتدال بين طبقات المجتمع، لاسيما وأن هذه الطبقة غيبت عن الساحة السياسية العربية وبالتحديد عن الساحة السياسية العراقية بعد2003، وتلاشت نتيجة الصراع السياسي والحزبي، فضلاً عن تصاعد حالات التطرف والصراعات الطائفية والمذهبية. ولهذا خرج البحث بعدة توصيات، منها:
1. ازالة الغموض عن مفهوم الاعتدال وتطبيقه بشفافية عالية بعيداً عن التدخلات الخارجية.
2. افساح المجال أمام الطبقة الوسطى في إصلاح المجتمع من خلال إعطائها الدور المنوط بها في إحداث الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية، وزيادة حجم مشاركتها ومشورتها في العمل السياسي المؤسساتي.
3. استعادة الدور الحضاري الإسلامي من خلال التجديد في المفاهيم الدينية الإسلامية المعاصرة، باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة.
4. يجب على المؤسسة الدينية الإسلامية اخذ دورها في مواجهة حالات التطرف، من خلال إعادة قراءة التراث الإسلامي قراءة واقعية معاصرة تتلائم مع المعطيات العالمية ومفاهيمها السياسية والاقتصادية، والتأكيد على وسطية الإسلام ومحاورته للأخرين واحترامهم.
5. ترك الشعارات الرنانة والشروع في بناء المجتمعات بناء تربوي صحيح من خلال إعادة النظر في المناهج التربوية بمراحلها المختلفة، والاهتمام بالتعليم الشامل الذي يجمع بين معارف الشريعة والعلوم المعاصرة والإدارة الجيدة وهي أدارة الموارد البشرية والمادية والتجديد في الحياة.