الهند وخفايا ظاهرة التعقيم القسري
انتهاك حقوقي لتحديد نسل الفقراء
دلال العكيلي
2016-09-28 10:09
تعقيم الإناث هو وسيلة دائمة لمنع الحمل، تتضمن عملية جراحية للمرأة لقطع أو حجب قناتي فالوب، لجأت الهند التي تعاني من انفجار سكاني إلى طرق للخفض الفوري لأعداد المواليد من خلال تعقيم السيدات وجعلهن غير قادرات على الإنجاب إذ يبلغ عدد سكان الهند 1,25 مليار نسمة وهي مؤهلة لأن تصبح البلد الأكثر سكانا في العالم في غضون العشرين عاما المقبلة وتجرى سنويا العمليات القسرية لعديد من النساء.
توفيت عشر نساء ونقلت عشرات اخريات الى المستشفيات بعضهن في حال حرجة في وسط الهند أثر حملة تعقيم كثيفة شملت نحو ثمانين امرأة نظمتها الهيئات الحكومية وكانت نتيجتها مفجعة والتعقيم هو الوسيلة الاكثر انتشارا لتحديد النسل في الهند التي ينظم عدد من ولاياتها مثل هذه العمليات وتمنح النساء اللاتي يوافقن على اجرائها تعويضات مادية لكن منظمات غير حكومية تنتقد هذه البرامج حيث غالبا ما لا تدرك النساء مخاطرها.
وفاة 10 نساء
وفي فضيحة للحكومة الهندية توفيت 10 نساء ونقلت عشرات أخريات إلى المستشفيات بعضهن في حال حرجة في وسط الهند إثر حملة تعقيم "تحديد نسل" كثيفة شملت نحو ثمانين امرأة نظمتها الهيئات الحكومية وكانت نتيجتها مفجعة، وأعلنت سلطات ولاية "شاتيسجار" اليوم الثلاثاء أن نحو ستين امرأة يعانين من مضاعفات صحية على إثر هذه العملية الجراحية التي جريت، وأن 24 منهن في حالة خطيرة، وقال سونماني بورا المسئول الإداري في منطقة "بيلاسبور" حيث جرت العملية لفرانس برس "مع وفاة امرأتين اليوم ترتفع حصيلة حملة تحديد النسل هذه إلى عشر وفيات".
استخدام منفاخ العجلات في العمليات
أطلق المسؤولون عن الصحة في الهند تحقيقاً شاملاً بعد سحب رخصة أحد الأطباء لاستخدامه منفاخاً لعجلات الدراجات الهوائية لنفخ بطون سيدات قبل إجراء جراحات تعقيميه في أعضائهن التناسلية، وأشار القائمون على التحقيق، الجمعة، إلى أن منفاخ الدراجة استعمل مع 56 امرأة خضعن لجراحات تعقيميه داخل مركز طبي تابع للحكومة في محافظة أنغول.
ومنع الطبيب ماهيش تشاندرا هاوت من العمل بالمركز كما يمكنه أن يواجه تهماً لاستخدامه المنفاخ على مرضاه، وهو جراح متقاعد كان يعمل في المركز الحكومي لدى استدعائه، وفقاً لوزيرة الصحة أرتي أهوجا.
وتجري التحقيقات حول فقدان جهاز ضخ لثاني أكسيد الكربون داخل المركز، والذي يستعمل لنفخ بطون المرضى للسماح بإدخال الأدوات الجراحية بإدخال كميات معينة من الغاز، وأضاف القائمون على التحقيق بأن خطورة استخدام منفاخ العجلات يتمثل بجهل الطبيب مقدار الهواء الذي يقوم بضخه داخل بطن المريض مما يمكن أن يؤدي لانفجار بطون المرضى، ولكن المدير الطبي المسؤول عن المحافظة فاديادار زاهو، أشار إلى أنه لم تشكو أي امرأة خضعت لعمليات الطبيب من أي مشاكل.
وتعمل الحكومة الهندية على تشجيع عمليات تعقيم النساء أو ما يسمى علمياً بربط قناتي فالوب لمنعها من الإنجاب في ظل الزيادة السكانية بالبلاد، إذ عملت السلطات على توفير عيادات متنقلة لإجراء العمليات الجراحية في الأحياء الفقيرة بالإضافة إلى منح مقابل مادي للنساء اللواتي يخضعن للجراحة.
أسباب مجهولة
وتم إخطار السلطات بعد أن سجلت الاثنين زيادة في حالات انخفاض ضغط الدم والقيء وغيرها من الأعراض لدى هؤلاء النسوة، إلا أن أسباب الوفاة لا تزال غير معروفة وإن كان أطباء في الولاية أشاروا في رد على أسئلة لفرانس برس إلى احتمال وجود دور للأدوية التي كتبت لهن بعد العملية.
وأجريت عملية التعقيم لهؤلاء النسوة بواسطة المنظار وهي وسيلة يفترض أن تكون آمنة إلى حد كبير، وتتمثل العملية في سد القنوات المؤدية إلى الرحم، وتجرى عامة تحت تخدير شامل.
التحقيق مع المسئولين، وأعلنت حكومة الولاية إجراء تحقيق في الأمر في حين نزل العديد من سكان بيلاسبور إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم والمطالبة بمعاقبة الأطباء.
أمر رئيس حكومة ولاية شاتيسغار رامان سينج بوقف عمل أربعة مسئولين في القطاع الصحي، وتسلمت الشرطة شكوى ضد الجراح الذي أجرى هذه العمليات، 5200 يورو وأعلن أن كل واحدة من أسر النساء المتوفيات ستحصل على تعويض يقدر بنحو 400 ألف روبية (نحو 5200 يورو).
وتجرى عمليات التعقيم هذه بانتظام في مختلف الولايات الهندية في إطار برنامج وطني يقضي بمنح 1400 روبية (20 يورو) إلى المتطوعات، ولسرعة تحقيق هذا الهدف تقدم بعض الحكومات مكافآت على شكل أدوات منزلية مثل الأجهزة الكهربائية أو حتى سيارات لتشجيع الأسر على قبول هذه العمليات.
وتنتقد بعض المنظمات غير الحكومية تحديد أهداف رقمية على مستوى بعض الولايات ما يؤدي إلى إجبار بعض النسوة على الخضوع لعمليات تعقيم في ظروف صحية سيئة في معظم الأحيان، والعام الماضي تعرضت سلطات ولاية البنغال الغربية، شرق الهند، لانتقادات شديدة بعد بث صور لنساء تركن فاقدات الوعي في حقل بعد عملية تعقيم جماعية في مستشفى لا يملك القدرة على استقبال عدد كبير من المريضات.
وذكرت صحيفة إنديان إكسبرس بشأن عملية السبت أن جراحا واحدا ومساعدا له هما فقط اللذان أجريا عمليات التعقيم لكل هؤلاء النساء في خلال خمس ساعات، وأكد المسئول الرئيسي عن القطاع الصحي في منطقة بيلاسبور للصحيفة "لم يحدث إهمال، إنه طبيب صاحب خبرة"، مؤكدا أنه سيتم التحقيق في الحادث، وقال كبير الأطباء في المستشفى الرئيسي في بيلاسبور الذي استقبل عددا من السيدات أنه لا يستطيع تفسير ما حدث.
انتهاء التشريح
وصرح رامنيش مورتي مساء الإثنين للصحفيين أنه "سيكون من السابق لأوانه التكهن بأسباب هذه المأساة، نعطي الأولوية لمعالجة هؤلاء النسوة اللواتي نقلن إلى المستشفى بعد هبوط في ضغط الدم وأضاف "سيكون لدينا توضيحات عندما ينتهي التشريح".
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش دعت في تقرير لها عام 2012 الحكومة إلى إقامة منظومة مستقلة لجمع كل المعلومات المتعلقة بعمليات التعقيم القسرية والشروط الصحية السيئة في المراكز، كما أوصت الحكومة بإعداد تأهيل أفضل للموظفين المكلفين بتقديم النصح إلى الرجال بشأن طرق اختيار وسيلة منع الحمل، وهي توصيات لم تتبع بشكل وواسع.
ويتركز برنامج تنظيم الأسرة في الهند على النساء حيث يرى الخبراء أن تعقيم الرجال غير مقبول اجتماعيا، وتفيد أرقام رسمية تعود إلى 2008 أن نحو ثلث الذين لجئوا إلى برنامج تحديد النسل هذا (54 % من السكان) يختارون تعقيم المرأة.
إغلاق مخيمات التعقيم
أشاد المدافعون عن صحة المرأة بقرار أصدرته المحكمة العليا في الهند يطالب الحكومة بإغلاق "مخيمات التعقيم" في غضون ثلاث سنوات بعد وفاة نساء معظمهن قرويات فقيرات في مناطق متفرقة من البلاد، وقالت المحكمة العليا يوم الأربعاء إن 363 سيدة توفيت بين عامي 2010 و2013 خلال عمليات تعقيم لمنع الإنجاب وذلك لسوء إدارة السلطات المحلية لمخيمات التعقيم التي استخدمت فيها معدات ملوثة وأدوية انتهى تاريخ صلاحيتها.
وطالبت المحكمة الحكومة الاتحادية بضمان أن توقف ولايات الهند التسع والعشرون ومناطق الاتحاد السبع تلك المخيمات وأن تقدم تعويضا مناسبا للضحايا وأسرهن وتعاقب الأطباء المتهمين بالإهمال، ويطالب النشطاء منذ فترة طويلة بتنظيم أفضل لعمل مخيمات التعقيم التي تتجمع فيها السيدات الراغبات في التوقف عن الإنجاب لاستئصال قناتي فالوب أو سدهما أو التشجيع على الإقدام على موانع حمل بديلة.
وقالت بونام موتريجا المديرة التنفيذية لمؤسسة السكان الهندية "نرحب بحكم المحكمة العليا الذي نعتبره علامة فارقة فتقديم خدمات جيدة والحفاظ على كرامة المرأة سيكونان الآن بارزين على الأجندة الوطنية".
وأضافت هذا الحكم يمكن أن يحول برنامج تنظيم الأسرة بالهند إلى برنامج ذي أهمية وطنية
وتوصف جهود الهند للحد من النمو السكاني بأنها أكبر جهود في العالم بعد الصين وانخفضت معدلات المواليد في العقود الأخيرة لكن النمو السكاني لا يزال ضمن الأسرع في العالم.
وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة السكان الهندية أن 85 في المئة من ميزانية تنظيم الأسرة في البلاد لعام 2013-2014 ذهبت إلى الترويج لعمليات تعقيم المرأة أو إجرائها وكان نصيب الأشكال الأخرى من تنظيم الأسرة 1.5 في المئة فقط، وتشهد الهند أعلى رقم لعمليات تعقيم المرأة في العالم وباتت الظاهرة تحت المنظار بعد حملة تعقيم في نوفمبر تشرين الثاني 2014 توفيت خلالها 15 سيدة وعولجت عشرات في المستشفيات بعد عمليات لمنع الإنجاب جرت في مخيم تعقيم بولاية تشاتيسجار بشرق البلاد، وتوصلت التحقيقات إلى أن الوفيات التي وقعت في منطقة بيلاسبور كانت نتيجة عدم توافر المناخ الصحي المناسب وتلوث المعدات والتجهيزات الطبية وعدم توفير الرعاية الملائمة لمن خضعن للجراحة ومعظمهن قرويات فقيرات.