حرب المياه في دمشق: ازمة إنسانية من ورائها وما هو ثمنها؟
زينب شاكر السماك
2017-01-11 06:12
يعاني الشعب السوري من ازمة تعتبر الاخطر والاطول منذ اندلاع الحرب السورية وهي ازمة انقطاع المياه التي تعاني منها دمشق منذ اكثر من اسبوعين نتيجة تعرض إحدى مضخات المياه في عين الفيجة والتي تخدم نحو 70 في المئة من دمشق والمناطق المحيطة بها لانفجار بفعل المعارك التي دارت بين الحكومة السورية ومسلحي المعارضة، وتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالمسؤولية عن قطع المياه، حيث اتهمت الحكومة المسلحين بتلويث المياه بالديزل مع توارد تقارير عن حدوث حالات تسمم نتيجة شرب مياه ملوثة مما دفع السلطات لقطع المياه واللجوء إلى مياه الخزانات. في وقت شددت الامم المتحدة على ان اعمال التخريب والحرمان من المياه تعد "جرائم حرب".
وتحاصر قوات النظام وحلفاؤها المنطقة منذ منتصف العام 2015، وغالبا ما كانت تلجأ الفصائل إلى قطع المياه عن دمشق عند تشديد قوات النظام حصارها، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها مع سماح النظام بدخول المواد الغذائية، وفق المرصد.
وحذر نشطاء من تدهور الأوضاع الإنسانية في الوادي الذي يقولون إنه يضم 50 ألف شخص من سكانه ونحو 30 ألف نازح سوري من مناطق أخرى ورغم أن بعض الأحياء يمكنها الحصول على الماء لساعتين كل ثلاثة أو أربعة أيام إلا أن أناسا كثيرين لجأوا إلى شراء الماء من بائعين غير مرخصين دون أي ضمان للجودة وبسعر يبلغ أكثر من ضعفي السعر العادي.
حيث ان أربعة ملايين شخص في دمشق يفتقرون إلى مياه صالحة للشرب منذ أكثر من أسبوعين وبحسب تقارير الامم المتحدة إن الأطفال معرضون لخطر الإصابة بأمراض تنتقل عن طريق المياه في العاصمة السورية دمشق حيث يعاني 5.5 مليون شخص نقصا شديدا في المياه
وجرت مفاوضات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق ينهي العمليات العسكرية في وادي بردى، مع السماح لخبراء وفنيين بالدخول إلى المنطقة لإصلاح مضخة المياه المتضررة.
وبقيت الحلول مبهمة وليس لها اي وضوح, حيث باتت ازمة المياه وكيفية ترجيعها, هاجساً يؤرق سكان العاصمة, فالحديث عن هذه الأزمة مستمر, معربين عن معاناتهم جراء الازمة وسط صعوبات من اجل تامين المياه. وقد قال مستشار الشؤون الانسانية في الشرق الاوسط أن الأضرار التي لحقت بمنشآت المياه شديدة جدا وستحتاج إلى إصلاحات كبيرة.
لكن ايجلاند قال إن طلبا للأمم المتحدة لإرسال فرق للصيانة يواجه "عقبات شتى" من بينها الحصول على موافقات من وزارة الخارجية ومكتب المحافظ ولجنة الأمن والطرفين المتحاربين. ولم يذكر من الذي يعرقل الوصول إلى منشآت المياه.
ومن خلال سلسلة مما يطلق عليه اتفاقات التسوية توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يمهد الطريق أمام إجراء مفاوضات سلام. ويسود الهدوء على جبهات عدة في سوريا لإرسال فرق للصيانة. في مقابل ذلك أفاد الإعلام الرسمي السوري أن فرق الصيانة تستعد لدخول منطقة وادي بردى، لبدء عملية إصلاح إمدادات المياه في العاصمة. وأعلن التلفزيون الرسمي السوري أن ورش الصيانة وصلت إلى المنطقة الواقعة على بعد 15 كيلومترا شمال غرب دمشق، وهي "جاهزة للدخول" للبدء بعملية الإصلاح.
ولكن الحكومة السورية خرقت الاتفاق وذلك لأنه يستثني اتفاق وقف إطلاق النار التنظيمات المصنفة "إرهابية"، وبشكل رئيسي تنظيم داعش. كما يستثني، بحسب موسكو ودمشق جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، الأمر الذي تنفيه الفصائل المعارضة. ويزيد هذا التباين من صعوبة تثبيت الهدنة بسبب وجود هذه الجبهة ضمن تحالفات مع فصائل أخرى مقاتلة في مناطق عدة أبرزها محافظة إدلب (شمال غرب).
استهداف متعمد
شنت الحكومة وقوات متحالفة معها هجوما لاستعادة وادي بردى وهو واد جبلي يطل على مواقع عسكرية لقوات موالية للحكومة ويضم ينابيع توفر المياه لنحو أربعة ملايين شخص تقول لحكومة إنها تريد دخول الوادي الوعر لتؤمن بشكل دائم مصدر مياه العاصمة. ويقول مسلحون من المعارضة ونشطاء محليون إن قوات موالية للحكومة تستخدم مسألة مصادر المياه كذريعة لتحقيق نصر سياسي بعد أسابيع من سقوط مدينة حلب في قبضتها وتستخدم الحصار والقصف لإجبار مقاتلي المعارضة على قبول المغادرة.
ولايسمح مقاتلو المعارضة في وادي بردى لمهندسي الحكومة بالقيام بأعمال الصيانة والتشغيل بمحطة ضخ المياه التي توفر إمدادات 70 بالمئة لدمشق والمناطق المحيطة بها منذ أن سيطروا على المنطقة في عام 2012. وقالت الأمم المتحدة إن المحطة أصبحت خارج الخدمة بسبب "استهداف متعمد" لكنها امتنعت عن الكشف عن الطرف المسؤول عن القصف. وحذرت من أن نقص المياه في العاصمة يهدد بانتشار الأمراض. بحسب رويترز.
ويقول معارضون ونشطاء إن النبع دُمر في قصف نفذته قوات موالية للحكومة. وقالت الحكومة إن المعارضين لوثوا النبع بوقود الديزل مما اضطر الحكومة لقطع الإمدادات. وقال علي حيدر المسؤول بصفته وزير المصالحة الوطنية عن التفاوض على اتفاقات هدنة محلية تضمن للمعارضين ممرا آمنا للخروج من المناطق وانتقال قوات الحكومة إليها لمحطة إذاعة الشام إن النبع سيظل تحت سيطرة الدولة بعد إصلاحه لمنع قطع الإمدادات عن العاصمة مرة أخرى.
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن تخريب إمدادات المياه المدنية يرقى إلى جريمة حرب.
جريمة حرب
وقال كريستوف بوليراك المتحدث باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) "يوجد قلق كبير بشأن خطر الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه بين الأطفال." وقالت الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من ديسمبر كانون الأول إن المصدرين الرئيسيين للمياه للعاصمة السورية وادي بردى ونبع الفيجة خارج الخدمة بسبب "استهداف متعمد" رغم أنها امتنعت عن الكشف عن الأطراف المتحاربة المسؤولة عن ذلك.
ورغم أن بعض الأحياء يمكنها الحصول على الماء لساعتين كل ثلاثة أو أربعة أيام إلا أن أناسا كثيرين لجأوا إلى شراء الماء من بائعين غير مرخصين دون أي ضمان للجودة وبسعر يبلغ أكثر من ضعفي السعر العادي. وقال يان ايجلاند مستشار الشؤون الإنسانية لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إن حرمان الناس من الماء أو التخريب المتعمد لإمدادات المياه يمثل جريمة حرب. بحسب رويترز.
وقال طارق ياسارفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن الإصلاحات ستستغرق أربعة أيام على الأقل وربما فترة أطول. وقال بوليراك إن الأطفال في دمشق يقع على عاتقهم عبء جلب المياه لأسرهم. وأضاف "قال وفد لليونيسيف زار دمشق إن معظم الأطفال الذين التقى بهم يضطرون للسير نصف ساعة على الأقل إلى أقرب مسجد أو منفذ عام للمياه للحصول على الماء.ويقف الأطفال حوالي ساعتين في طابور لجلب الماء وسط جو شديد البرودة." وقدم اليونيسيف مولدات كهربائية لضخ المياه ويسلم 15 ألف لتر من الوقود يوميا لتزويد ما يصل إلى 3.5 مليون شخص بمئتي ألف متر مكعب من مياه الشرب يوميا.
تلويث المياه بالمازوت
هذا وقد اتهمت السلطات السورية المعارضة التي تسيطر على المنطقة بتلويث المياه بالمازوت ثم قطعها بالكامل عن دمشق. ويقول مصدر عسكري لفرانس برس ان "المجموعات المسلحة اقدمت على تلويث خط نبع عين الفيجة بالمازوت وتسربت كميات كبيرة إلى الخط في منطقة وادي بردى، فقمنا بقطع خط المياه منعا من اختلاطها مع آبار دمشق".
وفي مواجهة الازمة، عمدت السلطات الى تقنين توزيع المياه على احياء دمشق، وبالأضافة الى استخدام مياه الآبار ترسل يوميا الصهاريج بشكل دوري الى الاحياء لتأمين الحد الادنى للسكان. وتقوم مؤسسة المياه في محافظة دمشق يوميا بنشر لائحة للاحياء التي سيتم توزيع المياه عليها.
واعربت الامم المتحدة عن خشيتها من "وضع مياه الشرب وانقطاع إمدادات المياه الرئيسية منذ 22 كانون الأول/ديسمبر عن أربع ملايين نسمة" من سكان دمشق وضواحيها. وعزت الامم المتحدة قطع امدادات "المصدرين الرئيسيين لمياه الشرب، وهما نبع وادي بردى وعين الفيجة، اللذين يوفران المياه النظيفة والآمنة لسبعين في المئة من السكان في دمشق وما حولها" الى "استهداف متعمد للبنية التحتية أدى إلى تدميرها".
البلاستيك هو الحل
في حي لشيخ سعد في المزة، لا يتمكن أبو حسان من الرد على جميع طلبات زبائنه الذين يقبلون على شراء الصحون والملاعق البلاستيكية حتى لا يضطرون الى غسلها. يقول ابو حسان لفرانس برس "بعنا خلال اليومين الماضيين اكثر مما كنا نبيعه خلال شهر كامل"، مضيفا "نفذت من عندي اكواب البلاستيك، لكني لست مسرورا وانا أرى الغصة في عيون زبائني". ويوضح "كنت أتمنى ان تنفذ بضاعتي لكن ليس بهذا الشكل وليس بسبب أزمة الناس".
وتحمل حوراء (28 عاما) ورقة سجلت عليها كل ما تحتاج اليه. وتطلب من ابو حسان ان يستعجل في تلبية طلباتها لتتمكن من اللحاق ببائع صناديق المياه. وتوضح "لم تصلنا المياه في منزلي في منطقة بساتين الرازي منذ سبعة أيام حتى انني انتظر الذهاب الى مكان عملي حتى الحمام".
لا ترى حوراء في المواد البلاستيكية حلا دائما. وتقول "صحيح يمكن رميها بعد الانتهاء منها، لكن هذا الحل مكلف جدا ولا يمكنني الاستمرار عليه". وفي ظل انقطاع المياه، آخر ما كان يتوقعه عبد الله راعي (31 عاما) ان يأتي الى مكان عمله في وسط دمشق ليجد ورقة معلقة على باب الحمام كتب عليها كما يقول "غير صالح للاستخدام".
انتعاش السوق السوداء
وضع الهجوم العسكري اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا بهدف بدء محادثات السلام السورية في قازاخستان تحت ضغط. وحذرت المعارضة من أنه إذا لم يوقف الجيش السوري هجماته فإنها ستعتبر أي هدنة لاغية وباطلة. كما علقت المعارضة أي مناقشات بشأن المشاركة في محادثات السلام المقبلة ما لم تضغط روسيا على الحكومة وحلفائها لوقف الهجوم.
ويقع وادي برادة على الطريق من دمشق إلى الحدود اللبنانية وهو ممر إمداد مهم لحزب الله الذي يشارك بقوة في المعركة إلى جانب الجيش السوري. ويقول سكان العاصمة إن أسعار المياه المعبأة وعبوات المياه التي توصلها شاحنات خاصة للمنازل زادت لثلاثة أمثالها وإن السوق السوداء تشهد انتعاشا. بحسب رويترز.
وجلبت حكومة الرئيس بشار الأسد إمدادات من محافظات أخرى لتعويض النقص في العاصمة وضخت مزيدا من المياه من الآبار الجوفية. وتقدر الأمم المتحدة أن عدد السكان المدنيين في الوادي يبلغ نحو 45 ألفا لكن جماعات مدنية تقول إن العدد الإجمالي أكبر مرتين من هذا الرقم وإن معاناتهم تتفاقم يوميا بسبب القصف العنيف ونقص الغذاء والدواء.
وأصيبت عشرات المنازل في حملة القصف. وقالت الأمم المتحدة إن 1200 أسرة فقط غادرت المنطقة إلى مأوى تديره الحكومة في بلدة الروضة القريبة. وقال علاء منير إبراهيم محافظ ريف دمشق لوسائل الإعلام الرسمية إنه يأمل أن تعود المياه للعاصمة خلال الأيام القليلة المقبلة بعد أن يستعيد الجيش عين الفيجة.
جاهزة للدخول
تواصل الاشتباكات في وادي بردى حيث قتل تسعة أشخاص بينهم سبعة من قوات النظام بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويشهد وادي بردى منذ 20 كانون الاول/ديسمبر معارك مستمرة بين الطرفين، اثر بدء قوات النظام وحلفائها هجوما للسيطرة على المنطقة التي تمد سكان دمشق بالمياه. وقد أعلن التلفزيون الرسمي السوري أن ورش الصيانة وصلت إلى المنطقة الواقعة على بعد 15 كيلومترا شمال غرب دمشق، وهي "جاهزة للدخول" للبدء بعملية الإصلاح. بحسب فرانس برس.
وأشار مصدر مقرب من النظام إلى أنه تم الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار يتيح دخول فرق الصيانة، رغم أن عملية الإصلاح قد تستغرق أياما عدة. وتوصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يمهد الطريق أمام إجراء مفاوضات سلام. ويسود الهدوء على جبهات عدة في سوريا منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 30 كانون الأول/ديسمبر.
خرق الهدنة
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان "بقصف جوي ومدفعي لقوات النظام على محاور عدة في منطقة وادي بردى، تزامنا مع معارك عنيفة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة وأشار إلى مقتل "مدنيين اثنين برصاص قناصة من قوات النظام في قرية دير قانون تزامنا مع غارات جوية مكثفة استهدفت القرية وقرى مجاورة في وادي بردى".
ودخلت الهدنة التي أعلنتها روسيا ووافقت عليها قوات النظام والفصائل المعارضة، يومها الرابع في سوريا مع استمرار الهدوء على الجبهات الرئيسية رغم تكرار الخروقات. وتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في ضوء التقارب الأخير بين موسكو، حليفة دمشق، وأنقرة الداعمة للمعارضة. وهو أول اتفاق برعاية تركية، بعدما كانت الولايات المتحدة شريكة روسيا في اتفاقات هدنة مماثلة تم التوصل إليها في فترات سابقة، لكنها لم تصمد.
ويستثني اتفاق وقف إطلاق النار التنظيمات المصنفة "إرهابية"، وبشكل رئيسي تنظيم داعش. كما يستثني، بحسب موسكو ودمشق جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، الأمر الذي تنفيه الفصائل المعارضة. ويزيد هذا التباين من صعوبة تثبيت الهدنة بسبب وجود هذه الجبهة ضمن تحالفات مع فصائل أخرى مقاتلة في مناطق عدة أبرزها محافظة إدلب (شمال غرب).