هل تغذي الحرب في أوكرانيا الانتشار النووي؟
بروجيكت سنديكيت
2022-07-12 07:12
بقلم: جوزيف ناي
كمبريدج ــ عندما انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، ورثت أوكرانيا جزءا من ترسانته النووية. ولكن في مذكرة بودابست وافقت أوكرانيا في عام 1994 على إعادة هذه الأسلحة إلى روسيا مقابل "تأكيدات" من روسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، باحترام سيادتها وحدودها. انتهكت روسيا بوقاحة هذا الوعد عندما ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، ومزقت المذكرة بغزوها الشامل لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/شباط من عامنا هذا. خلص العديد من المراقبين إلى أن أوكرانيا ارتكبت خطأ مصيريا بالموافقة على تسليم ترسانتها النووية (التي كانت ذات يوم ثالث أكبر ترسانة في العالم). تُـرى هل هم على حق؟
في أوائل ستينيات القرن العشرين، تنبأ الرئيس الأميركي جون ف. كينيدي بأن ما لا يقل عن 25 دولة ستمتلك أسلحة نووية بحلول العقد التالي. لكن في عام 1968، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي قصرت امتلاك الأسلحة النووية على الدول الخمس التي كانت تمتلكها بالفعل (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وبريطانيا، وفرنسا، والصين). اليوم، أصبحت تسع دول فقط تمتلكها ــ الخمس المذكورة في المعاهدة الموقعة بالإضافة إلى إسرائيل، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية ــ لكن هناك العديد من "الدول القريبة من امتلاكها" (الدول التي تتمتع بالقدرة التكنولوجية لبناء أسلحة نووية بسرعة) التي تفكر في هذا الخيار.
يقترح بعض المحليين أن الانتشار النووي قد يكون شيئا محمودا، لأن عالم القنافذ المسلحة نوويا سيكون أكثر استقرارا من عالم الذئاب النووية والأرانب غير المسلحة. وهم يرون أن روسيا ما كانت لتجرؤ على غزو أوكرانيا المسلحة نوويا. ويتساءلون فضلا عن ذلك لماذا ينبغي لبعض الدول الحق في امتلاك الأسلحة النووية في حين لا ينبغي لدول أخرى.
يدعو آخرون إلى إزالة كل الأسلحة النووية، وهو الهدف المكرس في معاهدة الأمم المتحدة لعام 2017 بشأن حظر الأسلحة النووية، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2021. تضم المعاهدة حاليا 86 دولة موقعة و66 طرفا (وإن لم تشارك أي من الدول التسع التي تمتلك الأسلحة النووية في المعاهدة).
يزعم المشككون في هذا النهج أنه في حين قد تكون إزالة الأسلحة النووية طموحا مستحقا في الأمد البعيد، فإن الجهود المبذولة لتحقيق هذه الغاية بسرعة أكبر مما ينبغي قد تزيد من عدم الاستقرار واحتمال نشوب صراع. كما يؤكدون على أن التحدي الأخلاقي الحقيقي ليس وجود الأسلحة النووية بل احتمال استخدامها. ربما كان من الأفضل لو لم يتعلم البشر تسخير قوة انشطار الذرة في ثلاثينيات القرن العشرين؛ لكن المعرفة من غير الممكن أن تُـزال، لذا فمن الأفضل التركيز على الحد من مخاطر استخدامها في الحرب.
لنفترض أنك تعيش في حي يعاني من اقتحام البيوت وعمليات سطو واعتداءات مدمرة على نحو مستمر. ثم ذات يوم قرر بعض الجيران تجهيز مساكنهم بمعدات متفجرة وأسلاك لتفجير فخاخ، ووضعوا إشارات تحذير لردع الدخلاء. المشكلة أنه في حالة استخدام هذه المعدات فسوف يتضرر مسكنك أيضا. مع ذلك، لا يخلو الأمر أيضا من مخاطر كبرى تحيط بمحاولة تفكيك النظام في الأمد القريب.
ماذا كنت لتفعل؟ ربما تطلب من جيرانك أن يستخدموا النظام فقط للدفاع عن أنفسهم ضد الدخلاء وليس لتهديد آخرين. وقد تشجعهم على تثبيت أجهزة للحد من مخاطر وقوع الحوادث، وتطالب بالتعويض عن المخاطر التي يفرضونها عليك من خلال إدراج مسكنك ضمن علامات التحذير. وقد تقنعهم باتخاذ خطوات لتفكيك النظام في وقت ما في المستقبل، عندما يصبح من الممكن التوصل إلى وسائل آمنة نسبيا.
بالقياس التقريبي، هذه هي أنواع الشروط المنصوص عليها في معاهدة 1968 بشأن منع انتشار الأسلحة النووية، ولهذا السبب كان الغزو الروسي لأوكرانيا شديد التدمير. لم تكتف روسيا بانتهاك ضمانات أمنية صريحة بموجب مذكرة بودابست؛ بل ألمحت أيضا إلى التصعيد النووي لردع آخرين عن مد يد العون إلى أوكرانيا. وهي بهذا تُـضـعِـف الحظر المفروض ضد التعامل مع الأسلحة النووية على أنها أسلحة قتالية عادية ــ وهي الاتفاقية التي وصفها رجل الاقتصاد توماس شيلينج الحائز على جائزة نوبل بأنها القاعدة العالمية الأكثر أهمية منذ عام 1945.
لكن من الخطأ المبالغة في تقدير الضرر الذي ألحقه غزو أوكرانيا بنظام منع الانتشار النووي. بادئ ذي بدء، يبالغ أولئك الذين يعتقدون أن الغزو سيعلم الدول الأخرى أنها ستكون أكثر أمانا إذا امتلكت أسلحة نووية في تبسيط التاريخ. لا أحد يستطيع أن يفترض أنه لم يكن ليحدث أي شيء لو احتفظت أوكرانيا بأسلحتها النووية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية.
في كل الأحوال، مثل هذه الأسلحة لا تكون جاهزة للاستخدام بتناولها "من على الرف". كان احتفاظ أوكرانيا بترسانتها ليستلزم إزالة المواد الانشطارية في الصواريخ السوفييتية البعيدة المدى المتمركزة في أوكرانيا وإعادة تشكيلها وتوجيهها للاستخدام لأغراض أخرى. لم يكن ذلك ليتطلب الوقت والخبرة فحسب، بل وربما كان ليعمل على التعجيل بتدخل روسيا. عندما تقترب الدول من العتبة النووية، فإنها تدخل "وادي العُـرضة للخطر" والذي قد يقلل من أمنها ويزيد من عدم استقرارها في عموم الأمر. وحتى عندما يمكن تخيل الردع المستقر في منطقة بعينها، فقد يكون من الخطورة بمكان محاولة الانتقال من هنا إلى هناك.
يزعم بعض المنظرين أنه مثلما شجعت الأسلحة النووية التحلي بالحكمة بين القوى العظمى، من خلال إعطائها "كرة بلورية سحرية" تتنبأ من خلالها بالدمار الذي قد ينشأ عن الحرب النووية، فإن انتشار الأسلحة النووية سيفضي على نحو مماثل إلى إنتاج حالة من الاستقرار بين المنافسين الإقليميين الأصغر حجما. سوف تتصرف القنافذ النووية مثل الأرانب، وليس الذئاب.
لكن ليست كل المناطق متساوية من حيث مخاطر التصعيد، ولا يجوز لنا أن نفترض أن كل القادة سيتحلون بالقدر اللازم من الحكمة لاستخدام كراتهم البلورية السحرية. تختلف المناطق في ما يتصل بعدد الحروب الأهلية، والحكومات الـمُـطاح بها، والسيطرة المدنية عل المؤسسة العسكرية، وأمن الاتصالات، وبروتوكولات التحكم في الأسلحة. إذا كان الناشرون الجدد أشد ميلا إلى استخدام الأسلحة النووية ــ حتى وإن كان ذلك من غير قصد ــ فإن هذا يعني أنهم وجيرانهم يصبحون أكثر افتقارا إلى الأمن في "وادي العُـرضة للخطر".
أخيرا، عندما تنتشر الأسلحة النووية، تميل احتمالات الاستخدام غير المقصود أو الـعَـرَضي إلى الزيادة، وتصبح إدارة الأزمات النووية المحتملة أشد تعقيدا، ويصبح وضع ضوابط قد تساعد ذات يوم في تقليص الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في السياسة العالمية أكثر صعوبة. باختصار، كلما زاد انتشار الأسلحة التي يُــفـتَـرَض أنها دفاعية، زادت مخاطر نسف الحي بأسره. الدرس الحقيقي المستفاد من حرب روسيا في أوكرانيا هو أننا يجب أن نعمل على تعزيز معاهدة منع الانتشار النووي الحالية وأن نمتنع عن التصرفات التي قد تُـفـضـي إلى تآكلها.