سد النهضة: هل دقت طبول أول حرب مياه في أفريقيا؟
دلال العكيلي
2019-11-17 07:02
ندرة المياه في المنطقة العربية مشكلة ليست بجديدة وتتفاقم مع مرور الزمن إلى حد حذر بيئيون من أنها قد تتسبب في حروب إن استمر الحال على ماهو عليه، فيما حذرت مؤسسات دولية عدة من نقص المياه لأسباب عدة على رأسها التغير المناخي والنمو السكاني المتزايد، وتزحف أزمة مياه على مصر مع تعثر محادثات سد النهضة الذي تقوم إثيوبيا ببنائه حاليا، ويسهم تنامي عدد السكان في مصر والتأثيرات السلبية لتغير المناخ ونستعرض لكم في التقرير ابرز الاحداث المختصة بازمة المياه بين مصر واثيوبيا.
وتخشى مصر أن تسوء الأمور مع بدء إثيوبيا ملء خزان السد العملاق. وتستضيف الولايات المتحدة محادثات بين الدولتين إلى جانب السودان في محاولة لاستئناف مباحثات متوقفة بشأن مشروع الطاقة الكهرومائية، وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه اجتمع مع مسؤولين من مصر وإثيوبيا والسودان لبحث تلك القضايا.
وقال ترامب على تويتر "الاجتماع مضى بشكل جيد والمباحثات ستستمر خلال اليوم"، لكن حتى إذا نجحت واشنطن فيما فشلت فيه المفاوضات الثلاثية على مدى سنوات، فستظل مصر تعاني من مشكلات مياه أوسع نطاقا تجعلها تكابد للحفاظ على إنتاج الغذاء.
يقول المسؤولون المصريون إن النصيب السنوي للفرد من المياه يبلغ حاليا نحو 570 مترا مكعبا، وهو ما يعني أن البلاد تعاني شحا مائيا وفقا لعلماء المياه الذين يضعون عتبة لتلك الظاهرة بألف متر مكعب للفرد سنويا، ومن المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه في مصر إلى 500 متر مكعب بحلول 2025، وذلك دون الأخذ في الاعتبار تأثير سد النهضة العظيم الذي تقول مصر إنه سيخفض منسوب المياه أكثر غير أن إثيوبيا تقول إنها تأخذ احتياجات مصر والسودان من المياه في الحسبان، وتستخدم مصر أكثر من 80 في المئة من مياهها في الزراعة، لكن شح المياه دفع القاهرة بالفعل لاستيراد أكثر من نصف غذائها لتصبح أكبر مستورد للقمح في العالم.
وتحث الحكومة المزارعين على استخدام وسائل ري أكثر كفاءة وفاعلية وزراعة محاصيل ذات دورة زراعية قصيرة بما يستتبع استخدام مياه أقل، وتحاول كذلك إعادة تدوير مزيد من المياه، ويقول سكان محليون إن الغرامات التي تستهدف منع الفلاحين في دلتا النيل بشمال مصر من زراعة الأرز كثيف الاستهلاك للمياه لم تطبق هذا العام بنفس صرامة العام الماضي وأدى ذلك إلى زيادة مساحة الأرض المنزرعة بالأرز إلى 1.75 مليون فدان مقارنة بنحو 800 ألف في الفترة نفسها من 2018.
وتغير المناخ خطر آخر فقد تفقد مصر مع ارتفاع درجات الحرارة 30 في المئة من إنتاجها الغذائي في مناطقها الجنوبية بحلول 2040 وفقا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وخفضت الموجات الحارة بالفعل إنتاج المحاصيل ففي الفيوم يقول السكان إن درجات الحرارة ترتفع منذ سنوات، مما أجبر المزارعين على استخدام مياه أكثر لري أرض أقل.
افاق حل أزمة سد النهضة
قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان اتفقوا على العمل من أجل التوصل لاتفاق شامل ومستدام بشأن ملء وتشغيل مشروع سد النهضة في إثيوبيا بحلول 15 يناير كانون الثاني 2020، وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين يتحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الهندي في نيودلهي عاصمة الهند في أول نوفمبر تشرين الثاني 2019
وفي بيان مشترك صدر بعد أن استضاف وزير الخزانة ستيفن منوتشين محادثات في مسعى لحل الخلافات بشأن سد النهضة الكبير في إثيوبيا، قال الوزراء إنهم سيحضرون اجتماعات أخرى في واشنطن يومي 9 ديسمبر كانون الأول و13 يناير كانون الثاني لتقييم مدى التقدم الذي حققوه في مفاوضاتهم.
وقال الوزراء ومنوتشين ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في البيان "أكد الوزراء من جديد التزامهم المشترك بالتوصل إلى اتفاق شامل وتعاوني ومرن ومستدام ومتبادل المنفعة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير وتأسيس عملية واضحة للوفاء بذلك الالتزام وفقا لإعلان المبادئ لعام 2015".
وتخشى مصر أن يؤدي ملء خزان السد على رافد النيل الأزرق إلى تراجع إمدادات المياه الشحيحة بالفعل من نهر النيل الذي تعتمد عليه بالكامل تقريبا، وتقول إثيوبيا إن السد الذي سيولد الطاقة الكهرومائية، والذي سيكون الأكبر في أفريقيا، مهم لنموها الاقتصادي، وسيعقد وزراء المياه في الدول الثلاث أربعة اجتماعات في واشنطن بمشاركة وزارة الخزانة والبنك الدولي، حسبما أفاد البيان المشترك.
وقال البيان "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير 2020، فإن وزراء الخارجية يتفقون على ضرورة تفعيل المادة 10 من إعلان المبادئ لعام 2015" وستتطلب مثل هذه الخطوة وسيطا دوليا للمساعدة في حل النزاع، وفي وقت سابق، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الاجتماع الذي عقده مع الوفود المصرية والإثيوبية والسودانية مضى بشكل طيب، وفي بيانهم المشترك، أكد وزراء خارجية الدول الثلاث "أهمية النيل لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان وأهمية التعاون عبر الحدود ومصلحتهم المشتركة في إبرام اتفاق".
السيطرة على النيل؟
اتهمت إثيوبيا مصر بمحاولة الحفاظ على سيطرتها على مياه النيل باقتراح تقول إنه سيهدد سد محطة طاقة مائية عملاقة قيد الإنشاء على النيل الأزرق في خلاف دبلوماسي محتدم بين البلدين، وتبرز التصريحات الصعوبات التي تواجه التوصل إلى حل وسط بين البلدين بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير وفشلت جولتان من المحادثات خلال الشهر الأخير في مصر والسودان في إحراز تقدم.
وتعتمد مصر على النيل للحصول على ما يصل إلى 90 بالمئة من مياهها العذبة، وتخشى من أن السد، الذي يتم بناؤه في إثيوبيا بالقرب من الحدود مع السودان، سيحجم الإمدادات الشحيحة بالفعل، وبعد توقف المحادثات، قدمت مصر اقتراحا في أول أغسطس آب تضمن شروط ملء الخزان وهو ما رفضته إثيوبيا، وقالت إثيوبيا في تفسيرها لقرارها إن الخطة المصرية "متحيزة" وبها عيوب وستعرقل في نهاية الأمر تنميتها الاقتصادية.
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في مذكرة تم توزيعها على السفارات "اقتراح مصر محاولة للحفاظ على نظام أعلنته ذاتيا لتوزيع المياه يرجع للحقبة الاستعمارية واستخدام حق النقض ضد أي مشروع في نظام النيل"، ولم يتسن بعد الاتصال بوزارة الخارجية المصرية للتعليق، وصُمم السد الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر مصدر للكهرباء في أفريقيا من خلال توليد أكثر من ستة آلاف ميجاوات وتعتبره أديس أبابا خطوة نحو معالجة الخلل التاريخي في استغلال مياه النيل، وقالت إثيوبيا في بداية العام إنه سيتم تشغيل السد بالكامل بحلول عام 2022.
طريق مسدود
قالت مصر إن المحادثات مع السودان وإثيوبيا حول سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على نهر النيل بتكلفة أربعة مليارات دولار وصلت إلى طريق مسدود ودعت لوساطة دولية، جاء البيان الذي أصدرته وزارة الموارد المائية المصرية عقب اجتماع لوزراء الموارد المائية من مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم، وأُعلن عن سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار في عام 2011، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد كهرباء تصل إلى أكثر من 6000 ميجاوات، ويحمل السد منافع اقتصادية لإثيوبيا والسودان، لكن مصر تخشى أن يقيد الإمدادات المحدودة بالفعل من نهر النيل، والتي تستخدم مياهه في الشرب والزراعة والصناعة.
وتعتمد مصر على النيل في الحصول على 90 في المئة من المياه، وقالت وزارة الموارد المائية المصرية في بيان "مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة الاطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية وتتجنب إحداث ضرر جسيم لمصر".
وتابع البيان أن مصر طالبت "بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاث وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث دون الافتئات على مصالح أي منها"، ولم تحدد مصر الوسيط الدولي لكن الرئاسة دعت الولايات المتحدة إلى القيام بدور نشط في هذا الصدد.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقب المحادثات على فيسبوك "أؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفى إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق".
وقال البيت الأبيض في بيان إن الولايات المتحدة "تدعم... المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق تعاوني مستدام يضمن منفعة متبادلة بشأن ملء وتشغيل" السد، ورفض الوزير الإثيوبي سلشي بيكيلي في المحادثات الطلب المصري للوساطة، وقال للصحفيين "لماذا نحتاج إلى شركاء جدد؟ هل تريدون تمديد (المفاوضات) إلى أجل غير مسمى؟".
ورفضت إثيوبيا اقتراحا لمصر بشأن تشغيل السد، ولم تذكر أديس أبابا حجم تدفق المياه الذي تريده لكن مصر تريد تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، وقال وزير الموارد المائية السوداني ياسر عباس إن إثيوبيا اقترحت في المحادثات ملء السد خلال فترة من أربع إلى سبع سنوات.
وأضاف "انتهى الاجتماع الذى ناقش قضيتي الملء والتشغيل وأحرزت اللجنة البحثية بعض التقدم ولكن هناك خلافات تم الاتفاق على مواصلة التشاور حولها بين وزراء الري الثلاثة للاتفاق على الخطوة التالية"، دون أن يقدم تفاصيل.
شركة ميتيك تتحمل المسؤولية
قال مسؤول في سد النهضة الإثيوبي إن الإنشاءات في المشروع البالغة تكلفته أربعة مليارات دولار تأخرت لخمسة أعوام بعدما اضطر المهندسون العاملون به لاستبدال أعمال تشييد دون المستوى نفذتها شركة المعادن والهندسة (ميتيك) التي أُزيحت من المشروع، ومشروع السد هو ركيزة مسعى لإثيوبيا كي تصبح أكبر مُصدر للكهرباء في أفريقيا.
ويهدف سد النهضة الإثيوبي، الذي أُعلن عنه في عام 2011، إلى توليد ما يزيد عن ستة آلاف ميجاوات من الكهرباء في المنطقة التي تواجه صعوبات لإنتاج طاقة كافية، لكنه برهن على أنه مصدر للتوترات بين إثيوبيا ومصر، وقال بيلاشو كاسا منسق الموقع "أزلنا بعض أعمال الصلب عند منافذ التصريف في القاع واستبدلناها بأخرى جديدة، كما قمنا بتعديل وإصلاح بعض أعمال هياكل الصلب".
وأضاف "منافذ القاع كانت في البداية من تنفيذ ميتيك"، في إشارة إلى شركة الصناعات الكبيرة التابعة للجيش التي كانت مسؤولة عن تنفيذ معظم الأعمال الإنشائية للسد لكن جرت إزاحتها عن المشروع بعدما تولى أبي أحمد رئاسة، وقال بيلاشو "خلُص خبراؤنا إلى أن منافذ القاع كانت دون المستوى من حيث (متطلبات) الجودة".
وينصب الجدل المحتدم في إثيوبيا حول مشاركة ميتيك في مشروع سد النهضة الذي سيحتجز وراءه مياه نهر النيل، لكن مصر ترى في المشروع تهديدا وجوديا لها لكونها تعتمد على مياه النهر في 90 في المئة تقريبا من احتياجاتها من المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة والصناعة.