تغير المناخ.. وثالوث الخطر على التنمية والبيئة والصحة
مروة الاسدي
2016-04-09 01:15
يعد تغيّر المناخ من الأخطار الكبرى التي بدأت تؤثر على مفاصل الحياة كافة، إذ بات يُشكِّل تغيُّر المناخ خطرا أساسيا على التنمية والبيئية والصحة في وقتنا الراهن، وإذا لم نواجه تغير المناخ، فلن نتمكن من إنهاء الفقر أم التلوث او انتشار الامراض، وكلما تحركنا أسرع، كانت الفرصة أفضل للتصدي له بتكلفة أقل.
ودليل على تأثيراته السلبيات أظهرت دراسة جديدة حول التغير المناخي أن أصولا مالية غير مصرفية تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات في أنحاء العالم قد تتأثر سلبا بظاهرة الاحتباس الحراري مشيرة إلى أن اتخاذ إجراءات أشد صرامة للحد من الانبعاثات المسببة لهذه الظاهرة يبدو منطقيا للمستثمرين.
على الصعيد نفسه أشارت نتائج دراسة أخرى إلى أن من المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على زيادة المعدلات السنوية للوفيات الناشئة عن الظروف الصحية بالبلاد جراء موجات الحر خلال العقود القادمة مع زيادة مشاكل الصحة العقلية بسبب الطقس القاسي مثل الأعاصير والفيضانات.
فيما يرى خبراء المناخ أن تغير المناخ يهدد الصحة العقلية بالخطر والإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق العام في الأماكن المعرضة لظروف الطقس القاسية مثل الأعاصير والفيضانات فيما أشارت الدراسة إلى أن الأمر يتطلب إجراء مزيد من الدراسات لتقييم المخاطر التي تواجه الصحة العقلية، وإن حالات الأمراض الناتجة عن حشرات البعوض والقراد والحلم ستزداد على الرغم من أن الدراسة -التي استمرت ثلاث سنوات- لم تحدد مدى احتمالات استشراء عدوى زيكا الفيروسية في الولايات المتحدة، وقد تتسبب درجات الحرارة العالية في المزيد من حرائق الغابات مع زيادة أعداد حبوب اللقاح في الجو وتفاقم سوء جودة الهواء ما يهدد بالإصابة بالربو والمشكلات التنفسية الأخرى.
سؤال لاحد الخبراء جاء بالشكل الاتي كيف سيؤثر تغيرا على صحة الناس بالتحديد؟، اجابته هي بالإضافة لازدياد معدلات المراضة والوفيات الذي تسببه الظواهر الجوية الشديدة كموجات الحر والجفاف والفيضانات، من المرجح أن يساهم تغيّر المناخ في زيادة عبء أمراض سوء التغذية والإسهال والعداوى. كما يُحتمَل ارتفاع وتيرة أمراض القلب والجهاز التنفسي بسبب التغيّرات في نوعية الهواء، وفي توزّع بعض نواقل المرض. قد يسبب هذا كله عبئاً كبيراً على الخدمات الصحية.
اما بالنسبة الاثار البيئية السلبية والايجابية شهد القطب الشمالي معدلات دفء استثنائية، إذ كانت الحرارة يحدود صفر درجة، ما يفوق بحوالي عشرين درجة الأرقام الموسمية المعتادة، بسبب منخفض جوي "قوي وعنيف" يسيطر على شمال المحيط الأطلسي.
وتمثل المنطقة القطبية الشمالية أكثر بقع الأرض تضررا جراء الاحترار المناخي، مع تسجيل درجات حرارة أعلى بثلاث درجات على الأقل، مقارنة مع مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحسب المعاهد الدولية. كما أن تساقط الثلوج بات يحصل بوتيرة أعلى وتسجل رياح أعتى فضلا عن تسارع وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، في حين تأمل منطقة غرينلاند الاستفادة، أقله على المدى القصير، من الاحترار المناخي بفضل تنوع النظم البيئية الذي يعزز الزراعة والصيد والصادرات.
على صعيد مختلف أفادت دراسة حديثة بان الرحلات الجوية المتجهة من أوروبا إلى أمريكا الشمالية ستستغرق وقتا أطول قليلا وسترتفع تكاليف الوقود التي تتحملها شركات الطيران وذلك إذا أدى تغير المناخ الى تزايد شدة الرياح على الارتفاعات الشاهقة وهو الأمر المتوقع على نطاق كبير، فيما يلي ادناه ابرز الاخبار والدراسات بشكل آثار التغير المناخي على التنمية والبيئة والصحة حول العالم.
تغير المناخ يهدد أصولا مالية بتريليونات الدولارات
في سياق متصل، قالت دراسة جديدة قادتها كلية لندن للاقتصاد إن ارتفاع درجات الحرارة والتداعيات السلبية المترتبة على ما يصاحبه من جفاف وفيضانات وموجات حر سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتقويض أداء الأسهم والسندات.
وقال سايمون ديتز الخبير الاقتصادي المعني بالبيئة الذي قاد الفريق المعد للدراسة لرويترز "بالنسبة للمستثمرين الذين يتبنون مواقف محايدة من المخاطرة فمن المنطقي من الناحية المالية خفض الانبعاثات بل وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعزفون عن المخاطرة"، ويشير السيناريو الرئيسي في الدراسة إلى أنه إذا لم يتجاوز الارتفاع في درجة الحرارة درجتين مئويتين بحلول 2100 فإن إجمالي قيمة الأصول المالية الحالية التي قد يلحق بها الضرر سيبلغ 1.7 تريليون دولار، لكن إذا ارتفعت درجة الحرارة نصف درجة مئوية إضافية بحلول نهاية القرن فإن ما قيمته 2.5 تريليون دولار من الأصول ستتعرض للخطر في إطار التصور الأرجح. بحسب رويترز.
ويقول المنظمون العالميون في مجلس الاستقرار المالي إن جميع الأصول المالية غير المصرفية الحالية في العالم تبلغ قيمتها 143 تريليون دولار، ومن المتوقع بحسب أكثر التصورات تفاؤلا بين آلاف التصورات المحتملة في الدراسة وصول نسبة الأصول المالية المعرضة للخطر إلى 0.5 بالمئة من إجمالي الأصول المالية بينما تصور أكثرها تشاؤما تعرض ما يصل إلى 17 بالمئة من الأصول للخطر بما يعادل 24 تريليون دولار.
زيادة معدلات الوفيات والمشاكل الصحية
قال فيفيك مورثي أخصائي الجراحة العامة للصحفيين في البيت الأبيض مشيرا إلى دراسة جديدة حول تغير المناخ وتأثيره على زيادة معدلات الوفيات والمشاكل الصحية "لا أدري أننا شهدنا شيئا كهذا من قبل حيث توجد لدينا الآن قوة لديها كم هائل من الآثار"، وتشير التقديرات إلى أن موجات الحر تتسبب سنويا في وفيات تتراوح بين 670 و1300 حالة بالولايات المتحدة فيما يشير سيناريو بالدراسة إلى أن الوفيات الأمريكية الناجمة عن موجات الحر قد تزيد إلى 27 ألفا سنويا بحلول 2100 مقارنة بعام الأساس 1990، وقال التقرير إن سوء جودة الهواء قد تؤدي إلى وفاة مئات الآلاف بسبب الظروف الصحية علاوة على التردد بكثرة على المستشفيات والأمراض الرئوية الحادة سنويا بحلول 2030، كانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد اتخذت خطوات لخفض الانبعاثات الكربونية من خلال تسريع إيقاع التحول من الوقود الحفري مثل النفط والفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
سهولة قياس علاقة تغير المناخ بالظروف الجوية القاسية
قالت الهيئة القومية الأمريكية لأكاديميات العلوم والهندسة والطب إن بإمكان العلماء قياس مدى أثر تغير المناخ على تكون الظواهر المناخية القاسية ومنها موجات الجفاف والحر وهطول الأمطار الغزيرة بشكل أفضل لكن هذه الأبحاث لم توضح علاقة ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في العالم بحرائق الغابات والأعاصير.
وقالت الهيئة في تقرير يقع في 144 صفحة إن هناك العديد من العوامل وراء الأحداث المناخية منها الاختلافات الطبيعية ودورات الغلاف الجوي، وقالت الهيئة المكلفة من قبل الكونجرس الأمريكي بإجراء دراسات لحساب الحكومة الاتحادية إن من الصعوبة بمكان تفسير الظواهر الجوية القاسية. بحسب رويترز.
وقال ديفيد تيتلي العالم بجامعة ولاية بنسلفانيا الذي يرأس اللجنة التي وضعت التقرير إن خبراء الأرصاد الجوية يواجهون استفسارات متزايدة عما إذا كانت الظواهر القاسية ناشئة عن ارتفاع درجات حرارة الكوكب التي هي من صنع البشر.
وقال في بيان "وفيما أن من الصعوبة بمكان الرد على هذا السؤال نظرا لتعدد العوامل التي تسبب ظاهرة فردية ما تتعلق بالطقس يمكننا الآن أن نقول الكثير عن كيف يؤثر تغير المناخ على مدى شدة أو احتمالات حدوث واقعة جوية بعينها".
وشاعت الأسئلة المتعلقة بمدى كون تغير المناخ من الأسباب وراء الظواهر الجوية القاسية في أعقاب الإعصار ساندي الذي ضرب شمال شرق الولايات المتحدة عام 2012 والفيضانات العارمة التي تعرضت لها منطقة جنوب كارولاينا وبريطانيا العام الماضي وموجة الحر التي اجتاحت جنوب آسيا الصيف الماضي وقتلت آلاف الأشخاص.
وقال التقرير إن العلماء يؤكدون مسؤولية البشر عن إحداث ظاهرة زيادة درجات كوكب الأرض ومدى علاقة ذلك بالتغيرات الجوية القاسية مثل موجات الحر الشديدة وموجات الصقيع المفاجئة وذلك في ظل توافر وسهولة ربط البيانات التاريخية ومحاكاتها بنماذج للطقس، وأضاف إن مثل هذه الظروف الجوية القاسية تتلوها موجات من الجفاف والأمطار الغزيرة الناشئة بدورها عن زيادة رطوبة الغلاف الجوي في ظل تغير المناخ.
وقال التقرير إن حرائق الغابات قد تنشأ جراء سوء إدارة الغابات وتغيرات المناخ، وقال التقرير إن العواصف الرعدية الشديدة والأعاصير ترتبط ارتباطا طفيفا بارتفاع درجات حرارة الكوكب لاسيما إذا حدثت خارج المياه الواقعة في المناطق الاستوائية والمدارية فيما أشار التقرير إلى قلة المعلومات المتاحة وصعوبة وضع نماذج محاكاة.
ارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة في القطب الشمالي
أعلنت هيئة الرصد الجوي الكندية أن القطب الشمالي يشهد درجات حرارة تراوحت بين صفر ودرجتين مئويتين ما يفوق المعدلات الموسمية الطبيعية بحوالي عشرين درجة، وذلك بسبب منخفض جوي "قوي وعنيف" يسيطر على شمال المحيط الأطلسي، فبعدما عاش سكان مناطق شرق كندا فترة حرارة استثنائية في عيد الميلاد (15,9 درجة مئوية في 24 كانون الأول/ديسمبر في مونتريـال في حين يبلغ متوسط الحرارة عادة حوالى عشر درجات تحت الصفر)، طال هذا المنخفض الجوي مناطق شمال المحيط الأطلسي.
ويتركز المنخفض حاليا على آيسلندا، متسببا بهبوط الضغط الجوي إلى 928 هيكتوباسكال، إضافة إلى ظهور رياح قوية بسرعة 140 كيلومترا في الساعة وأمواج بارتفاع 15 مترا، وقالت خبيرة الأرصاد الجوية في وزارة البيئة الكندية ناتالي هاسل "إنه منخفض جوي شديد العنف والقوة لذا من غير المفاجئ أن تمتد درجات الحرارة المرتفعة حتى هذه المناطق في الشمال وأن تصل الرياح العاتية إلى إنكلترا" حيث تم تعبئة القوات العسكرية لمواجهة انعكاسات التقلبات المناخية، وتابعت هذه الخبيرة في الأوضاع المناخية القصوى أن "هذا المنخفض الجوي الكبير يدفع بالهواء الساخن حتى القطب الشمالي، حيث تفوق درجات الحرارة المعدلات الطبيعية بما لا يقل عن 20 درجة مئوية"، وأفاد علماء أمريكيون من المرصد البيئي للقطب الشمالي (أن بي إي أو) إلى أن درجات الحرارة ارتفعت بشكل مفاجئ خلال الأيام الماضية لتنتقل من 37 درجة فهرنهايت تحت الصفر (-38 درجة مئوية)، إلى ثماني درجات فهرنهايت تحت الصفر (- 22 درجة مئوية)، في بقعة من المنطقة القطبية الشمالية على بعد حوالى 300 كيلومتر من القطب الشمالي، حسب ما أفاد جيمس موريسون الباحث في المرصد.
الاحترار المناخي قد ينعكس ايجابا على غرينلاند
تأمل منطقة غرينلاند الاستفادة، أقله على المدى القصير، من الاحترار المناخي بفضل تنوع النظم البيئية الذي يعزز الزراعة والصيد والصادرات، وتقع هذه الارض الواسعة على الخط الأمامي للمناطق المتضررة جراء ذوبان الجليد في المناطق القطبية الشمالية اذ يمكن ملاحظة هذا الوضع تقريبا بالعين المجردة.
وتظهر مراقبة المنطقة عبر الاقمار الاصطناعية ان الكتلة الجليدية التي تمثل ما بين 6 و7 % من موارد المياه العذبة للعالم وتغطي 80 % من مساحة الجزيرة، تشهد تقلصا بمساحة تقارب 200 كيلومتر مكعب (200 غيغاطن) سنويا.
كما أن الأنهار الجليدية التي يسهم زوالها في تسجيل ارتفاع خطير في مستوى مياه المحيطات، شهدت ذوبانا بسرعة مضاعفة بين سنتي 2003 و2010 مقارنة مع السرعة المسجلة طوال القرن العشرين، وفق بحوث اوروبية وكندية نشرت نتائجها مجلة "نيتشر"، ويقول بيورن يوهانسن كبير الطهاة في "هانس ايغيدي" اكبر فنادق العاصمة نوك "من المفرح جدا التمكن من تقديم اسماك التونا والماكريل بعد صيدها مباشرة". بحسب فرانس برس.
وفي مواسم الصيد الوفير، يجمع الصيادون اسماك الماكريل والتونا الحمراء التي تقع في شباكهم قرب السواحل الشرقية للجزيرة على بعد الاف الاميال البحرية من البحر الابيض المتوسط وخليج المكسيك حيث تعيش هذه الاسماك عادة.
حتى أن استاذ علوم البيئة البحرية في جامعة الدنمارك التكنولوجية براين ماكينزي يؤكد أنه "في حال استمرت درجات الحرارة الصيفية خلال القرن الحالي (...) من الممكن ان يصبح وجود اسماك التونا الحمراء في المياه الواقعة في شرق غرينلاند أمرا اعتياديا".
وستعتمد جزيرة غرنيلاند وهي اشبه بالصحراء البيضاء في المنطقة القطبية الشمالية وثاني أكبر جزر العالم بعد استراليا بمساحة 2,2 مليون كيلومتر مربع، في سبيل بقائها على صادراتها من اسماك القريدس والهبات المالية من الدنمارك وهو البلد الذي تتبع لها هذه الجزيرة، وتستحوذ اسماك القريدس الملقبة بـ"الذهب الوردي" على 47 % من اجمالي الصادرات. كما أن المساهمات المالية السنوية من كوبنهاعن تمول نصف ميزانية هذه الجزيرة. وباتت هذه المساعدة الحكومية ثابتة بعدما كانت متغيرة في السابق كما أن قيمتها الفعلية تتراجع بفعل التضخم.
تغير المناخ سيجعل الرحلات الجوية المتجهة غربا أطول
الى ذلك أفادت دراسة نشرت نتائجها بان الرحلات الجوية المتجهة من أوروبا إلى أمريكا الشمالية ستستغرق وقتا أطول قليلا وسترتفع تكاليف الوقود التي تتحملها شركات الطيران وذلك إذا أدى تغير المناخ الى تزايد شدة الرياح على الارتفاعات الشاهقة وهو الأمر المتوقع على نطاق كبير، وقالت الدراسة إن الرياح العكسية التي تواجه الطائرات النفاثة ستؤدي الى زيادة زمن الرحلات الجوية المتجهة غربا بواقع خمس دقائق وهو زمن يزيد قليلا عن الوقت الذي يتوفر في الاتجاه العكسي الى أوروبا مع رياح مواتية، وقال بول وليامز من جامعة ريدنج لرويترز عن الدراسة التي وردت نتائجها في دورية البحوث البيئية "لدينا أسباب وجيهة تدفعنا للاعتقاد بزيادة الرياح المعاكسة"، أضافت الدراسة انه اذا زاد زمن الرحلات الجوية فانه سيضيف ألفي ساعة للزمن السنوي للرحلات علاوة على زيادة قدرها 33 مليون لتر من الوقود على افتراض ان عدد الرحلات الجوية عبر الأطلسي يصل الى نحو 600 يوميا، وتوصلت الدراسة إلى تضاعف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وهو ما قد يحدث خلال العقود المقبلة. بحسب رويترز.
واتفق خبراء الملاحة الجوية خلال اجتماع في مونتريال على أول معايير لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الطائرات وهو الاتفاق الذي سيبدأ سريانه خلال أربع سنوات في الطرز الحديثة من الطائرات، وتقول الرابطة الدولية للنقل الجوي (اياتا) إن ثمة عدة أوجه للغموض بشأن تغير المناخ وان النتائج السابقة على سبيل المثال التي توصلت الى زيادة المطبات الهوائية بسبب الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري لم يكن لها أي أثر فعلي على حركة الملاحة الجوية.