تركيا: عندما تقمع الحقوق على الطريقة البوليسية

عبد الامير رويح

2016-09-14 10:51

عمليات التطهير الواسعة والإجراءات القانونية المتشددة، التي اتخذتها السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب العسكري، اثارت قلق وانتقاد العديد من الدول والمنظمات الحقوقية خصوصا بعد اعتقال واقصاء عشرات الآلاف من العاملين في مختلف المؤسسات الامنية والقضائية والتعليمية، ويرى بعض المراقبين ان تركيا تشهد حالة من الانقلاب المتسارع والمنفلت على حقوق الإنسان والحريات، وتشير الإحصاءات التي تقدمها المنظمات الدولية عن تركيا، بعد الانقلاب العسكري الفاشل إلى ان عدد المعتقلين والموقوفين والمفصولين عن العمل تجاوز الـ 70 ألف مواطن، موزعين على قطاعات الجيش والأمن والقضاء والتعليم والإعلام، وموظفي مؤسسات الدولة ورجال دين والمدنيين من غير الموظفين، كما تم اغلاق ما يزيد على 1200 جمعية، والعشرات من المدارس والمستشفيات والعيادات الطبية.

كما ان حالة الطوارئ التي أعلنتها تركيا في 20 من تموز الماضي أثارت جدلا واسعا في الدول الغربية، التي سارعت للإعلان عن قلقها من إجراءات الحكومة التركية المرافقة لذلك وتخوفا من انتهاكات لحقوق الإنسان بعد أن علقت الأخيرة الاستفادة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وحذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في وقت سابق، الرئيس التركي من أن إعادة تطبيق عقوبة الإعدام ستقضي على أية فرص لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد جاء ذلك التحذير خلال اتصال هاتفي لميركل باردوغان.

وجزم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأنّ البلد الراغب بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إعادة العمل بعقوبة الإعدام، بعد أن ألمح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إثر الانقلاب الفاشل إلى احتمال إعادة العمل بهذه العقوبة، وقال هولاند إن أي بلد يرغب في وقت من الأوقات بإقامة علاقات مع الاتحاد الأوروبي، بما فيها مفاوضات انضمام، لا يمكنه إدراج عقوبة الإعدام في قوانينه. وألغت تركيا عقوبة الإعدام في العام 2004 للوفاء بالمعايير اللازمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولم تعدم أحدًا منذ 1984.

ويرى بعض الخبراء إن حملة التطهير التي توعد بها أردوغان وأركان نظامه ستتسبب في مزيد من الاضطراب بالبلاد، خصوصا وان أردوغان الصبح اليوم أقوى من ذي قبل ولديه ذرائع عديدة لقمع جميع المعارضين بتهمة انتماء إلى حركة فتح الله غولن. وسيستغل تلك اﻷحداث لمزيد من قمع الحريات وسيعمل ﻹعادة تصميم المؤسسات التركية لمصالحه الخاصة، الأمر الذي سيجعل مستقبل تركيا غير مستقر ويقود ربما إلى ثورة شعبية أو انقلاب آخر، خصوصا وانها تعيش في محيط غير مستقر.

انتقادات متبادلة

وفي هذا الشأن انتقدت تركيا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لتصريحه بأنه يجب على أنقرة كبح "التعطش للانتقام" بعد محاولة الانقلاب التي شهدتها ونفت ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان خلال حملة تطهير. ودعا الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تركيا لاحترام حقوق من احتجزتهم في أعقاب محاولة الانقلاب.

واحتجزت السلطات أو أوقفت عن العمل أو بدأت التحقيق مع آلاف من أفراد الجيش والشرطة والقضاة والصحفيين والموظفين بعد محاولة الانقلاب. وقال تانجو بلجيتش المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية في بيان إن تصريحات الأمير زيد غير مقبولة. وأضاف "مما يدعو للأسف على أفضل تقدير أن يقول مسؤول بالأمم المتحدة مهمته حماية حقوق الإنسان إنه ‘لا يتعاطف’ مع مدبري الانقلاب بدلا من أن يندد بهؤلاء الإرهابيين الذين حاولوا القيام بانقلاب دموي."

