شبكات التواصل الاجتماعي والانتحار: العلاقة والتأثير

علاء ناجي

2017-07-06 07:52

إن السلوك الانتحاري يعتبر مشكلة قديمة يعود تاريخها إلى فجر حياة الإنسان ووجوده على الأرض، وهو سلسلة الأفعال التي يقوم بها الفرد محاولا من خلالها تدمير حياته بنفسه دونما تحريض من آخر أو تضحية لقيمة إجتماعية ما.

ولذلك من الصعب وضع أسباب محددة للانتحار، فكل الدراسات أجمعت على تضافر العوامل الاجتماعية، النفسية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري، لقد اعتبر الفلاسفة الانتحار عملا غير أخلاقي يضر بالمجتمع والأسرة. ويصنف الانتحار كأحد الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة. حيث أن هذه الظاهرة يستحيل السيطرة عليها وانتزاعها من السلوك الإنساني.

وظاهرة الانتحار عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي قبل كل شيء مشكلة اجتماعية، وتعتبر من أخطر المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الخلل أو الاضطراب الاجتماعي الذي ميز المجتمعات الإنسانية الحديثة، بذلك تعتبر ظاهرة الانتحار والسلوك الانتحاري صورة عامة لهذا الاختلال أو الاضطراب الاجتماعي.

لذا فان في هذه الدراسة سوف نتناول مفهوم الانتحار وأيضا مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك سوف نتطرق الى أنواع التواصل الاجتماعي وأيضا أنواع الانتحار وأخيرا وقبل الأخير نتناول العوامل الدافعة الى ظاهرة الانتحار وأخيرا سوف نتناول ظاهرة الانتحار وعلاقتها بالتواصل الاجتماعي قراءة اجتماعية ومن ثم تم وضع بعض من الاستنتاجات والتوصيات التي يمكن من خلالها الحد من قضبة الانتحار عند بعض فئات المجتمع.

مفهوم الانتحار: هي تلك الأفعال التي يقوم بها الفرد محاولا تدمير حياته بنفسه دونما تحريض من آخر، بحيث يكون نتيجة إرادة فردية رغبة في التخلص من قسوة إشكال غير محتمل، أو نتيجة قرار اجتماعي، وهذا السلوك له مراحل حدوثه وأبعاد وظيفية متعلقة بالشخصية الانتحارية باستعمال وسائل عنيفة.

عرفه العالم الاجتماعي الفرنسي(دوركايم) على انه كل حالات الموت التي تنتج بصورة مباشرة عن فعل إيجابي او سلبي، يقوم به الفرد بنفسه اذ انه فعل يصل بالفر الى الموت.

كما عرفه العالم (شارل بلونول) على انه فعل يصدر عن انسان يفضل الموت عن وعي ورغم قدرته على اختيار الحياة دونما ضرورة أخلاقية(1).

وعليه فان الانتحار يعد من اهم المخاطر الاجتماعية والنفسية والصحية التي تدفع بالأفراد الى انهاء حياتهم الاجتماعية اذ انهم غير مؤكدون على ان الانتحار ليس مرضا ولكنه ظاهرة معقدة من السلوك الذي يستهدف الى تدمير ذاتهم حيث أن هذه الظاهرة يستحيل السيطرة عليها وانتزاعها من السلوك الإنساني.

اذ تشهد ظاهرة الانتحار في المجتمع العراقي ارتفاعا محسوسا في عصرنا الحالي وعلية أصبحت تعرف بظاهرة العصر ، والتي تلفت انتباه العديد من المختصين في علم الاجتماع ، النفس والطب العقلي ، واللجوء إلى الانتحار لم يعد يقتصر فقط على المراهقين والشبان ، حيث مس أيضا المسنين وباستعمال طرق ووسائل مختلفة ، غير أن هذا الفعل في معظم الأحيان يكون مآله الفشل في الوصول إلى القتل الذات ويعتبر حينئذ " محاولة انتحارية تكتسي وظيفة النداء لجلب انتباه المحيط ، بسبب الظروف الاجتماعية كانت أو اقتصادية كالفقر والحرمان أو نفسية نتيجة القلق، والاكتئاب أو مرض عقلي.

مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي: باعتبارها فعلا لإيصال شيء ما سواء أكان رأياً أم رسالة، أم معلومة، ويضيف على أن المصطلح في علم النفس يشير إلى نقل الخبرة داخل مجموعة ما والنظر إليه في علاقاته مع بنية هذه المجموعة(2).

وتعرف مواقع التواصل الاجتماعي أيضا على أنها منظومة من الشبكات الالكترونية عبر الانترنيت تتيح للمشترك فيها إنشاء موقع خاص فيه ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي الكتروني مع أعضاء آخرين لديهم الاهتمامات والهوايات نفسها(3).

وعرفت أيضا على أنها تلك المجتمعات الافتراضية وتجمعات اجتماعية تظهر عبر شبكة الانترنيت، تشكلت في ضوء ثورة الاتصالات الحديثة، تجمع بين ذوي الاهتمامات المشتركة بحيث يتواصلون فيما بينهم ويشعرون كأنهم في مجتمع حقيقي او هي مواقع تسمح بإنشاء صفحات خاصة بالأشخاص والتواصل مع أصدقائهم ومعارفهم، مثل موقع "تويتر، "فيس بوك"(4).

أنواع مواقع التواصل الاجتماعي

هناك جملة من أنواع المواقع التواصل الاجتماعي الا اننا سوف نركز على اهم تلك المواقع وأكثرها تداولنا في المجتمع العراقي الا هي:

الفيس بوك :هو موقع الكتروني للتواصل الاجتماعي، أي أنه يتيح عبره للأشخاص العاديين و الاعتباريين (كالشركات) أن يبرز نفسه وأن يعزّز مكانته عبر أدوات الموقع للتواصل مع أشخاص آخرين ضمن نطاق ذلك الموقع أو عبر التواصل مع مواقع تواصل أخرى ، و إنشاء روابط تواصل مع الآخرين اذ ان هذا الموقع قد تحول من مجرد مكان لعرض الصور الشخصية و التواصل مع الأصدقاء و العائلة إلى قناة تواصل بين المجتمعات الالكترونية و منبر لعرض الأفكار السياسية و تكوين تجمعات سياسية الكترونية عجزت عنها أعتى الأحزاب الفعلية على الأرض، و كذلك لتصبح قناة تواصل تسويقية أساسية تعتمدها الآلاف من الشركات الكبيرة والصغيرة للتواصل مع جمهورها كذلك الصحف التي اعتمدت على المجتمعات الالكترونية لنقل أخبارها و الترويج لكتابها و غيرها من وسائل الإعلام، ليتعدى موقع الفيس بوك وظيفته الاجتماعية إلى موقع تواصل متعدد الأغراض(5).

تويتر: عرفه على انه إحدى شبكات التواصل الاجتماعي التي انتشرت في السنوات الأخيرة، ولعبت دورا كبيرا في الأحداث السياسية في العديد من البلدان و خاصة الشرق الأوسط، و اخذ تويتر اسمه من مصطلح "تويت" الذي يعني "التغريد" و اتخذ من العصفورة رمزا له، و هو خدمة مصغرة تسمح للمغردين إرسال رسائل نصية قصيرة لا تتعدى 140 حرفا للرسالة الواحدة، و يجوز للمرء أن يسميها نصا مكثفا لتفاصيل كثيرة، ويمكن لمن لديه حساب في موقع تويتر أن يتبادل مع أصدقائه تلك التغريدات أو التويترات من خلال ظهورها على صفحاتهم الشخصية أو في حالة دخولهم على صفحة المستخدم صاحب الرسالة، وتتيح شبكة تويتر خدمة التدوين المصغرة، و إمكانية و الردود و التحديثات عبر البريد الالكتروني ، كذلك أهم الأحداث من خلال خدمة « RSS » عبر الرسائل النصية « SMS »(6).

