تجاوز حدود حرية العمل الصحفي، الشرق الأوسط مثالاً
د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
2016-11-27 07:04
ان العمل الصحفي والإعلامي يعد واحداً من أهم مقومات الحق في حرية الرأي والتعبير ومقاومة طغيان السلطة والمعبر عن تطلع الأحرار إلى ترسيخ أسس الحكم الديمقراطي الحر وضمان حقوق وحريات الأفراد العامة والخاصة.
إلا إن الإشكال الذي قد يحصل هو إن بعض ممتهني الصحافة والعمل الإعلامي أحياناً لا يعرفون حدود حريتهم في ممارسة هذه المهنة إذ إننا نخشى من السلطة لا بوصفها سلطة عامة بل التخوف من انحرافها عن مقاصدها، فلابد من مواجهة الحكام المستبدين ممن انحرف عن جادة الصواب والأمر ذاته بالنسبة لممارس بعض الحريات ينبغي ان يعرف كل شخص حدود الحرية لكي لا يتحول عمله إلى تعسف باستخدام الحق أو جنوح بالتمتع بالحرية ويشكل عمله بالتالي اعتداء على الآخرين، بل تتحول هذه الحرية إلى وبال على الناس.
وهو ما حصل مع صحيفة الشرق الأوسط التي نشرت في يوم السبت الموافق 19/11/2016 خبراً وقد نسبته إلى منظمة الصحة العالمية مقتضاه حصول حالات حمل غير شرعي في كربلاء المقدسة أثناء مراسم الزيارة المليونية في ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام وبعد ساعات قليلة سارعت المنظمة إلى نفي الخبر وأفادت انه عار عن الصحة.
وبهذا السلوك نجد إن الصحفيين العاملين لمصلحة الصحيفة ومديرها أو المسؤول عن تحريرها قد تجاوزوا حدود نطاق حرية العمل الصحفي والحق في استقاء المعلومات وإنتاجها ونقلها للغير بلا مسوغ مبرر لهذا السلوك البعيد عن مقاصد المهنة وهو بلا شك يخرج عن ميثاق الشرف المهني الذي يقسم الإعلامي والصحفي على الالتزام به عند بدء حياته العملية والمقتضي ان يقصد في عمله وجه الحق والحقيقة والصدق والاعتدال وشعور بالمسؤولية بلا محاباة أو مجاملة أو السعي إلى تمرير مشاريع أو استراتيجيات غير مشروعة أو انتهاج طرق احتيالية تنطوي على التدليس وتغيير الحقائق أو محاولة تضليل الرأي العام أو التأثير في توجهاته بشكل غير مشروع، وان العمل الصحفي والإعلامي في جزء كبير منه يقوم على ميثاق عمل له جانبان الأول ان إدارة الصحيفة أو وسيلة الإعلام ملزمة بالعمل المهني الموضوعي والانطلاق من مبادئ العمل المحايد الهادف إلى إظهار الحقيقة وتقصي الوقائع ونقلها بأمانة وارتباط الصحفي بالصحيفة أو بوسيلة الإعلام بعقد عمل ينبغي ان يقوم على أسس سلمية قائمة على علاقة تبادلية مهنية خارجة عن الأطر الشخصية أو النفعية الضيقة.
ومن جهة أخرى يرتبط كل من الصحفي والإعلامي والمؤسسة التي يعملون بها مع المتلقي أو الفئة المستهدفة بروابط أخلاقية منطقية مقتضاها احترام شرف المهنة والتزام الحياد والأمانة وعدم مخالفة القوانين والنظام العام والآداب العامة بل وحتى الذوق العام وكل خروج عن ذلك يعد منافياً للموضوعية بل ابتعاد عن مقاصد العمل الإنساني النبيل المتمثل بنقل الحقائق والمعلومات للغير.