ويخشى حلفاء تركيا الغربيون أن يستغل الرئيس رجب طيب إردوغان محاولة الانقلاب وحملة التطهير التي أعقبتها لإحكام قبضته على السلطة. لكن الكثير من الأتراك يشعرون بالغضب من عدم إظهار الغرب قدرا كافيا من التعاطف مع تركيا فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب التي نفذتها مجموعة في الجيش باستخدام مقاتلات وطائرات هليكوبتر ودبابات وأسفرت عن مقتل 240 شخصا. وتعهد إردوغان بالقضاء على شبكة يديرها فتح الله كولن رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة ويتهم أتباعه في قوات الأمن والقضاء وجهات أخرى بتدبير محاولة الانقلاب والإطاحة بالحكومة. وقال بلجيتش إن الإجراءات التي اتخذتها تركيا عقب محاولة الانقلاب تتوافق مع المبادئ الأساسية لحكم القانون وحقوق الإنسان وجدد دعوة تركيا للمفوض السامي لزيارتها.

وقال الأمير زيد أيضا إنه عبر للسلطات الصينية عن قلقه بشأن محاكمة محامين ونشطاء وإدانتهم وسط "مزاعم بانتزاع اعترافات" في حملة مستمرة منذ عام. وقال المسؤول الدولي إنه لا يتعاطف مع مدبري الانقلاب الذين سعوا للإطاحة بالحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا لكنه أعرب عن انزعاجه بشأن نطاق الحملة. وفي مقابلة بمكتبه في جنيف قال الأمير زيد إنه وصلته مزاعم بوقوع أعمال تعذيب وإساءة معاملة في تركيا وإنه يسعى لتنظيم زيارة لمراقبين مستقلين للتحقيق. بحسب رويترز.

وقال الأمير زيد "ما نود توضيحه هو أن التعطش للانتقام.. ينبغي كبحه و(انه ينبغي) الالتزام بتوفير إجراءات ملائمة وضمانات بإتباع إجراءات تتفق مع الأصول القانونية احتراما لكل هؤلاء المواطنين الأتراك رغم أنه يعتقد أن بعضهم تصرفوا ضد السلطات."

قطاع التعليم العالي

على صعيد متصل ومع انتهاء عطلة الصيف كان من المفترض أن تبدأ طالبة علوم الكومبيوتر هند تكينار استعداداتها لعام جامعي جديد حافل بالمحاضرات والتكليفات الدراسية لكنها الآن قد لا تجد مكانا لمتابعة دراستها بعد أن أغلقت السلطات التركية جامعتها في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة. وأغلقت السلطات 15 جامعة وحوالي ألف مدرسة ثانوية مرتبطة بالداعية التركي فتح الله كولن المقيم في أمريكا والذي اتهمته السلطات التركية بتدبير محاولة الانقلاب في 15 يوليو تموز. ونفى كولن تورطه في هذه المحاولة وندد بها.

لكن هذه القرارات ألقت بنحو 200 ألف طالب وتلميذ تركي في غياهب المجهول يتساءلون عما إذا كانوا سيتمكنون من متابعة دراستهم وقلقهم من العلامة السوداء التي يمكن أن تصم سجلهم الدراسي جراء تلقيهم التعليم في مدارس تابعة لكولن. وشملت عملية التطهير عشرات آلاف المعلمين مما زاد المخاوف من تقييد الحرية الأكاديمية وحرية التعبير. وقالت تكينار "أصبحنا ضحايا لأننا طلبة في الجامعات التي أُغلقت على الرغم من أن هذه الجامعات افتتحت بموافقة الدولة."

وكان من المتوقع أن تبدأ تكينار (23 عاما) عامها الجامعي الرابع والأخير في جامعة مولانا في مدينة قونية في وسط البلاد قبل الانقلاب. وقالت "أشك في أن أتمكن من استكمال دراستي" مشيرة إلى أنها تعرضت وآخرين من زملائها للمضايقة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن صنفهم مجهولون بأنهم مؤيدون للانقلاب لأنهم يدرسون في جامعات تابعة لكولن. واعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته إن شبكة مؤيدي كولن استخدمت الجامعات والمدارس لتجنيد الأتباع الذين اخترقوا فيما بعد الجيش والقطاع الحكومي والقضاء. وينفي كولن الذي يعيش في بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999 هذه التهم.

وطلبت تركيا من الولايات المتحدة الأمريكية تسليمها الداعية التركي لكن واشنطن ردت بأن المحاكم الاتحادية وحدها هي صاحبة الحق في ذلك. واحتجزت تركيا منذ محاولة الانقلاب -التي أسفرت عن مقتل 240 شخصا - حوالي 40 ألفا واعتقلت نصفهم تقريبا بمذكرات اعتقال رسمية. وتخشى جماعات حقوق الإنسان والحكومات الغربية أن يستخدم إردوغان عمليات التطهير لخنق المعارضة وإحكام قبضته على السلطة.

وفي الفترة التي سبقت خلافهما العلني عام 2013 كان إردوغان وكولن حليفين إذ اعتبره الزعيم التركي حينها مفيدا في كبح تأثير النخبة العسكرية والعلمانية التي هيمنت على تركيا منذ إنشاء الجمهورية الحديثة. وأدار أتباع كولن على مدى سنوات المدارس في أنحاء تركيا ووصلوا إلى أماكن بعيدة مثل الولايات المتحدة وأفريقيا ودمجوا في مناهجهم التعليم الإسلامي مع التركيز على العلوم والحوار بين الأديان. وأسهمت المدارس في إتاحة فرصة التعليم العالي لقاعدة ناخبي إردوغان من المتدينين من الطبقات الفقيرة المستبعدة تقليديا عن جامعات النخبة في اسطنبول وأنقرة.

وكافح إردوغان -وهو نفسه خريج إحدى المدارس الدينية- لإعادة التعليم الديني إلى تركيا العلمانية طبقا لدستورها ورفع الحظر عن ارتداء الحجاب في البرلمان والجامعات. لكن إغلاق الجامعات التي أدارها كولن ربما يمثل مشكلة للطلاب الذين يعيشون في بلدات لا توجد بها جامعات سواها. وربما لن يستطيع الطلاب من أصول متواضعة وخصوصا الفتيات من عائلات متدينة تحمل تكلفة الانتقال لجامعات بعيدة أو ربما لا يسمح للطالبات بالعيش بعيدا عن منازلهن.

وقالت طالبة أخرى من جامعة مولانا "سبب اختياري هذه الجامعة هو قربها من المنزل. كفتاة لن تسمح لي عائلتي مطلقا بالدراسة في بلدة أخرى." وأثار مجلس التعليم العالي في تركيا غضبا عارما عندما أعلن أن طلاب هذه الجامعات سيتم توزيعهم على جامعات جديدة طبقا للدرجات التي حصلوا عليها في الامتحان مما يعني أنه قد ينتهي بهم الأمر في جامعات تقع في الطرف الآخر من البلاد. لكن المجلس تراجع لاحقا عن قراره تحت تأثير حملات شنت عليه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأسفرت حملة التطهير عن طرد حوالي 80 ألفا في الجيش والخدمة المدنية والقضاء أو وقفهم عن العمل. وقالت وسائل الإعلام الحكومية إن نصف هؤلاء تقريبا كانوا في قطاع التعليم. وقال اتحاد المعلمين وعدد من الجهات المعارضة إن السلطات تستهدف المعلمين بناء على أدلة واهية كامتلاكهم حسابات توفير في بنك آسيا الذي يملكه مؤيدون لكولن وصدر قرار بإغلاقه. وقالت الحكومة إن التحقيقات وغير ذلك من الإجراءات أمر ضروري لمنع حدوث انقلاب آخر.

لكن كاموران كراجا الذي يرأس أحد أكبر اتحادات المعلمين في تركيا اعتبر أن السلطات تستهدف الأشخاص الخطأ مشيرا إلى أن 88 عضوا في اتحاده أوقفوا حتى الآن عن العمل. وقال كراجا "جميع أعضاء الاتحاد الذين أوقفوا عن العمل ليسوا أتباع لكولن بل على العكس هم أشخاص يكافحون من أجل التعليم العلماني والحياة العلمانية." وأضاف "نعتقد أنهم أدرجوا على اللائحة السوداء لأنهم وضعوا ودائعهم في مصرف آسيا أو اقترضوا منه أو أن قريبا لهم فعل ذلك."

وانتقدت جاي أوسلر من حزب الشعب الجمهوري المعارض ما اعتبرته حملة "كاسحة" أضرت بأشخاص ربما كانوا أبرياء. كما اعتقل جاندان باديم وهو مؤرخ ماركسي لفترة قصيرة لامتلاكه كتابا من تأليف كولن في منزله وفق ما قال محاميه وأُفرج عنه فيما بعد. ووقع باديم على التماس "أكاديميون من أجل السلام" هذا العام التي انتقدت العمليات العسكرية في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية. وانتقد إردوغان موقعي الالتماس الذين فاق عددهم ألف شخص بينهم الناشط والعالم اللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي كما اعتقل عدد من الأكاديميين بسبب توقيعهم عليه. بحسب رويترز.

ورفض عدد من الأكاديميين والمعلمين الحديث عن عملية التطهير خوفا من أن تطولهم الحملة في حين دافع آخرون عنها. وقال شيدات جوموز وهو أستاذ مساعد بجامعة نجم الدين أربكان في وسط قونية "لا أحد يعرف أين تبدأ هذه المنظمة غير الشرعية وأين تنتهي." وأضاف "في هذا الإطار يبدو متفهما وقف الكثير من الأشخاص عن عملهم وسوف يظهر التحقيق من كان متورطا والى أي مدى. إذا كان هناك أشخاص اتهموا زورا يجب أن يسمح لهم بالعودة إلى وظائفهم."

الحرب على الصحفيين

في السياق ذاته قالت صحيفة حريت الناطقة بالإنجليزية إن السلطات التركية اعتقلت رئيس تحرير الصحيفة في أحدث حملة اعتقالات لصحفيين وآخرين متهمين بأن لهم صلات بمحاولة الانقلاب الفاشلة. وأضاف أن رئيس التحرير دنجر جوتشه اعتقل مع تسعة آخرين بعد أن أصدر الادعاء في اسطنبول أوامر اعتقال لخمسة وثلاثين شخصا في إطار تحقيق حول داعمي رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة الذي تقول تركيا إنه العقل المدبر وراء محاولة الانقلاب.

وقالت صحيفة حريت -وهي واحدة من أكثر الصحف التركية انتشارا واتخذت موقفا مواليا للحكومة بشكل كبير- إن الكثير من أوامر الاعتقال صادرة بحق صحفيين ولكن لم تحدد عددهم. وأضافت أن 18 على الأقل ممن صدرت أوامر اعتقال بحقهم بالخارج. وقالت الصحيفة أن بين المعتقلين مراد أقصوي الصحفي السابق في صحيفة يني شفق الموالية للحكومة والذي قدم المشورة كذلك لحزب الشعب الجمهوري الذي يمثل المعارضة العلمانية الرئيسية في البلاد. وقالت شبكة تلفزيون ان.تي.في إن قائد شرطة سابقا في اسطنبول اعتقل كذلك.

وفي حملة على من يشتبه أنهم أتباع كولن منذ محاولة الانقلاب اعتقلت السلطات أكثر من 40 ألف شخص واحتجزت رسميا نحو نصفهم. وتمت إقالة أو إيقاف نحو 80 ألفا من القضاء والشرطة والجهاز الحكومي وغيرها من المؤسسات مما أثار قلق الحلفاء الغربيين من ملاحقة المعارضين. وأثارت محاولة الانقلاب وما أعقبها توترات بين الجاليات التركية في أوروبا خاصة ألمانيا بين أنصار إردوغان والمتعاطفين مع كولن.

وقال الطبعة الهولندية لصحيفة زمان التركية ذات الصلة بحركة كولن إنها أوقفت نشر طبعاتها في فرنسا وبلجيكا بسبب تهديدات. وقالت الصحيفة على حسابها على تويتر "بسبب المخاطر الأمنية على محررينا نعتقد ان الاستمرار في العمل سيكون قرارا غير مسؤول." وكان مجلس تحريرها قد تلقى أكثر من 200 تهديد بالقتل. وسيطر مسؤولون حكوميون على صحيفة زمان في تركيا في مارس آذار في إطار حملة على شركات يُعتقد أنها تمول حركة كولن. بحسب رويترز.

ووفقا للاتحاد الأوروبي للصحفيين أغلقت تركيا أيضا أكثر من 130 منفذا إعلاميا واحتجزت أكثر من 60 صحفيا منذ إعلان حالة الطوارئ بعد 15 يوليو. ويطالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بتسليم كولن قائلا إنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب. ويقول محامون أمريكيون إن عملية التسليم قد تستغرق أعواما.

القضاء التركي

الى جانب ذلك اعلن رئيس تحرير صحيفة جمهورييت التركية المعارضة جان دوندار استقالته، مؤكدا انه لم يعد يثق بالقضاء لينظر في طلب الاستئناف في قضيته المثيرة للجدل، بعد المحاولة الانقلابية. وكانت محكمة حكمت على دوندار في ايار/مايو بالسجن خمسة اعوام وعشرة اشهر بتهمة افشاء اسرار دولة في قضية اثارت غضب الرئيس رجب طيب اردوغان. ويبدو ان دوندار الذي افرجت عنه المحكمة بانتظار حكم الاستئناف في قضيته، موجود حاليا في المانيا.

وفي مقال نشر في "جمورييت"، قال دوندار انه لم يمثل امام المحكمة، معتبرا ان حالة الطوارئ التي فرضت بعد الانقلاب الفاشل في تركيا في 15 تموز/يوليو، تمنعه من الحصول على محاكمة عادلة. واعلن استقالته من رئاسة تحرير الصحيفة لكنه قال انه سيواصل كتابة مقالات فيها. وقال دوندار ان كل عناصر فترة "انعدام القانون" اجتمعت، مؤكدا ان الحكومة تستخدم حالة الطوارئ للسيطرة على القضاء بطريقة تعسفية. وفي مقال بعنوان "حان وقت الرحيل"، كتب دوندار ان "وضع الثقة في سلطة كهذه يعني وضع الرأس في المقصلة". واضاف "لم نعد نواجه القضاء بل اصبحنا نواجه الحكومة". وتابع "نتيجة لذلك قررت ان لا اتوجه الى القضاء طالما ان حالة طوارئ مفروضة" منذ 20 تموز/يوليو.

وكان دوندار الذي الف عددا من الكتب والافلام والوثائقية، عين رئيس تحرير صحيفة "جمهورييت" في شباط/فبراير 2015 وحولها بسرعة الى صحيفة معارضة نشيطة. وقد نشرت في 2015 مقالا وتسجيل فيديو يكشفان تسليم اسلحة من قبل الاستخبارات التركية الى مقاتلين اسلاميين في سوريا العام 2014. وقال اردوغان حينذاك للتلفزيون التركي "سيدفعون ثمنا باهظا"، واطلق شخصيا ملاحقات ضد دوندار ومدير مكتب الصحيفة في انقرة ارديم غول. وتضع منظمة مراسلون بلا حدود تركيا في المرتبة ال151 من 180 بلدا في مجال احترام حرية الصحافة.