اليوتيوب: اختلفت الآراء حول موقع "يوتيوب" وما إذا كان هذا الموقع شبكة اجتماعية أو لا، حيث تميل بعض الآراء إلى اعتباره موقع مشاركة الفيديو، «video sharing site» غير أن تصنيفه كنوع من مواقع التواصل الاجتماعي نظرا لاشتراكه معها في عدة من الخصائص جعلنا نتحدث عنه كأهم هذه المواقع نظرا للأهمية الكبيرة التي يقوم بها في مجال نشر الفيديوهات واستقبال التعليقات عليها ونشرها بشكل واسع. أي أن اليوتيوب موقع الكتروني يسمح ويدعم نشاط تحميل وتنزيل ومشاركة الأفلام بشكل عام ومجاني، وهو يسمح بالتدرج في تحميل وعرض الأفلام القصيرة من أفلام عامة يستطيع الجميع مشاهدتها إلى أفلام خاصة يسمح فقط لمجموعة معينة بمشاهدتها(7).

أنواع الانتحار ووسائله

هناك أنواع عديده من الانتحار منها

الانتحار الفردي: هو رغبة فرد على الانتحار بشكل فردي محض وبدافع فردية بحثه دون ان يكون هناك اتفاق مع اخر او اخرين وهذا النوع يمثل غالبية أنواع الانتحار

الانتحار الثنائي: هذا النوع من الانتحار يرتكز على الرغبة في الموت(الانتحار) مع شخص اخر او بعد موته بزمن وجيز هو ثنائي غالبا ويكون المنتحران من اسرة واحدة او حلقة اجتماعية واحدة في الغالب وتربطهما عواطف ووشائج متينة على مر السنين.

الانتحار الجماعي: أي ان هذا النوع يمثل الانتحار الجماعي أي انتحار مجموعة من الافراد في الوقت نفسه أي ان هذا النوع من الانتحار يحدث كعدوى اجتماعية تنتقل من شخص الى اخر بسرعة وبائية ولذلك عدة قسم من علماء امراض النفس (هستيريا الجماعية) وهناك ما يعرف الان بالانتحار الجماعي عن طريق الأنترنيت حيث يتواعد الأشخاص على شبكة الانترنيت على أساس ميثاق يعقدونه فيما بينهم يتعاهدون على الانتحار ثم يلتقون في المقابلة على الانتحار الجماعي.

الانتحار السوي: يقصد بهذا النوع من الانتحار بالفرد المصاب بالمرض النفسي او العقلي او العضوي ولا نعني بطبية الحال انه سوي في التفكير او الاعتقاد او السلوك.

الانتحار المرضي: ان هذا النوع من الانتحار يقوم به الاشخاص المصابون باضطرابات عقلية او نفسية وبالتالي فالسلوك الانتحاري لا يكون هنا مختارا او مقصودا وانما تحت ضغط حالات نفسية وعقلية كأن يسمع الشخص أصواتا علية وتريد منه الانتحار ويشعر بانه مطارد ويحاول الهروب بالانتحار(8).

الانتحار الالكتروني (هو الذي يمكن ان نطلق عليه الانتحار (عبر الشبكات التواصل الاجتماعي) الذي يشير الى تلك الأفعال التي يساهم بها المنتحرون في اضطراب الحالة النفسية لدى الافرد الاخرين عبر استعمال الوسائط الالكتروني مثل استخدام الحواسيب، اجهز الموبايل، شبكات الاتصالات الهاتفية، شبكات نقل المعلومات، شبكة الانترنيت بشكل غير قانونية وغير صحيح من قبل مستخدميها.

بالإضافة الى تلك الأنواع من الانتحار فقد صنف العالم الفرنسي (دوركايهم) الانتحار الى ثلاث أصناف الا هي:

الانتحار الاناني: هذا النوع من الانتحار يظهر في الجماعات الاجتماعية خاصة بالأسرة والجماعات الدينية وغيرها والمصدر الأساسي له انحلال تكامل هذه الجماعات وتصدع تماسكها عندئذ يمارس افراد هذه الجماعات حياتهم دون هدف وبالتالي تنمو النزعات الفردية ضد الطبيعة البشرية الاجتماعية نفسا فلا يمكن ان يكون الفرد وحده غاية كافية لشغل نشاط الحياة لأنه ضئيل ومحدود وهذه الصآلة تؤدي به الى الانعزال ثم فقدان الارتباط بالحية ويصبح البقاء عبئا لا يتحمل.

بالإضافة الى ذلك فان هذا النوع من الانتحار ویقصد به الفعل الانتحاري المتركز حول الذات، إذ تنعدم الروابط الاجتماعية بین الفاعل والآخرين تبعا لغیاب معادلة الحقوق والواجبات، وهنا یكون المنتحر في حالة عزلة ولیست له ارتباطات بأي مجموعات إجتماعية، وهذا النوع يؤكد زيادة المنتحرين في المجموعات الدینیة الأقل ترابطاً مقارنة بالمجموعات الدینیة الأكثر ترابطاً

الانتحار الايثاري: وهذا النوع من الانتحار يظهر في الجماعات التي تكون متكامل ومتجانسه بمجتمعها وخاصة على كل ما عداه من ميول لذلك فان الفرد لا يدرك وجوده الا عن طريق وجود مجتمعية، اذ ان هذا النوع یتسم بالتضحیة، إذ یتعدى نطاق الفرد إلى المجموعة لیكون شكلا من أشكال التضحیة في سبیل الجماعة الأكبر، فالتضحية هنا معیار یتخذه الفرد أساسا في انتحاره وتبلغ درجة التماسك الاجتماعي ذروتها بقتل الإنسان نفسه سعیا وراء تحقیق أهداف الجماعة.

الانتحار الفوضوي: ان مصدر هذا النوع من الانتحار الا هو حدوث حالات اضطرابيه وفوضوية بالمجتمع بما يؤدي الى التفكك وتعدد الرغبات وقصر إمكانيات الفرد عن بلوغها فيفقد الفرد ذاتيته ويعاني من الفراغ وفقدان معني الحياة الذي يؤدي الى العشية والاحساس الداخلي بالموت والذي يسبق الاقدام على الانتحار(9).

وسائل الانتحار

يختار الإنسان طريقة مناسبة في عملية انتحاره حسب ما يجول في فكره من خيالات وأفكار فإن لم يكن له يد في اختيار وجوده فعلى الأقل يستطيع أن يخطط موته وبالطريقة التي يريدها حسب أسلوب تفكيره ونفسيته، لقد ظهرت بعض الدراسات حول الوسائل المستعملة للانتحار حيث غالبا ما تكون وسائل الانتحار عند الإناث أقلها عنفا من عند الذكور مثلا كاستعمال الأدوية المنومة، كما أن وسائل الانتحار عامة تكون سهلة الحصول عليها وترتبط بالوسط الذي يعيش فيه المنتحر. وتطورت وسائل الانتحار عبر التاريخ فسابقا كانت: الخنق، استعمال الخناجر والسيوف وأما الآن فاستعمال الأدوية والقفز من أعلى البنايات لقد صنف"Sheidman " وسائل الانتحار إلـى:

وسائل سريعة أو عنيفة: تقود إلى الموت حتما مثلا: كاستعمال السلاح الناري، التسمم بأكسيد الكربون، القفز من أعلى البنايات، وكذلك انتحار عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.

الوسائل الغير العنيفة أو بطيئة المفعول: تؤدي إلى الموت بطريقة تدريجية كتناول الأدوية.

أما " Capstik " فصنف الوسائل إلى:

الوسائل الفعالة: وتشمل الشنق، الغرق، قطع الشرايين.... الخ.

الوسائل الغير الفعالة: تسمم بالأدوية(10).

