بحار وضوابط وأسلحة: المصالح البحرية الإماراتية والسعودية في النزاع اليمني

مركز كارنيغي

2023-05-20 05:40

بقلم: عبد الله باعبود

فيما يتوالى النزاع اليمني فصولًا، لا بدّ من معالجة المسائل المتعلّقة بالرهانات البحرية السعودية والإماراتية من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام دائم.

أدّت الأهداف البحرية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في حرب اليمن دورًا أساسيًا في توجيه بوصلة الصراع. سعى التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية في آذار/مارس 2015 إلى إلحاق الهزيمة بحركة أنصار الله المعروفة بالحوثيين ومساعدة حكومة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي التي تحظى باعتراف دولي على استعادة سلطتها. وعمد المسؤولون السعوديون والإماراتيون، لاعتقادهم بأن الولايات المتحدة في صدد فك ارتباطها بالشرق الأوسط، إلى السيطرة على الممرّات المائية الأساسية، واستثمروا في إنشاء الموانئ والقواعد العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، ما سمح للبلدَين بحماية حدودهما البحرية وفرض سلطتهما الإقليمية ودعم مصالحهما التجارية.

إلى جانب الأبعاد المحلية للنزاع اليمني، كان الهدف الأساسي للتحالف منع إيران من توسيع نطاق نفوذها في داخل اليمن وجواره. وتمثّلت مخاوف السعودية والإمارات في أن تشنّ طهران هجمات على ممرات الشحن الأساسية لمصالحهما الاستراتيجية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إضافةً إلى هجمات على دول الخليج المجاورة. وفي تموز/يوليو 2015، سيطر التحالف على مدينة عدن التي يُعتبر ميناؤها من أكبر موانئ المياه العميقة الطبيعية في العالم، وكان ذلك محوريًا في جهود التحالف الرامية إلى فرض حصار بحري على الموانئ اليمنية ومنع إيران من متابعة إرسال إمدادات عسكرية إلى الحوثيين. وسُرعان ما تحوّلت عدن إلى عاصمة مؤقتة لليمن، فاستطاع التحالف وشركاؤه المحليون من الحصول على موطئ قدم في الجنوب، مكّنهم من التقدّم شمالًا باتجاه العاصمة صنعاء التي كانت قد وقعت تحت سيطرة الحوثيين. وإذ نجح الهجوم المضاد الذي شنّه التحالف وأتاح له تحقيق بعض المكاسب الأولية على الأرض في محافظة مأرب الغنية بالنفط والواقعة إلى الشرق من صنعاء، بيد أنه فقد زخمه لاحقًا وبات الصراع يراوح مكانه.

على ضوء هذا الواقع، باشرت الإمارات إعادة توجيه استراتيجيتها بدءًا من العام 2018 وصاعدًا، من خلال تغليب مصالحها على مصالح حلفائها في التحالف. وتمثّلت أهدافها الرئيسة في السيطرة على سواحل اليمن وممرات الشحن، وتطبيق استراتيجية "سلسلة الموانئ"، وكبح انتشار الإسلام السياسي. لكن هذه الخطوات أوقدت جذوة الخصومة بين الرياض وأبو ظبي لأنها أماطت اللثام عن تباين مصالحهما في اليمن. فقد أحكمت الإمارات قبضتها على موانئ جنوبية أساسية والمناطق المحيطة بها، ما حدا بها إلى رعاية المشروع الانفصالي في جنوب اليمن، لكن السعودية اعتبرت أن هذه الاستراتيجية تضعف حليفها الأساسي المتمثّل في الحكومة اليمنية التي تحظى باعتراف دولي، لذا تفكّك التحالف المناهض للحوثيين وباتت المملكة تواجه منفردةً الحوثيين على حدودها.

مع أن الأولويات البحرية الإماراتية وتّرت الأجواء مع السعودية، حرص الجانبان على تجنّب حدوث قطيعة بينهما، ويُعزى سبب ذلك بشكل كبير إلى تشاركهما الهدف الأساسي نفسه في اليمن، أي إلحاق الهزيمة بالحوثيين. لكن، حتى لو نجحا في ذلك، ستبقى لدى كلٍّ منهما أولويات أخرى في اليمن يصعب التوفيق بينها، وبالتالي من المرجّح أن يواصلا نزاعهما على النفوذ.

أهمية الحدود البحرية اليمنية في التفكير الإماراتي والسعودي

يحتلّ اليمن موقعًا استراتيجيًا على طول خليج عدن عند تقاطع بحر العرب والبحر الأحمر، واكتسى بحكم موقعه هذا أهمية جوهرية للطموحات الإقليمية والبحرية السعودية والإماراتية على السواء. فالسيطرة على السواحل اليمنية لا تؤثر فقط على حركة الشحن العالمية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بل تسمح أيضًا للمسؤولين الإماراتيين والسعوديين بتجاوز مضيق هرمز المضطرب باطّراد، والذي هدّدت إيران بإغلاقه في أكثر من مناسبة.

تقع طموحات الإمارات البحرية في صُلب مساعيها لتصبح مركزًا اقتصاديًا يربط بين شرق أفريقيا وجنوب آسيا، لذا سعت إلى إبرام اتفاقيات للتحكم في سلسلةٍ من الموانئ الواقعة في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وتشغيلها. على ضوء ذلك، توسّعت شركة موانئ دبي العالمية إقليميًا على مرّ السنوات، ودخلت في مشروع مشترك مع مؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية المملوكة للدولة في العام 2006 لإدارة ميناء عدن، وأبرمت لاحقًا اتفاقيات عدة لتشغيل محطة حاويات دوراليه في جيبوتي في العام 2006، وميناء بربرة في أرض الصومال في العام 2018.

واجهت الخطط الإماراتية سلسلةً من النكسات، إذ ألغت حكومة هادي المشروع المشترك لإدارة ميناء عدن بعد الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح في العام 2012. واستولت حكومة جيبوتي على محطة حاويات دوراليه من شركة موانئ دبي العالمية في العام 2018. تعتبر الإمارات أن ميناء جبل علي في دبي هو المركز اللوجستي والتجاري الأساسي الذي يربط بين أفريقيا وآسيا. لذلك، وفي وجه التنافس الصيني والسعودي المتزايد على موانئ القرن الأفريقي، اختارت أبو ظبي التركيز أكثر على اليمن، حيث كانت المنافسة الدولية أقل.

بات أصعب على الإمارات بشكل متزايد تبرير انخراطها في الحرب اليمنية بسبب إخفاق التحالف الذي تقوده السعودية في تحقيق تقدّم ميداني يُذكر في اليمن، ومقتل جنود إماراتيين في مدينة الحديدة وجنوب اليمن. كذلك، أضرّت مزاعم ارتكاب القوات الإماراتية انتهاكات لحقوق الإنسان بسمعة أبوظبي. وفي تموز/يوليو 2019، أعلنت الإمارات عن عملية إعادة انتشار استراتيجية من الحديدة، وسلّمت قيادة عدد كبير من القواعد العسكرية في البحر الأحمر، ومن ضمنها ميناء المخا وميناء الخوخة، إلى القوات السعودية. وبحلول شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلنت الإمارات إنهاء تدخّلها العسكري في اليمن، إلا أنها أكّدت أن انسحابها لن يخلّف فراغًا أمنيًا نظرًا إلى أنها درّبت ما مجموعه 90,000 مقاتل محلّي.

وقد اكتسبت الإمارات نفوذًا كبيرًا، خصوصًا على مستوى القواعد البحرية، بفضل الدعم المالي والعسكري الذي قدّمته للميليشيات المحلية، ولا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو تيّار انفصالي ساعدت أبوظبي في تأسيسه في العام 2017. كذلك، أنشأت الإمارات ودعمت قوات النخبة الشبوانية في محافظة شبوة، وقوات النخبة الحضرمية في محافظة حضرموت، وشاركت هذه الميليشيات في عمليات مكافحة الإرهاب المدعومة من الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وسمحت للإمارات أيضًا بنشر حلفاء لها على طول الساحل للسيطرة على الموانئ وحقول النفط والغاز ومحطات التصدير في اليمن.

انسجمت هذه الخطوات مع الاستراتيجية الإماراتية المتمثّلة في الاستحواذ على الموانئ على طول طرق الشحن الدولية الرئيسة. وقد فعلت ذلك في محافظات عدن وحضرموت وشبوة وتعز، إضافةً إلى أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون (المعروفة أيضًا باسم جزيرة بريم) في مضيق باب المندب. كذلك، استثمر القادة الإماراتيون في تجديد الموانئ المحلية والقواعد العسكرية وبنائها، معزّزين سيطرتهم على المرافق.

سلكت السعودية مسارًا مشابهًا، ونجحت في تحقيق هدفها الرامي إلى إحكام سيطرتها على ميناء نشطون في محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عُمان،نظرًا إلى النجاح الإماراتي المحدود في تأسيس ميليشيات هناك. وبحسب وثيقة سُرِّبَت في العام 2018، خطّطت الرياض لبناء خط أنابيب يمتدّ من منطقة نجران وصولًا إلى ساحل المهرة اليمني، للاستمرار في تصدير النفط في حال عمدت إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، لكن حتى الآن، ما من مؤشّر على أن هذه الخطة تسير قدمًا. وكشف تركيب الرافعات السعودية في موانئ عدن والمكلّا والمخا النقاب عن توسّع المصالح البحرية السعودية في اليمن، خارج المهرة.

تركّز الاستراتيجية البحرية السعودية بشكل أساسي على ساحل البحر الأحمر، ويُعدّ تأمين هذا الممر البحري ضروريًا كي تتمكّن السعودية من تحقيق طموحها الأوسع المتمثّل في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية. وقد باشرت المملكة مشروعًا سياحيًا ضخمًا على ساحل البحر الأحمر في العام 2019، يندرج ضمن إطار رؤيتها للعام 2030. وفي أوائل العام 2020، أطلقت تحالف البحر الأحمر، وهو مجلس إقليمي يضم ثماني دول، والغرض منه زيادة الاستقرار في المنطقة الأوسع من خلال معالجة قضايا أمنية مثل القرصنة والتهريب. لكن لا يزال تأثير هذا المسعى موضع تساؤل لأنه استثنى أفرقاء أساسيين آخرين في البحر الأحمر، مثل إيران وقطر وتركيا والإمارات.

عَقِب الانسحاب العسكري الإماراتي، اشتبكت الميليشيات الانفصالية المدعومة من أبوظبي بشكل منتظم مع القوات الحكومية المدعومة من الرياض، ما عرّض المجهود الحربي في اليمن للخطر من خلال تقسيم المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف وزعزعة استقرارها. وتصاعدت وتائر التوتر في آب/أغسطس 2019 حين أرغم المجلس الانتقالي الجنوبي القوات الحكومية على الانسحاب من عدن بعد أن فرض سيطرته عليها، مدعومًا بحسب ما أُفيد من الغارات الجوية الإماراتية. وسُرعان ما امتدّ العنف إلى محافظتَي أبين وشبوة، حيث استولى الانفصاليون على منشآت الطاقة والمرافق البحرية من قبضة الحكومة.

وعمدت السعودية، في محاولةٍ منها للحدّ من النفوذ الإماراتي المتنامي في جنوب اليمن، إلى إنشاء عدد كبير من الميليشيات المحلية ودعمها، على غرار قوات درع الوطن في عدن ولواء الأماجد في أبين. وشكّل ذلك سابقة خطيرة مهّدت الطريق لوقوع معارك شرسة في الجنوب بين ميليشيات موالية للسعودية وأخرى موالية للإمارات، ما هدّد بمفاقمة الانقسامات التي تعتري التحالف المناهض للحوثيين.

وأدّت المحادثات غير المباشرة التي جرت بوساطة سعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لتهدئة الأوضاع، إلى توقيع الطرفَين اتفاق الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2019. وشملت بنود هذا الاتفاق تشكيل حكومة جديدة تضمّ المجلس الانتقالي الجنوبي، وانضواء جميع المجموعات المسلحة تحت لواء الحكومة المركزية، ونزع سلاح القوات المنتشرة في عدن. أما بالنسبة إلى الإمارات، فقد نصّ الاتفاق على أن يصبح المجلس الانتقالي الجنوبي شريكًا سياسيًا شرعيًا في مستقبل اليمن، ما يضمن محافظة الإماراتيين على نفوذ قوي على الرغم من انسحابهم العسكري.

في البداية، نجح اتفاق الرياض في إرساء عمليات وقف إطلاق نار محلّية بين المسلحين الانفصاليين والقوات الحكومية في أبين، إلا أن بنوده الرئيسة لم تُنفَّذ بعد، ولم يتم الوفاء بجميع المهل المحدّدة فيه. ونتيجة عدم تنفيذ ترتيبٍ لتقاسم السلطة بموجب اتفاق الرياض، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الحكم الذاتي في نيسان/أبريل 2020، ما أدّى إلى نشوب قتال عنيف في جميع أنحاء جنوب اليمن. وسارع المقاتلون الانفصاليون إلى الاستيلاء على مواقع تجارية وبحرية أساسية، من ضمنها مدينة زنجبار الساحلية في محافظة أبين، وحقول النفط في محافظة شبوة المجاورة. وفي حزيران/يونيو 2020، سيطر الانفصاليون أيضًا على أرخبيل سقطرى، وأقالوا محافظها وطردوا القوات الحكومية منها، وهذه خطوات أدانها هادي معتبرًا أنها انقلاب.

ومع أن المجلس الانتقالي الجنوبي تخلّى عن إعلان الحكم الذاتي في تموز/يوليو بعد الجهود التي بذلتها السعودية لخفض وتيرة الصراع وتسريع إبرام اتفاق الرياض، لم يتم إحراز تقدّم يُذكر لتشكيل حكومة وحدة أو دمج المجموعات المسلحة في الجيش اليمني. وأفضت محاولات المملكة لإرساء ثقل موازن مقابل المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال تشكيل ميليشيات محلية تابعة لها في جنوب اليمن إلى تعطيل بنود الاتفاق المتعلقة بنزع السلاح وانضواء المجموعات المسلحة تحت سلطة الحكومة المركزية.

الحسابات البحرية وآفاق إنهاء النزاع اليمني

تمامًا كما كانت الأهداف البحرية في صُلب تفكير الإماراتيين والسعوديين عندما انخرطوا في الحرب اليمنية، سيحكم الجانبان على النتائج المحتملة للصراع على أساس تأثيراتها البحرية إلى حدٍّ كبير. وفيما ترغب السعودية في أن تعيد الحكومة اليمنية بسط سيطرتها على كامل التراب اليمني، أي أيضًا على موانئها، يُشار إلى أن الإمارات تستفيد من حالة التشرذم المستمر في البلاد، إذ يسمح لها ذلك بمواصلة سيطرتها على الموانئ اليمنية وعزل أعدائها الإسلاميين في اليمن. لكن، على الرغم من الخلافات بين السعودية والإمارات، تجمع بينهما الرغبة في منع الحوثيين من تحقيق الانتصار، والحرص على تفادي حدوث قطيعة دائمة بينهما.

من وجهة نظر الإمارات، يتمثّل السيناريو الأسوأ في يمنٍ خاضعٍ لسيطرة الحوثيين، لأن ذلك سيحرمها من النفوذ في بحر العرب والبحر الأحمر، ومن الاستفادة من العقود المربحة لعملية إعادة إعمار اليمن بعد الحرب. وفيما أضرّت بعض الفصائل في القوات المدعومة من الإمارات بشرعية الحكومة اليمنية، مُزعزعةً الاستقرار في الجنوب، أدّت فصائل أخرى دورًا مهمًا في الدفاع عن المحافظات الجنوبية من توغّلات الحوثيين.

ففي أيلول/سبتمبر 2021، نفّذ الحوثيون هجومًا نجحوا خلاله في السيطرة على محافظة البيضاء وأجزاء من محافظة مأرب، ما شجّعهم على التوسع جنوبًا نحو محافظة شبوة الغنية بموارد الطاقة. وردًّا على ذلك، انتشرت في شبوة قوات ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات والمنضوية تحت لواء تحالف المقاومة الوطنية اليمنية، وهي قوة مستقلة تقاتل نيابةً عن الحكومة اليمنية. ونجحت ألوية العمالقة، بالتنسيق مع قوات النخبة الشبوانية المحلية، في طرد الحوثيين خلال فترة أقل من عشرة أيام. كان استيلاء الحوثيين على ميناء شبوة ومنشآت النفط والغاز سيضرّ باستقلال الجنوب، ويفاقم الوضع الاقتصادي المتردّي أصلًا هناك، ويقوّض الطموحات البحرية الإماراتية. يُشار إلى أن هجوم الحوثيين بطائرة مسيّرة على أبو ظبي في كانون الثاني/يناير 2022 ردًّا على دعمها لألوية العمالقة زاد ربما من تصوّر أبوظبي للتهديد الحوثي، إلا أنها لم تغيّر استراتيجيتها في اليمن.

وينطبق ذلك أيضًا على السعودية، إذ إن سيطرة الحوثيين على اليمن ستؤثّر بشكل كارثي على طموحات المملكة الإقليمية. فهذه النتيجة ستتيح لإيران، الخصم الإقليمي الأساسي للمملكة، الاستعانة بحلفائها الحوثيين لشنّ هجمات عبر الحدود ضد السعودية، إضافةً إلى هجمات على ممرات الشحن في البحر الأحمر.

دفع قلق السعوديين والإماراتيين من انتصار الحوثيين قيادتَي الجانبَين إلى البحث عن أرضية مشتركة من خلال تأسيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني في الرياض في نيسان/أبريل 2022، يضمّ حلفاء للبلدَين، ومن ضمنهم المجلس الانتقالي الجنوبي. لكن المجلس الرئاسي ما زال منقسمًا، ما يشير إلى استمرار تباين المصالح بين الرياض وأبوظبي، لأن لدى كل منهما تصورات مختلفة عمّا يشكل النتائج المرجوّة في اليمن.

في غضون ذلك، تُعتبر الإمارات في وضع أفضل لحماية مصالحها مما هو حال السعودية. فقد تمكّنت أبوظبي، من خلال تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وتحقيق الاعتراف السياسي به، وتدريب الميليشيات المحلية وتسليحها، من سحب قواتها وتفادي التورّط في مستنقع الحرب اليمنية، إنما من دون التخلّي عن نفوذها في البلاد. يُضاف إلى ذلك أن سيطرة الإمارات على الموانئ ومنشآت الطاقة من خلال وكلائها المحليين ستعزّز بشكل كبير موقفها التفاوضي في سيناريو مرحلة ما بعد النزاع. كذلك، أفادت تقارير عن بناء الإمارات قواعد عسكرية في سقطرى وجزيرة ميون، ستزيد قدرتها على تأمين ممرات الشحن الدولية، وتوطيد استراتيجية "سلسلة الموانئ". وقد تؤدي حالة اللااستقرار في جنوب اليمن والمخاوف بشأن أمن الموانئ اليمنية إلى تكثيف حركة المرور في ميناء جبل علي، ما يعزّز مكانة الإمارات كمركز لوجستي عالمي.

أما السعودية، فمشكلتها أكبر من مجرّد المسائل البحرية. في الواقع، قد تسمح الحكومة المتحالفة مع السعودية للمملكة ببناء خط أنابيب يمتدّ إلى بحر العرب، متجاوزًا مضيق هرمز، ما يحرم إيران من القدرة على عرقلة صادرات النفط السعودية، لكن هذا ليس كافيًا، لأن الوجود الحوثي المستمر عبر الحدود الجنوبية للسعودية يعني أن إيران يمكن أن تستهدف المملكة، ولا سيما منشآت الطاقة لديها، بشكل غير مباشر. لهذا السبب، تتمثّل أولوية الرياض في إرساء دولة يمنية موحّدة في ظل حكومة موالية للسعودية، أكثر من المزايا البحرية ذات الصلة.

قد يشكّل دور حزب الإصلاح في مستقبل اليمن السياسي تحدّيًا إضافيًا كبيرًا في مرحلة ما بعد الحرب. فنظرًا إلى أن الإمارات تعارض بقوة جماعة الإخوان المسلمين التي تجمعها روابط وطيدة مع حزب الإصلاح، من غير المرجح أن توافق على أي ترتيب لتقاسم السلطة من شأنه أن يقوّي الحزب. مع ذلك، يحظى حزب الإصلاح بدعم قوي في المناطق القبلية اليمنية، ولديه عضوان في مجلس القيادة الرئاسي، وهذا يمثّل عقبة كبيرة ينبغي على الإمارات التعامل معها.

كذلك، ستوفّر إعادة توحيد اليمن جملةً من الفرص والتحديات للمصالح الإماراتية، وذلك بطرق أخرى. تتمثّل إحدى الفوائد المهمة التي قد تجنيها الإمارات من هزيمة الحوثيين في الاستيلاء على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وهو الميناء اليمني الأساسي الوحيد الذي يقع خارج نطاق النفوذ الإماراتي، والذي يكتسي موقعه أهمية حيوية لأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وفي ظلّ حكومة يمنية تحظى باعتراف دولي، سيكون أصعب بكثير على الإمارات إحكام سيطرتها على الحديدة، إن لم يكن مستحيلًا. مع ذلك، في حزيران/يونيو 2018، أدّت الميليشيات المدعومة من الإمارات والتي تقاتل ضمن تحالف المقاومة الوطنية، ومن بينها ألوية العمالقة وقوات مقاومة تهامة والحرس الجمهوري، دورًا حاسمًا في معركة الحديدة، إذ استولت على مطار المدينة ومحيطها. وفي حال نجح التحالف العربي في استعادة شمال اليمن، يمكن لتلك الميليشيات تأمين النفوذ الإماراتي على الحديدة ومينائها، على غرار ما حدث في عدن.

لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن اليمن سيبقى منقسمًا، في ظل سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة في شمال البلاد، وتَنافُس الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على الجنوب. فاقم فشل التحالف في التقدّم شمالاً وتدهور الوضع الاقتصادي في الجنوب، المشاعر الانفصالية. وعلى الرغم من أن الإمارات قد لا تدعم بالضرورة استقلال جنوب اليمن، إذ من شأن ذلك أن يمنعها من الوصول إلى مرافق أساسية في الشمال مثل الحديدة، فإن دعمها للفصائل الانفصالية سيعزّز نفوذها على الموانئ الأخرى، ويسمح لها بالتعامل مع حزب الإصلاح.

وقد بدأ هذا الأمر يحدث بالفعل في محافظة حضرموت. فبعد الانتصار العسكري على حزب الإصلاح في شبوة في آب/أغسطس 2022، شنّ المجلس الانتقالي الجنوبي هجومًا للسيطرة على معقل الحزب في مدينة سيئون. ويمنح اليمن المنقسم الإمارات هامشًا أكبر لإضعاف حزب الإصلاح ميدانيًا، ويقلّل من شرعية الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي يشكّل حزب الإصلاح جزءًا منها. علاوةً على ذلك، وفي ظل التشرذم الذي يعيشه اليمن، لن تواجه سيطرة الإمارات على الموانئ الجنوبية ومنشآت الطاقة تحديات كبيرة، ما يمنحها ميزة قوية في رسم معالم التجارة البحرية في المنطقة.

لكن، غالب الظن أن يفضي اليمن المنقسم إلى تصعيد وتائر الخلافات السياسية في الجنوب وتعقيد العلاقة بين السعودية والإمارات، ولا سيما إذا كثّفت أبوظبي دعمها للحراك الانفصالي. واقع الحال أن استقلال جنوب اليمن قد يلحق الضرر بالحكومة اليمنية، الحليف الأساسي للسعودية، ويقوّض طموحات الرياض البحرية. وعلى الرغم من أن للمملكة اليد العليا في المهرة راهنًا، فإن النزاع على السلطة في جنوب اليمن قد يضعف نفوذها في المحافظة الحدودية، ما يهدّد سيطرتها على نشطون. يُشار إلى أن الإمارات امتحنت علاقتها مع السعودية في مناسبات عدة في اليمن. مع ذلك، قد يشكّل الدعم الإماراتي لاستقلال جنوب اليمن تجاوزًا كبيرًا، لأن هذه الخطوة قد تلحق أضرارًا بالغة بعلاقتهما الثنائية لا يمكن إصلاحها.

تُعدّ المحادثات الجارية بين السعودية والحوثيين لإنهاء النزاع خطوة واعدة على مسار إرساء السلام في اليمن، إلا أن الجهود التي تبذلها السعودية والإمارات لتوسيع نطاق نفوذهما في المناطق الساحلية من خلال دعم الميليشيات المحلية قد تنبئ بنزاع مديد على السلطة في جنوب اليمن.

.........................................

* عبد الله باعبود، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. وأستاذ كرسي دولة قطر لدراسات المنطقة الإسلامية وأستاذ زائر في كلية البحوث الدولية والتعليم في جامعة واسيدا في طوكيو.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية.
https://carnegie-mec.org/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي