أنظمة الدفاع الجوي: سلاح ردع ومحفظة اقتصادية

مسلم عباس

2018-06-04 04:50

في الحادي والعشرين من مايو/ أيار من عام 2011 كشفت الصحافة الجزائرية عن تفكير الجزائر بتجميد إبرام صفقات جديدة لتوريد أنظمة تسلح روسية جديدة حتى صدور تقرير الخبراء العسكريين المشكلين من ضباط مهندسين متخصصين في أنظمة الأسلحة، حول أداء الأسلحة الروسية التي يملكها نظام الرئيس الليبي معمر القذافي في مواجهة هجمات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على ليبيا.

ونقلت صحيفة "الخبر" الجزائرية في عددها الصادر (21 مايو/ آيار) عن مصدر أمني قوله إن هيئة أركان الجيش الجزائري كلفت بطلب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقه، القائد الأعلى للقوات المسلحة، خبراء تلقى بعضهم تكوينه (تدريبه) في روسيا وحصل آخرون على تكوين في معاهد غربية بمعية متخصصين في الأمن ومهندسين خبراء في الدفاع الجوي وطيارين يعملون في التدريب، بتقييم أداء الأسلحة الروسية، خاصة طائرات "سوخوي" و"ميغ" المعدلة ورادارات الدفاع الجوي.

وشملت مهام اللجنة العسكرية التوصية بمدى فعالية أسلحة الدفاع الجوي الروسية التي ستتعاقد الجزائر على اقتنائها من الجانب الروسي، خاصة نظام الدفاع الجوي الأكثر تقدما في روسيا، وهو "أس400". واعتبر خبراء عسكريين الحرب الليبية اختبارا جديا للسلاح الروسي وبمثابة إنذار للدول التي تعتمد على منظومات دفاع جوي روسية الصنع، لإعادة النظر في طريقة تنظيم وتسليح دفاعها الجوي. بحسب موقع دويتشة فيلة الألماني.

تعد تجارة الأسلحة وخاصة منظومات الدفاع الجوي جزءا مهما من صورة الدول العظمى وهيبتها، بالإضافة الى فوائدها الاقتصادية وكوسيلة ردع ترعب بها خصومها الذين يماثلونها بالقوة، ولذلك تولي الدول الكبرى اهتماما كبيرا بهذه الصناعات كما تدفع الكثير من الدول الضعيفة او متوسطة القوة الى التصدي لمنظومات الخصوم لتثبت فشلها وبالتالي تزعزع صورة هذه الدولة كقوة عظمى، وكان الاتحاد السوفيتي وروسيا بعده احد اكثر المتضررين من هذه الاستراتيجية، اذ فشلت أسلحته في الحروب العربية ضد إسرائيل كما كان اخر فشل لها في ليبيا الذي دفع الجزائر لاعادة تقييم فعالية الأسلحة الروسية.

اما الولايات المتحدة فرغم انها الأقل فشلا في هذا المجال الا انها بدأت تتعرض لبعض النكسات كما حدث في حرب الخليج الثانية حيث فشلة منظومات الباتريوت في التصدي لصواريخ النظام العراقي السابق واليوم تدور رحى الفشل المتواصل في الحرب بين السعودية واليوم.

عودة روسيا

فشل منظومات الدفاع الجوي الامريكية المستخدمة في السعودية بالتصدي لصواريخ حركة انصار الله أعاد وجهة المستهلكين نحو موسكو لا سيما بعد نجاح أسلحتها المتطورة في الميدان السوري، اذ صرح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، مطلع العام الجاري، بأن روسيا تجري مفاوضات مع عدد من دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا حول إمكانية بيع منظومات صواريخ مضادة للطائرات من طراز “إس400-“، كما فعلت مع تركيا مؤخرا.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عنه القول خلال جولة في جنوب شرق آسيا، "لقد أعربت دول عديدة عن اهتمامها ورغبتها في الحصول على منظومة إس400-، على وجه الخصوص، بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا".

وتابع وزير الدفاع الروسي :"حاليا، توجد منظومتا صواريخ من طراز إس400- ويعملان في حالة تأهب على مدار الساعة في سورية، مما يوفر دفاعا قويا للطائرات في حميم وطرطوس"، مشيرا إلى أن "هذه المنظومات فريدة من نوعها ولا مثيل لها في العالم بالنسبة لخصائصها التكتيكية والتقنية".

وأشار إلى أن "روسيا مستعدة لمشاركة شركائها تجربتها في استخدام معداتها وأسلحتها في سورية أثناء الحرب ضد الإرهاب".

وأوضح أن تركيا أصبحت الدولة الثانية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تمتلك صواريخ بعيدة المدى روسية الصنع. وحتى وقت قريب، كانت اليونان البلد الوحيد في الحلف الذي نجح في تطوير التعاون العسكري التقني مع روسيا بحصوله على منظومة الدفاع إس300- وإدخالها ضمن تسليح الجيش اليوناني.

اخطر مما يعتقد العالم

وعلقت الصحافة الغربية على منظومات الدفاع الجوي الروسية مبدية انبهارها بقدراتها التقنية، وذكرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية أن صواريخ "إس — 400" أخطر مما يعتقده العالم، مشيرة إلى أنها تستطيع إسقاط جميع الأهداف الجوية بما فيها الطائرات الشبحية وطائرات الإنذار المبكر الأمريكية، إضافة إلى قدرتها على ضرب الطائرات قبل إقلاعها من حاملات الطائرات في حالة الحرب.

ولفتت المجلة إلى أن اتفاق السعودية (وقبلها تركيا واليونان) على صفقة صواريخ "إس — 400" من روسيا يمثل ضربة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، مشيرة إلى أنها جاءت بعد صفقة تركية بقيمة 2.5 مليار دولار للحصول على ذات الصواريخ من روسيا.

وإضافة إلى استخدام الجيش الروسي لهذه الصواريخ تتسابق العديد من دول العالم للحصول على منظومة الصواريخ الروسية، في مقدمتها مصر التي تتفاوض للحصول على الصواريخ رغم أنها تمتلك صورايخ "إس — 300" في الوقت الحالي، وفقا للمجلة.

وذكرت المجلة أن "إس — 400" تغير قواعد الحرب الجوية وتوازنات القوى في العالم أجمع، خاصة أنها قادرة على التعامل مع عدة أهداف في آن واحد بأنواع مختلفة من الصواريخ يتراوح مداها من 40 إلى 400 كم.

ويضاف إلى مميزات "إس — 400" المتعلقة بالمدى، أنها تستطيع إطلاق صواريخها بسرعة 15 (ماخ)، أي 15 ضعف سرعة الصوت، أو خمسة آلاف متر في الثانية، ويمكنها ضرب أهداف لا يتجاوز ارتفاعها خمسة أمتار عن سطح الأرض.

ويمكن لنظام الصواريخ الروسي أن يضرب الطائرات قبل إقلاعها واستهداف الصواريخ قبل إطلاقها من قواعدها.

باتريوت العجوز

وفي مقابل الانبهار العالمي بمنظومات الدفاع الجوي الروسي تتلقى المنظومات الامريكية ضربات موجعة اضرت بسمعتها لدى الأمريكيين انفسهم اذ كشفت جريدة "نيويورك تايمز" في خبر لها نشر أواخر كانون الأول من عام 2017 بما يفيد احتمال عدم نجاح صواريخ باتريوت الأمريكية في اعتراض صاروخ يمني استهدف مطار خالد بالقرب من الرياض في بداية تشرين الثاني من العام 2017، وفي حالة صحة هذا الخبر، فهو يحمل انعكاسات عسكرية كبيرة على الدفاع الأمريكي أكبر من السعودي، ويترجم إصرار السعودية الحصول على نظام الدفاع الجوي الصاروخي "اس 400" الروسي أو "ثاد" الأمريكي.

واعتبرت الصحيفة في حينها ان نجاح الصاروخ اليمني في استهداف مطار خالد مفاجأة عسكرية كبيرة، ونقلت الجريدة الخبر عن خبراء في الصواريخ من ميدلبوري في كاليفورنيا، الذين قاموا برئاسة الخبير جيفري لويس بتحليل الكثير من المعطيات ليصلوا الى هذه الحقيقة.

وقام الخبراء بتحليل الصاروخ من زاوية الأمن القومي الأمريكي، فقد اعتبروا فشل باتريوت في اعتراض الصاروخ الباليستي اليمني خبر خطير للدفاعات الجوية الأمريكية قبل الدفاعات السعودية. وكشف التقرير أن عبوة المتفجرات انفصلت عن أنبوب الصاروخ، ونجح باتريوت في إسقاط أنبوب الصاروخ ولم ينجح في اعتراض العبوة الناسفة التي أصابت المطار.

وأبطل الصاروخ اليمني مفعول باتريوت الذي اشتهر في حرب العراق الأولى، وقد يكون الصاروخ الذي وجهه الحوثيون يوم 4 نوفمبر الماضي ضد مطار الرياض نهاية الباتريوت. وتساءلت صحف عربية عن فشل الأنظمة الامريكية عن كيف سيكون الحال أمام صواريخ إيرانية متطورة في حال نشوب حرب بين العربية السعودية وإيران اذا ما اخر في الحسبان ان الصواريخ اليمنية تعود للحقبة السوفيتية.

تاريخ الفشل

وإذا ثبت فشل منظومة "باتريوت" في إسقاط صواريخ "أنصار الله"، فإن ذلك يقود للرجوع إلى تاريخ "الباتريوت" في حرب الخليج عام 1991، وفقا لمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية.

ففي عامي 1991 و2017 كان هناك معلومة غير صحيحة تقول أن الباتريوت نجحت في اعتراض الصواريخ الباليستية، وتم الترويج لنجاح هذه المنظومة على نطاق واسع.

لكن الواقع يقول أنها لم تسقط حتى الصواريخ قصيرة المدى، ما يعني أنها ستكون أكثر فشلا في حالة استخدامها لاعتراض صواريخ متطورة مثل تلك التي تطورها كوريا الشمالية.

ولفتت المجلة إلى أن الصواريخ الباليستية التي أطلقها العراقيون عام 1991 والتي يطلقها "أنصار الله" عام 2017 تم تطويرها بذات الأسلوب الذي تضمن زيادة طول الصاروخ وتخفيف رأسه الحربي.

الحرب بين الدول الكبرى على المكانة العالمية لم تعد في ابتكار أسلحة جديدة تثبت قدرتها على التصدي للاخر، انما في اثبات قابلية هذه الأسلحة للتصدير لان النموذج السابق من سباق التسلح اثبت عدم فعاليتها واستنزافه لاقتصاد الدول الكبرى، واذا ما صحت التقارير التي تتحدث عن فشل المنظومات الامريكية مقابل الترويج غير المسبوق للمنظومات الروسية فهل سيؤثر ذلك على تجارة السلاح الامريكية؟ وكيف سيكون الرد الأمريكي للتصدي لمحاولات كشف الفشل المتواصل لاسلحته؟

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي