الجزائر: نقطة انطلاق المهاجرين الجديدة إلى أوروبا
شبكة ايرين الانسانية
2016-10-29 05:23
لا يشعر جروينيو أبداً بالأمان التام عندما يمشي في الجزائر العاصمة. فمنذ بضعة أيام، كان الشاب البالغ من العمر 27 عاماً والقادم من بنين يتنزه في المساء عندما سمع أصوات القردة الصادرة عن مجموعة من المراهقين وهم يضحكون. تجنب جروينيو النظر إليهم واستمر في المشي. لقد أصبح معتاداً على مثل هذه السخرية العنصرية. ويقول: "ينادونني بـ"إيبولا" في كثير من الأحيان لدرجة أنني غيرت اسمي على موقع فيسبوك إلى إيبولا".
جروينيو هو واحد من عدد متزايد من الأفارقة القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر، على الرغم من صعوبة تحديد العدد الدقيق. وتزعم الحكومة الجزائرية أن هناك 25,000 من هؤلاء المهاجرين في البلاد، ولكن المنظمات غير الحكومية المحلية تقول أن الرقم الحقيقي أكبر بأربع مرات على الأقل.
"لقد أصبح أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة أن الهجرة من جنوب الصحراء الكبرى قد ازدادت،" كما قال باسكال رينتيان، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في الجزائر.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الدولية للهجرة قد فتحت أول مكتب لها في العاصمة الجزائرية في وقت سابق من هذا العام، وسجلت مرور ما يقرب من 22,000 مهاجر عبر أرليت في شمال غرب النيجر في طريقهم إلى الجزائر خلال الفترة من فبراير وحتى نهاية سبتمبر. ولا يزال هذا الرقم يمثل جزءاً صغيراً فقط من 269,533 مهاجراً تم تسجيلهم أثناء شق طريقهم من شمال النيجر إلى ليبيا خلال الفترة الزمنية نفسها، ولكن عدد الذين يختارون الجزائر من المرجح أن يرتفع بينما تكافح دول الجوار لمواجهة الاضطرابات السياسية.
وكان المهاجرون يجدون عملاً في ليبيا، ولكن الحرب الأهلية شلت اقتصاد البلاد وجعلتها احتمالاً محفوفاً بالمخاطر، حتى كنقطة انطلاق إلى أوروبا. وإلى الجنوب، يخلق استمرار الصراع والهجمات الإرهابية في مالي موجة جديدة من اللاجئين. ولذلك أصبحت الجزائر بديلاً واعداً بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن عمل أو ملاذ أو نقطة مرور إلى أوروبا.
الاتحاد الأوروبي يسعى لعقد صفقة هجرة
ولا تُعد الهجرة عبر الجزائر تطوراً جديداً. ففي الجنوب، كانت المدينة الصحراوية تمنراست مركز نقل على طريق التجارة عبر الصحراء لعدة قرون، وربطت الجزائر بأماكن مثل مالي وغانا وشمال نيجيريا، ولكن في الآونة الأخيرة، حدث تغيير حيث أصبحت حركة المرور الآن تتجه شمالاً إلى المدن الساحلية في الجزائر.
وتدرك أوروبا جيداً المخاطر التي تشكلها الجزائر لهدفها المتمثل في الحد من وصول المهاجرين عبر طريق البحر الأبيض المتوسط الأوسط، الذي أصبح الآن الطريق الرئيسي إلى حدودها الخارجية. وفي إطار الشراكة مع بلدان ثالثة، الذي تم اعتماده في شهر يونيو من هذا العام، تم تحديد الجزائر كواحدة من 16 دولة "ذات أولوية" تريد المفوضية الأوروبية التوصل إلى صفقات معها. وفي مقابل "حوافز" مختلفة، مثل مساعدات التنمية والتجارة، يريد الاتحاد الأوروبي تعاوناً لمنع المهاجرين من الوصول الى شواطئ أوروبا وقبول عودة المبعدين منهم. وتخاطر الدول التي ترفض المشاركة بمواجهة ما تسميه المفوضية "الحوافز السلبية".
ويركز التقرير المرحلي حول إطار الشراكة الذي نُشر الأسبوع الماضي على خمسة بلدان حددها الاتحاد الأوروبي على أنها "أولى أولويات العمل" - وهي النيجر ونيجيريا والسنغال وإثيوبيا ومالي. وورد ذكر الجزائر على أنها دولة تتطلب "اهتماماً خاصاً". لم يتم تقديم المزيد من التفاصيل، ولكن تحليلاً حديثاً أجرته شركة التنبؤ الاستراتيجي ستراتفور يصف البلاد بأنها "واحدة من أصعب دول شمال أفريقيا من حيث إمكانية زيادة التعاون معها".
اعتداءات عنصرية
ويكافح الكثير من الجزائريين للتكيف مع التغيرات الديموغرافية في مدنهم، وهم ينظرون إلى الوافدين الجدد باعتبارهم يشكلون تهديداً للأمن والصحة والاقتصاد، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى حدوث تضخم وارتفاع معدلات البطالة.
وأُصيب مئات المهاجرين في اشتباكات مع مواطنين جزائريين في السنوات الأخيرة. ولا يملك المهاجرون الذين يتعرضون لافتراءات وأعمال عنف عنصرية سبيلاً يُذكر للتظلم. ويرفض العديد من المرافق الصحية علاجهم بدون وثائق، كما أن الذهاب إلى الشرطة يمكن أن يسفر عن اعتقال أو ما هو أسوأ - وضعهم على متن حافلة تعيدهم إلى الحدود الجنوبية.
وحذرت فاطمة بوفنيق، المؤسس المشارك لمنصة الهجرة في الجزائر، وهي مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين والخبراء، أن "الحوادث آخذة في الزيادة، وإذا استمر هذا، سيصبح الوضع دراماتيكياً".
ولم يعلق نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يتولى السلطة منذ عام 1999، على أعمال العنف التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين، وترى منظمات المجتمع المدني، مثل تلك التي أسستها بوفنيق، أنه من الصعب معرفة الجهة التي ينبغي اللجوء إليها. "تمارس الجزائر سياسة الصمت. نحن حتى لا نعرف من يحكم بلادنا،" كما أخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، في إشارة إلى أن بوتفليقة أُصيب بجلطة دماغية في عام 2013 ونادراً ما يظهر على الملأ منذ ذلك الحين.
"إنه وضع مؤقت فقط"
وعلى الرغم من خطر التعرض لأعمال عنف، لا تزال الجزائر تجذب المهاجرين، ولكن ليلى براتو، الصحافية التي تقوم بتوثيق وصول المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر منذ عدة سنوات، أكدت أن الكثيرين منهم لا يريدون البقاء. إنهم يظلون في الجزائر بما يكفي فقط لاسترداد قوتهم، وتوفير المال، والتحضير للمرحلة النهائية من رحلتهم إلى أوروبا. وقالت براتو أن هذه العملية يمكن أن تستغرق شهوراً أو حتى سنوات: "عندما تفشل محاولة، يعودون ويعملون لبعض الوقت، وبعد ذلك يحاولون مرة أخرى".
ترك داودا داود البالغ من العمر 25 عاماً والديه في الكاميرون قبل ثلاثة أسابيع فقط. وتم تهريبه من خلال محور أغاديس في النيجر إلى تمنراست في الجزء الخلفي من شاحنة، وبعد ذلك استقل حافلة إلى وهران، ثاني أكبر المدن الجزائرية وهي مركز مهم آخر لمهربي المهاجرين، وفقاً لوكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي، يوروبول.
يسافر معظم المهاجرين شمالاً من النيجر، وفي نهاية المطاف، يتجهون غرباً إلى المغرب أو شرقاً إلى ليبيا عبر هذه المسارات
وقد نجح بالفعل في العثور على عمل كدهّان، ويقول أن صاحب العمل لطيف بما فيه الكفاية "ولكن هذا راجع إلى أنهم يستطيعون استغلالنا. لا يهمني ذلك، إنه وضع مؤقت فقط".
والجدير بالذكر أن داود عازم على الوصول إلى ألمانيا، ولا يشعر بالقلق إزاء إمكانية الاحتجاز إلى أجل غير مسمى في ليبيا أو حتى الغرق في البحر الأبيض المتوسط لأن "الخائفين هم فقط الذين لا يستطيعون النجاة".
مقصد تلقائي
وترصد السلطات الجزائرية عن كثب ساحل البلاد الممتد لأكثر من 600 ميل. وبين الحين والآخر، ينجح قارب في المغادرة، ولكن عادة ما يتم إيقافه قبل الوصول إلى المياه الدولية، وبهدف الوصول إلى أوروبا، يدفع معظم المهاجرين المال للمهربين لإدخالهم إلى المغرب المجاورة، حيث يحاولون العبور إلى الجيبين الأسبانيين مليلية أو سبتة، أو إلى ليبيا حيث يسافرون على متن سفن المهربين المتجهة الى إيطاليا.
وعلى الرغم من صعوبة المغادرة من الجزائر، فإنها تعتبر مكاناً يمكن التوقف فيه والبحث عن عمل غير رسمي بشكل أكثر أمناً من ليبيا، التي أصبح فيها العمل القسري والخطف بغرض الحصول على فدية شائعين على نحو متزايد في العامين الماضيين.
وفي هذا الشأن، قال داود: "أخبرني الناس أن [ليبيا] محفوفة بالمخاطر في الوقت الحالي. سوف أُقدم على هذه المخاطرة عندما تصبح الأمور أكثر هدوءاً"، لكن من المرجح أن يصبح التنقل بين دول شمال أفريقيا أكثر صعوبة مع سعي أوروبا إلى جعل مكافحة الهجرة عملية مركزية على نحو متزايد في سياستها الخارجية في القارة الأفريقية.
وكما قال ألكسندر بيك، وهو كبير مسؤولي الحماية في مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الجزائر العاصمة: "إذا أصبح الانتقال أكثر صعوبة، فإنهم سيظلون عالقين هنا".