العوامل المؤدية الى الانتحار

ان للانتحار عوامل متعددة نفسية منها واجتماعية ومنها مرضية تتمثل في الامراض النفسية والعاطفية والفصام وتعاطي المسكرات والقلق والشعر باليأس اما أبرز العوامل لهذه الظاهرة هي:

العامل النفسي: يعد من ابر العوامل المؤدية الى الانتحار حيث ان الضغوط النفسية على الفرد تؤدي الى حدوث جروح معنية عميقة وشديدة يمكن لها ان تدفعه للتفكير في انهاء حياته بنفسه بذلك على درجة من كرامته وقوته ومن ناحية أخرى فان رؤيته المغلقة والمسدودة والبائسة للواقع والاحداث وللظروف والتي يمر بها تجعل فكرة الانتحار بديلا مقبولا عن واقعة وظروفه المستحيل الذي يمر به لعدم تحقيق الهدف الذي كان يسعى اليه ، وتختلف رؤية الأشخاص وتقديراتهم ولظروفهم الحياتية التي تواجههم وبعضهم اكثر تكيفا واحتمالا للشدائد والصعاب وبعضهم لا يتحمل درجات منخفضة من الإحباط والصعوبات وإيجاد المخارج والحلول اما الاحباطات والأزمات كما ان الفردية والانانية والنرجسية والتنافس الشديد مع الاخرين يلعب دورا هاما في تضخيم الاحباطات والأزمات ويمكن للضغوط النفسية المتنوعة والاحباطات والصدمات ان تؤدي الى انفعالات سلبية شديدة وحزن وتوتر وياس وغضب حيث يمكن للغضب ان يرتد الى الذات بدلا عن المحيط والاخرين وان تبرز الأفكار الانتحارية ثم تتحول الى سلوك انتحاري.

العامل الاجتماعي: ويعتبر من اهم العوامل المؤدية الى الانتحار اذ ان من ابرز أسباب هذا العامل الا هي تكسر الروابط الاجتماعي وضعف التضامن الاسري فيؤدي الى انعزال الفرد عن مجتمعية نتيجة عدم اهتمام المحيطين بع فينتهي الامر به الى احتمالات حدوث الانتحار أي كلما ازداد التماسك والترابط الاسري والعائلي قل الانتحار وإذ انحلت او ضعفت روابطها وكثرت مشاكلها كثر الانتحار وكلما كان الدين اكثر ضابطا لروابط الافراد وسلوكهم قلت نسبة الانتحار وإذ كانت قبضته ضعيفة زادت هذه النسبة ويكون التكامل الاجتماعي اقوى في المناطق الريفية اذ قرون في المناطق الحضرية.

العامل الاقتصادي: للعامل الاقتصادي والانتحار علاقة طردية فتزداد حالات الانتحار عندما يكون الوضع الاقتصادي للفرد صعف وليس لديه فرص عمل او دخل ثابت فمع ارتفاع معدلات البطالة ترتفع حالات الاقدام على الانتحار والعكس صحيح فكلما توسع او انتعش الاقتصاد انعدمت او قلت حالات الانتحار اذ اشارت الإحصاءات الى حدوث ارتفاع في اعداد حالات الانتحار بصفة خاصة بين الرجال في منتصف العمر، لان هذه الفئات العمرية كانت أكثر الفئات التي تأثرت بالتراجع الاقتصادي في تلك الفترة

العامل الديني: ان انعدام الوازع الديني او ضعفه، يترتب عليه انعدام الاحساس بوجود رقيب على تصرفات الفرد وسلوكه، من قول او عمل ومن ثم يغطي الرين قلبه فيستهين في ارتكاب المعاصي اما إذا تمكن الايمان في قلب الفرد فأنه يجعل منه كائن آخر حيث يهذب سلوكه وينقيه من الشوائب ويجعله سمحاً متسامحاً محباً للخير لنفسه ومجتمعه، نابذاً لأعمال الفسق والرذيلة مقدراً قيمة الحياة ذاتها فقوة الايمان هي الحد الفاصل او الحاجز المنيع للإنسان عن ارتكابه الجرائم بحق نفسه ومجتمعه.

عوامل أخرى للحدوث حالات الانتحار في مجتمعنا الحالي ومنها العوامل العاطفية ومنها الفقر والبطالة وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع ومنها عدم الالتفات للعوامل الحضارية الاجتماعية بالإضافة الى عامل البيئة(11).

شبكات التواصل الاجتماعي والانتحار (العلاقة والتأثير) قراءة تحليلية

كان لظهور شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنيت في خلق مجتمع جديد بكل معاييره وعاداته وقواعده اذ انه صنف بمجتمع (تكنو- انساني) أي انه يتألف من نظامين جديدان هما (للإنسان / الالة)، الامر الذي ترك تأثيرا قويا على أفكار ومعلومات وسلوك الافراد والجماعات الممثلة له، بالإضافة الى ذلك فقد أدى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الى ظهور بوادر التنشئة الاجتماعية الانترنتية او مظاهر التربية الرقمية على الشبكة العالمية من قبل اقطاب المعلوماتية على كل المستويات الاجتماعية والثقافية من خلال برامج البحث والترفيه والمسابقات والفنون والثقافة والتعليم الالكتروني المعولمة وغيرها ، بحيث ان مظاهر التنشئة الانترنتية والتطور التكنو- اجتماعي سيأخذ مسار مظاهر التطور الاجتماعي الطبيعي من البساطة الى التعقيد ، بسبب التألف والتأثر المتبادل بين المجتمعين الطبيعي والالكتروني بحيث يطور كل منهما الاخر .

وزيادة على ذلك فقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، منها الفيس بوك واليوتيوب وتوتير والبلاك بيري والماسنجر، بجانب شبكات التليفون المحمولة دورا رئيسا في ترويج ونشر الكثير من الحالات الانتحارية التي اتشرت بالعراق مؤخرا وأخذت تدخل جسد المجتمع العراقي اذ شهد عصرنا الحالي ارتفاع مستويات الانتحار بشكل كبير حتى أصبحت من الظواهر البارزة التي يعاني منها المجتمع العراقي.

اذ ان هذه الظاهرة اخذت تنتشر بين الشباب الذين مازالوا في سن المرهقة وبين الفتيات بنسبها أكبر من الذكور كان نتيجة انفتاح العراق على العالم الخارجي ووفود الكثير من العادات والظواهر الاجتماعية الغريبة التي لم تكن معروفها بين افرد المجتمع العراقي، وعند الرجوع إلى الحالات التي انتحرت والوقوف على أسباب لانتحار فأكثر سبب هي لأسباب عاطفيها أو مشاكل بين الأب ولام لكن السبب لأكثر انتشاراً هو المشاكل العاطفية بين الفئة العمرية التي تتراوح بين الخامس عشر إلى العشرون عام.

وهذا بالإضافة العديد من المشاكل السلوكية والإجرامية المختلفة التي لم تكن موجودة سابقا منها اغتصاب وقتل ونصب واحتيال والانتحار وغيرها من السلوكيات الشاذة والمنحرفة التي أصبح لها تأثيرا واضحاً على الأبناء من خلال التقاعس عن قيام الفرد بواجباته الأسرية والتزاماته الاجتماعية تجاه من يعيش معهم وجها لوجه يوميا ولساعات طويلة، فاستخدام الانترنيت اصبح بديلا للتفاعل الاجتماعي الصحيح مع الرفاق والأقارب القائم على أساس المواجهة واللقاء المعبر بإيماءات الوجه الانفعالية والوجدانية التي تعني الكثير وتمثل ملامح أساسية في ضبط سلوك الفرد من خلال المواجهة والتي تحمل معها الكثير من الإشارات المتفاعلة والتي تعتبر بمثابة لغة في مجتمعنا العربية والتي توصل أفكارا كثيرة منها ما يسمى بلغة العيون وقراءة الأفكار من خلال النظر في وجه الشخص المقابل وفهم تعابيره الاجتماعية من فرح وحزن واستهزاء وضبط للسلوك وغيرها من الأضرار.

بالإضافة الى ذلك كان لغياب الوازع الديني عند فئات المجتمع إثره في ظهور الانتحار عند بعض الافراد اذ ان الدين الإسلامي يحرم الانتحار هذا من جانب وان للبيئة البيئة الاجتماعية التي تحيط بالفرد دور كبير في تكوين شخصية اذ انه هذا البيئية تفرض عليه نمط معين من السلوك نحو الظواهر المجتمعية المحيطة به هذا من جانب المجتمع.

