الفقر سبب رئيسي لانتهاكات حقوق الإنسان

جميل عودة ابراهيم

2015-02-02 01:21

يعتبر الحق في مستوى معيشي ملائـم، يضمـن الحرية من العوز، جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحقاً غير قابل للتصرف، أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة "25 "منه التي تنص على ما يلي:

"1- لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تُفقده أسباب عيشه".

وفضلاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يعترف العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان بأن المثل الأعلى للإنسان الحر الذي لا تكبله أغلال الخوف والعوز لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت ظروف تمكن كل شخص من أن يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.

بداهة لا مجال للحديث في ظل الفقر عن أي من حقوق إنسان، لذلك يعتبر الفقر وعدم المساواة انتهاكاً لهذه الحقوق الإنسانية وغيرها مثل الحق في الحياة والحق في الاشتراك وحرية التعبير والاجتماع ومبدأ عدم التمييز. فالفقر هو السبب الرئيسي لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم. كما أنه يحول دون اضطلاع الأشخاص لا بواجباتهم كأفراد فحسب بل أيضاً بواجباتهم الجماعية كمواطنين وآباء وعمال وناخبين.

تقول سيدة ماغدالينا سيبولفيدا كارمونا، المقررة الخاصة المعنية بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان "يعيش نحو نصف سكان البلدان النامية اليوم في فقر مدقع ويُحرمون من حقوق الإنسان الأساسية مثل: الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الغذاء والسكن، وفي التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، وفي التعليم. والناس الذين يعيشون في فقر في جميع أنحاء العالم كثيراً ما يعانون من الاستبعاد والتهميش الاجتماعيين من حيث ممارسة السلطة والعمليات السياسية، وكثيراً ما يُتجاهل حقهم في المشاركة فعلياً في الشؤون العامة".

من منظور حقوق الإنسان، يمكن وصف الفقر بأنه إنكار حق الشخص في طائفة من القدرات الأساسية – مثل قدرة المرء على أن يأكل بقدر وافٍ، وعلى أن يحيا في صحة جيدة، وعلى أن يشترك في عمليات صنع القرار، وفي الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع.

في تعريف هذا الأخير، تقول السيدة لويز أربور المفوضة العليا للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان: "الفقر ليس نقصا في الموارد المادية فقط وإنما هو نقص في الإمكانيات والفرص والأمان، وهو يدمّر الكرامة ويزيد من هشاشة الأفراد. إنه أيضا مسألة سلطة، من يملكها ومن يتحملها في الحياة العامة أو ضمن العائلة"

كل هذا يعني ببساطة، أنه لا توجد ظاهرة اجتماعية تتساوى من حيث الشمول مع الفقر في تعديها على حقوق الإنسان. فالفقر يتسبب في تآكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في الصحة وفي السكن اللائق وفي الحصول على الغذاء والمياه المأمونة، والحق في التعليم. والأمر كذلك بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية، مثل الحق في محاكمة عادلة وفي المشاركة السياسية وفي الأمن الشخصي.

من هذا المنطلق فإن تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الفقر هما عنصران أساسيان ومتلازمان يدخلان في صميم ولاية الأمم المتحدة. وهذان الهدفان مرتبطان ارتـباطاً وثيقاً ويعزز كل منهما الآخر، كما اعتُرف بذلك في جملة صكوك منها إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام١٩٩٣ وكذلـك إعلان الألفية لعام ٢٠٠٠. وبالمثل، فإن تقرير الأمين العام المعنون "في جو من الحرية أفسح: صوب تحقيق التنمية والأمن وحقوق الإنسان للجميع"، ونتائج مؤتمر القمة العالمي لعام ٢٠٠٥ يعيدان تأكيد أهمية حقوق الإنسان لغرض الحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية المنصوص عليها في إعلان الألفية.