وتقوم الصحيفة بعملها معتمدة على ركنين أحدهما المحرر أو رئيس التحرير والصحفي الذي يتولى التقصي عن الإخبار وصياغتها ونقلها للإدارة وعلى كل منهما تقع مسؤولية أدبية قبل أي شيء مقتضاها التزام حدود الصدق والأمانة وعدم الاعتداء على الحقوق والحريات العامة والخاصة للأفراد، ومن تجاوز على ذلك تقوم مسؤوليته القانونية بنوعيها الانضباطية(التأديبية) ومسؤوليته الجنائية والثابت ان مهنية الصحيفة هي سبب نجاحها وانتشارها وهذا الأمر يتطلب من الصحفي ان يكون ذو ثقافة متنوعة على الصعد الثقافية والاقتصادية والقانونية وعلى معرفة تامة بأصول مهنته والغاية منها وعلى رئيس التحرير أو مدير الصحيفة ان يكون صاحب رسالة إنسانية قائمة على أسس علمية وموضوعية وان يعمد إلى تكريس ثقافة حفظ النفس والمال والعرض للناس كافة بلا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو القومية أو اللغة...الخ، ومن الأولى ان يعمد في خطابه الإعلامي إلى لغة مهنية واضحة وسياسة محايدة والحديث الهادف والولوج إلى دواخل عقل وضمير المخاطب بكلمات تنمي الحوار الثقافي والحضاري بشكل بعيد كل البعد عن التجريح بمشاعر الناس أو الإساءة لعقائدهم أو التسويغ أو التبرير لما يطال حقوقهم وحرياتهم من انتهاكات.
ويبدو ان الصحيفة المعنية ((الشرق الأوسط)) تكيل بمكيالين تدعي المهنية والموضوعية من جهة وتنشر خطاب يدعو للكراهية وازدراء العقائد والأديان والتشكيك بوطنية طيف كبير من المواطنين العراقيين وبالمقابل تطلب من الآخرين احترام حرية الرأي والتعبير.
والثابت ان جميع الهيئات الرسمية في العراق وغيره من الدول مطالبة بكفالة حرية الرأي والتعبير بكل الوسائل وخصوصاً حرية الصحافة والإعلام كونها الرقابة الفاعلة على الهيئات الرسمية وغير الرسمية في الدولة وتوصف بالسلطة الرابعة وبالنظر لأهميتها فقد تأكدت هذه الحرية في الدستور العراقي لعام 2005 بالمادة الثامنة والثلاثين التي أوجبت على الدولة ان تكفل بما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام وتم التثنية على ذلك بقانون حقوق الصحفيين رقم (21) لسنة 2011 في المادة الرابعة التي تؤكد ان للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون، وأكد ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 بالمادة التاسعة التي منحت الفرد حق اعتناق الآراء وحرية التعبير والتماس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين دونما اعتبار للحدود بشكل مكتوب أو مطبوع، الا ان هذه الحرية ليست مطلقة بلا حدود فلكل حق أو حرية نطاق يتم التمتع بها بين جنباته فان تم مجاوزته استحال العمل إلى عدوان على حق أو حرية أخرى وهو ما وقعت به صحيفة الشرق الأوسط والصحفي الذي نقل لها الخبر من العراق، إذ تم الاعتداء على حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لملايين العراقيين وتم التشهير بأعراض النسوة العراقيات بشكل فض وغير واقعي ولا مستند إلى أي دليل ما يجعل العمل الذي حصل تطبيقاً سليماً لجريمة النشر.
وقد ازداد الأمر سوءً حينما تم تلفيق الخبر وتسويقه على انه تحذير من منظمة الصحة العالمية فالحقوق والحريات المكفولة للفرد تتكامل فيما بينها ولا تتعارض أو تنتقص من بعضها البعض وممارسة أحد الأفراد لحرية معينة لا يكون على حساب الآخرين، ولهذا يترتب على الفعل المتمثل بما نشر على الصفحة الأولى من جريدة الشرق الأوسط الآتي:-
أولاً// تحقق العدوان على حرية أبناء الشعب العراقي في العقيدة وحرية ممارسة الشعائر هو مساس بالشعور الديني ينطبق عليه نص المادة (372) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل التي جاءت ضمن الفصل الثاني من الباب الثاني تحت عنوان الجرائم التي تمس الشعور الديني وجرى نصها بالاتي ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة...من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها، ومن تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على اجتماع ديني أو تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك..)) وبالاستناد لهذه المادة يمكن محاكمة الصحفي الذي سوق الخبر الكاذب أمام المحاكم العراقية لان الجريمة وقعت على الأراضي العراقية ومن شخص عراقي الجنسية وفي المحكمة يمكنه ان يقدم الأدلة التي يمكن ان تنفي الجريمة عنه.
ثانياً// ان الصحفي العراقي الذي حرر الخبر من داخل العراق وأرسله إلى مقر الصحيفة في لندن خالف ما تبناه الدستور العراقي لعام 2005 في المادة العاشرة التي قضت بان العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانا دينية وحضارية وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها، وما انتهت اليه المادة الثالثة والأربعين التي كفلت لأتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الدينية في الوقت الذي حاول فيه هذا الشخص وبالاستعانة بصحيفة أجنبية التأثير على صفو ممارسة حرية إقامة الشعائر الدينية ونسب اليهم ارتكاب فواحش نهت عنها الشريعة الإسلامية وانه ارتكب جريمة التشهير ما يمكن احكم عليه وفق احكام المادة (372) بدلالة المادة (433) من قانون العقوبات.
ثالثاً// إمكانية محاكمة الصحيفة ذاتها:-إذ تنص المادة (10) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 على الآتي ((1- لكل إنسان الحق في حرية التعبير، هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية..2- هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات لذا يجوز إخضاعها لشكلية إجرائية وشروط وقيود وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيها لضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح...حماية الصحة والآداب واحترام حقوق الآخرين..)).
لذا لا مناص من معاقبة الصحيفة على تخرصاتها برفع دعوى أمام المحاكم الوطنية الانكليزية للمطالبة بالحكم على الصحيفة بالأحكام الجزائية والمدنية وهنا لابد للحكومة العراقية ان تتخذ موقفاً حازماً من هذا الموضوع وان يتخذ قرار في مجلس الوزراء بتكليف فريق خاص متكون من حقوقيين من وزارة العدل والخارجية العراقية يتولى أخذ الشكاوى من المواطنين المتضررين من خطاب الصحيفة ورفعها مباشرة للمحكمة المختصة، ولإعطاء الدعوى زخماً ينبغي الاستعانة بإحدى الشركات أو المكاتب المتخصصة بالخدمات القانونية.
كما ويمكن للعراقيين ممن يعيشون في دول الاتحاد الأوربي ان يرفعوا دعاوى ضد المحكمة وعلى الهيئات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني ان تتبنى ذلك برفع دعاوى ضد الصحيفة لانتهاكها كل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والاتفاقية الأوربية على وجه الخصوص، وان كسب هذه الدعاوى يعد مقدمة لمحاصرة النهج العنصري لبعض الوسائل الإعلامية التي تحمل أجندات أنظمة رجعية وطائفية في منطقة الشرق الأوسط والتي تستفيد من فسحة الحرية التي تكفلها القوانين الأوربية عموماً والانكليزية على وجه الخصوص وتبث سمومها وتنشر خطابها الداعي للكراهية وازدراء الأديان والعقائد.
كما ويمكن الاستفادة من مؤسسات المجتمع المدني المؤسسة في الدول الأوربية لترفع تظلماً ضد الحكومة البريطانية التي اتخذت موقفاً محايداً من الصحيفة ولم تتخذ الإجراءات القانونية ضدها استناداً إلى الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 المادة (34) التي تنص على انه يجوز التماس المحكمة من أي شخص طبيعي أو منظمة غير حكومية أو مجموعة أشخاص يزعمون انتهاكاً بحقهم من أحد الأطراف المتعاقدة للحقوق المعترف بها في الاتفاقية أو بروتوكولاتها)) فانكلترا عضو في المعاهدة وتخضع للمحكمة التي يقع مقرها في تراتسبورغ/فرنسا وهي تمارس عملها وقراراتها ملزمة للجميع.
رابعاً// يمكن لنقابة الصحفيين العراقيين التحرك عبر مسارين:
الأول // محاسبة الصحفي العراقي انضباطياً وفق قانون نقابة الصحفيين العراقيين رقم (178) لسنة 1969 المعدل المادة (22) التي بينت سلطة اللجنة الانضباطية وسلطتها بالتحقيق وإحالة الأمر للنقيب ومجلس النقابة لاتخاذ أشد العقوبات بحقه ان ثبت انتهاكه لأصول العمل الصحفي.
الثاني// يمكن للنقابة التحرك على المستوى الدولي والاتحاد العالمي للصحافة لمحاصرة الصحيفة التي أخطأت بحق العراقيين واتخاذ اللازم إزاءها.
خامساً// يمكن لهيئة الإعلام والاتصالات العراقية ان تتخذ الإجراءات اللازمة بحق رخصة فتح مكتب للصحيفة في العراق والأكثر من هذا اتخاذ إجراء إزاء موقعها الاليكتروني وحجبه كونها صحيفة داعية للكراهية وتتبنى نهجاً عنصرياً بغيضاً.
...................................................