اما دور الأسرة في بناء المجتمع وإدامة تنظيمه واستقراره باعتبارها النواة الأساسية في بناء المجتمع من خلال تأثيرها في تربية الأبناء وتوجيههم وتوعيتهم حيث انها مصدر الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك والإطار الذي يتلقى فيه الفرد اول دروس الحياة الاجتماعية ولكي يتم ذلك فلابد لها ان تأخذ دورها الايجابي في هذه المواجهة الجادة وذلك من خلال تركيز كل الجهود على تفعيل دور الأسرة في توعية وتوجيه أبنائها وتذكيرهم بالمخاطر السلبية للتكنولوجيا الحديثة وتبصيرهم بالخطوط الحمراء التي يجب عدم التعرض لها او المساس بها ومنها مسائل الشرف والعرض وعدم الترويح لحالات الانتحار فيجب التحذير من المساس بها وتنبيه الأبناء عليها وبالأخص بعد دخول شبكة الانترنيت الى اغلب البيوت وإيصالها بنظام الهاتف المحمول الذي وصل الى جميع الفئات من ابناء المجتمع الكبار والمراهقين والصغار.

فضلا عن وجود مقاهي خاصة في جميع الأحياء السكنية مرتبطة شبكات التواصل الاجتماعي فنرى فيها من الشباب والمراهقين والأطفال الذين يقضون الكثير من الوقت فيما يعرف بالدردشة بالإضافة الى فقد اخذت شبكات التواصل الاجتماعي بقدرة هائلة على جذب مستخدميها والاستحواذ على عقولهم ومشاعرهم ولاسيما الشباب، فالاختيارات اللامحدودة هي في ذاتها عامل اغراء هائل ومؤثر في هذا الصدد فهو خلق جديد لشخصية الشاب وبناء ذاتي يسهم به الفرد بالدور الاساس والاكبر من شأن ذلك ان تتراجع الى جانبه عوامل التنشئة الاجتماعية الاخرى في بناء الانسان الاجتماعي الجديد.

وزيادة على ذلك فقد افرزت ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي تحولات مزدوجة التأثير أي ذات خصائص إيجابية وسلبية على مختلف بنى ومؤسسات النظام الاجتماعي (المؤسسة الأسرية والتربوية والسياسية والاقتصادية والدينية)، فبالقدر الذي يساهم الانترنت بالتقدم والتطور والتقنية، فهو يحمل في طباعه بذور الفساد والرذيلة والمخاطر، لأنها شبكة مفتوحة على الاقنية وسهولة الاتصال بها دون رادع.

واخيرا يمكننا القول ان جميع هذه الشبكات الرقمية سواء كانت سمعية ام مرئية يمكن وصفها بالجرائم الاجتماعية وذلك لخطورتها وضررها الكبير على الفرد والمجتمع وخصوصا وأننا مجتمعات عربية إسلامية تعتز بقيمها وعاداتها وتقاليدها التي تحكمها وتضبط سلوكياتها بدرجة كبيرة تفوق قوة القوانين في الضبط وذلك لان حكم المجتمع هو حكم نهائي وقطعي ويستمر بوصم الفرد طوال الزمن على العكس من القانون الذي ينتهي حكمه بانتهاء مدة المحكومية على المذنب.

الاستنتاجات

1) تعد ظاهرة الانتحار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أخطر وأبشع الجرائم الاجتماعية التي يعاني منها الواقع العراقي بسبب عدم وجود أي رقابية تربوية سواء من جانب الاسرة ام المدرسة ام المؤسسات الدين التي كان عملها في اسبق مؤثر وقوي في الحد من تلك الظاهرة.

2) تلعب شبكات التواصل دوراً في الترويح عن أفراد المجتمع ويخفف أعباء الحياة اليومية وذلك من خلال البرامج اليومية التي من شأنها الترويح عن نفوس الناس وادخال السرور الى نفوسهم من خلال برامج فنية متعددة وجذابة تستهوي جمهور المستغلين، بالإضافة الى تلك الوظيفية الجابية إلا أنه هناك بعض المعوقات التي تواجه التواصل الاجتماعي التي تؤثر سلباً أو تمنع عملية تبادل المعلومات والمشاعر بين المرسل والمستقبل أو تعطيلها أو تؤخر وصولها بالإضافة الى المعوقات النفسية والشخصية والاجتماعية ومن أشكالها خوف أحد الأطراف من الطرف الآخر وعدم الرغبة في التواصل وغياب الدافعية عند الأطراف ومشكلة التعصب الأعمى والأنانية والرغبة في الاحتفاظ بالمعلومات وكذلك حالات الانتحار.

التوصيات

1) إقامة مراكز اجتماعية وثقافة ونوادي ریاضیة من أجل القضاء على العزلة التي یعاني منها الشباب العراقيين واندماجهم بالمجتمع.

2) تفعيل دور رجال الدین والاهتمام بتوعية الشباب وبكلا الجنسین للحد من هذه الظاهرة والدعوة للتخفیف من زواج الفتاة الاجباري، ونبذ التقاليد والعادات البالية التي لا تعطي المرأة الحق في اختیاراتها.

3) دعوة وسائل الإعلام إلى التخفيف من الترويج أو نشر حالات الانتحار.

4) الاهتمام بالمناهج الدراسية التي تضم مواد تخص التوعية المدینة والنفسة وكیفیة مواجهة المشاكل التي قد تسبب الضغط النفسي حتى لا یكونوا عاملا مساعدا في ظاهرة الانتحار.

-------------------------
المصادر
1) احمد محمود عياش: الانتحار –نموذج حياته لمسائل لم تهتم بعد، دار الفارابي، بيروت، 2003، ص43.
2) علي محمد بن فتح محمد، مواقع التواصل الاجتماعي وآثارها الأخلاقية والقيمية، ملخص بحث منشور على شبكة الانترنت موقع الجامعة الإسلامية، جدة 2011، ص2. www.iu.edu‏
3) زاهر رامي: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، مجلة التربية، العدد(15)، جامعة عمان الأهلية، عمان، 2003، ص23.
4) خالد غسان يوسف المقدادي ثورة الشبكات الاجتماعية، دار النفائس للنشر، الأردن، ط1، 2013، ص 24، 25.
5) مهاب نصر: "الفايسبوك" صورة المثقف وسيرته العصرية، وجوه المثقف على الفيسبوك هل تعيد انتاج صورته أم تصنع افقا مقابرا؟ جريدة القيس الكويتية اليومية، العدد 13446، 3 نوفمبر 2010، ص 10.
6) سليمة رابحي، الحملات الانتخابية وشبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر بين وسائط الاتصال الجديدة وأنماط التبليغ التقليدية، ملتقى دولي حول شبكات التواصل الاجتماعي، بسكرة، 9/10 سبتمبر 2012.
7) حلمي خضر ساري: تأثير الاتصال عبر الانترنيت في العلاقات الاجتماعية (دراسة ميدانية في المجتمع القطري)، مجلة الجامعة، دمشق، المجلد 24، العدد الأول+ الثاني،2008، ص 307.
8) عبد الله بن سعد الرشود: ظاهرة الانتحار التشخيص والعلاج، ط1، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 2006، ص48-50.
9) محمد زاين العتيبي: مهارات معاينة مسرح حادث الانتحار، رسالة ماجستير في العلوم الشرطية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، قسم العلوم الشرطية، 2005، ص69-70.
10) النقيب: بن عمارة ميسوم: ظاهرة الإنتحار في الجزائر، أسبابها وأثرها علـى المجتمع الجزائـري، المدرسة العليا للدرك الوطنـي ، مديريـــة التدريـــــب ، قســــم الـتعليــم العالي ، الجزائر، 2006، ص54
11) طيبة فاضل عباس واخرون: ظاهرة الانتحار وباء يصيب المجتمع الايزيدي، وزارة حقوق الانسان، دائرة رصد الأداء وحماية الحقوق، قسم حقوق الأقليات، العراق، 2012، ص17-18.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي