لعبة بايدن العظيمة
بروجيكت سنديكيت
2021-06-09 07:04
بقلم: ميلفين ب. كراوس
ستانفورد- اقترب موعد ذهاب جو بايدن في أول رحلة له إلى أوروبا بصفته رئيسا للولايات المتحدة. فبعد قمة مجموعة السبع التي عقدت في إنجلترا، سيحضر قمة الناتو في بلجيكا ثم اجتماعًا ثنائيًا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في جنيف. ورغم أن بايدن سيتخذ من أوروبا مكانا لعقد الاجتماعات، إلا أن جل تركيزه سينصب في النهاية على الصين، لأن أولوية بايدن الاستراتيجية هي حشد رد غربي موحد على السلوك الصيني.
وقد أفسدت نزعة الصين المتزايدة وازدراءها لأوروبا نظرة العديد من القادة الأوروبيين إلى نظام الرئيس شي جين بين، مما خلق فرصة لا يجرؤ بايدن على تفويتها. وقد يبدو غريبًا أن خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) الذي يربط بين ألمانيا وروسيا، هو الآن في قلب جهود بايدن لجذب أوروبا، وخاصة ألمانيا، بعيدًا عن الصين.
ولسنوات عديدة، سخر بايدن من مشروع (نورد ستريم 2) واصفا إياه بأنه "صفقة سيئة بالنسبة لأوروبا"، بحجة أنها تعرض أمن القارة للخطر، ولا سيما أمن بولندا، وأوكرانيا، ودول البلطيق. وفي جلسات الاستماع للتصديق، التي عُقدت في كانون الثاني (يناير)، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، أن الإدارة الجديدة "مصممة على بذل كل ما في وسعها لمنع" استكمال خط الأنابيب.
ولكن جهود الولايات المتحدة لإفشال مشروع (نورد ستريم 2) كان من الممكن أن توجه ضربة قاضية للتحالف عبر الأطلسي، لأن حكومة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تعتبر الغاز الروسي محطة استراحة ألمانيا في رحلتها للتخلص التدريجي من الفحم. وفي تحول غير متوقع، رفعت الولايات المتحدة الشهر الماضي العقوبات المفروضة على الشركة التي تبني خط الأنابيب. ومنذ ذلك الحين، تحدث وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بحماس عن علاقات ألمانيا مع إدارة بايدن التي وصفها بالممتازة حقًا.
ومن المؤكد أن بوتين هو من بين أكبر الفائزين حاليا. إذ من خلال نقل الغاز الروسي عبر (نوردستريم 2) مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، سيتمكن الكرملين من قطع الإمدادات عن دول العبور مثل أوكرانيا. ولكن رغم أن لا أحد ينفي أن أمن أوكرانيا ومواردها المالية وحتى استقلالها أمور أصبحت موضع شك، فإن إدارة بايدن كانت حكيمة في الاعتراف بأنها لا تستطيع إيقاف خط الأنابيب. لذلك قررت قبول المشروع لكسب المزيد من التعاون من ألمانيا بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين.
ومن جانبها، تنظر الصين إلى أوروبا على أنها أكثر انحطاطًا وتصلبًا من الولايات المتحدة، وما انفكت تنهال على القارة بالذَّم؛ بل أصدرت عقوبات فردية ضد المشرعين الهولنديين وأعضاء البرلمان الأوروبي. ورداً على ذلك، منع البرلمان الأوروبي التصديق على مسودة الاتفاقية الشاملة للاستثمار، وهي صفقة أبرمتها المفوضية الأوروبية مع الصين في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ورفض علنا طلب إدارة بايدن الجديدة لإجراء مشاورات مسبقة بشأن هذه المسألة.
لقد منح إصرار الصين كلاً من ألمانيا والولايات المتحدة ما كانتا تحتجانه من تشجيع لعقد صفقة من شأنها أن توحد الغرب. والشروط واضحة: ستحصل ألمانيا على خط الأنابيب، وفي النهاية، ستعتمد سياسة المناخ التي تريدها؛ وستحصل الولايات المتحدة على دعم ألمانيا في تنفيذ استراتيجية الصين الجديدة، والدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد.
وإذا نظرنا إليه في سياقه، فإن تنازل بايدن بشأن (نورد ستريم 2) كان في الأساس دون مقابل. إذ مع إصرار الألمان على إكمال المشروع، لن تؤدي المعارضة الأمريكية إلا إلى تعميق الانقسامات في التحالف الغربي. وعلى عكس الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يعقد صفقات منمقة ويعتمد سياسة حافة الهاوية، أدرك بايدن الواقع واستخلص فوائد مادية منه. ومن المستبعد جدًا، الآن، أن يسمح الأوروبيون بتنفيذ الاتفاقية الشاملة للاستثمار في أي وقت قريب.
أما فيما يتعلق بروسيا بقيادة بوتين، فيبدو بايدن واثقًا من أن الغرب لديه القدرة ليس فقط على احتوائها، ولكن ربما لجذبها بعيدًا عن الصين أيضًا. وهناك فكرة واضحة يجب الدفاع عنها، وهي أن الاعتماد المتزايد على الصين ليس في مصلحة الأمن القومي لروسيا، ومن المفترض أن هذه هي الرسالة التي سينقلها بايدن إلى بوتين في جنيف.
ولم يعتقد ترامب أن أمريكا كانت بحاجة إلى حلفاء في أوروبا لتحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية. ولكن بايدن يدرك أن التحالف عبر الأطلسي هو حجر الأساس للأمن الاقتصادي والقومي للولايات المتحدة. وهذا هو سبب استعداده للمخاطرة بدعم المصالح الاقتصادية الروسية من أجل تعزيز موقف الغرب تجاه الصين.
ويرى النقاد مثل "وولفغانغ مونشاو" من (يوروإنتيليجنس) أن سياسة بايدن "تستند إلى سوء تقدير للسياسة الألمانية، وهو أمر لا يبشر بالخير بالنسبة لفرص إدارة بايدن للسياسة الخارجية الناجحة". وفي الواقع، قد يكون ترسيخ ألمانيا بقوة داخل جبهة غربية متحدة للتعامل مع الصين أحد الإنجازات الدبلوماسية المحورية لبايدن. فهي، على الأقل، خطوة جريئة استأصلت سياسة ترامب من السياسة الخارجية للولايات المتحدة.