ومن أجل ذلك، أُنشئت ولاية مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان بهدف تقيم العلاقة بين التمتع بحقوق الإنسان والفقر المدقع. حيث كلف المقرر المكلف بهذه الولاية ببحث المبادرات المتخذة لتعزيز وحماية حقوق الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع وتقديم تقارير عنها إلى الدول الأعضاء. وتحديد نُهج لإزالة جميع العقبات، بما فيها العقبات المؤسسية، التي تحول دون التمتع الكامل للناس الذين يعيشون في فقر مدقع بحقوق الإنسان، وتحديد تدابير فعالة لتعزيز حقوقهم. وتقديم توصيات عن الكيفية التي يمكن بها للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع المشاركة في تحديد التدابير التي تؤثر عليهم وغيرها.

خلاصـة القول: إن القضاء على الفقر المدقع ليس مسألة من مسائل عمل الخير ولكنه قضية ملحة من قضايا حقوق الإنسان. والدول مُلزمة قانوناً بإعمال حقوق الإنسان للجميع، مع إبلاء الأولوية لأشد الناس ضعفاً، بمن فيهم الذين يعيشون في فقر مدقع. وكذلك من المهم أن تلعب الأمم المتحدة دوراً داعماً وحافزاً في تعبئة طاقات وموارد جميع العاملين في مجال التنمية - من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني ومانحين، وقبل كل شيء، من الفقراء أنفسهم - في الحملة التي يشنونها ضد الفقر.

إن النهج المرتكز على حقوق الإنسان بحسب المـبادئ العامة والمبادئ التوجيهية لنهج يرتكـز عـلى حقـوق الإنسان الوارد في وثيقة الأمم المتحدة ذات العلاقة ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الآتي:

1- التأكيد على الطبيعة المتعددة الأبعاد للفقر، فالفقر ليس له وجه واحد؛ بل هو طائفة من أوجـه الحـرمان المترابطـة التي يعزز بعضها بعضـاً، تبدأ من الافتقـار إلى مستوى معيشي ملائـم، بمـا في ذلـك الغذاء والكساء والمسكن إلى التمييز وانعدام الأمن والاستبعاد مجتمعي. والحرمان وجرح الكرامـة.

2- ينبغي أن تكون السياسات والمؤسسات المتعلقة بالحد من الفقر مبنية صراحة على المعايير والقيم المنصوص عليها في قانون حقوق الإنسان الدولي. فهذه المعايير والقيم، سواء كانت صريحة أو ضمنية، تشكل السياسات والمؤسسات.

3- ينبغي أن يأخذ النهج المرتكز على حقوق الإنسان بشأن الحد من الفقر مسألة تمكين الفقراء، فكما هو مسلم به أن الحد من الفقر بصورة فعالة ليس ممكناً بدون تمكين للفقراء والذي يعني زيادة قدرات الأفراد الفقراء أو الجماعات الفقيرة على القيام باختيارات وعلى تحويل هذه الاختيارات إلى أعمال ونتائج مرغوب فيها، والمشاركة في المؤسسات التي تؤثر على حياتهم والتفاوض معها والتأثير فيها ومراقبتها ومحاسبتها.

4- وثمة سمة أخرى من سمات النهج المرتكز، على حقوق الإنسان تتمثل في أن الحد من الفقر يصبح مسؤولية مشـتركة. فبينما تكون الدولة هي المسئولة في المقام الأول عن إعمال حقوق الإنسان للناس الذين يعيشون في كـنف ولايتها، يكون أيضاً على الدول الأخرى والجهات الفاعلة غير التابعة للدول مسؤولية الإسهام في إعمال حقوق الإنسان أو على الأقل مسؤولية عدم انتهاكها.

5- وأخيرا ينبغي العمل على مسائلة واضعي السياسات وغيرهم ممن يكون لأعمالهم تأثير على حقوق الناس. فالحقوق تنطوي على واجبات، كما أن الواجبات تتطلب المساءلة.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://adamrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا