إجراءات التعامل مع النازحين في العراق
جميل عودة ابراهيم
2016-08-08 08:01
يمثل التزايد المطرد في عدد الأشخاص النازحين داخل أوطانهم واحدا من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي. فقد أعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن عدد النازحين واللاجئين من مناطق النزاعات والاضطهاد والفقر بالعالم وصل إلى مستوى قياسي جديد، مسجلا 65،3 مليون شخصا في العام الماضي، مقارنة بـ 59،5 مليون في 2014. وأوضحت المفوضية أن 24 شخصا في المتوسط يتعرضون للتشريد القسري من منازلهم في كل دقيقة، أو شخصين تقريبا عند كل نفس يأخذه الإنسان.
في العراق، يمثل النزاع المسلح إثر استحواذ التنظيمات الإرهابية على مناطق واسعة من المدن والأراضي العراقية، سببا مباشرا ورئيسيا في تزايد عدد النازحين داخليا. وقالت المفوضية العليا للأمم المتحدة إن "النزاع في العراق أدى إلى نزوح 4.4 ملايين شخص داخلياً وولد ما يقرب من ربع مليون لاجئ". ورجحت المنظمة الدولية أن الأرقام الفعلية قد تكون أكبر بكثير من تلك الموثقة، واصفة معاناة المدنيين العراقيين بأنها "فظيعة".
الجعفري، وزير خارجية العراق في اجتماع مجموعة الدول المانحة لدعم العراق ضمن التحالف الدوليِّ ضدَّ الإرهاب بواشنطن الذي تشارك فيه أربعون دولة من دول التحالف أكد أن "العراق يمرّ بظروف استثنائيّة غير مسبوقة نتيجة متطلبات الحرب وانخفاض موارد الدولة بسبب تراجع أسعار النفط، إضافة إلى تكاليف معالجة الأزمة الإنسانيَّة لما يزيد على أربعة ملايين نازح داخل العراق"، مشيراً إلى، أن "مأساة النزوح التي تعرَّضت لها عِدَّة محافظات عراقية تـُصنـَّف على أنها من أفجع وأقسى كوارث الهجرة والنزوح على مُستوى العالم".
ماذا يعني "النزوح الداخلي"؟ وما هي المدن المرشحة لمزيد من النزوح بسبب العلميات العسكرية؟ وما هي مسؤوليات الحكومات المحلية والاتحادية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والعراقية وإجراءاتها للحد من ظاهرة النزوح، أو العمل على توفير المأوى المؤقت الآمن للنازحين، لحين توقف القتال واستتباب الأمن وحصول الاستقرار؟.
يُعرف "النازح الداخلي" بأنه، كل شخص أو مجموعة أشخاص ممن أرغموا على الفرار أو مغادرة ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة، إما نتيجة لآثار الصراع المسلح أو حالات انتشار العنف بوجه عام أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية أو الكوارث التي تسبب فيها البشر، وإما تفاديا لأي من ذلك بصفة خاصة بشرط إلا يكونوا قد عبروا الحدود المعترف بها دوليا للدولة.
ولا شك أن العراق قد شهد في مرحلة سابقة موجة نزوح واسعة، سواء أثناء سيطرة التنظيمات الإرهابية على بعض المدن العراقية منتصف تموز 2014، أو مع قيام القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية بتحرير تلك المناطق فيما بعد. وقد تعاملت الحكومة العراقية والمنظمات الدولية والعراقية والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية مع النازحين بقدر ما تستطيع لتوفير الحد الأدنى من الأمن والاستقرار والعيش، مع ما شاب عمليات الإغاثة من قصور وتقصير بالنظر للطبيعة المعقدة لوضع النازحين، والأعداد الهائلة التي تحتاج إلى دعم وإسناد دائمين، وهو ما لم يكن متاحا على الدوام.
في الأيام المقبلة، تتوقع وكالات الأمم المتحدة والحكومة العراقية موجة نزوح جديدة وكبيرة، مع اقتراب السلطات العراقية من تحرير ما تبقى من مناطق سبق أن احتلها تنظم "داعش" الإرهابي، لاسيما مدينة الشرقاط، إحدى مدن محافظة صلاح الدين، ومدينة الموصل مركز محافظة نينوى. وبحسب وزارة الهجرة العراقية (أن أعداد الأسر النازحة من الشرقاط ومناطق جنوب الموصل، بلغت أكثر من 6 آلاف أسرة) حتى الآن.
تبرز العديد من التحديات والمعوقات التي من شأنها عرقلة عملية إجلاء النازحين، وتقديم المساعدات اللازمة لهم وتهيئة الظروف الملائمة لعودتهم إلى ديارهم ومنها:
1- استخدام السكان المحليون كدروع بشرية للتنظيم: أضحى السكان في مناطق النزاعات المسلحة وما يجاورها جزءً من العمليات القتالية، حيث يتعمد تنظيم "داعش" الاحتفاظ بالسكان المحليين كدروع بشرية، ويمنعهم من الخروج إلى مناطق آمنة، ويفرض عقوبات جسدية ومالية مشددة على كل من يحاول الهرب من المدن التي يسيطر عليها.
2- لا ممرات آمنة للنزوح: إن إعلان السلطات العراقية عن وجود ممرات آمنة لخروج السكان المحليين لا يعني بالضرورة أن تلك الممرات هي بالفعل آمنة وسالكة لجميع من يريد الخروج من مناطق النزاع، فقد تنبه التنظيم وأغلق من جانبه الممرات التي تشكل خلاصا من سيطرته، ولا يخرج المواطنون المدنيون إلا بالكاد، ومن خلال دفع فدية لبعض أفراد التنظيم أو رشا لآخرين لتهربهم سرا. وفي آخر تقرير لها، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، احتجاز تنظيم "داعش" نحو 3000 شخص حاولوا الفرار من قراهم في محافظة كركوك. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير يومي عن الأحداث في العراق، أن "مقاتلي تنظيم داعش أسروا نحو 3000 شخص حاولوا الفرار من قراهم، وأعدموا 12 منهم" أثناء محاولتهم الوصول إلى مدينة كركوك، بعيدا عن مناطق الصراع الساخنة.
3- اختفاء الإرهابيين بين النازحين: لا يبدو أن معاناة المدنيين الفارين من تنظيم داعش تنتهي حين وصولهم إلى مناطق سيطرة السلطات العراقية، فمن جهة تجد القوات الأمنية والسلطات المحلية أنها مضطرة لعزل النساء عن الرجال مؤقتا للضرورة الأمنية، بهدف التحقيق مع الرجال بعدما تبين نزوح عدد كبير من الإرهابيين وقادتهم مع النازحين المدنيين، إما للاختفاء أو زعزعة الأمن والاستقرار في مخيمات النازحين أنفسهم، وإما بهدف تنفيذ عمليات إرهابية في مناطق سكنية أخرى.
4- مخيمات لا تستوعب النازحين: لا يجد المدنيون الفارون من مناطق العلميات القتالية، ما يلزمهم في مخيمات النزوح من خدمات غذائية ومعيشية وصحية كافية لترتيب أوضاعهم لحين انتهاء العمليات العسكرية. فما توفره الحكومات المحلية والاتحادية والمجتمعات المضيفة، فضلا عن المنظمات الدولية الإنسانية لا يكفي لسد حاجاتهم خلال فترات تواجدهم في مخيمات النزوح. فضلا عن أن "مُخيَّمات النزوح حدَّدت مواقعها الظروف الأمنية وهي غير آهلة للسكن الدائم في ظروف جوّية قاسية كظروف العراق، ممَّا أدَّى إلى عشرات الوفيات" كما يقول السيد وزير خارجية العراق.
5- تأخر عودة النازحين إلى مناطقهم: لا يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم بعد تحريرها مباشرة، فمن أجل سلامتهم، يتولى الجهد الهندسي عملية تنظيف ساحة العمليات الحربية من المقذوفات الحربية والألغام والقنابل التي زرعها التنظيم في الشوارع والمدارس والبيوت، وهي مشكلة في الغالب تأخذ وقتا طويلا حتى توعز الجهات الأمنية بخلو المنطقة من الألغام والقنابل. وفي المناطق التي تمكن السكان المحليون من الرجوع إلى بيوتهم دون إذن من السلطات المختصة تعرضوا إلى خطر انفجار تلك الألغام مما أدى إلى قتل ما يزيد على مائة مواطن كما حصل في الرمادي.
في الحقيقة أنَّ وقوع الأحداث الجديدة المستمرة للنزوح الداخلي، يشير إلى إخفاق المجتمع الدولي في أدائه لواجباته، كما يقول "وولتر كالين" الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة للحقوق الإنسانية للنازحين، فضلا عن ضعف إمكانيات الحكومة العراقية، حيث أن النقص الحاد في التمويل الإنساني يؤثر في الوقت الحاضر في نطاق المساعدة المقدمة ومداها.
ولا يمكن توفير الظروف المناسبة للنازحين الجدد إلا بدعم متواصل ومستمر من المجتمع الدولي، وإلا بتضامن المؤسسات الاتحادية والمحلية والفعاليات الشعبية، بما فيهم النازحون أنفسهم. والقول بخلاف ذلك لا يساهم بحل أزمة النازحين ولن يؤدي إلى حلول ناجعة...
...................................................