في السياق ذاته أظهرت وثيقة قضائية أن محكمة تركية أمرت بإغلاق صحيفة يسارية مؤيدة للأكراد بسبب نشر دعاية "إرهابية" قائلة إنها عملت "كوسيلة إعلام فعلية" لجماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة. وتوزع الطبعة الورقية من صحيفة أوزجور جونديم نحو 7500 نسخة وتركز على الصراع مع المسلحين الأكراد في جنوب شرق تركيا وقد واجهت عشرات التحقيقات والغرامات فضلا عن اعتقال مراسليها منذ عام 2014.

وقالت الوثيقة القضائية إن الصحيفة اعتادت "على نشر دعاية لحزب العمال الكردستاني وعملت كوسيلة إعلام فعلية له." وفي الماضي كانت صحيفة أوزجور جونديم تنشر كتابات عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون ونشرت أيضا مقالات لكبار قادة المتمردين. بحسب رويترز.

وأغلقت تركيا ما يربو على 130 وسيلة إعلام منذ إعلان حالة الطوارئ في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة مما أثار قلق الحلفاء الغربيين وجماعات حقوق الإنسان بشأن تدهور حرية الصحافة. وقال مسؤول تركي إن إغلاق أوزجور جونديم نتيجة لأمر محكمة ولا يتعلق بحالة الطوارئ. وأضاف المسؤول أن القائمين على الصحيفة بإمكانهم استئناف أمر المحكمة.

استمرار الحبس

من جانب اخر قال احد محامي الروائية التركية اصلي اردوغان المسجونة منذ منتصف آب/اغسطس بسبب مقالات نشرتها في صحيفة مقربة من الاكراد، ان موكلته ستبقى في السجن بانتظار محاكمتها بعد رفض الطعن امام القضاء. وكان تم توقيف هذه الناشطة (49 عاما) المنخرطة في الدفاع عن الاقليات، في 16 آب/اغسطس بسبب تعاونها مع صحيفة "اوزغور غونديم" المعارضة المقربة من الاكراد، مع عشرين من الصحافيين للسبب ذاته وذلك بعد شهر من الانقلاب الفاشل في تركيا الذي تلته عملية واسعة لطرد آلاف الموظفين والقضاة والعسكريين.

وقد اثار توقيفها موجة تنديد في تركيا والعالم انخرط فيها العديد من الفنانين والمثقفين والكتاب. وحصدت عريضة دولية للمطالبة بالافراج الفوري عنها على اكثر من 30 الف توقيع كما تعددت الدعوات للافراج عنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ورفضت محكمة في اسطنبول الطلب المضمن العريضة، بحسب ما قال جهاد دومان احد محامي الناشطة موضحا انه سيستانف هذا القرار امام المحكمة الدستورية.

وتجمع عشرات الاشخاص بينهم صحافيون وكتاب وجمعيات للدفاع عن حقوق المرأة، امام سجن النساء في بكركوي باسطنبول حيث تسجن اردوغان. واوقفت الكاتبة بداعي "الدعاية لمنظمة ارهابية" و"الانتماء الى منظمة ارهابية" و"التحريض على الخروج عن النظام". وقال ايرول اونديروغلو ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود" في تركيا "انها بحاجة الى دعم الكتاب الدوليين وتعبئة المجتمع المدني" مضيفا "يجب الاستمرار في ممارسة الضغوط" منددا ب "مناخ التعسف" الذي اوجده فرض حالة الطوارىء في البلاد. بحسب فرانس برس.

واصلي اردوغان تلقت تعليما في مجال الفيزياء وحاصلة على عدة جوائز وترجمت رواياتها الى عدة لغات. واخر كتبها "بناية من حجارة" يندد بالتعذيب وظروف الاعتقال في تركيا. ولا يعرف حتى الان موعد محاكمتها ولم يتم توجيه التهمة اليها رسميا، بحسب محاميها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي